تبيان الصلاة المجلد 6

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

المقدمه

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 4

اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه ارضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 5

[تتمة المقصد الثاني]

[تتمة فصل في أفعال الصلاة]

الخامس من أفعال الصّلاة الركوع

اشارة

اعلم أنّ دخله في الصّلاة و كونه من جملة واجباتها في الجملة من المسلمات، بل ربما يعدّ مثل أصل وجوب الصّلاة من الضروريات في الدين، و يجب في كل ركعة من ركعات الصّلاة ركوع واحد إلّا في صلاة الآيات، و ربما يكون الركوع أهمّ واجبات الصّلاة، حتّى كان إطلاق الركعة باعتباره، فيقال: صلاة الصبح ركعتان، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء و الظهر و العصر أربع ركعات باعتبار كون الواجب في الاولى ركوعان، و في الثانية ثلاثة ركوعات، و فيما بقى منها أربع ركوعات.

و لهذا قلنا: بأنّا نفهم من بعض التعبيرات الواردة في الروايات، مثلا (ثمّ تقوم إلى الركعة الثانية) أو (تقوم إلى الركعة الثالثة) بأنّ المراد هو القيام إلى الركوع، و لهذا يكون قيام الواجب هو القيام إلى الركوع، و قد مرّ الكلام فيه في القيام.

بل ربما يطلق الركوع على نفس الصّلاة كما ورد من الخاصّة و العامة في تفسير قوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ «1» بأنّ المراد من الركوع هو الصّلاة يعني: صلوا

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 43.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 6

مع المصلين، فمما مرّ يظهر لك أنّ اعتباره في الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه و يكون ركنا من أركانها كما يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه تعالى،

[في واجبات الركوع]
اشارة

ثمّ بعد ذلك نشرع في واجباته فهي، على ما يظهر من بعض العبائر، خمسة:

الاولى: من واجباته، على ما في الشرائع، أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه.

اعلم بأنّه لا إشكال في أنّ المراد من الركوع هو الانحناء، و بالفارسية (خم شدن) فيقال بالمنحني بأنّه الراكع متى يكون راكعا و منحنيا خلقة أو لعارض، و لا يعتبر في مفهومه العرفي إحداث

الانحناء.

فنقول: بعد ما لا يعتبر في مفهوم الركوع عرفا إلّا مطلق الانحناء (الانحناء بمرتبة خاصة) و بعد ما لا إشكال في أنّه ليس للركوع حقيقة شرعية، بل استعمل في الشرع في معناه العرفي، و إن تصرف فيه الشرع يكون تصرفه بدخل أمر زائد فيه، لا من باب التصرف في حقيقته، فيقع الكلام في أنّه هل يعتبر في الركوع المعتبر في الصّلاة حدّ خاص من الانحناء أو لا يعتبر ذلك، بل يحصل مفهومه و يصدق الركوع بمجرد الانحناء و ان كان قليلا، و على تقدير اعتبار حدّ خاص و وجوب مرتبة خاصة ما هذا الحدّ و هذه المرتبة.

فنقول: أمّا عند العامة فالمنسوب بأبي حنيفة هو تحقق الركوع بصرف الانحناء في أىّ مرتبة من مراتبه، فصرف الانحناء محقّق الركوع و إن لم يبلغ بمرتبة تبلغ اليد بالركبة لتحقق الانحناء بما دون ذلك أيضا و قال الشافعي، على ما في كتابه المسمى بالامّ (باعتبار حدّ خاص في الركوع المعتبر في الصّلاة، و هو وصول كفيه إلى ركبتيه.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 7

و أمّا عند الخاصّة فاعتبار الانحناء إلى حدّ خاصّ في الركوع الواجب في الصّلاة في الجملة مسلم و إن كان الخلاف بينهم في ما هو الحدّ، فاختلافهم في المرتبة التي يجب الانحناء في الركوع بهذه المرتبة، فقال المحقق رحمه اللّه في الشرائع «1»: و الواجب فيه خمسة أشياء:

الأوّل:

أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه، و عن جملة اخرى منهم التعبير بهذا النحو، مثل العلّامة رحمه اللّه في القواعد و التحرير و المنتهي و الشهيد رحمه اللّه في الذكرى، و حكي عن بعضهم بأنّ الواجب الانحناء بمقدار يصل معه كفّاه بركبتيه، و عن بعضهم أنّه

يجب الانحناء لى أن تبلغ راحتاه بركبتيه، و عن بعضهم أنّه يجب الانحناء إلى حدّ تصل أطراف أصابعه بركبتيه، و هل المراد من أطراف الأصابع هو طرفها المتصل بالكف كما قال صاحب جامع المقاصد رحمه اللّه، و هو بعيد، أو المراد من أطرافها هي منتهاها الّتي تعد منتهي اليد أعنى: ا الأنامل كما هو الظاهر من أطراف الاصابع.

هذا هو بعض الأقوال في المسألة،

[في ذكر الروايات المربوطة بالركوع]

و أمّا الروايات الّتي تكون بمقامنا مرتبطة.

الرواية الاولى: و هي الرواية الّتي تنتهي سندها بزرارة، (و هو يروي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: و إذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك، و تمكن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحبّ إليّ أن تمكّن كفيك من ركبتيك). «2»

______________________________

(1)- الجواهر، ج 10، ص 69.

(2)- الرواية 1 من الباب 28 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 8

الرواية الثانية: و هي ما رواها زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام، (و فيها قال عليه السّلام (و تصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك الخ). «1»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيها (ثمّ ركع، و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات، و ردّ ركبته إلى خلفه حتّى استوى ظهره حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، تردّد ركبتيه إلى

خلفه الخ. «2»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (عن الرجل ينسى القنوت في الوتر و غير الوتر، فقال: ليس عليه شي ء، و قال: إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما و ليقنت ثمّ ليركع، و إن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته، و ليس عليه شي ء). «3»

الرواية الخامسة: و هي مرسلة المحقق رحمه اللّه في المعتبر و العلّامة رحمه اللّه في المنتهي عن معاوية بن عمار و ابن مسلم و الحلبي قالوا و بلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة. «4»

[في ان ليس بين الفقهاء اختلاف فى حد الركوع]

هذا كله في الروايات الّتي ذكروها وجها لما نحن فيه، و بعد ما عرفت ذلك نقول: أمّا فتوى الفقهاء من القدماء قدس سرّهم إلى زمان المحقق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه و إن كانت مختلفة بحسب اللفظ كما قلنا، لأنّ بعضهم قال: بكفاية بلوغ أطراف الاصابع الركبة،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب افعال الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 15 من ابواب القنوت من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 28 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 9

و بعضهم بلوغ اليد إلى الركبة و بعضهم بلوغ أطراف الاصابع عين الركبة، و بعضهم بلوغ الكف، و بعضهم بلوغ الراحة إلى الركبة.

لكن لا يستفاد من كلماتهم اختلاف بعضهم مع بعض الآخر في هذه الخصوصية، بل نظرهم إلى الرد على أبي حنيفة من كفاية مطلق الانحناء كما تخيله هو، و لهذا لا تشم رائحة خلاف بينهم حتّى يقال: بأنّ كل قول من الأقوال يكون مخالفا مع الآخر،

بل كما كان الأمر بين المسلمين من المخالفة مع قول أبي حنيفة القائل بكفاية مطلق الانحناء و مسماه في الركوع، و كان وجه مخالفتهم معه ما روي في طرقهم عن أنس (قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك) و أن المستفاد منها وجوب الانحناء بحدّ يمكن للمصلّي وضع كفّيه على ركبتيه، كان الأمر كذلك عند فقهائنا رضوان اللّه عليهم، فكانوا في مقام بيان كون حدّ خاص للركوع الواجب في الصّلاة، فهم متفقون في ذلك و ان كانت عبائرهم مختلفة، و لذا لا يرى نقل خلاف من بعضهم على خلاف قول بعض آخر فى هذه الجهة.

[هل الركوع عبارة عن نفس الانحناء الى حدّ خاصّ]

مسئلة: هل الركوع عبارة عن نفس الانحناء بمرتبة خاصّة، و هي المرتبة تصل اليد بالركبة بحيث يكون ساير مراتب الانحناء قبل هذه المرتبة، أعنى: الهوى هذه المرتبة، مقدمة للركوع و خارجا عن حقيقته، سواء نقول: بكون نفس الانحناء إلى المرتبة الخاصّة ركوعا أو الهيئة الحاصلة من البلوغ بهذه المرتبة، أو لا يكون كذلك، بل يكون تمام مراتب الانحناء ركوعا، غاية الأمر يجب شرعا بلوغ الانحناء إلى مرتبة خاصّة، بمعنى: أنّ الشخص إذا أهوى من القيام يعدّ راكعا إلى أن يصل بآخر الحدّ المطلوب شرعا، فمعنى وجوب الركوع وجوب جميع هذه المراتب من الهوى إلى آخر مرتبة، و هو المقدار من الانحناء الّذي يتمكّن معه المصلّي من وصول

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 10

يده بركبته.

و يتفرع على ذلك فرع، و هو أنّه لو أهوى الشخص لغير الركوع، ثمّ بعد ما وصل بحدّ الركوع أو ما قبل حدّ الركوع في مرتبة من الهويات، فقصد الركوع يصحّ ركوعه إن قلنا بالأوّل، و لا

يصح إن قلنا بالثاني.

قال السيّد البحر العلوم رحمه اللّه على ما في منظومته «1» بالأوّل حيث قال:

و لو هوى لغيره ثمّ نوى صح كذا السجود بعد ما هواى إذا الهوى فيهما مقدمة خارجة لغيرها ملتزمة

و كذا قال صاحب «2» الجواهر رحمه اللّه.

و قال العلّامة «3» رحمه اللّه و بعض آخر: بعدم الصحة.

[ما اختاره السيّد البحر العلوم في هذا الباب بوجهين]
اشارة

اعلم أنّ الرواية الرابعة المتقدمة (و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر، فقال: ليس عليه شي ء، و قال: إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي ء) تدلّ على ما اختاره السيّد البحر العلوم رحمه اللّه بوجهين.

الوجه الأوّل:

لقوله عليه السّلام فيها (إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع) فهذه الفقرة تدلّ على عدم كون الهوى جزء للركوع، بل الركوع أمر يحصل بعد الهوى و الهوى مقدمة له، لأنّه عليه السّلام قال (أهوى إلى الركوع.

______________________________

(1)- الدّر النجفية، ص 126.

(2)- الجواهر، ج 10، ص 76.

(3)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 165.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 11

الوجه الثاني:

أنّ الرواية تدلّ على الرجوع قائما لا عادة القنوت ما لم يضع يده على ركبتيه و إن وضع فلا يرجع و ليمض في صلاته، و بالاولوية القطعية تدلّ على جواز الرجوع قبل وضع اليد لنسيان القراءة، أو لنسيان السجدة من الركعة السابقة، فتدلّ على بقاء محل التدارك قبل بلوغه إلى حدّ يتمكن من وضع اليد، و بعد كون هذه المرتبة آخر مرتبة يجب الانحناء إليها و بها يتحقّق الركوع فتدلّ الرواية على أنّ قبل هذه المرتبة حيث لم يدخل بعد في الركوع الّذي هو ركن في الصّلاة يكون محل تدارك الجزء المنسي باقيا، و أمّا إذا وضع يده فقد دخل في الركن و مضى محل التدارك، فيستفاد من هذه الرواية أنّ الركوع عبارة عن مرتبة خاصة من الانحناء، و هي المرتبة الّتي مع بلوغها بها يتمكن من وصول إليها ركبة «1».

و مما قلنا يظهر لك أنّه لا وجه لأنّ يقال: بأنّ تمام مراتب الانحناء يكون ركوعا و إن كانت المرتبة الأخيرة مطلوبة شرعا أيضا لما قلنا من أنّ مفاد الرواية هو كون المراتب المتقدمة على المرتبة الأخيرة خارجة عن الركوع.

[في كلام الشيخ الانصارى و المحقّق الهمداني]

و يظهر من كلام الشيخ «2» الأنصاري رحمه اللّه على ما ذكره الحاج آغا رضا «3» الهمداني رحمه اللّه في المصباح أنّه و إن كان الهوى مقدمة خارجة عن الركوع، و لكن حيث

______________________________

(1)- أقول أمّا الوجه الثاني فقابل للمنع، لأنّ غاية ما يستفاد من الرواية هو لزوم الرجوع قبل وضع اليد، و عدم الجواز بعد وضع اليد و لا يستفاد من ذلك كون جواز الرجوع قبل وضع اليد من باب عدم وصوله حدّ الركوع، و عدم جوازه بعد ذلك من باب كونه و أصلا

بحدّ الركوع، بل يحتمل كون الرجوع جائزا في صورة و لو كان داخلا في الركوع و إن كان هذا الاحتمال خلاف الظاهر. (المقرر)

(2)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصارى، ص 157.

(3)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 325- 327.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 12

يكون الركوع عبارة عن الانحناء، و الأمر بالانحناء يقتضي إيجاد الانحناء و إحداثه لعدم صحة أن يقال: بمن يكون منحنيا (انحن) فلا بدّ من أنّ المكلف يحدث الانحناء، فلازم ذلك عدم كفاية الركوع و عدم صدقه إذا كان منحنيا و واقعا بحدّ الركوع، فلو هوى المصلّي لامر آخر حتّى وصل إلى حدّ الركوع، فلا يصح أن يقصد الركوع في هذا الحال، بل لا بدّ من احداث انحناء خاص مجددا في امتثال الأمر بالركوع.

و هذا الوجه ليس بتمام، لأنّه و لو أنّه لا يصح أن يأمر الآمر المنحنى بالانحناء المطلق الشامل لاحداث الانحناء و إبقائه، و لكنّه قابل لأن يصير مأمورا ببقاء الانحناء، فإذا لم يكن الركوع إلّا الانحناء الخاص و وجود هذه المرتبة من الانحناء لا حدوثها، فالمنحنى مع كونه منحنيا قابل لأن يتوجه عليه الأمر بالانحناء للركوع، و هو يتمكن الامتثال ببقائه في هذه المرتبة من الانحناء بقصد الانحناء للركوع، فوجهه ليس بوجيه.

إذا عرفت ذلك يمكن أن يقال بوجه آخر لعدم كفاية الركوع الّذي لم يكن الهوى إليه بقصد الركوع، و هو أنّه كما قلنا في بعض مطاوي كلماتنا في النية بأنّ العناوين القصدية محتاجة إلى القصد، فالقيام لا يصير مصداق التعظيم مثلا الّا إذا قصد به ذلك، لأنّ القيام عند ورود شخص كما يكون قابلا لأنّ يصير مصداقا للتعظيم، كذلك قابل لأن يصير مصداقا للتحقير أو لغيره، فلا يصير منطبق عنوان أحدها إلا

بالقصد، و قلنا بأنّ الصّلاة و أجزائها من العناوين القصدية، فالأفعال الخارجية الواقعة بصورة الصّلاة، و كذا كل جزء و فعل منها، لا تصير منطبق عنوان الصّلاة أو جزء الصّلاة إلّا بالقصد، فقراءة الفاتحة قابلة لأن تكون قراءة الصّلاة، و لأن تكون بداعي شفاء المريض، فلا تصير جزءا للصّلاة إلّا إذا قصد بها فاتحة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 13

الصّلاة، و الصّلاة مركبة من أقوال و أفعال، و كل منهما لا تصير من أقوالها و أفعالها إلّا إذا أتى بها بداعى كونها من أقوالها و أفعالها، فتحصل أنّ الصّلاة و أجزائها من أقوالها و أفعالها من جملة العناوين القصدية، غاية الأمر يعتبر فيها أن تقع بقصد التقرب أيضا.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما نرى من عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كذلك من عمل المسلمين إلى الآن، هو كون بنائهم على إحداث الركوع و الهوى من القيام إلى الركوع، ثمّ القيام بعد الركوع ثمّ الهوى إلى السجود، و لم ينقل من فعله صلى اللّه عليه و آله و سلم إتيان الركوع بدون كون هواه بقصد الهوى إلى الركوع، و كذا عمل المسلمين، فمن ذلك نكشف كون واجب من واجبات الصّلاة الهوى الركوع بقصد إيجاد الركوع، و كون الهوى إليه بالوجوب النفسى، فالهوى و إن كان مقدمة للركوع لكن يجب نفسا و بقصد كونه هويا إلى الركوع، و كذلك الهوى إلى السجود.

[يجب كون الهوى الى الركوع بقصد الركوع]

فبعد ذلك نقول: بوجوب كون الهوى إلى الركوع بقصد الركوع لا بقصد أمر آخر، و لو فرض عدم تسلم وجوب الهوى، و كان مورد الشّك فليس الشّك فيه شكا في التكليف من حيث الحكم و ان كان من جملة

الشّكوك الراجعة إلى الشّك في التكليف موضوعا، و بعبارة اخرى لا يجرى في هذا القسم من الشّك في التكليف البراءة، لأنّه مع هذا العمل الّذي قلنا من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و عدم رؤية خلافه من عمل المسلمين لا يمكن أن يقال: بعدم وجود حجة على الحكم حتّى يكون مجالا لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، بل يكون المورد مورد الاحتياط.

فبهذا الوجه نقول: بوجوب كون الهوى الركوع بقصد الركوع لا بقصد أمر آخر، فلو هوى بقصد شي ء آخر، كقتل حية أو غيره حتّى وصل إلى حدّ الركوع أو

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 14

إلى بعض المراتب قبل مرتبة الركوع الواجب بحيث لم يقع بعض مراتب الانحناء بقصد الركوع، فلا يكتفي بهذا الركوع، بل لا بدّ من كون الهوى من القيام بتمام مراتبه إلى حدّ الركوع بقصد الركوع. «1»

[في ذكر مسائل فى الباب]
اشارة

مسئلة: من يكون من جهة اليد أو الرجل خارجا عن المتعارف إمّا لطولهما، أو لقصرهما يرجع إلى المتعارف، و كذلك مقطوع اليد، لأنّ المستفاد من روايات الباب كون الحدّ الواجب في الانحناء في الركوع هو المقدار الّذي يتمكن المصلّي معه من وضع اليد على الركبة، و من الواضح أنّ الأحكام يعرض على المتعارف من الموضوعات، فلا بدّ من إرجاع غير المتعارف بالمتعارف، فمقطوع اليد و من يكون من حيث اليد أو الرجل خارجا عن المتعارف فيرجع إلى المتعارف، فالواجب عليهم الأخذ بمتعارف الموضوع أو متعلق الحكم، فافهم.

[من لم يتمكّن من تمام الانحناء لعارض يأتي بما يتمكن]

مسئلة: و من لم يتمكن من تمام الانحناء لعارض يأتي بما يتمكن منه، و ليس الوجه في ذلك قاعدة الميسور أو قوله (إذا أمرتكم بشي ء فاتوا منه ما استطعتم) أو

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مدّ ظله العالى من الوجه لا يكون بنظري القاصر تماما، لأنّ ما يرى من عمل النبي (ص) أو المسلمين يكون من باب اقتضاء الوضع الطبيعي لذلك، و هو أنّ الشخص المصلّي مع كونه قائما حال الصّلاة، يقضي أن ينحني و يهوي إلى الركوع لا لأمر آخر، فغير معلوم كون العمل من باب وجوب ذلك، و مع الشّك لا وجه للاحتياط، بل تجري البراءة.

فعلى هذا نقول: لو أهوى بقصد غير الركوع حتّى و لم يبلغ إلى مرتبة غاية مرتبة المعتبر في الركوع الواجب، ثمّ انحنى من هذه المرتبة إلى المرتبة الواجبة، أعنى: المرتبة يتمكن معها من وضع اليد على الركبة فيصح الركوع لو قصد الهوى من هذه المرتبة إلى المرتبة الواجبة بقصد الركوع بلا اشكال، نعم لو بلغ إلى المرتبة الواجبة فالأحوط هو عدم الاكتفاء بهذا الركوع إن قلنا بكون الواجب إحداث هذه المرتبة من

الركوع، و إن لم نقل بذلك فيقصد به الركوع و يكتفي به، لأنّ المصلّي ليس مأمورا إلّا بالركوع و لا دخل للهوى فيه فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 15

قوله (ما لا يدرك «1» كله لا يترك كله) حتّى يستشكل فيها بأنّ الركوع عبارة عن انحناء خاص، فليس انحناء آخر ميسوره حتّى يتمسّك بقاعدة الميسور، أو يقال: إنّه ليس من قبيل جزء الشي ء حتّى يتمسّك بقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم (إذا أمرتكم) أو (ما لا يدرك كله).

بل نقول في وجه ذلك: بأنّا نفهم من الدليل الوارد فيمن لا يتمكن من القيام بأنّه يؤمى للركوع و السجود، بأنّ الايماء مرتبة من الركوع، و الشارع لا يرضى بترك الركوع و لو لم يتمكن من المرتبة الأعلى لا بدّ له أن يأتى بالمرتبة الممكنة، و بعد كون الايماء مرتبة من الركوع يكون الانحناء بأيّ مرتبة كانت ركوعا، فلا بدّ من الاتيان بالممكن بالاولوية القطعية المستفادة من الدليل المذكور.

[في ان من كان كالراكع خلقة او لعارض]

مسئلة: و لو كان الشخص كالراكع خلقة أو لعارض قيل: وجب أن يزيد في انحنائه لركوعه ليكون فارقا بين القيام اللازم للركوع، بل في جامع «2» المقاصد أنّه لو كان انحنائه على أقصى مراتب الركوع ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردد.

اعلم أنّه تارة يكون الشخص في مرتبة من الانحناء لم يبلغ الحدّ الاقصى من الركوع بحيث لو انحنى في الجملة لا يخرج من أقصى حدّ الركوع و في هذا الحال يتمكن من الانحناء إلى هذا الحد، و تارة بلغ بالحدّ الأقصى من الركوع بحيث لو انحنى يخرج عن حدّه.

أمّا في الصورة الاولى فنقول: قد يقال يجب الانحناء إلى الحدّ الواجب في

______________________________

(1)- عوالى الألى، ج 4،

ص 58.

(2)- جامع المقاصد، ج 2، ص 289.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 16

الركوع مع التمكن لما قال في الجواهر «1» من أنّه يجب الانحناء كى يفرق بين هيئة القيام و بين هيئة الركوع و فيه أنّه ليس الواجب في لسان دليل عنوان الافتراق، بل الواجب هو النفس القيام و الركوع، و في المقام لو كان الشخص متمكنا من القيام يجب عليه و هو خارج من الفرض، لأنّ الفرض في من لا يتمكن من الانتصاب أصلا، فإذا لم يتمكن من ذلك يجب عليه الركوع فقط، و على الفرض يتمكن من الركوع إمّا من باب أنّ الركوع عبارة عن هذه المرتبة من الانحناء، و لا دخل للهوى فيه كما هو مختار نفس صاحب الجواهر رحمه اللّه، و إمّا من باب أنّه و إن كان الهوى واجبا إلّا أنّه على الفرض غير متمكن منه، فيجب ما تمكن و هو قصد الركوع بقاء في هذه المرتبة من الانحناء.

و لكن نقول في وجه وجوب الانحناء في هذه الصورة في الجملة: بأنّا نكشف من الأدلة أنّه يجب في الصّلاة بعد القيام للّه متذللا مرتبة اخرى من التذلّل، و هي عبارة عن الانحناء بعنوان الخضوع له سبحانه، و غاية هذا التذلل هي المرتبة الأقصى من الركوع، ففي الفرض هذا الشخص المنحني يكون تذلّله و هو الركوع، مرتبة بعد هذه المرتبة، لأنّ هذه المرتبة قيامه في الحقيقة فعلى هذا يجب عليه الانحناء للركوع كى يعمل بوظيفة التذلل.

و أمّا الصورة الثانية فلا يبعد فيها عدم وجوب انحناء زائد لأنّ الزائد علي هذه المرتبة لم يكن تذللا له تعالى، إذا المستفاد من تعيين الحدّ للركوع هو كون أقصى مراتبه هذه المرتبة الّتي هو بحسب طبعه

واجد، فهي ركوعه إذا قصد بها الركوع لعدم تمكنه من تحصيل القيام المتصل بالركوع، و لا الهوى إلى الركوع، فافهم.

______________________________

(1)- الجواهر، ج 10، ص 81.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 17

[من يصلى جالسا يجب عليه الانحناء]

مسئلة: من يصلّي جالسا إمّا من باب كون تكليفه الجلوس أو من باب جواز الجلوس له كمن يصلّي النافلة، فلا يكفي في ركوعه الانحناء بمقدار يتمكن من وصول اليد إلى الركبة، لأنّه بدون الانحناء أو الانحناء اليسير تصل يده إلى ركبتيه حال الجلوس، بل يجب عليه الانحناء بمقدار يستوي ظهره تقريبا كحال الركوع القيامي، لأنّ المستفاد من الأدلة الانحناء بهذا المقدار في الركوع، لا مجرد امكان وصول اليد، فافهم.

الثاني: من واجبات الركوع الطمأنينة.

اعلم أنّ المراد من الطمأنينة المبحوث عنها في المقام ليس الاستقرار المقابل لحركة أجزاء البدن، بل المراد هو الوقوف يسيرا في حدّ الركوع في قبال العامة، فإنّ أبا حنيفة مثلا قال: يكفي مجرد الوصول الحدّ ثمّ الذهاب إلى السجود بدون وقوف و توقف حال الوصول إلى حدّ الركوع، ففي قبال هذا القول تعرضوا في فقهنا للمسألة، و قالوا: باعتبار الطمأنينة، و بهذه المعنى قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف «1» الطمأنينة في الركوع ركن من أركان الصّلاة.

فالمراد من الطمأنينة هو الوقوف في حدّ الركوع و السكون، لا أن يصل إلى الحدّ و يرفع الرأس بدون التوقف و لا يكون كنقر الغراب كما في الخبر، فهذه معنى الطمأنينة، لا الطمأنينة في قبال تزلزل الأعضاء و إن كانت الطمأنينة بهذه المعنى الّتي قلنا يستلزم الاستقرار و عدم التزلزل في الجملة أيضا.

الثالث: من واجبات الركوع الذكر.
اشارة

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 348.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 18

اعلم أنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في الخلاف التسبيح في الركوع و السجود واجب، و به قال أهل الظاهر داود و غيره، و به قال أحمد، و قال عامة الفقهاء: إنّ ذلك غير واجب.

دليلنا إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، لأنّه إذا سبح جازت صلاته بغير خلاف، و إذا لم يسبح فليس على صحتها دليل، و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم (صلّوا كما رأيتموني اصلّي) يدلّ عليه، لأنّه سبح بغير خلاف، و روى عقبة بن عامر: لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال اجعلوها في سجودكم، و هذا أمر يقتضي الوجوب. «1»

و قد ظهر لك

أنّ عامة الفقهاء قائلون بعدم وجوب ذكر في الركوع و السجود رأسا، نعم داود الظاهري الاصبهاني و غيره من أهل الظاهر و أحمد من العامة قالوا بوجوب التسبيح، و أمّا عندنا فقد ادعى الشّيخ رحمه اللّه الاجماع باصطلاحه على وجوب التسبيح في كل من الركوع و السجود، فنقول: أمّا روايات الباب فعلى طوائف:

الطائفة الاولى:

ما يمكن أن يقال: بدلالتها على وجوب التسبيح بدون تعرض فيها من التسبيحة الكبرى أو الصغرى، و هي روايتان:

الرواية الاولى: و هي ما رواها داود الابزارى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

أدنى التسبيح ثلاث مرّات و أنت ساجد لا تعجل بهنّ). «2»

و هذه الرواية و إن وردت في السجود لكن نعلم بعدم فرق في هذا الحيث بين

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 348.

(2)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 19

الركوع و السجود.

الرواية الثانية: و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع و السجود؟ قال: ثلاث تسبيحات). «1»

و هل للروايتين إطلاق يشمل الكبرى و الصغرى كليهما، أو منصرف بالكبرى فقط الصغرى فقط يأتي الكلام فيه.

الطائفة الثانية:

ما يمكن أن يقال: بدلالتها على إجزاء خصوص التسبيحة الصغرى ثلاث مرات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد الرحمن بن أبي نجران عن مسمع بن أبي سيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا، و ليس له و لا كرامة أن يقول: سبّح سبّح سبّح). «2»

و نقل صاحب الوسائل عن مسمع عن رواية اخرى، و هي الرواية 4 من الباب المذكور رواها صفوان عن مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يجزى الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن.

اعلم أنّ روايته الثانية لا تعرض فيها للركوع و السجود، و ليس فيها ما في ذيل الرواية الاولى، و لا يبعد كونهما رواية واحدة نقل صفوان عن مسمع تارة و عبد الرحمن عنه تارة اخرى، و على كل حال تدلّ

على إجزاء ثلاث سبحان اللّه أعني: الصغرى لا الكبرى، لأنّ الرواية الاولى بقرينة ما في ذيلها (و لا كرامة أن

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 20

يقول: سبّح سبّح سبّح) تدلّ على الصغرى.

الرواية الثانية: و هي ما رواها حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار (قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخفّ ما يكون من التسبيح في الصّلاة؟ قال: ثلاث تسبيحات مترسلا تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه). «1»

و ذكر في الوسائل رواية اخرى، و هي ما رواها يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. قلت: أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع و السجود؟ قال: تسبيحة واحدة). «2»

و روايته هذه تدلّ على إجزاء تسبيحة واحدة في الركوع و السجود، و لا يبعد كونهما رواية واحدة، و على كل حال في ما رويها حماد عنه لا تعرض للركوع و السجود، بل قال (أخف ما يكون من التسبيح في الصّلاة) إلّا أن يقال: لا مورد لهذا التسبيح إلّا في الركوع و السجود، نعم لو قلنا بكون روايتي معاوية رواية واحدة، و كانت روايته الثانية ذيل الرواية الاولى، ففي الثانية أعنى: ما نقل عنه يونس تعرض للركوع، فعلى كل حال تدلّ على إجزاء التسبيحة الصغرى ثلاث مرّات.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها سماعة (قال: سألته عن الركوع و السجود هل نزل في القرآن؟ قال: نعم قول اللّه تعالى «يا أيّها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا» قلت: كيف حدّ الركوع و السجود؟ فقال أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات

تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه ثلاثا). «3»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 21

و هذه الطائفة تدلّ على أنّ المجزي أو في ما يجزي هو الصغرى ثلاث مرات.

الطائفة الثالثة:

تدلّ على كفاية التسبيحة الكبرى مرة واحدة مع الاختلاف في متن بعضها مع بعض الآخر من حيث كيفية التسبيحة الكبرى، لأنّ الرواية الثانية منها على ما ترى تدلّ على أنّ كلمة (و بحمده) جزء للكبرى، و الحال أنّ (و بحمده) ليس في الاولى، و على كل حال.

الرواية الاولى: و هي ما رواها هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال: تقول في «الركوع سبحان ربي العظيم» و في «السجود سبحان ربي الأعلى» الفريضة من ذلك تسبيحة و السنة ثلاث و الفضل في سبع). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها أبو بكر الحضرمى قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

أيّ شي ء حدّ الركوع و السجود؟ قال: تقول «سبحان ربي العظيم و بحمده» ثلاثا في الركوع «و سبحان ربي الاعلى و بحمده» ثلاثا في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و من نقص اثنين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبح فلا صلاته، و من لم يسبح فلا صلاة له). «2»

و الرواية 7 من هذا الباب هي أيضا هذه الرواية و إن جعلها صاحب الوسائل رواية مستقلة، و المستفاد من هاتين الرويتين كفاية التسبيحة الكبرى مرة واحدة في الركوع و السجود، لأنّ في الاولى من الروايتين المذكورتين قال (الفريضة من

ذلك تسبيحة) و في الثانية منهما قال (من لم يسبّح فلا صلاة له) و أمّا لو ترك أحدها أو اثنتين منها فقد ورد النقص في الصّلاة، لا أنّه يوجب بطلان الصّلاة، فترك

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 22

الواحد او الاثنتين منها يوجب سلب كمال من الصّلاة، فتدلّ الروايتان على كفاية المرة من الكبرى.

و هل يلزم إضافة و (بحمده) في الكبرى أولا: فإن قلنا: بأنّه بعد عدم ذكره في الرواية الاولى نستفيد جواز تركه و جواز فعله لذكره في إحداهما و تركه في الاخرى، و إن قلنا: بكون تركه في الاولى يمكن أن يكون من باب معلومية كون و (بحمده) جزء لها فاكتفي بمعلوميته و تركه للايجاز و الاختصار و أنّ بمجرد ذكر (سبحان ربي العظيم) أو (سبحان ربى الاعلى) يفهم المخاطب كفاية المرة في الكبرى، و يرى عدم لزوم ذكر تمام التسبيحة، فلهذا ترك (و بحمده) اتكالا على معروفيته، و لا يبعد الاحتمال الأوّل فيجوز ترك (و بحمده). «1»

الطائفة الرابعة:

ما تحتمل دلالتها على كفاية التسبيحة الصغرى مرة واحدة، و تحتمل دلالتها على كفاية الكبرى مرة واحدة، و يحتمل إطلاقها للكبرى و للصغرى فتدلّ على كفاية مرة واحدة من كل منهما.

الرواية الاولى: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: ما يجزى من القول في الركوع و السجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات في ترسل، و واحدة تامة تجزي). «2»

يحتمل أن يكون المراد من قوله عليه السّلام (و واحدة تامة تجزي) هي الكبرى، فتكون الرواية دالّة على أنّ في الصغرى لا يكتفي إلّا

بثلاث تسبيحات، و أمّا في الكبرى فيكتفي بواحدة منها، و يحتمل أن يكون المراد هو الصغرى فقال عليه السّلام ثلاث

______________________________

(1)- أقول: و لا يبعد الثاني فالأحوط اضافة (و بحمده). (المقرر)

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 23

تسبيحات) أى ثلاث سبحان اللّه في ترسل، و لكن لو أتى بمرة واحدة من قول (سبحان اللّه) تماما بحيث يكون في حال الركوع لا أن يكون بعضها قبل الوصول إلى حدّ الركوع و بعضها في حال الرفع منه فيكفي سبحان اللّه مرة واحدة. «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام (قال: سألته عن الركوع و السجود كم يجزي فيه من التسبيح؟

فقال: ثلاثة و تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحسين بن علي بن يقطين عن أبيه عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه و سجوده؟ فقال: و تجزيه واحدة). «3»

[في ذكر الاحتمالات فى الرواية الثالثة]

و لا يبعد كونهما رواية واحدة و إن جعلها صاحب الوسائل روايتين (أقول:

في التهذيب جعلهما روايتين) و على كل حال يحتمل في هذه الرواية أيضا احتمالان:

الاحتمال الأوّل: كون المراد من (تجزيك واحدة) هو إجزاء التسبيحة الكبرى مرة واحدة، فتدلّ الرواية على اجزاء مرة واحدة في الكبرى

الاحتمال الثاني: كون المراد اجزاء التسبيحة مرة واحدة سواء كانت الكبرى أو الصغرى، و لا يبعد دعوى كفاية الواحدة من كل منهما من باب إطلاق

______________________________

(1)- أقول: و لعله يكون الاحتمال الثاني أقوى إذ الصغرى لقلة حروفها و كلماتها لم يقع الّا وحدة منها

في حال الركوع، و لهذا كلامه يدلّ على أنّه لو وقع أحد منها في الحدّ فيكتفي بها فتأمّل. (المقرر)

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 24

الروايتين لأنّ الروايتين تدلّان على كفاية مرة واحدة من التسبيحة، و التسبيح إطلاقه شامل لتسبيحة الكبرى و الصغرى.

[في ذكر الطائفة الخامسة من روايات الباب]

الطائفة الخامسة: تدلّ على اجزاء غير التسبيح في ذكر الركوع و السجود و هي روايتان:

الرواية الاولى: و هي ما رواها هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

قلت يجزى أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود (لا إله إلّا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) قال: نعم، كل هذا ذكر اللّه).

الرواية الثانية: و هي ما رواها هشام بن سالم مثله و لها ذيل و هو أنه (قال:

و سألته تجزى عني مكان التسبيح في الركوع و السجود (لا إله إلا اللّه و اللّه اكبر) قال: نعم). «1»

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا أصل وجوب الذكر في الركوع و السجود فيستفاد من مجموع الطوائف من الروايات المذكورة، فأصل وجوب ذكر أعم من التسبيح و غيره فيه لا ينبغي أن يصير محل كلام، و المستفاد من الطائفة الثانية مع ضمها بالطائفة الثالثة إذا عرض على العرف بمقتضى الجمع هو تخيير المكلف بين أن يقرأ التسبيحة الصغرى أعنى (سبحان اللّه) ثلاث مرات، و بين أن يقول الكبرى مرة واحدة و هذا لا إشكال فيه.

و أمّا الطائفة الاولى فتارة يقال: إنّ لها إطلاقا يشمل الكبرى و الصغرى بمعنى دلالتها على إجزاء الصغرى و الكبرى إذا قرء ثلاث مرات، فإن قلنا بذلك فيعارض

______________________________

(1)- الرواية 2 من

الباب 7 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 25

إطلاقها مع الطائفة الثالثة، على كفاية المرة في الكبرى، و مقتضى حمل المطلق على المقيد هو تقييد الطائفة الاولى بالثالثة،

[نتيجة الجمع وجوب الثلاث في خصوص الصغرى]

فتكون نتيجة الجمع وجوب الثلاث في خصوص الصغرى فقط، و يعارض مع إطلاقها الرواية الّتي رواها يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن عمار المتقدمة «1» الدالّة على كفاية تسبيحة واحدة للمريض، و مقتضى الجمع تقييدها بها أيضا فتكون النتيجة وجوب الثلاث في خصوص الصغرى لغير المريض، و يعارض إطلاقها الرواية الّتي رواها علي بن حمزة (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المستعجل ما الّذي يجزيه في النافلة؟ قال: (ثلاث تسبيحات في القراءة، و تسبيحة في الركوع و تسبيحة في السجود) «2» لأنّ هذه الرواية تدلّ على كفاية المرة في النافلة للمستعجل، فتكون نتيجة جمع كل هذه هو وجوب ثلاث مرات في الصغرى الّا للمريض و إلّا في النافلة للمستعجل.

تنبيه: (ينبغي ذكره و إن لم يكن مربوطا بالمقام، و هو أنّه قد مرّ في القراءة بأنّ العلّامة رحمه اللّه قال بكفاية التسبيح بدلا عن الفاتحة في النافلة، و قيل: بأنّه ليس له مدرك، فنقول: يمكن أن تكون هذه الرواية أي رواية علي بن حمزة مدركه، لأنّها تدلّ على إجزاء ثلاث تسبيحات في القراءة في النافلة، فتأمل).

و أمّا الطائفة الرابعة فإنّ قلنا بإطلاق الطائفة الاولى فيقع التعارض بين الاولى و الرابعة، لأنّ الاولى تدلّ على أنّ أدنى ما يجزي هو ثلاث مرات، و الرابعة تدلّ على كفاية المرة.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 26

فنقول:

بأنّه على فرض الاطلاق للاولى و على فرض شمول الطائفة الرابعة للتسبيحة الصغرى أيضا، و لم نقل بدلالتها على إجزاء المرة في خصوص الكبرى، فالطائفة الرابعة ليست إلّا روايتين أو روايات ثلاث، بناء على جعل رواية علي بن يقطين باعتبار كون الناقل عنه متعددا روايتين، فنقول: بأنّ الرواية الثانية و الثالثة من هذه الطائفة و إن تدلا على إجزاء الواحدة كانت الكبرى أو الصغرى، و لكن الرواية الاولى و هي رواية زرارة تقيد إطلاقها لدلالتها على إجزاء الواحدة، لأنّ فيها قال عليه السّلام (و واحدة تامة تجزي) و المراد بحسب الظاهر من هذه الفقرة هو الكبرى، و إن قلنا سابقا بأنّ فيها احتمالان، لكن الظاهر كون المراد من (تامة) هو الكبرى فعلى هذا تدلّ هذه الرواية على إجزاء الواحدة في خصوص الكبرى، فمقتضى الجمع بين رواية زرارة و هي الرواية الاولى من هذه الطائفة، و بين روايتي علي بن يقطين، بناء على اطلاقها، هو حمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة كفاية المرة في خصوص الكبرى كما هو مفاد رواية هشام بن سالم و أبي بكر الحضرمي، هذا كله بناء على أن نقول بإطلاق الطائفة الاولى.

و أمّا لو قلنا بعدم إطلاق للطائفة الاولى كما هو الحق، فلا إطلاق لها حتّى يقال بتعارض هذه الطائفة مع الطائفة الثالثة، أمّا وجه عدم إطلاق لها فلأنّه و إن تدلّ على إجزاء ثلاث تسبيحات، و أنّه أدنى ما يجزي، و لكن بعد ما نرى من أنّ عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و كذا المسلمين، و ما نقل من الصلوات البيانية، هو أنّهم يقرءون الكبرى في الركوع و السجود، فيستفاد من عملهم كون المتعارف عند المسلمين هو

التسبيحة الكبرى.

فعلى هذا نقول: بأنّ المطلق منزل على المتعارف، بمعنى أنّه بعد كون بعض أفراد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 27

المطلق بحيث يكون عند المخاطب المتعارف من لفظ المطلق هذا الفرد بالخصوص، فلو أراد المتكلم من المطلق أى الطبيعة هذا الفرد بالخصوص لعلمه بأنّ المخاطب لا يفهم من لفظه المطلق إلّا هذا و لم يأت بالقرينة على كون مراده المقيد فما أخلّ بغرضه، لأنّه اكتفي بما هو المتعارف عند المخاطب، فلم يبق مع هذا إطلاق حتّى يؤخذ به، لأنّ من مقدمات الاطلاق عدم كون القدر المتيقن في البين حتّى يعدّ عدم البيان إخلالا بالغرض فعلى هذا نقول: بأنّه مع تعارف إطلاق التسبيح على الكبرى و أنّهم لا يرون من العمل إلّا الكبرى، فينزل المطلق على المتعارف و لا إطلاق للفظ التسبيحة يشمل الصغرى أصلا.

فبناء على هذا لا يكون مفاد الطائفة الاولى من الروايات و قدر متيقنه إلّا الكبرى، و هكذا ليس مفاد الطائفة الرابعة إلّا الكبرى، لأنّ المراد من التسبيحة على ما بيّنا هو هذا.

فعلى هذا لا يكون تعارض بين الطائفة الرابعة و الثانية، و لا مع الثالثة، و لا مع الاولى، لأنّ الثانية تدلّ على إجزاء التسبيحة الصغرى مرة واحدة، و الاولى بعد ما قلنا من كون المراد منها الكبرى تدلّ على أنّ المجزى ثلاث تسبيحة من التسبيحة الكبرى، و الثالثة تدلّ على إجزاء المرة في الكبرى، و الرابعة تدلّ على إجزاء الكبرى مرة واحدة أيضا بعد ما قلنا من حمل التسبيحة فيها على الكبرى «1». «2» (و على كل

______________________________

(1)- أقول: لم يتعرض الاستاد مدّ ظله العالى لما يبقي من التعارض بين الطائفة الاولى، بناء على حمل التسبيح فيها على الكبرى، مع الطائفة

الثالثة لأنّه على ما أفاده مدّ ظله العالى تدلّ الاولى على أنّ أدنى ما يجزى هو الثلاث في الكبرى، و الطائفة الثالثة تدلّ على إجزاء المرة في الكبرى، و لكن يمكن الجمع بينهما بعد صراحة الطائفة الثالثة في إجزاء المرة في الكبرى:

بأنّه يحمل الطائفة الاولى على الأفضلية، و أنّ أدنى مراتب الفضل هو الثلاث و هذا لا ينافي كون الواجب مرة واحدة، فتأمّل جيدا. (المقرر)

(2)- أقول: و لكن لي هنا كلام قلت بمحضره الشريف مدّ ظلّه العالي، و هو أنّ الطائفة الاولى من الروايات مطلق، و إطلاقها يشمل الكبرى و الصغرى، و ما أفاده مدّ ظله العالى من حمل المطلق على المتعارف من التسبيح، و هو الكبرى، لأجل عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و المسلمين بحيث لا يكون المتعارف عندهم إلّا الكبرى، ليس بتمام، لأنّ غاية هذا كون فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلم على قراءة الكبرى، و ليس هذا بحدّ يوجب صيرورته قرينة على إرادة المقيد أعنى: خصوص الكبرى، من مطلق التسبيحة بحيث لو اكتفي المتكلم بهذا التعارف و أراد من مطلقة في كلامه الكبرى ما أخل بغرضه، مضافا إلى إطلاق التسبيحة في لسان بعض الأخبار على الصغرى كما ترى في الطائفة الثانية من الروايات، و هكذا لا وجه لمنع إطلاق الطائفة الرابعة و قوله (و واحدة تامة تجزي) إن لم نقل بكونه ظاهرا في أنّ التسبيحة الواحدة لو أتى بها تماما و في حدّ الركوع، لا في الطريق، تجزي، فليس ظاهرا في ما أفاده مدّ ظله العالى من أنّ المراد منه هو التسبيحة الكبرى، فكان المراد أنّ تسبيحة واحدة من الكبرى تجزي، فمع تساوي الاحتمالين لا وجه

للأخذ بأحدهما و حمله عليه.

إذا فهمت ذلك أقول: بناء على إطلاق الطائفة الاولى يقيد إطلاقها كما بينا بما بينا و أمّا الطائفة الرابعة فبناء على إطلاقها أقول: بأنّه لا بد من تقييدها بالطائفة الثانية الدالّة على أن أدنى ما يجزى في الصغرى هو إتيانها ثلاث مرات، فمقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو حمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة هو إجزاء المرة في خصوص الكبرى، و أمّا الصغرى فلا بدّ من إتيانها ثلاث مرات. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 28

حال تكون النتيجة من الطوائف الأربع على ما ذكرنا، هو اجزاء تسبيحة واحدة من الكبرى و ثلاث مرات في الصغرى.)

[امّا الكلام في اجزاء غير التسبيح عن التسبيح]

إذا عرفت ذلك يبقى الكلام في الطائفة الخامسة من الروايات الدالّة على إجزاء غير التسبيح، فنقول بعونه تعالى: إنّ ما يظهر من رواية هشام بن الحكم و صدر رواية هشام بن سالم، هو إجزاء (لا إله إلّا الله الحمد للّه و اللّه اكبر) و فيها أنّ

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 29

(كل هذا ذكر اللّه) فيقع الكلام أوّلا في مفاد هذه الطائفة من الروايات، و ثانيا في جمعها مع الطوائف الاخر، فنقول بعونه تعالى:

أمّا الكلام في المقام الأوّل فما يستفاد من صدر رواية هشام بن سالم و هشام بن الحكم هو كفاية (لا إله إلّا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) من باب أن كل هذا ذكر اللّه، و معناه كون الخصوصية أى خصوصية التسبيح، غير معتبرة، بل يكفي كل ما يكون ذكر اللّه، و بعبارة اخرى المستفاد عدم دخل كيفية خاصة في ذكر الركوع و السجود، بل ما يكون ذكرا مجز عن التكليف بالذكر.

و هل يستفاد من الروايتين كون كمية الذكر بقدر التسبيح، أو يستفاد

عدم لزوم ذلك، أو ليست الروايتان متعرضتين لهذه الجهة أصلا.

لا يبعد أن يقال: بأنّه لا بدّ و أن يكون الذكر في الكمية بقدر ثلاث تسبيحة من الصغرى، أو واحدة من كبرى من جهة أنّه قال في الروايتين (يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود و لا إله إلا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) لأنّ صدق كون ذكر آخر مكان التسبيح هو كون الكمية بقدر التسبيح، و يكون السؤال عن الكيفية، و إتيان ذكر آخر مكانه أعنى: في محله، و أمّا ذيل رواية هشام بن سالم و ان لم يذكر فيه (الحمد للّه) لأنّه قال (يجزي عنى مكان التسبيح في الركوع و السجود لا إله إلا اللّه و اللّه اكبر؟ قال: نعم) لكن مع ذلك لا يدلّ على كفاية أقل من ثلاث تسبيحة من الصغرى أو واحدة من الكبرى بتوهم أنّ المستفاد منه كفاية (لا إله إلّا اللّه و اللّه اكبر) لكونهما ذكران لا ثلاثة أذكار.

أمّا وجه عدم الدلالة فلان الذيل ليس إلّا في مقام السؤال عن الكيفية و أنّه يجزي مكان التسبيح ذكرا آخر أو يعتبر خصوص التسبيح، فقال عليه السّلام يجزي، و لا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 30

تعرض فيه بعد كفاية الذكر (من لا إله إلّا اللّه و اللّه اكبر) هل يكتفي بمرة منها أو ثلاث مرات حتّى يصير بقدر التسبيح من حيث الكمية إن لم نقل بظهور (مكان التسبيح) في اعتبار كون غير التسبيح كمية مثل كمية التسبيح فافهم. «1»

[الكلام فى الجمع بين الطائفة الخامسة و غيرها]

أمّا الكلام في المقام الثاني، و هو كيفية الجمع بين هذه الطائفة أعنى: الطائفة الخامسة، و سائر الطوائف، فنقول: ما يظهر في بدو النظر، هو أنّه و إن

كان التعارض بين هذه الطائفة و سائر الطوائف لأنّ هذه تدلّ على كفاية كل ذكر، و ساير الطوائف يدلّ على كفاية خصوص التسبيح إمّا الصغرى و إمّا الكبرى و إمّا كليهما، و لكن مقتضى الجمع بينهما هو حمل ساير الطوائف من الأخبار على الأفضلية، لأنّه بعد كون الطائفة الخامسة نصا في جواز كل ذكر و كفايته، فلا بدّ من حمل ساير الطوائف على الفضل، و كون التسبيح من بين الأذكار أفضل من غيره.

و لكن بعد ما نرى من تسلم كون الذكر في الركوع و السجود التسبيح عند القدماء رضوان اللّه عليهم، كما يظهر لك من عبارة المتقدمة من الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف و من عبارة المحقق رحمه اللّه في الشرائع حيث قال (الواجب الخامس التسبيح و قيل يكفي مطلق الذكر و فيه تردد) فمع أنّهم رووا هاتين الروايتين الدالّتين على إجزاء غير التسبيح، و مع ذلك كان المسلم عندهم وجوب خصوص التسبيح، نكشف من كون

______________________________

(1)- أقول: لا يبعد أن يقال: بأنّ رواية هشام بن الحكم و صدر رواية هشام بن سالم غير متعرضة للكمية، و لكن المستفاد من ذيل رواية هشام بن سالم هو عدم لزوم كون الكمية بقدر كمية التسبيح، لأنّه بعد ما سئل في الصدر عن إجزاء ثلاثة أذكار (لا إله إلا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) و أجاب عليه السّلام بإجزائه من باب كون الكل ذكر اللّه، سئل في الذيل بأنّه يكفي أقل من هذا، و هو أن يقول (لا إله إلا اللّه و اللّه اكبر) فقال عليه السّلام: نعم، فلا يبعد كفاية مسمى الذكر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 31

الخدشة فيهما، و أنّهم أعرضوا لأجلها عنهما، فلا

يمكن الاعتناء بهما، فالأحوط الواجب هو إجزاء خصوص التسبيح. «1»

هذا تمام الكلام في واجبات الركوع، و قد قلنا بأنّها ثلاثة:

الأوّل: الانحناء بمقدار يمكن وصول اليد إلى الركبة، الثانية الطمأنينة، الثالثة الذكر بتفصيل سبق ذكره، و ليس القيام بعد الركوع، و لا الطمأنينة بعده من واجبات الركوع، فمن جعل واجباته خمسة باضافة هذين الأمرين بالثلاثة المتقدمة فلا وجه له، لأنّها إن كانا واجبين يكونان من واجبات نفس الصّلاة، لا الركوع، فافهم.

[في انّ لا اشكال في كون الركوع ركنا]

مسئلة: لا إشكال في كون الركوع ركنا، و قد قلنا سابقا بأنّ الركن قد عرّفه بعضهم بأنّ ما كان نقصه عمدا و سهوا موجبا لبطلان الصّلاة، و بعضهم مضافا إلى كون نقصه موجبا لبطلان الصّلاة قالوا: بأنّ ما يوجب زيادته عمدا أو سهوا لبطلان الصّلاة و قد قلنا بان الانسب مع المعنى اللغوي من الركن هو الأوّل أعنى: ما يوجب نقصه عمدا و سهوا لبطلان الصّلاة، و على كل حال لا إشكال في أنّ زيادة الركوع و كذا نقصه يوجب بطلان الصّلاة عمدا كان أو سهوا إلّا في الجماعة، فإنّ زيادته مغتفر للمتابعة بتفصيل يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه و هذا ممّا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في جهة اخرى، و هي أنّه بعد كون الركوع ركنا يوجب نقصه بطلان

______________________________

(1)- أقول: أمّا الاحتياط ففي محله، و أمّا التمسك بعبارة المحقق رحمه اللّه فليس ذلك من باب كون خصوص التسبيح مسلّما لأنّه قال في السجود عبارة يفهم منها عدم كون وجوب التسبيح مسلما لأنّه قال في السجود (الرابع الذكر و قيل: يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع) مع كون وزان الركوع و السجود من هذا الحيث واحدا، لأنّ الأخبار المتمسك بها متعرضة لكلّ من الركوع

و السجود، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 32

الصّلاة و ان كان سهوا فلا إشكال في أنّ الصّلاة تبطل بتركه إذا ترك و لا يمكن إتيانه لمضى محلّ إتيانه،

[في انّ اىّ محل لم يمض محلّ تداركه]

فيقع الكلام في أنّه أىّ محل لم يمض محل تداركه حتّى إذا تذكر المصلّي نسيانه يأتى به، و في أيّ موضع مضى محل تداركه و اتيانه حتّى يقال: بطلان الصّلاة لو تذكر في هذا المحلّ.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: بأنّه لا إشكال في أنّه إذا ترك الركوع نسيانا و أتمّ الصّلاة و فرغ منها المصلّي، و أتى بأحد من منافيات الصّلاة و تذكر تركه، تبطل الصّلاة و عليه إعادتها، فهذا المورد ممّا لا إشكال فيه، كما أنّه لا إشكال في أنّه لو نسى المصلّي الركوع، و تذكر قبل أن تسجد و لو هوى إلى السجود يأتي بالركوع و صلاته صحيحة.

[في انّ الكلام في ما نحن فيه في موردين]

إنّما الكلام في موردين:

المورد الأوّل: في ما دخل المصلّي في السجدة الاولى و تذكر ترك الركوع المورد الثاني: في ما أتى بالسجدتين فتذكر تركه، فهل تبطل الصّلاة أم لا؟

[في ذكر اقوال الفقهاء]

أمّا في ما نسى الركوع و دخل في السجدة الاولى فتذكر تركة، فللفقهاء أقوال أربعة:

القول الأول: و هو المشهور «1» بطلان الصّلاة إذا دخل في السجدة الاولى و تذكر نسيان الركوع.

القول الثاني: إلقاء السجدة، و إتيان الركوع، ثمّ السجدتين، و الاتيان بما بقى من صلاته و عدم بطلان صلاته سواء كان نسيان الركوع في الركعة الاولى، أو في

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 109.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 33

ساير الركعات و هو المنسوب إلى ما ذكره الشيخ رحمه اللّه.

القول الثالث: إلقاء السجدة و إتيان الركوع، ثمّ ما بقى من صلاته، لكن في خصوص الركعتين الأخيرتين من الظهرين و العشاء، و أمّا في الأولتين و ثالثة المغرب تبطل الصّلاة، و هذا القول مختار الشّيخ رحمه اللّه على ما يظهر من كلامه في المبسوط، و قال به حتّى بعد كون التذكر بعد إتيان السجدتين.

القول الرابع: ما نسب إلى ابن بابويه رحمه اللّه و هو إلقاء السجدة و الاتيان بالركوع المنسى، ثمّ السجدة و ما بعدها من أجزاء الصّلاة، لكن في غير الركعة الاولى من الصّلاة، فهذه أقوال أربعة في المسألة.

و أمّا في المورد الثاني أعنى: ما إذا نسى المصلّي الركوع و سجد السجدتين، ثمّ تذكر نسيانه، فالمنسوب إلى الشّيخ رحمه اللّه كما ذكرنا في المورد الأوّل هو صحة الصّلاة في خصوص الركعتين الأخيرتين و إلقاء السجدتين و الاتيان بالركوع و ما بعده، و لكن لم ينسب إلى غيره هذا، بل قالوا ببطلان الصّلاة في هذا المورد.

[في ذكر روايات الباب]

أمّا الكلام في المورد الأوّل فنقول: بأنّه لا بد أوّلا من ذكر أخبار المربوطة بالباب، ثمّ بيان ما هو الحق في المقام:

الرواية الاولى: و هي ما رواها رفاعة عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد، و يقوم قال: يستقبل). «1»

أمّا هذه الرواية فلا تدلّ على قول المشهور لأنّ مورد السؤال هو صورة التذكر بعد القيام من السجود، و هو لم يكن إلّا بعد الاتيان بالسجدتين، فلا تدلّ على

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 34

بطلان الصّلاة بالدخول في السجدة الاولى.

الرواية الثانية: و هي ما رواها إسحاق بن عمار (قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل حتّى يضع كل شي ء من ذلك مواضعه). «1»

تدلّ هذه الرواية على قول المشهور أعنى: على بطلان الصّلاة لو نسى الركوع و دخل في السجدة الاولى، لأنّها تدلّ على أنّ نسيان الركوع موجب لبطلان و لزوم استيناف الصّلاة كى يضع المصلّي كل شي ء في موضعه و محله، فالرواية و إن لم تكن متعرضة لخصوص حال الدخول في السجود، و لكن تدلّ على أنّه إذا نسى الركوع يوجب نسيانه استيناف الصّلاة، و يصدق نسيانه بمجرد مضى محله و دخوله في الجزء اللاحق و إن لم يكن اللاحق ركنا، فلو قلنا ببقاء محله قبل الهوى إلى السجود و أنّه يأتى بالركوع لو تذكر في هذا الحال، فهو يكون من باب دليل خاص، فعلى كل حال تدلّ الرواية على وجوب استيناف الصّلاة مع التذكر بعد الدخول في السجود.

و حمل قوله (يستقبل) في هذه الرواية و الرواية السابقة على الرجوع إلى إتيان الركوع ثمّ ما بعده، لا على استيناف الصّلاة بعيد جدا (خصوصا قوله في هذه الرواية (حتى يضع كل شي ء من ذلك مواضعه) يدلّ على أنّه يستأنف الصّلاة لأنّه لو استأنف الصّلاة

يقع كل شي ء في محلّه، و أمّا لو رجع فلا، لأنّه وقعت السجدة في غير محلّه).

الرواية الثالثة: بناء على كونها غير الرواية 3 من هذا الباب، و هي ما رواها ابن مسكان عن أبي بصير (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل نسى أن يركع قال

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 35

عليه الاعادة). «1»

تدلّ على أنّ نسيان الركوع موجب لاعادة الصّلاة، و نسيانه يصدق إذا لم يأت به في محله و دخل في جزء آخر، فتدل على بطلان الصّلاة لو نسيه و دخل في السجود و تجب الاعادة، هذا كله في ما يمكن أن يستدل به على القول المشهور، و قلنا بعدم دلالة الرواية الاولى على قولهم.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها صفوان عن أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصّلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصّلاة). «2»

قد يقال: بدلالة الرواية الاولى و الرواية الرابعة على عدم بطلان بمجرد الدخول في السجدة الاولى، لأنّ الظاهر من هاتين الروايتين هو بطلان الصّلاة بعد تمامية السجدتين، فبالمفهوم تدلّان على عدم بطلانها بمجرد الدخول في السجدة الاولى.

لكن نقول: أمّا الرواية الاولى فهي و إن كانت متعرضة لصورة تذكر نسيان الركوع بعد الفراغ من السجدتين كما قلنا، و لكن حيث وقع ذلك في كلام السائل لا وجه للتمسك بها، فإنّ السائل سئل عن خصوص هذا الفرض يعني فرض الفراغ من السجدتين، فأجاب عليه السّلام بما يدلّ على بطلان الصّلاة في مورد السؤال، فهذا لا يدلّ على عدم بطلان الصّلاة في مورد آخر.

______________________________

(1)- الرواية 4 من

الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 36

و أمّا الرواية الرابعة ففيها و إن وقع في كلام الامام عليه السّلام الحكم بالبطلان إذا نسى الركوع و تذكر بعد السجدتين، و لكن مع ذلك لا يستظهر منها عدم البطلان في صورة تذكر نسيان الركوع قبل إتمام السجدتين، لأنّه لا يستفاد من الرواية إلّا أنّه إذا أيقن ترك الركوع بعد السجدتين استأنف الصّلاة و لا ظهور لها في عدم البطلان لو ايقن قبل ذلك فلا وجه لأن يقال: بأنّ هذه الرواية يقيد إطلاق الرواية الثانية و الثالثة، بل الاطلاق بحاله محفوظ، فبمقتضى إطلاقهما يكون الوجه هو بطلان الصّلاة لو تذكر المصلّي نسيان الركوع بمجرد الدخول في السجد الاولى، فبما قلنا يظهر لك وجه ما تسمك به المشهور من بطلان الصّلاة في ما نحن فيه، و وجه قول المخالف للمشهور. «1»

ثمّ إنّ هنا رواية اخرى تدلّ على عدم بطلان الصّلاة في صورة نسيان الركوع و إن تذكر نسيانه بعد إتمام السجدتين، و حملها الشيخ رحمه اللّه على الركعتين الأخيرتين، و هي ما رواها الشيخ رحمه اللّه عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، (قال: فإنّ استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما، فيبنى على صلاته على التمام، و إن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ و انصرف، فليقم فليصل ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه). «2»

______________________________

(1)- أقول: إنّ مفهوم الرواية الرابعة تدلّ على عدم بطلان الصّلاة لو أيقن قبل إتمام السجدتين،

فمفهومها معارض مع إطلاق الرواية الثانية و الثالثة، و مقتضى الجمع بينهما هو تقييد إطلاقهما بها، فتكون النتيجة عدم البطلان لو تذكر بعد الدخول في السجدة الاولى نسيان الركوع، فتأمل. (المقرر)

(2)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 37

و في الرواية اضطراب ان كانت بنحو المذكور، لأنّ السؤال يكون عن و الجواب يكون عن صورة اليقين، فلا يناسب الجواب مع السؤال، و لكن رواها الصدوق رحمه اللّه في الفقيه سليمة عن هذا الاضطراب، قال في باب أحكام السهو في الصّلاة: و روى العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، فقال: يمضى في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما، و يبنى على صلاته الّتي على التمام، و إن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ و انصرف فليقم و ليصل ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه.

و هذه الرواية معارضة مع جميع الروايات الأربعة المتقدمة، و لكن لم يعمل بها فنعرض عنها.

[ما ذهب إليه المشهور يكون مطابقا مع القاعدة]

ثمّ اعلم أنّ ما ذهب إليه المشهور من بطلان الصّلاة بمجرد الدخول في السجود يكون مطابقا مع القاعدة، و يظهر لك بعد ذكر مقدمة، و هي أنّ الصّلاة مركب من المركبات يتألف من أجزاء لا يتحصل المركب إلّا بتحصل هذه الأجزاء لدخلها فيه، فمع فقد أحد أجزائه يفقد هذا المركب، و إذا وجد كلّ ما له دخل في وجود المركب من الأجزاء و الشرائط يوجد المركب، و هذا واضح كما أنّه من الواضح أنّ صيرورة كل جزء من أجزاء هذا المركب أعنى: الصّلاة، جزء

فعليا لها موقوف على تحقق المركب بتحقق ساير أجزائه، بمعنى أنّه لا يقال: إنّ الركوع الخارجي أو السجود او غيرهما صار جزء فعليّا للصّلاة إلّا إذا وجدت الصّلاة بوجود ساير أجزائها و شرائطها، فمع تحقق المركب يصدق أنّ الجزء جزء فعلي له، فصيرورة كل جزء من أجزائه جزء فعليا للمركب، أعنى: الصّلاة، موقوف على إتيان جميع الأجزاء و الشرائط.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 38

و ما هو محلّ الكلام هو أنّه كما تكون جزئية كل جزء للصّلاة فعلا موقوفة على تحقق ساير أجزائها، هل تكون قابلية الجزء اللاحق الّذي يكون محلّ وجوده و إتيانه بعد الجزء السابق المترتب عليه بحسب الاعتبار و دخله في الصّلاة لأن يكون جزء لها موقوفة على إتيان الجزء السابق أم لا؟

مثلا بعد ما لا إشكال في أنّ السجود جزء للصّلاة، و بعد ما لا إشكال في كون ظرف وجوده بعد الركوع لأنّ دخله في المركب في هذا الموضع، و لا يصير جزء فعليا إلّا بعد حصول ساير الأجزاء و تحقّق المركب، فهل تكون قابليته لأن يصير جزء موقوفة على تحقق الجزء السابق أم لا، و بعبارة اخرى لم يكن السجود قابلا لأن يكون جزء للصّلاة، و يكون سجودا لها إلّا إذا أتى به بعد الركوع أو لا يتوقف على ذلك، و بعبارة ثالثة هل يكون من شرائط السجود أو أجزائه وقوعه بعد الركوع في صيرورته جزء للصّلاة أولا؟ مثلا كما أنّ الانحناء الخاص، بنحو تقع المواضع السبعة على الأرض، ممّا يعتبر في السجود، كذلك يكون من شرائطه وقوعه بعد الركوع أم لا يكون كذلك، بل يكون الترتيب بين الركوع و السجود، و هكذا بين بعض الشرائط مع بعضها شرط من شرائط

الصّلاة في قبال ساير الاجزاء و الشرائط.

ما يأتي بالنظر هو عدم كون قابلية صيرورة جزء من الأجزاء جزء موقوفة على وجود الجزء السابق، بل كل جزء من الأجزاء يكون قابلا لصيرورته جزء بدون توقفه على الجزء الآخر، غاية الأمر لا يصير جزء من الأجزاء فعليا إلّا إذا أتى بجميع أجزاء المركب أعنى: الصّلاة، و لهذا لو أتى بجميع الأجزاء و لم يأت بواحد منها، فالبطلان و فساد المركب مستند إلى عدم هذا الجزء، و إلّا فساير الأجزاء باق

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 39

على قابليتها.

و بعبارة اخرى ليس من جملة ما يعتبر في الجزء اللاحق كونه مترتبا على الجزء السابق لعدم دليل على ذلك، بل الأمر تعلق بنفس الأجزاء، غاية الأمر لا بدّ من إتيان بعض الأجزاء بعد بعض الأجزاء من باب شرطية الترتيبى المعتبر في أصل الصّلاة لا في الجزء.

[في ذكر انّ مقتضى القاعدة هو بطلان الصّلاة]

إذا عرفت تلك المقدمة يظهر لك أنّ ما يقتضي القاعدة هو بطلان الصّلاة لو نسي الركوع و تذكر بعد الدخول في السجود، لأنّ محلّ الركوع مضى لدخول المصلّي في السجود.

و لا مجال لأن يقال: بأنّ السجود الواقع منه ليس قابلا لأن يصير سجودا للصّلاة، لأنّ السجود الّذي جزء للصّلاة هو السجود الّذي يقع بعد الركوع، و في الفرض لم يأت بالركوع فيكون السجود كأن لم يكن، و بعد كونه كأن لم يكن فما مضى محل الركوع، فيأتى بالركوع و يمضي في صلاته و يأتي بما بعده من الأجزاء.

لأنّه بعد كون السجود قابلا لأن يصير جزء للصّلاة في أيّ محل اتفق و لو قبل الركوع، لعدم دخل وقوعه بعد الركوع في قابليته لأن يصير جزء لها، غاية الأمر لا يصير جزء فعليا إلّا بعد إتيان

المركب بسائر أجزائه، فهو مع هذه القابلية يكون جزء للصّلاة و وقع متصفا بوصف الجزئية الغير الفعلية، فمع صيرورة السجود جزء أعنى: قابلا لأن ينضم ساير الأجزاء به و يأتلف بها المركب، فقد مضى محلّ التدارك الركوع، و بعد مضى محل تداركه لا يمكن إتيان الركوع، فمقتضى القاعدة هو فوت

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 40

محلّ تدارك الركوع بالدخول في السجود. «1»

______________________________

(1)- أقول: غاية ما يستفاد ممّا أفاده مدّ ظله العالى هو كون الدخول في السجود موجبا لمضى محلّ تدارك الركوع، و يكون كلامه في محله من هذا الحيث إلّا أنّ ذلك يوجب تمامية قول المشهور إن لم تكن رواية صفوان عن أبي بصير، أعنى: الرواية الرابعة، و أمّا معها فكما قلنا لا بد من الالتزام بالصحة لو تذكر نسيان الركوع قبل إتيان السجدتين و لو دخل في السجدة الاولى.

و نقول: أمّا الكلام في المورد الثاني، أعنى: ما إذا نسى الركوع و تذكر نسيانه بعد إتيان السجدتين، فالحق بطلان الصّلاة و إن دلت الرواية 2 من الباب 11 من أبواب الركوع على خلاف ذلك، و حملها الشّيخ رحمه اللّه على الركعتين الأخيرتين، و لكن عرفت أنّ هذه الرواية غير معمول بها، و لم يتعرض سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى للمورد الثاني، و ما قلت هنا يكون مختاري، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 41

السادس من أفعال الصّلاة السجود

اشارة

(و هو في اللغة كما في مجمع البحرين «1» الميل، و الخضوع، و التطامن، و الاذلال، و كلّ شي ء ذلّ فقد سجد، و منه سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوبه، و سجد الرجل وضع جبهته على الأرض الخ) (و بعد كون معناه اللغوي وضع الجبهة على الأرض لا يبعد كونه

في لسان الشرع مستعملا في معناه اللغوي، و لكن اعتبر فيه بعض قيود و شرائط) و وجوبه في الجملة في الصّلاة من المسلمات، و واجباته امور:

الأمر الأوّل: السجود على سبعة أعظم.
[في ذكر الاخبار الواردة فى السجود]

اعلم أنّ المستفاد من بعض الروايات الواردة في طرق العامة هو وجوب السجدة على الأعظم السبعة فراجع «2» كتبهم، و أمّا عندنا فما يمكن أن يستدل به على الحكم المذكور في الجملة بعض الروايات:

منها: ما رواها زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: السجود

______________________________

(1)- مجمع البحرين، ص 199.

(2)- سنن البيهقى، ج 2، ص 101 و 103.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 42

على سبعة أعظم الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الابهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما، أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم). «1»

و منها: ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن محمد بن عيسى عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عليه السّلام (قال: يسجد ابن آدم على سبعة أعظم يديه، و رجليه، و ركبتيه، و جبهته). «2»

و منها: ما رواها حماد بن عيسى و فيها (و سجد على ثمانية اعظم: الجبهة، و الكفين، و عينى الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الانف، فهذه السبعة فرض، و وضع الأنف على الأرض سنة و هو الإرغام). «3»

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ العامة و إن ذكروا في طرقهم ما يدلّ على وجوب السجدة على سبعة أعظم، و لكن في غير الجبهة منها يكون الاختلاف بينهم، و أمّا عندنا فالحكم تقريبا مسلّم في الجملة، و نقول: أمّا السجود على الجبهة فيدلّ على اعتباره

و وجوبه، مضافا إلى ما مرّ، بعض الروايات الواردة فيمن أصابت جبهته مكانا غير مستو، و بعض ما يدلّ على أنّه يجزي من السجود بالجبهة ما بين قصاص الشعر الى الحاجب و بعض ما يدلّ على مساواة المسجد للموقف، و بعض ما يدلّ على أنّ من كان بجبهته دمل و نحوه يحفر حفيرة، فارجع الباب 8 و 9 و 10 و 11 و 12 من أبواب السجود.

فأصل وجوبه مسلّم إنّما الكلام في حدّ الجبهة، فنقول: بأنّ الجبهة هي السطح الواقع بين الجبينين من طرف العرض، و الواقع بين الأنف و قصاص الشعر من طرف

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب كيفية الصّلاة و جملة من احكامها و آدابها، ج 2.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 43

الطول، فليس الجبينان داخلين فيها، و كان ربما تطلق الجبهة و يراد ما يعمّ الجبينيين، و لكن المراد في المقام هو غيرهما لأنّ معناها ما قلت، و مجرد استعمالها في الاعم لا يوجب صرفها عن معناها الحقيقي.

و كذلك ليس المراد من الجبهة خصوص الحدّ الفاصل بين الأنف و القصاص، أعنى: القطعة المحاذية للأنف، لأنّ الجبهة أوسع من ذلك كما قلنا، بل المراد منها هو ما بين النزعة و الأنف و القصاص و الجبين و ما يظهر من بعض الروايات من كون الجبهة، ما بين الأنف و القصاص و الجبين ليس المراد كون خصوص هذه الناحية هو الجبهة بل هذه الروايات إمّا تكون في مقام بيان عدم وجوب استيعاب جميع ما بين القصاص و الأنف حال السجود و كفاية المسمى،

و إمّا أن تكون في مقام بيان أنّه لا يجب السجود على نقطة خاصة من وسط الجبهة، بل يكفي أيّ موضع من هذا الحدّ في أعلاه و أسفله و وسطه، لا في مقام كون خصوص مقابل الأنف و القصاص حدّ الجبهة، فافهم.

[هل يجب الاستيعاب فى الجبهة او لا؟]

مسئلة: قد عرفت أنّ الجبهة الّتي يجب السجود عليها هي ما بين النزعتين المقابلتين للجنبين، ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في أمرين:

الأمر الأول: هل يجب الاستيعاب في الجبهة، بمعنى وجوب وضع جميع سطح الجبهة على الأرض، أو لا يجب الاستيعاب؟

الأمر الثاني: بعد عدم وجوب الاستيعاب هل يكتفي في مقام إتيان هذا الواجب، أى: وضع الجبهة على الارض، مجرد وضع شي ء من الجبهة على الأرض و لو نقطة بمقدار يحصل مسمى السجود، أو يجب أكثر من ذلك مثل أن يكون الموضع الّذي يضع من الجبهة بقدر سعة درهم أو أنملة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 44

[الكلام فى الامر الاول و الثاني]

أمّا الكلام في الأمر الأول: فنقول: لا يجب الاستيعاب: أمّا أوّلا فلأنّ ظاهر الدليل الّذي يدلّ على وجوب السجدة على الجبهة لا يقتضي ذلك، لعدم دلالة رواية زرارة المتقدمة إلّا على وجوب السجدة على الجبهة، و الجبهة، و الجبهة عبارة عن مجموع العظم الذي بينا مفهومه، فإذا وقع نقطة من هذا العظم على الأرض يصدق أنّ المصلّي وضع جبهته على الأرض عند العرف، كما ترى أنّه يقال عرفا بمن وضع مثلا موضعا من يده على راس أحد: بأنّه وضع يده على رأسه، ففي مقام صدق وضع الجبهة على الأرض عند العرف لا يعتبر استيعاب جميع الجبهة.

و أمّا ثانيا بعض الروايات فارجع الباب 9 من أبواب السجود و نذكر بعضها إنشاء اللّه، و هذا البعض من الروايات دليل على عدم وجوب الاستيعاب.

و امّا الكلام فى الأمر الثاني: بعد عدم وجوب الاستيعاب هل يكفي مسمى الوضع أو يجب أكثر من ذلك؟

قد يقال: بوجوب وضع مقدار الدرهم، أو طرف أنملة من الجبهة متمسكا بالرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: الجبهة

كلها ما بين قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم، أو مقدار طرف الانملة). «1»

[في عدم دلالة رواية زرارة على ما نحن فيه]

و في هذا الباب روايات من زرارة لا يبعد كون كل منها رواية واحدة، و على كل حال يقال: بأنّ الرواية تدلّ على وجوب وضع مقدار الدرهم، أو طرف الأنملة من الجبهة.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 45

و لكن يمكن أن يقال: بعدم دلالة الرواية على ذلك، لأنّ الظاهر منها كفاية أيّ موضع من الجبهة، ثمّ ذكر مقدار الدرهم او طرف الأنملة يكون من باب المثال، و الشاهد على ذلك، أعنى: عدم كونهما حدا تجب رعايته، اختلافهما في المقدار، لأنّ طرف الأنملة و بالفارسية (نوك ناخن) يكون أقل من درهم، فهذا دليل على عدم وجوب خصوص مقدار الدرهم، فافهم.

بل يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد من قوله عليه السّلام فيها (الجبهة كلها ما بين قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط على الأرض أجزأك) هو كفاية المسمّى في غير الجبهة من المواضع السبعة أيضا، لأنّ المستفاد من هذه الرواية أنّه حيث تكون الجبهة موضع السجود، فبكلّ موضع منها يسجد يكفي، لأنّ كلها مسجد و ساير المواضع السبعة يكون كذلك، أعنى: يكون الكفان موضع السجود و هكذا، فبأيّ موضع منه يسجد يكفي، فتأمّل.

و لا ينافي ما قلنا- من كفاية المسمّى و عدم وجوب الاستيعاب، بل و عدم وجوب وضع مقدار الدرهم أو طرف الاصابع- الرواية 5 من الباب 14 من أبواب ما يسجد عليه، و هي ما رواها علي بن جعفر عليه السّلام عن موسى بن جعفر قال: سألته عن المرأة تطول

قصتها، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطّيها الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: لا، حتّى تضع جبهتها على الأرض.

وجه توهّم المنافاة هو أنّ الرواية تدلّ على وجوب وضع تمام الجبهة على الأرض، لأنّه مع فرض السائل من وقوع بعض الجبهة على الأرض (قال عليه السّلام:

لا، حتى تضع جبهتها على الارض) أى: تمام جبهتها.

و أمّا وجه عدم التنافي و دفع التوهم، هو أنّ السائل و إن فرض وقوع بعض

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 46

الجبهة على الأرض، و لكن جوابه عليه السّلام بأنّه (لا، حتّى تضع جبهتها على الارض) لا يدلّ على وجوب الاستيعاب، بل يحتمل أن يكون المراد هو أنّ مجرد وصول بعض الجبهة لا يكفي، لأنّا نقول: باعتبار كفاية المسمى، بل لا بدّ من وضع الجبهة على الأرض، و هو لا يصدق إلّا بمقدار يتحقّق مسمى الوضع.

و بعبارة أخرى بعد كون فرض السائل من وصول بعض الجهة على الأرض له صورتان: صورة تكون بحيث يصدق عرفا وضع الجبهة على الأرض، و صورة لا يصدق ذلك مثل ما وقع بقدر رأس إبرة من الجبهة على الأرض، فالامام عليه السّلام قال (لا حتّى يضع جبهتها على الأرض) يعني: لا يكفي كل وضع، بل لا بدّ من أن يكون بنحو يصدق الوضع.

فمع هذا الاحتمال لا يرى في الرواية مناف مع رواية زرارة المتقدمة، لأنّا أيضا نقول: باعتبار الوضع بمقدار يصدق عرفا أنّه وضع جبهته على الأرض و إن لم نقل بوجوب الاستيعاب، و لا وجوب وضع مقدار الدرهم، أو طرف الأنملة «1» فظهر لك مما مر عدم وجوب الاستيعاب بل كفاية مسمى الوضع و ان كان الاحوط وضع مقدار الدرهم من الجبهة على الارض

فافهم.

و أمّا الكف فنقول: إنّ ما ورد في طرقنا، ففي رواية زرارة المتقدمة قال:

(السجود على سبعة اعظم الجبهة و اليدين) فعبّر فيها بلفظ اليدين، و كذا في رواية قرب الاسناد، و أمّا في رواية حماد فقال (و سجد على ثمانية أعظم: الجبهة، و الكفين

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّه لو فرض دلالة رواية علي بن جعفر على النهي عن وضع البعض و لكن بعد خصوصية رواية زرارة في الجواز، يجمع بينهما بحمل هذه الرواية على الاستحباب فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 47

الخ). فعبّر بلفظ الكف فعلى هذا لا ينبغي الاشكال في أنّ المراد هو الكف، أعنى: يجب وضع الكفين من اليدين، أمّا أوّلا فلأنّ المعصوم عليه السّلام، على ما في نقل حماد، سجد على الكف، و ثانيا فلأنّ المنصرف من وضع اليد هنا وضع الكفين، فلا إشكال في أنّ الواجب وضع الكفين على الأرض، كما لا إشكال في أنّ الواجب وضع باطن الكف، لأنّ ذلك المتبادر من الأمر بوضع الكف و السجود عليه.

ثمّ إنّه هل يجب الاستيعاب في الكفّ بمعنى: وضع تمام باطن الكف أو لا يجب ذلك، بل يكفي مجرد وصول مقدار منه و لو بقدر رأس إبرة لا يبعد أن يقال: بكفاية المسمى فيه أيضا أمّا أوّلا لأنّه بعد وضع مقدار من الكفّ يصدق عرفا أنّه وضع كفّه على الأرض، و ثانيا لما استفدنا من رواية زرارة من أنّه بعد كون الجبهة أو الكف مسجدا فأيّ مقدار منه يوضع على الأرض يجزي.

فبناء على هذا لا يجب وضع تمام الكف، بل لو وضع الكف بنحو يكون بعض أصابعه غير ملصق على الأرض، أو أخمص الراحة منفصلا عن الأرض يكفي.

و أمّا ما توهّم من

كون الأصابع خارجا عن الكفّ، فليس في محله، لأنّ هذا مفاد الكفّ في نظر الأعاجم و أهل الفرس، و أمّا عند العرب فالكفّ يشمل الأصابع.

ثمّ إنّ السيّد المرتضى رحمه اللّه قال: بوجوب وضع الزند على الأرض لا الكفّ، و نقل ذلك عن ابن جنيد و الحلي في السرائر أيضا، و لا نرى مدركا لكلامهم، و لعلّه يكون نظره إلى ما في كلام المنقول من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من (السجود على سبعة اعظم) فيقال: إنّ عظم اليد المقصود سجوده هو عظم الزند، و لكن إن كان نظره إلى ذلك لا وجه له بعد التصريح بأنّه يجب وضع الكفّ، فافهم.

[في ذكر رواية حماد]

و أمّا الركبة، ففي رواية زرارة قال (و الركبتين) و في رواية حماد قال (و عينى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 48

الركبتين) فنقول: حيث إنّ رواية حماد تكون نقل فعل المعصوم عليه السّلام و عين الركبة و إن قلنا في الركوع بأنّها عبارة على ما في اللغة عن نقرة في مقدمها، و لكل ركبة عينان و هما نقرتان في مقدمهما، و هي في نقطة أسفل من الركبة، و لكن لا تدلّ مع ذلك نقل حماد على كفاية وضع هذا الموضع، لأنّه بعد كونها نقل الفعل، و من يضع ركبته على الأرض يقع عين ركبته على الأرض، فلا تدلّ الرواية على كفاية عين الركبة و لو لم يضع نفس الركبة على الأرض.

و بعد استفادة وجوب وضع الركبة على الأرض من رواية زرارة، و لا يستفاد من رواية حماد ما يدلّ على كفاية غير الركبة، فالواجب هو وضع الركبتين على الأرض. «1»

ثمّ إنّه يكفي المسمّى و لا يجب الاستيعاب كما قلنا في الكفّين فلاحظ.

و

أمّا الابهامان فقد عرفت أنّ في رواية زرارة قال عليه السّلام (و الابهامين) و في رواية حماد نقل بأنّ أبا جعفر عليه السّلام سجد على ثمانية أعظم منها أنامل ابهامي الرجلين، نعم يكون في طرق العامة ما يدلّ على أنّ الواجب هو وضع أطراف الأصابع، و لكن ليس في طرقنا إلّا لفظ الرجلين، أو الابهامين، أو أنامل الإبهامين.

أمّا الرجلين فبعد التصريح بأنّ الواجب وضع موضع مخصوص منه و هو الابهامان، فمن المسلّم عدم كفاية غير الابهامين.

و أمّا الابهامين فالأنملة كانت عبارة عن المفصل الواقع في الأصبع، أو

______________________________

(1)- أقول: على ما يظهر من كلام أهل اللغة كما قدمت كلامهم في الركوع، لا يمكن وصول عيني الركبة على الأرض، لأنّها على ما قالوا حفرتان حولى الركبة، فكيف يمكن وصولهما إلى الأرض، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 49

خصوص مفصل الأصبع الّذي فيه الظفر، و الابهامان و إن كانتا عن تمام الاصبعى الأكبرين، و لكن يحتمل تعين وضع رأس الابهامين من باب كون وضع الطبيعي في السجدة هو وضع رأس الابهام على الأرض، و لكن مع ذلك يشكل دعوى تعين وجوب وضع رأس الابهام، لأنّ الابهام أعم، و يمكن كون وضع الأنملة من باب كونها جزء الابهام، فافهم. «1» هذا تمام الكلام في هذا الجهة.

مسئلة: قد عرفت ممّا مرّ أنّ في طرق العامة يرى بعض الروايات يدلّ على وجوب السجود و وضع مواضع سبعة على الأرض و لكن مع ذلك يرى أنّ أكثرهم لا يفتون بوجوب السجدة إلّا على الجبهة، و أمّا وضع ساير المساجد فلا يقول أكثرهم بوجوبه، بل يقولون باستحبابه، و منشأ ما قالوا هو ما نقل عن النبي صلى اللّه عليه و آله و

سلم بأنّه قال: (اللّهم سجد لك وجهي) و لم يقل: سجد لك ساير الأعاظم، و أمّا في طرقنا فصرّح في رواية زرارة بأنّ السجود على سبعة أعظم، و كذا في غيرها ما يدلّ على أنّ السجود يكون على سبعة أعظم، فترى أنّ المستفاد منها هو أنّ السجود يقع على الكفين، و الركبتين، و الابهامين كما يقع السجود على الجبهة.

[في ذكر اشكال في عدم كون النسيان في غير الجبهة موجبا للبطلان]

فمن هنا يجي ء إشكال، و هو أنّه يدعي التسلّم بعدم كون نسيان وضع أعظم السبعة غير الجبهة موجبا لبطلان الصّلاة، و أنّ ما يبطل الصّلاة هو نسيان وضع خصوص الجبهة و بعبارة اخرى الركن هو ما يبطل به الصّلاة باخلاله العمدي و السهوى، و السجدة من جملة أركان الصّلاة، فهل يكون محقّق الركن خصوص

______________________________

(1)- أقول: نعم لو كان المراد من الأنملة رأس الاصبع كما في كتاب المنجد، فلا يبعد دعوى تعين وضع رأس الابهام إمّا من باب انصراف وضع الابهام بوضع رأسه، و امّا من باب كون الظاهر من فعل المعصوم عليه السّلام وضع الأنملة و هو رأس الاصبع على ما في المنجد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 50

وضع الجبهة على الأرض، أو هو مع وضع ساير الاعظم السبعة؟

فإنّ كان الأوّل فلازمه فساد الصّلاة بنسيان وضع الجبهة، و عدم بطلانها باخلاله بسائر المواضع السبعة، و أمّا على الثاني فتبطل الصّلاة بنسيان وضع كل واحد من المواضع السبعة.

فالعامة حيث قال أكثرهم باستحباب وضع غير الجبهة من المواضع السبعة، يقولون بأنّ محقّق السجدة وضع الجبهة، فلا تبطل الصّلاة بترك وضع ساير المواضع السبعة.

و أمّا نحن الخاصّة فقد عرفت بأنّ المعتبر في طرقنا وجوب السجود على الأعظم السبعة، أعنى: تتحقق السجدة بوضع تمام هذه الاعظم، فالظاهر من رواية

زرارة و حماد هو أنّ السجدة تتحقق بوضع المواضع السبعة، فلازم ذلك كون السجدة عبارة عن ذلك، فما هو الركن هو السجدة، و السجدة هذا، فلو نسي و لم يضع أحدا منها على الأرض فقد أخلّ بركن الصّلاة، و الحال أنّه يدّعى الاجماع على أنّ ما هو محقق للسجدة الّتي تكون ركنا للصّلاة وضع الجبهة فقط على الأرض، فلو نسى وضعها فقد أخلّ بالركن، و أمّا لو أخلّ بغيرها من المواضع السبعة فلم يخلّ بالركن، بل أخلّ بواجب غير الركن، فلا تبطل الصّلاة لو تركها سهوا.

[في ذكر الاحتمالان في رواية زرارة]

فكيف يجمع بين كون السجدة على جميع هذه المواضع على ما في رواياتنا، و بين كون خصوص وضع الجبهة على الأرض محقّق الركن في السجود، فنقول: يحتمل في رواية زرارة احتمالان:

الاحتمال الأوّل: كونها في مقام بيان أنّ حقيقة السجدة تتحقق بوضع هذه الاعظم السبعة على الأرض بحيث لو لم يضع واحدا منها على الأرض لم يتحقّق ما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 51

هو سجدة الصّلاة عند الشارع فعلى هذا الاحتمال يكون التنافي بين رواية زرارة و الاجماع المدعى على كون خصوص وضع الجبهة محقّق للسجدة.

الاحتمال الثاني: هو أن يكون محقّق السجدة مجرد وضع الجبهة على الأرض، و لكن حيث يكون وضع سائر المواضع مقارنا لوضع الجبهة، أعنى: إذا وضعت الجبهة على الأرض يوضع الكفان، و الركبتان، و الابهامان على الأرض غالبا، فمن باب ذلك (قال السجود على سبعة أعظم) لا من باب دخل وضعها في تحقق السجدة الّتي هى ركن للصّلاة فعلى هذا الاحتمال لا تنافي بين ما يستفاد من رواية زرارة، و بين الاجماع على كون محقّق الركن صرف وضع الجبهة على الارض.

فبهذا الاحتمال الثاني يمكن حمل رواية

زرارة و يوجّه ظاهرها بحيث لا ينافي مع الاجماع، و يأتي بعد ذلك إن شاء اللّه التكلم في أنّ محقّق ركنية السجود هل هو خصوص وضع الجبهة على الأرض و عدم دخل لسائر المواضع، أو لها دخل في ركنيتها.

الامر الثاني: من واجبات السجود

، وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه من الأرض و نباتها بتفصيل لم يكن هنا محلّ بحثه، و لم يتعرض له سيدنا الاستاد مدّ ظلّه العالي).

الامر الثالث: من واجبات السجود
اشارة

، أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضع جبهته موقفه إلّا أن يكون علو يسير بمقدار لبنة يدلّ على هذا الحكم في الجملة روايات:

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن السجود على الأرض المرتفع؟ فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 52

موضع بدنك قدر لبنة، فلا بأس). «1»

و نقل في الكافي بدل (بدنك) (رجليك) و احتمل بعض كون العبارة (يديك) لا بدنك.

الرواية الثانية: و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المريض أ يحلّ له أن يقوم على فراشه و يسجد على الأرض؟ قال: فقال: إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة، أو أقل استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض و إن كان أكثر من ذلك فلا). «2»

تدلّ الاولى على اغتفار ارتفاع موضع الجبهة من موضع البدن بقدر لبنة بالمنطوق، و على عدم اعتفار أزيد من ذلك بالمنطوق أيضا.

و بعض الروايات يدلّ على وجوب الاستواء بين موضع الجبهة و الموقف.

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال: لا، و لكن يكون مستويا). «3»

الرواية الثانية: و هي ما رواها أبو بصير يعنى (المرادي) (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد؟ فقال: إني احبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي و كرهه). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب

10 من ابواب السجود من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 53

الرواية الثالثة: و هي ما رواها محمد بن عبد اللّه عن الرضا عليه السّلام في حديث (أنّه سألته عمّن يصلّي وحده، فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: إذا كان وحده فلا بأس). «1»

و هذه الروايات على فرض دلالتها على اعتبار الاستواء بين الجبهة و الموقف في حدّ ذاتها، فمقتضى الجمع بينها و بين الرواية الاولى من روايتي عبد اللّه بن سنان هو استحباب الاستواء، كما يظهر من رواية أبي بصير استحباب الاستواء (مضافا إلى إمكان أن يقال: بأن عبد اللّه بن سنان بعد ما رأى أنّه عليه السّلام أجاب (و لكن يكون مستويا) سئل مجددا فأجاب باغتفار الارتفاع إذا كان قدر لبنة، فبناء على هذا يكون المراد من وجوب الاستواء ما لا ينافي الارتفاع بقدر لبنة، فتأمل).

فتكون النتيجة أنّ موضع الجبهة ان كان مرتفعا من موضع البدن بأكثر من لبنة فلا يغتفر، و إن كان بقدر لبنة أو أقل منها مرتفعا فلا بأس به،

[في ذكر بعض الفروع]
اشارة

ثمّ إنّ هنا بعض الفروع نتعرض بعون اللّه تعالى فنقول:

الفرع الأوّل هل يغتفر انخفاض موضع الجبهة عن موضع البدن بقدر لبنة و عدم اغتفاره إن كان أكثر من لبنة كما اغتفر في ارتفاعه بقدر لبنة و عدم اغتفاره بأزيد من لبنة أم لا؟

قد يقال: بأنّ الظاهر من بعض الروايات هو اعتبار الاستواء، فما خرج من ذلك هو صورة ارتفاع موضع الجبهة من الموقف بقدر لبنة، و أمّا انخفاضه فمخالف للاستواء المستفاد من الرواية الثانية من روايتي عبد اللّه بن سنان.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان

الصلاة، ج 6، ص: 54

و لكن فيه أنّ الاستواء الدالّ عليه أحد روايتي عبد اللّه بن سنان هو الاستواء المقابل للارتفاع لا الانخفاض، لأنّ السائل سئل عن جواز ارتفاع الجبهة، فأجاب عليه السّلام (لا و لكن يكون مستويا) فالاستواء المعتبر هو الاستواء المقابل للارتفاع و لكن يمكن أن يقال: بدلالة رواية عمار على اغتفار انخفاض الجبهة بقدر آجرة و عدم اغتفار الأكثر من ذلك، لأنّ المستفاد منها ذلك، غاية الأمر مورد السؤال فيها هو المريض، و لكن لا خصوصية للمريض في هذا الحيث، أمّا عدم اغتفار انخفاض الجبهة من الموقف بأكثر من لبنة أو آجرة فتدلّ عليه هذه الرواية بالأولوية، لأنّه بعد عدم اغتفار ذلك للمريض ففي غيره بالاولوية غير مغتفر، و أمّا اغتفار أقل من آجرة لغير المريض فيستفاد منها بإلغاء الخصوصية. «1»

و لكن مع ذلك الفتوى على طبق رواية العمار مشكل، لأنّه بعد ما نرى من عدم تعرض لهذا الحكم في كلام القدماء رحمهم اللّه، بل يظهر من عبارة صاحب الجواهر رحمه اللّه كون اخفضية موضع الجبهة عند بعض الفقهاء قدّس سرّهم مطلوبا لكونه أقرب إلى التذلل و التواضع، فلم يكن هذا الحكم مورد فتوى القدماء من الأصحاب و أنّهم مع رؤيتهم رواية عمار إمّا أعرضوا عنه، و إمّا لم تكن الرواية بنظرهم دالا على هذا الحكم.

______________________________

(1)- أقول: و لكن في اغتفار انخفاظ الجبهة في أقل من لبنة في غير المريض تمسكا برواية عمار فمشكل لاحتمال الخصوصية في المريض، نعم يمكن أن يقال: بأنّه بعد عدم وجود دليل على وجوب الاستواء المقابل للانخفاض كما قلنا لأنّ كلّ ما يدلّ على اعتبار الاستواء يكون في مقام بيان اعتبار الاستواء المقابل للعلو، فنشك في أنّه

هل يعتبر الاستواء المقابل لانخفاض الجبهة أم لا يعتبر ذلك في أقل من آجرة، فنرفع شرطيته أو جزئيته بالبراءة، لأنّ الشّك يكون بين الأقل و الأكثر الارتباطى، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 55

و نحن إذا تأملنا في الرواية نفهم عدم ظهور لها في هذا الحكم، لأنّها محتمل لاحتمالين:

الاحتمال الأوّل: أن يكون السؤال عن ارتفاع البساط عن موضع الجبهة، و كان جوابه عليه السّلام ناظرا إلى هذا، فيستفاد منه عدم جواز أخفضية موضع الجبهة عن موضع البدن بأكثر من آجرة.

الاحتمال الثاني: أن يكون سؤال السائل عن جواز الصّلاة على البساط إمّا من باب عدم استقراره و تمكنه، و إمّا من باب كونه خلاف التذلل، فيكون جوابه عليه السّلام ناظرا إلى سؤاله، و أنّه لا مانع من الصّلاة على البساط لو كان بقدر آجرة أو أقل من حيث الارتفاع من موضع الجبهة فعلى هذا لا يكون السؤال و الجواب مربوطا بما نحن فيه، بل يكون السؤال من أصل الصّلاة على البساط، من باب عدم استقرار البساط أو خلاف التذلل، فأجاب عليه السّلام بأنّ ارتفاعه إن كان عن موضع الجبهة بقدر آجرة أقل فلا مانع منه، و لا ظهور للرواية في الاحتمال الأوّل إن لم نقل بظهورها في الاحتمال الثاني، فلهذا لا يمكن الاستدلال على ما نحن فيه برواية عمار، فلا دليل في البين على عدم جواز أخفضية موضع السجود عن مواضع البدن فافهم.

[الكلام فى الفرع الثاني]
اشارة

الفرع الثاني: الاستواء المعتبر بين الجبهة و غيرها، هل يعتبر بين الجبهة و بين خصوص القدمين أعنى: الابهامين، أو بينها و بين الابهامين و الركبتين، أو بينها و بين ساير الأعظم السبعة حتّى الكفين؟

اعلم أنّ المستند في اغتفار ارتفاع الجبهة عن موضع البدن

بمقدار لبنة أو أقل و عدم اغتفاره في أكثر من اللبنة هو أحد روايتي عبد اللّه بن سنان المتقدمة فما يستفاد منها هو الّذي لا بد أن نختاره، فنقول يحتمل في قوله عليه السّلام في هذه الرواية في جواب

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 56

سؤال السائل عن السجود على الأرض المرتفع (اذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس) احتمالات أربعة:

[في ذكر الاحتمالات الاربعة في المورد]

الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من موضع البدن هو موضع البدن حال القيام، فيكون المراد على هذا أنّه لا بد من التساوي بين موضع القدم حال القيام و بين موضع الجبهة حال السجود، فلو فرض أنّ المصلّي حال القيام وقع في موضع يكون أخفض من موضع الجبهة باكثر من لبنة، و لكن إذا ذهب إلى الركوع أو بعد الركوع ذهب إلى موضع آخر يكون هذا الموضع مساويا مع موضع الجبهة، فليزم بطلان الصّلاة، أو إذا كان حال القيام في موضع يكون موضع السجود مساويا معه، و لكن ذهب إلى موضع آخر يكون أرفع من موضع الجبهة بأكثر من لبنة، لا بد أن نلتزم بصحة الصّلاة، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بأحد منهما، و نسب هذا الاحتمال إلى كاشف الغطاء رحمه اللّه.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من موضع بدنك موضع القدمين حال القيام بشرط عدم انتقاله من المحل الواقع عليه حال القيام إلى موضع آخر.

الاحتمال الثالث: أن يكون المراد من موضع بدنك محل جلوسه قبل الركوع، ففي كل موضع جلس فيه قبل السجود، فلا بدّ و أن يكون محل السجود مساويا معه إلا إذا كان ارتفاع الجبهة بمقدار لبنة أو اقل منها.

الاحتمال الرابع: أن يكون المراد من موضع بدنك موضع

البدن حال السجود بمعنى أن لا يكون موضع الجبهة أرفع من موضع البدن حال السجود باكثر من مقدار لبنة.

إذا عرفت هذه الاحتمالات نقول: بأنّ مقتضى وضع الانحناء المطلوب حال

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 57

السجود عند العرف هو الاحتمال الرابع، لأنّه إذا كان موضع البدن الواقع على الارض مع موضع الجبهة حال السجود مساويا يكون انسب مع الانحناء السجودي، مضافا إلى أنّ مناسبة الحكم و الموضع يقتضي كون المراد من موضع البدن موضع البدن حال السجود، فإنّ هذا الحال أعنى: حال السجود، صار محكوما بهذا الحكم، فإذا أمر بعدم أرفعية موضع الجبهة عن موضع البدن حال السجود، فلا يفهم منه العرف إلّا ملاحظة التساوي في هذا الحال، و يكون ساير الاحتمالات خلاف الظاهر، فاذا قيل مثلا: لا ترتفع موضع جبهتك عن موضع بدنك حال السجود فلا يفهم منه العرف إلّا ملاحظة الموضع في حال السجود، و لا يفهم منه تساوي موضع الجبهة مع موضع البدن حال السجدة موضعه في حال القيام، أو حال الجلوس.

[الأظهر هو الاحتمال الرابع]

فمن هنا يظهر انّ الاقوى هو الاحتمال الرابع المتبادر ذلك من الرواية، و أمّا ما ورد من التعبير بلفظ (المقام) في الرواية الاخرى من روايتي عبد اللّه بن سنان الدالّ على اعتبار استواء موضع الجبهة مع مقام المصلّي، فلا يكون دالّا على كون الاعتبار بموضع قيام المصلّي القابل لانطباق على الاحتمال الأوّل أو الثاني من الاحتمالات الأربعة امّا أوّلا فلأنّه ليس (المقام) ظاهرا في محل القيام بحسب اطلاقاته، و لذا ترى أنّك تقول في مقام الدعاء (اللّهم إنّ هذا مقام العائذ بك من النار) فتقول إذا كنت قائما كنت جالسا (هذا مقام العائد). فيحتمل أن يكون المراد من المقام المكان، و

ثانيا بعد قوله عليه السّلام في الرواية الاخرى من روايتي عبد اللّه بن سنان (موضع بدنك) و قلنا بأنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون النظر إلى حال السجود، فيحمل المقام على الموضع الّذي يكون موقفه حال السجود بقرينة هذه الرواية.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 58

الفرع الثالث:

بعد كون الواجب عدم ارتفاع موضع الجبهة عن موضع البدن إلّا بقدر لبنة أو أقل، فيقع الكلام في ما هو المراد من موضع البدن حال السجود.

اعلم أنّه لا إشكال في أنّ ما يقع من البدن على الأرض حال السجود ليس إلّا الكفين، و الركبتين، و الابهامين، و يكون ما بقي من البدن متجافيا عن الأرض و غير ملاصق مع الأرض، فهل تكون العبرة بوضع تمام هذه المواضع السبعة، أعنى:

الكفين، و الركبتين، و الابهامين، بمعنى: عدم جواز ارتفاع موضع الجبهة بأكثر من لبنة عن كل هذه المواضع، او تكون العبرة بخصوص الركبتين، بمعنى: عدم جواز ارتفاع موضع الجبهة عن موضع الركبتين حال السجود بأكثر من لبنة، أو تكون العبرة بالركبتين و الابهامين، بمعنى: عدم جواز ارتفاع موضع الجبهة عن موضع الركبتين و الابهامين حال السجود، كلّ محتمل:

وجه الأوّل: أنّ كل هذه المواضع الستة موضع وقوع ثقل البدن حال السجود.

وجه الثاني: أنّ ما يقع عليه ثقل البدن حال السجود بعد وضع الجبهة على الأرض، هو الركبتان، و لا دخل للكفين و الابهامين.

وجه الثالث: أنّ وضع السجود مقتض لوضع الابهامين، فهما من مواضع البدن حال السجود، لأنّه لا يرفع الرجلان، و الرجلان يعدّ جزء البدن بخلاف الكفّين، أحوط الاحتمالات هو الاحتمال الأوّل. «1»

______________________________

(1)- أقول: بناء على كون الميزان ملاحظة موضع البدن حال السجود، لا يبعد كون الاحتمال الأوّل أقرب مضافا إلى كونه

أحوط، لأنّ الميزان ليس موضع ثقل البدن، بل ما أخذ في الدليل هو موضع البدن، و لا إشكال في أنّ كل هذه المواضع الستة يكون موضع البدن. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 59

الفرع الرابع:
اشارة

هل يجب عدم أرفعية موضع السجدة من كل من الركبتين، و كل من الابهامين، و كل من الكفين بناء على كون المراد من موضع البدن كل هذه المواضع الستة، أو لا يجب ذلك، بل يكفي عدم ارفعية موضع السجدة عن بعض منها، مثلا إذا كان موضع السجدة غير مرتفع من بعض هذه المواضع يكفي في تحقق حكم المذكور و إن كان أرفع من مقدار لبنة من بعضها الاخر.

الحق الأوّل، لأنّ ظاهر الدليل عدم كون موضع الجبهة أرفع بأزيد من لبنة عن موضع البدن، فكل ما يعدّ حال السجدة موضع البدن لا بدّ و أن يكون غير مرتفع موضع السجدة منه بأكثر من لبنة، فافهم.

[في ذكر الاقوال فى المورد]

تنبيه لو وضع المصلّي جبهته نسيانا على موضع أرفع من لبنة من مواضع بدنه، أو وضع على موضع نجس، أو وضع على غير ما يصح السجود عليه، فهل يجوز رفع راسه من هذا الموضع، ثمّ وضعه على موضع لا يكون أرفع من موضع بدنه من لبنة، أو وضع رأسه على موضع طاهر، أو ما يصح السجود عليه من الأرض أو ما أنبت منها غير المأكول و الملبوس، أو لا يجوز ذلك، بل يجب جرّ جبهته و وضعها على موضع خال عن الاشكال وجوه بل أقوال:

القول الأوّل: عدم الجواز مطلقا.

القول الثاني: الجواز مطلقا.

القول الثالث: التفصيل بين ما إذا وضع رأسه على موضع مرتفع، فيجوز الرفع، و بين ما وضع جبهته على موضع نجس أو على ما لا يجوز السجود عليه، فلا يجوز الرفع في هذه الصورة.

لا إشكال في أنّه لو جرّ جبهته إلى موضع آخر طلبا لتحصيل مسجد واجد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 60

للشرط، و وضع جبهته على هذا الموضع، فتصح

السجدة و تصح الصّلاة، إنّما الكلام في جواز رفع الرأس و وضعه ثانيا في موضع يصح السجود عليه.

فنقول: إنّ الكلام تارة يقع في ما تقتضيه القاعدة، و تارة في ما يستفاد من أخبار الباب.

أمّا الكلام في ما تقتضيه القاعدة فنقول: أمّا ما يمكن أن يكون وجها لعدم جواز رفع الرأس، فهو أنّه يوجب زيادة السجدة، و زيادتها مبطلة،

[في جواز رفع الرأس وجوه]
اشارة

و أمّا ما يمكن أن يقال في وجه جواز رفع الرأس فوجوه:

[الاول و الثاني]

الوجه الأوّل: أن يقال: بأنّ في السجدة إذا وقعت الجبهة على موضع يكون أرفع من اللبنة من موضع البدن لا تكون سجدة عرفا، فإذا لم يصدق على هذه السجدة أنها سجدة عرفا لا تكون زيادتها مبطلة للصّلاة، لأنّ ما يدلّ على كون زيادة السجدة مبطلة يدلّ على ما هو سجود عرفا، و ليس هذا سجود عرفا، و يظهر هذا الوجه من صاحب الجواهر رحمه اللّه «1»، و لهذا لم يقل بجواز الرفع إلّا في صورة وضع جبهته على موضع أرفع من لبنة.

الوجه الثاني: أنّه لو سجد على موضع أرفع، أو على موضع نجس، أو على ما لا يصح عليه السجدة، فلا يكون هذا السجود سجودا شرعا، و بعد عدم كونه سجودا شرعا فليست زيادتها مبطلة، لأنّ المراد من أنّ زيادة السجدة مبطلة يكون هو السجدة الشرعية، أعنى: إذا حصلت سجدة مع ما اعتبر فيها شرعا تصدق الزيادة و الّا فلا.

______________________________

(1)- جواهر، ج 10، ص 159.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 61

الوجه الثالث:

هو أن يقال: بأنّ الزيادة في الصّلاة تصدق إذا وجدت جزء من أجزائها من أوّل الأمر متصفا بالزيادة، فلا تكون زيادتها مبطلة إذا لم يكن من أوّل حدوثه متصفا بالزيادة، لأنّ المستفاد من الأدلة هو بطلان الصّلاة بالزيادة اذا احدث الزيادة و لا يصدق احداث الزيادة إلا إذا وجدت من أوّل الأمر متصفا بالزيادة، فبناء على هذا يقال: بأنّه في ما نحن فيه لو رفع المصلّي رأسه ثمّ وضعه على موضع يصح السجود عليه، أو لم يكن مرتفعا فالسجود الثاني يتصف بالجزئية للصّلاة لواجديته لما يعتبر في سجود الصّلاة، و الاول لا يتصف بالزيادة لعدم كونه من أوّل الأمر واجدا لوصف الزيادة، و بعبارة اخرى

لم يحدث زائدا، بل بعد إتيان سجود الثاني يصير زائدا، و هذا النحو من الزيادة غير مبطلة للصّلاة، هذا كلّه في الوجوه الثلاثة الّتي ذكر وجها لجواز رفع الرأس و السجود ثانيا، و الوجه الثاني و الثالث ذكرهما الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في كتابه. «1»

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: أمّا الوجه الأوّل ففيه أنّه لا يمكن أن يقال بجواز الرفع من باب عدم صدق السجود العرفي، لصدق السجود عرفا على السجود الواقع على موضع أرفع من لبنة عن موضع البدن، أو على ما لا يصح عليه مسلما، و كيف يمكن أن يقال: بأنّ من وضع جبهته على موضع لا يكون أرفع من موضع البدن بقدر لبنة سجود عند العرف، و أمّا لو وضع جبهته على موضع أرفع من موضع البدن بأزيد من لبنة بمقدار يسير، مثلا بقدر عشر لبنة بأنّه لم يكن سجودا عرفا، فمن هذا الحيث لا يمكن ان يقال بجواز رفع الرأس، و هكذا في ما وضع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه فيصدق عليه السجود عرفا لأنّه لا يكون موضوع السجود عند

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 345.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 62

العرف إلّا وضع الجبهة على الأرض، فعلى كل موضع وضع الجبهة يصح عرفا أنّه سجد (نعم، يمكن أن يقال في بعض أفراد السجود على الموضع المرتفع: بعدم صدق السجود العرفي مثل ما إذا كان موضع الجبهة أرفع بمقدار كثير بحيث لا يحصل الانحناء اللازم في السجود، فتأمل) فعلى هذا بهذا الوجه لا يمكن أن يقال: بجواز رفع الرأس من السجدة الاولى و السجود ثانيا.

أمّا الوجه الثاني فنقول: بأنّ مدرك كون زيادة السجدة مبطلة ليس إلّا التسلّم عند

الأصحاب قدس سرّهم و إلّا فلم يبلغ نصّ دالّ عليه إلينا، و قوله عليه السّلام في رواية زرارة (فإنّ السجود زيادة في المكتوبة) في السجدة التلاوة، فاستفادة هذا الحكم منه مشكل، و يأتي تمام الكلام فيه في الخلل إنشاء اللّه، و ظاهر عبائر الأصحاب عدم كون زيادة السجدة المبطلة خصوص زيادة السجدة الشرعية حتّى يقال: بأنّ زيادة السجدة المبطلة للصّلاة منحصرة بما إذا زاد السجود الشرعي، أعنى: السجود الّذي جعله الشارع جزء للصّلاة.

أمّا الوجه الثالث فنقول: ينبغي أن يتكلم في أنّ الزيادة تصدق إذا وجد جزء من أجزاء الصّلاة ثانيا بعد وجوده الأوّل بعنوان الجزئية أو لا يعتبر ذلك.

و بعبارة اخرى إذا تحقق جزء في الخارج، ثمّ أوجد المكلف هذا الجزء ثانيا يكون الثاني مصداق الزيادة، أو يتصور كون أوّل ما وجد بقصد الجزئية مصداقا للزيادة بعد وجود هذا الجزء بقصد الجزئية ثانيا، مثلا في السجود إذا أتى بأربع سجدات بقصد الجزئية، فلا إشكال في كون السجدتين منهما زائدا، فهل تكون السجدتان الأخيرتان من أربع سجدات مصداقا للزيادة، أو تكون الأولتان من أربع سجدات مصداقا للزيادة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 63

و بعبارة ثالثة هل يعتبر في صيرورة الجزء مصداقا للزيادة أن يكون حين حدوثه متصفا بالزيادة، أولا يعتبر ذلك؟

فإن قلنا بالأوّل فلا مانع من أن يقال: بجواز رفع الجبهة من الأرض و وضعها ثانيا لعدم اتصاف السجدة الاولى بالزيادة، و وقوع السجدة الثانية جزء للصّلاة.

و إن قلنا بالثاني، فلو رفع رأسه و وضع ثانيا فقد زاد في صلاته، لأنّ السجدة الاولى وقعت زائدة، و يأتي التحقيق في كون الأمر في الزيادة بنحو الأوّل أو الثاني في الخلل إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ

صيرورة جزء من اجزاء الصّلاة مصداقا للزيادة تكون موقوفة على وقوعه بقصد الجزئية بعد وقوع الجزء أولا و اتصافه بالجزئية فدائما يكون مصداق الزيادة الوجود الثاني من الجزء لا الوجود الأوّل منه، و أمّا بناء على عدم اعتبار ذلك فلو وجد أربع سجدات في ركعة فقابل لأن تكون الأوّلتان منها مصداقا للزيادة، و قابل لأنّ تكون الأخيرتان منها مصداقا للزيادة «1» ثمّ إنّه يفرض بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين لأنّ زيادتهما، و لو كانت سهوا، في ركعة واحدة مبطلة، و أمّا حيث لا تكون زيادة سجدة واحدة سهوا في ركعة مبطلة للصّلاة، فلا بدّ من فرض الزيادة المبطلة بالنسبة إلى سجود واحد في صورة العمد، لأنّه لو زاد سجدة واحدة على السجدتين الواجبتين في ركعة واحدة تبطل الصّلاة

______________________________

(1)- أقول: بأنّ في هذه الصورة لا بد أيضا من أن تكون الاخيرتان مصداق الزيادة، لأنّ بعد إتيان الاولتين بقصد الجزئية و وقوعهما بتمام ما يعتبر فيهما، فهما صارتا منطبق السجدتين المأمور بهما في الصّلاة، و سقط الأمر بهما، فقهرا لو وجدت بعدها سجدتان آخرتان بقصد الجزئية فهما تكونان زيادة في الصّلاة و مصداقا للزيادة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 64

و إلّا فلا، فلا بدّ من فرض صورة يأتي المكلف بسجدة زائدة عمدا حتّى تبطل بها الصّلاة، و كيف يفرض ذلك، لأنّه لا تصدق الزيادة في السجدة إلا إذا أتى بها بعنوان الجزئية، و مع فرض إتيان ما هو الواجب و ما هو الجزء و هو السجدتان، فكيف يمكن فرض إتيان سجدة بقصد الجزئية عامدا عالما، و لا يقع جزء للصّلاة حتّى يقع الكلام في أنّ رفع الرأس منها هل يوجب الزيادة المبطلة أم لا.

فنقول: يمكن فرض ذلك،

و هو أن يفرض أنّ المصلّي ينحني بقصد السجود الواجب في الصّلاة، ثمّ تقع جبهته على الموضع المرتفع، أو على ما لا يصح السجود عليه اتفاقا ففي هذه الصورة أتى بالسجدة بقصد الجزئية عمدا، فإن رفع راسه و يضع ثانيا على الموضع الواجد للشرائط، فيقع الكلام في أنّ السجدة الاولى تكون زيادة أم لا، فيمكن فرض إتيان سجدة بقصد الجزئية عامدا و صيرورتها زيادة بناء على عدم جواز الرفع.

[في ذكر الروايات فى الباب]

هذا كلّه في الوجوه الآتي استدل بها على كون رفع الرأس جائزا بحسب القاعدة، و ما بينّا فيها، و أمّا بمقتضى النصوص فنقول بعونه تعالى: إنّ في المقام روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها معاوية بن عمار (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض). «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم جواز الرفع و وجوب الجرّ إذا وقعت الجبهة على النبكة (و النبكة على ما قيل بالنون و الباء الموحّدة المفتوحتين واحدة النبك و هي

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 65

اكمة محددة الرأس و قيل النباك التلال الصغار).

و يحتمل كون وجوب الجرّ و عدم جواز الرفع من باب وقوع الجبهة على الموضع الّذي لا يجوز السجود عليه لارتفاعه عن موضع البدن، و يحتمل أن يكون الجرّ من باب أنّ جبهة المصلّي وقع على الموضع الّذي لا تستريح الجبهة، فلأجل عدم كونه مستريحا يريد أن يضع جبهته على مكان آخر مستو لا أن يكون رأسه واقعا على موضع لا يصح السجود عليه و مع هذا قال بعدم جواز الرفع و وجوب الجرّ حتى يكون شاهدا لما

نحن فيه، بل يكون عدم جواز الرفع على هذا الاحتمال من باب وقوع الجبهة على موضع يصح السجود عليه، و لا يكون أرفع من موضع البدن بأزيد من لبنة، و لكن لم يكن الرأس على موضع مستريح، و لهذا قال بعدم جواز الرفع و وجوب الجرّ، و الشاهد على كون مفاد الرواية هو الاحتمال الثاني خصوصية ذكر النبكة، لأنّ وقوع الجبهة عليها صار موجبا لعدم استراحة الشخص، و يريد وضعها على موضع مستريح، فقال عليه السّلام (فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض) و لكن مع ذلك يمكن أن يقال: بأنّ قول الامام عليه السّلام مطلق، لأنّه أمر بعدم جواز الرفع مطلقا و وجوب الجرّ. «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها ابن مسكان عن حسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: أضع وجهي للسجود، فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع احوّل وجهي إلى مكان مستو؟ فقال: نعم جرّ وجهك على الأرض من

______________________________

(1)- أقول: لا وجه للاطلاق بعد احتمال كون عدم جواز الرفع من باب وقوع الجبهة على المسجد الّذي يصح السجود عليه و غير مرتفع، فلا تفيد الرواية لما نحن فيه حيث إنّ كلامنا يكون فيما إذا تقع الجبهة على الأرض المرتفع أو ما لا يصح السجود عليه، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 66

غير أن ترفعه). «1»

دلالتها على عدم جواز الرفع و وجوب الجرّ واضح.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «2» (قال: سألته عن الرجل يسجد علي الحصى، فلا يمكن جبهته من الأرض، قال: يحرّك جبهته حتّى يتمكن فينحني، و لا يرفع رأسه). «3»

الرواية الرابعة: و

هي ما رواها أبو مالك الحضرمي عن الحسين بن حماد (قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال: ارفع رأسك ثمّ ضعه). «4»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها الفضل بن صالح عن الحسين بن حماد (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسجد على الحصى، قال: يرفع راسه يتمكّن). «5»

و هاتان الروايتان تنتهي سندهما إلى الحسين بن حماد الراوي للرواية

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- أقول: و يحتمل أيضا في هذا الرواية ما احتمل في الرواية الاولى من كون النهي عن الرفع من باب وقوع السجدة مع ما يعتبر فيها، و لكن حيث لم يكن مستريحا من جهة وقوع الجبهة على الحصى، أجاز التحريك حتّى يتمكن و لم يجوز رفع الرأس فحيث يحتمل ذلك فلا يمكن الاستدلال بها على ما نحن فيه، أعنى: على الصورة الّتي لم تقع الجبهة على الموضوع الّذي لا يجوز السجود عليه. (المقرّر)

(4)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 67

الاولى، فالرواية الثانية و الرابعة و الخامسة يرويها راو واحد، و هو الحسين بن حماد، غاية الأمر كل رواية من الروايات الثلاثة يروي شخص عنه غير من يروي عنه روايته الاخرى، و على كل حال تدلّان الروايتان الأخيرتان على جواز الرفع.

[نذكر لرفع التعارض احتمالات أربعة]

إذا عرفت حال الروايات، فيقال: بأنّ الرواية الاولى و الثانية و الثالثة دالات على عدم جواز رفع الجبهة، و أنّه يجب الجرّ، و الرواية الرابعة و الخامسة على جواز الرفع،

فيقع التعارض بين الطائفتين، فنقول: إنّ هنا بعض الاحتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يقال: بأنّ الرواية الثانية و الرابعة و الخامسة حيث يكون راويها واحدا، و هو الحسين بن حماد، فلا ندري بأنّ ما رواه هذا الراوي و صدر من المعصوم عليه السّلام هل هو الرواية الثانية حتّى يقال: بكون ما صدر دالا على عدم جواز الرفع، أو الرواية الرابعة و الخامسة حتّى يكون ما صدر دالا على جواز الرفع، فلا يمكن الاعتماد بأحد منها لأنّا لا ندري أيهما صدر منه عليه السّلام، و إذا سقطت روايات الحسين بن حماد عن الحجية، تبقى الرواية الاولى و الثالثة الدالتان على عدم جواز الرفع بلا معارض، فتكون النتيجة عدم جواز رفع الرأس.

الاحتمال الثاني: أن يقال: بحمل ما يدلّ على عدم جواز الرفع على الكراهة بقرينة ما يدلّ على جواز الرفع.

الاحتمال الثالث: أن يحمل ما يدلّ على جواز الرفع على صورة الاضطرار، و عدم إمكان الجرّ.

الاحتمال الرابع: أن يقال: أمّا روايات الحسين بن حماد فقد سقطت عن الحجية لما عرفت، و أمّا الرواية الاولى و الثالثة أعنى: رواية معاوية بن عمار و علي بن جعفر، فلا تدلّان على ما نحن فيه، لاحتمال كون موردهما هو صورة وقوع الجبهة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 68

على المحل الّذي يكون واجدا للشرائط، فلهذا لا يجوز الرفع، فلا دلالة لهما على ما نحن فيه، و هو صورة وقوع الجبهة على الموضع المرتفع، أو على ما لا يصح السجود عليه، فلا دليل في البين يدلّ على جواز الرفع، أو على عدم جوازه، فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في ما نحن فيه. «1»

تنبيه في ما يصح السجود عليه، فنقول: إنّما يصح السجود على

الأرض أو ما أنبتت الارض إلّا المأكول و الملبوس منه، و هذا الحكم في الجملة مسلّم يدلّ عليه الروايات فارجع أبواب ما يسجد عليه.

[في ذكر مسئلة في المورد]

مسئلة: هل يستحبّ الجلوس عقيب السجدة الثانية مطمئنّا المسمى بالجلسة الاستراحة، أو يجب ذلك، أو ليس بواجب و لا مستحب، بل يجوز للمصلّي الجلوس مطمئنا كما يجوز له القيام بعد الرفع من السجود بدون جلوس، فهو بالخيار بينهما بدون ترجيح لأحد طرفيه.

[في ذكر الاخبار الواردة على وجوب جلسة الاستراحة]

اعلم أنّ لسان الأخبار مختلف في هذا المقام فنذكر أوّلا الأخبار و مقدار دلالتها، ثمّ كيفية الجمع بينها مع الامكان، و إلّا فالاخذ بما فيه المرجح، فنقول: أمّا ما يمكن أن يقال بدلالتها على وجوب جلسة الاستراحة:

الرواية الاولى: و هي ما رواها أبو بصير (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الاولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا

______________________________

(1)- أقول: ذكر مدّ ظله العالى بعض الاحتمالات و لم يختر أحد الاحتمالات، و لم يقل بأنّ ما هو الحق في نظره من الاحتمالات، و أمّا الرواية 6 من الباب المذكور، فهي على تقدير دلالتها على جواز الرفع، فهي في النافلة فلا يمكن أن يستدل بها على جواز الرفع في الفريضة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 69

ثمّ قم). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: رايته إذا رفع راسه من السجدة الثانية من الركعة الاولى جلس حتّى يطمئن، ثمّ يقوم). «2»

[في ذكر الاخبار الواردة على عدم وجوب جلسة الاستراحة]

أمّا ما يمكن أن يقال بدلالتها على عدم وجوب جلسة الاستراحة فروايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها زرارة (قال: رأيت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام إذا رفعا رءوسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا). «3»

الرواية الثانية: و هي ما رواها أصبغ بن نباته (قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئن، ثمّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين عليه السّلام قد كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رءوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الابل، فقال امير المؤمنين عليه السّلام: إنّما يفعل ذلك

أهل الجفاء من الناس إنّ هذا من توقير الصّلاة). «4»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها رحيم (قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام:

جعلت فداك أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى و الثالثة فتستوي جالسا ثمّ تقوم، فنصنع كما تصنع، فقال: لا تنظروا الى ما أصنع أنا، اصنعوا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 70

كما تأمرون). «1»

لا يوجد في إسناد التهذيب على تتبعنا (رحيم) إلّا في هذه الرواية، فيكشف ذلك من عدم كونه من روات الحديث لعدم نقل روايات منه.

الرواية الرابعة: ما رواها في المنتهى العلّامة رحمه اللّه عن الزيد النرسي على تقدير دلالتها و كونها متعرضة لهذا الحكم، هذا كله روايات الباب.

قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف (مسئلة 119: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية يستحبّ له أن يجلس ثمّ يقوم عن جلوس، و به قال في الصحابة مالك بن الحويرث و عمرو ابن سلمة و الحرمي و الزهري و مكحول و إسحاق و ابو ثور و الشافعي، و يجوز أيضا أن يعتمد على يديه فيقوم عن غير جلسة، و به قال عبد اللّه بن عمرو عمر بن عبد العزيز و المالك و أحمد، و قال قوم ينهض على صدور قدميه و لا يجلس و لا يعتمد، رووا ذلك عن علي عليه الصّلاة و السلام و ابن مسعود، و به قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه الخ). «2»

و اعلم أنّه يظهر

من بعض ما ورد في طرق العامة كون عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على الجلوس بعد الركعة الاولى و الثالثة من الصّلاة، و لكن لا يظهر كون عمله المستمر على ذلك، و لم يظهر من العامة كون المختار عند كلهم هو الاستحباب.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه قد يقال: بأنّ لسان كل من الطائفتين من الروايات معارض مع الاخرى، و بعد تعارضهما و عدم إمكان الجمع بينهما، فلا بدّ من الأخذ بما

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- جامع أحاديث الشيعة، ج 5، ص 286، ح 6.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 71

فيه الترجيح، و يكون الترجيح مع ما يدلّ على الوجوب، لأنّ الأخبار الدالّة على جواز الترك موافق مع العامة، فتكون النتيجة وجوب جلسة الاستراحة. «1»

مسئلة: هل يجب الارغام بالأنف
اشارة

، أو يستحبّ ذلك؟

[في ذكر الروايات المربوطة بالمقام]

نذكر أوّلا روايات الباب ثمّ ما هو الحق في المقام، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد اللّه البرقى عن محمد بن مضارب (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّما السجود على الجبهة، و ليس على الانف سجود). «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الابهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم). «3»

و لا إشكال في السند، و أمّا دلالتها فالمستفاد منها كون السجود على سبعة أعظم، و عدم كون إرغام الانف من السجود الواجب، بل هو مستحب في السجود.

______________________________

(1)- و لكن فيه أنّه كما قلنا بعد كون عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على إتيان جلسة الاستراحة، و لم يثبت كون دوام فعله على ذلك، فلا وجه للتمسك بعمله صلى اللّه عليه و آله و سلم على الوجوب، مضافا إلى أنّ العمل كما يجامع مع الوجوب يجامع مع الاستحباب، و أمّا الروايات فبعد كون التعارض بين الطائفتين، فأوّل المرجحات هو الشهرة، و الشهرة على الاستحباب كما يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه، فلا يبعد كونها من جملة المستحبات و إن كان الأحوط عدم تركها). (المقرر)

(2)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6،

ص: 72

إن قلت: إنّ قوله (و أمّا الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم) يدلّ على كون ذلك فرض النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في قبال فرض اللّه تعالى، لا أن يكون المراد من السنة الاستحباب.

نقول: إنّه يستفاد من هذه الفقرة كونه سنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لكن سنته أعم من أن تكون على وجه الوجوب، أو على وجه الاستحباب، فالرواية و إن لم تدلّ على كون الارغام الّذي من سننه صلى اللّه عليه و آله و سلم مستحبا، لا تدلّ على كونه واجبا أيضا، فتكون الرواية من هذا الحديث مجملا غير ظاهرة في الاستحباب أو الوجوب.

و يستفاد منها كما قلنا كون الارغام جزء مستحبا من السجود، لا أمرا خارجا من السجود، لأنّ قوله (أمّا الفرض فهذه السبعة) يدلّ على عدم كون الارغام من فروض السجود، بل هو من مستحباته، فمن هنا يظهر لك أن ما قيل في الرواية الاولى من أنّ قوله عليه السّلام (و ليس على الأنف سجود) يدلّ على عدم كون الارغام جزء للسجود و لا يدلّ على عدم كونه واجبا مستقلا من الصّلاة في عداد ساير الواجبات، لا وجه له بعد كون المستفاد من الرواية الثانية هو كونه من السجود لكن من جملة مستحباته، فلا وجه لأن يقال: باحتمال كونه جزء مستقلا في قبال السجود، فلا دلالة للروايتين على وجوب إرغام الأنف.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن عمار عن جعفر عن أبيه (قال: قال علي عليه السّلام: لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما

يصيب الجبين). «1»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 73

دلالتها على وجوب الارغام واضح بعد نفى الإجزاء عن صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد اللّه بن المغيرة (عمن سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه). «1»

دلالتها كسابقها، و لكن الاشكال في سندها لأنّ من سمع عنه عبد اللّه بن المغيرة غير معلوم.

هذا حال الروايات، فظهر لك أنّ الاولى و الثانية لا دلالة لهما، و الثالثة و الرابعة ضعيفة السند، فلا مستند لوجوب الارغام إلّا روايتين ضعيفتين، هذا مضافا إلى أنّه لو كان إرغام الأنف واجبا مع شدة ابتلاء المسلمين به، لأنّه على تقدير وجوبه يجب إتيانه في كل يوم أربعة و ثلاثين مرة، لكان اللازم كون وجوبه كالواضحات مثل أصل الصّلاة و السجود، و حيث لا عين و لا أثر من عمل المسلمين و وجوبه عندهم فيه، يقطع بعدم وجوبه، فالحق عدم وجوبه، و لكن يستحبّ كما هو مختار الجلّ، فافهم.

[في ذكر جهات في ما نحن فيه]
اشارة

ثمّ هنا بعض جهات نتعرض لها:

الجهة الاولى:

هل الارغام لا بد و أن يكون بخصوص التراب أو بأعم منه و على مطلق الأرض، أو بأعم منهما و من كل ما يصح السجود عليه؟

وجه خصوص التراب هو أنّ مادة الارغام هو الرغام، و الأمر بالارغام

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 74

يفيد وضع الأنف على الرغام و بالفارسية (خاك) و لكن يمكن أن يقال: بأنّ وجه التعبير بالارغام هو من باب كون الغالب السجود على التراب، و لم يكن البناء على وضع شي ء آخر، و لهذا أمر بالارغام، فالأمر لا يفيد اختصاص كون الوضع بخصوص التراب، فلا وجه للاختصاص خصوصا مع إمكان أن يقال: باستفادة جواز الارغام على مطلق ما يصح السجود عليه من الرواية الثالثة و الرابعة الدالّة على أنّه لا بدّ من إصابة الأنف بما يصيب الجبين، فكل ما يجوز حال السجود إصابة الجبين به تجوز إصابة الانف به، فافهم.

الجهة الثانية:

هل الموضع الّذي يرغم من الأنف هو أعلى الأنف، أعنى:

النقطة المتصلة بالجبهة بين الحاجبين، أو أسفل الأنف، أو لا خصوصية لنقطة من نقاط الأنف، بل بكل نقطة من الأنف يحصل الارغام يحصل المطلوب من الأمر بالارغام؟

و لا يبعد ذلك لعدم تعيين خصوصية في الأخبار بل، يمكن استفادة عدم الخصوصية من الرواية الثانية، لأنّه قال عليه السّلام فيها (و ترغم بانفك إرغاما) و يستفاد من ذلك أنّه يكفي الارغام على أىّ وجه حصل ذلك فعلى هذا لا وجه لاختصاص نقطة خاصة من الأعلى كما نسب إلى السيّد المرتضى رحمه اللّه أو الأسفل، أو ما قيل: من إرغام المنخرين لكون الارغام بالمنخرين بعيد في الغاية، لأنّ المنخرين عبارتان عن ثقبتي الأنف، و الأمر بارغامهما

بعيد (نعم حيث إنّه بحسب الوضع الطبيعي وضع أسفل الأنف على الأرض سهل فيرغم به، و لكن مع ذلك لا يستفاد خصوصية له).

ثمّ إنّ في السجود بعض مسائل نتعرض لها إن شاء اللّه.

[في كلام السيّد اليزدي ره]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 6، ص: 74

قال السيّد رحمه اللّه في العروة في ضمن مسئلة 2 من مسائل السجود (بل الأحوط

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 75

إزالة الطين اللاصق بالجبهة في السجدة الاولى، و كذا الصقت التربة بالجبهة فإنّ الأحوط رفعها، بل الأقوى وجوب رفعها إذا توقف صدق السجود على الأرض أو نحوها عليه).

و لنا هنا حاشية على العروة (لا يتوقف صدقه على رفعها قط، إذ ما لصق بجبهته جزء من الأرض فبحدوث هيئة السجود منه يصدق أنّه ساجد على الأرض، نعم رفعها لعله أحوط).

منشأ اعتبار وجوب الرفع ما ذكر من أن صدق السجود متوقف عليه، فإذا رفع رأسه من السجدة الاولى، و لم يرفع ما يسجد عليه اللاصق بجبهته، و انحنى بهذا الحال نحو السجدة الثانية، لا يصدق أنّه سجد سجدتين.

و لكن السجود حيث يحصل بحدوث هيئة خاصة، فبحدوث هذه الهيئة يتحقّق السجود و يصدق تحقّق السجدتين بتعدّد هذه الهيئة، فالمصلّي إذا وضع جبهته بوضع خاص فيقال في العرف، إنّه ساجد، و إذا رفع رأسه من السجدة الاولى، و كان الطين أو غيره ممّا يصح السجود عليه لاصقا بجبهته، ثمّ انحنى ثانيا لا يجاد السجود فأتى بهيئة خاصة يقال: إنّه سجد مرتين و الشاهد على ذلك هو أنّه إن كان مجرد اللّصوق موجبا لصيرورة السجدتين سجدة واحدة، و كون الثاني بقاء وجود الأوّل،

فيلزم أن يقال بمن لصق الطين بجبهته حين رفع الرأس من السجدة الاولى: بأنّه ساجد و أنّه وضع جبهته على الارض، مع أنّه لا إشكال في أنّه لا يقال في العرف: إنّه وضع جبهته على الأرض، بل يقال لصق بجبهته الأرض، و لكن الاحتياط مع ذلك

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 76

مطلوب على ما قلنا في حاشيتنا. «1»

[في ذكر مسائل مربوطة بالمقام]

و قال السيّد رحمه اللّه أيضا: مسئلة 8: الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة و إن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأىّ هيئة كان ما دام يصدق السجود، كما إذا ألصق صدره و بطنه بالأرض بل و مدّ رجله أيضا، بل و لو انكبّ على وجهه لاصقا بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور، لكن قد يقال: بعدم الصدق و أنّه من النوم على وجهه).

و قلنا في الحاشية (لا يترك) أعنى: لا يترك الاحتياط في السجود على الهيئة المعهودة، و لكن لا يبعد كون الأمر أزيد من الاحتياط، و أنّ الاقوى عدم جواز السجود بنحو قال من كون الصدر و البطن، بل الرجل لاصقا بالأرض، لأنّا نرى أنّ السجود المتعارف عند المتشرعة غير ذلك، بل لو فعل أحد هذا النحو ليرى المسلمون أمرا مستنكرا، و ما أخذ من صاحب الشرع و السيرة عليه هو هذا النحو المعهود المتعارف، و لا مجال لأنّ يقال: بأنّه بعد عدم دلالة نصّ على اعتبار خصوص هذا القسم من السجود، فنشك في دخل هذه الخصوصية في السجود، و ندفعها بأصالة البراءة، لأنّ مع هذه المعهودية لا مجال لإجراء البراءة، فافهم.

و أيضا قال: مسئلة 3 يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار، و مع

______________________________

(1)- أقول: إنّه و إن لم يصدق على

من بجبهته طين حين رفع رأسه من السجدة الاولى أنّه واضع جبهته على الارض، و لكن حيث أنّ حقيقة السجود وضع الجبهة على الأرض، و معنى وجوب السجدتين في كل ركعة وضع الجبهة على الأرض مرتين، فلا يصدق عرفا على من يكون الطين لاصقا بجبهته في السجدة الاولى ثمّ وضعها ثانيا بهذا الحال، أنّه وضع جبهته على الأرض ثانيا، بل وضع جبهته مع الطين على ما وضع عليه من النقطة الواقعة الجبهة عليها حين انحنائه للسجدة الثانية، فالمسألة محل إشكال، و الأحوط رفع الطين. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 77

الضرورة يجزي الظاهر، كما أنّه مع عدم إمكانه لكونه مقطوع الكفّ أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكفّ فالاقرب من الذراع و العضد.) «1»

______________________________

(1)- أقول: قال سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى أوّلا ما يفيد كون ذلك مرضيّه، كما أنّه يظهر من عدم حاشية له في هذه المسألة كون ما اختاره السيّد رحمه اللّه مختاره دامت بركاته.

ثمّ قال: بأنّه لو لم يتمكن من وضع الباطن يضع ظاهر الكف لأنّه لا وجه لاعتبار الباطن في الكفين إلّا ما قلنا من أنّ المنساق من الأمر بوضع الكف، هو وضع الباطن من الكف، و أنّه المتبادر، لأنّه بوضع الطبيعي يضع باطن الكف، و مع تسلّم ذلك يكون اعتبار الباطن حين إمكان وضع الباطن، و مع تعذره يضع الظاهر من الكفين، ثمّ على تقدير تعذر الكف (باطنه و ظاهره) فما وجه وجوب وضع الأقرب فالأقرب من اليد؟

فقال مدّ ظله العالي: بأنّه لو قلنا: بأنّ الواجب وضع اليدين كما في بعض الأخبار، و هو وضع الكفين كما في بعض الأخبار المتقدمة عند ذكر ما دلّ على وجوب سبعة أعظم في السجود،

فلو قيد ما يدلّ على وضع اليدين بما يدلّ على وجوب خصوص وضع الكفين من اليدين، فقدر المتيقن من التقييد حال إمكان وضع الكف، أمّا مع تعذره فيأخذ بما دلّ على وجوب وضع مطلق اليد.

فقلت بحضرته مدّ ظله العالي: بأنّه بعد تقييد مطلق اليد- و بعبارة اخرى طبيعة اليد- بما يدلّ على مطلوبية خصوص فرد من هذه الطبيعة و هو الكف، فنتيجة حمل المطلق على المقيد، هو كون المطلوب المقيد، فلا دليل على مطلوبية غير المقيد أصلا، فمع تعذر الأخذ بالمقيد، و هو وضع الكف يسقط الأمر به، و لا وجه لوجوب إتيان المطلق، لعدم كونه مطلوبا بمقتضى حمل المطلق على المقيد.

فقال مدّ ظلّه العالي: بأنّه تارة يقال: بأنّ دليل المقيد لا إطلاق له يشمل حال الاضطرار، أو يقال: بأنّه و إن كان له إطلاق يشمل حال الاضطرار، و لكن يكون التقييد في فرض وجود القيد، فمع تعذر القيد لا يمكن التقييد، فيبقى إطلاق دليل الدالّ على مطلق اليد باق بحاله.

و تارة يقال: بأنّه بعد فرض كون معنى حمل المطلق على المقيد هو استفادة كون الملاك واحدا، و بعد الجمع يكون تمام الملاك هو خصوص المقيد لا المطلق، فلا يكون المطلوب إلّا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 78

ثمّ قال في مسئلة 14: إذا ارتفعت الجبهة قهرا من الأرض قبل الاتيان بالذكر، فإنّ أمكن حفظها عن الوقوع ثانيا حسبت سجدة، فليجلس و يأتى بالاخرى إن كانت الاولى، و يكتفي إن كانت الثانية.

وجه هذه الفقرة واضح، لأنّه بذلك تحققت سجدة من السجدتين، غاية الأمر حيث رفع رأسه قهرا من الأرض قبل الذكر ترك ذكر السجود، و هو مغتفر

ثمّ قال: و إن عادت إلى الارض قهرا فالمجموع سجدة

واحدة فيأتي بالذكر، و إن كان بعد الاتيان به اكتفى به.

و نحن كنا موافقا معه، أمّا وجه عدم كون وضع الجبهة ثانيا سجدة مستقلة و لا يحسب سجدة برأسها، هو أنّه لا بدّ في السجدة مثل ساير أجزاء الصّلاة القصد، و حيث إنّ المصلّي وقع رأسه ثانيا على الأرض قهرا، فلم تقع السجدة الثانية سجدة للصّلاة، فلو لم يأت بالسجدة الثانية فلا بدّ له من إتيانها بعد ذلك، و أمّا وجه كون مجموع ما وقع سجدة واحدة، هو أنّ العرف يعد مجموعا من الوضع الاختياري و القهري الواقع من المصلّي سجدة واحدة، فبعد رفع الرأس قهرا ثمّ وضعه ثانيا

______________________________

المقيد، و القيد له اطلاق يشمل الحالات الطارية من الاضطرار و غيره، فلا يكون المطلوب إلا خصوص المقيد، أعنى: خصوص الكفين و خصوص باطنهما، فإذا تعذر يسقط هذا التكليف، أى: وضع الكف على الأرض إلّا أن يثبت بدليل آخر وجوب وضع ظاهر الكف، أو غير الكف من ساير أعضاء اليد مثل قاعدة الميسور و غيرها.

و لو كان الاحتمال الأوّل، أعنى: فرض كون القيد في غير حال الاضطرار، و كان المطلق مطلوبا حال الاضطرار، فلا وجه لوجوب الأقرب بالكف ثمّ الأقرب فالاقرب، لأنّ لسان المطلق يقضي بكفاية وضع كل نقطة من نقاط اليد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 79

يقولون: بأنّ الثانية هو بقاء وجود الاولى، لا أن تكون وجودا آخر. «1»

ثمّ قال السيّد رحمه اللّه في ضمن مسئلة 10: و إذا لم يمكن إلّا الرفع فإنّ كان الالتفات إليه قبل تمام الذكر فالأحوط الاتمام ثمّ الاعادة، و إن كان بعد تمامه فالاكتفاء به قوىّ كما لو التفت بعد رفع الرأس و ان كان الأحوط الاعادة أيضا (أقول:

اعلم أنّ سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى قال بعدم جواز ترك الاحتياط في الصورتين الأخيرتين في حاشيته، فهو يحتاط باتمام الصّلاة و الاعادة في جميع الصور.

فأقول: بأنّه تارة في صورة وضع الرأس على ما لا يصح السجود عليه نقول

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالى: بأنّ ما أفدتم من عدم قابلية صيرورة وضع الرأس على الأرض ثانيا بعد رفع الرأس قهرا من الارض السجدة الصلاتية، فتمام لأنّ السجدة عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بشرائطه مع القصد.

و أمّا كون السجدة الواقعة بعد رفع الرأس من الاولى قهرا هي بقاء السجدة الاولى فواضح البطلان.

لأنّ السجدة عند العرف و الشرع عبارة عن ايجاد هيئة خاصة، غاية الأمر عند الشرع اعتبر فيها بعض الامور الغير المعتبرة في السجدة العرفية، و تعددها بتحقق هذه الهيئة متعددا، فمن وضع رأسه بقصد السجدة على الأرض فيتحقق منه السجدة بمجرد الوضع، فلو رفع رأسه عمدا أو اضطرار أو قهرا، ثمّ وضع ثانيا عمدا أو قهرا فالثانية سجدة اخرى غير الاولى و على هذا لو رفع راسه من الاولى قهرا قبل إتيانه بذكر الواجب في السجود، ثمّ وقع مجددا جبهته على الأرض، فلا يجب إتيان الذكر المتروك في الاولى بدعوى كون الثانية بقاء وجود الاولى لما قلت، و لو لم يأت بالسجدة الثانية يجب عليه إتيانها لعدم قابلية صيرورة وضع القهرى ثانيا السجدة الثانية، و لو أتى بكلا السجدتين، فما وقع منه قهرا و إن كانت سجدة زائدة و لكن لم تبطل لأجلها لوقوعها بغير اختيار، و بعد ما قلت، قال مدّ ظلّه العالي: يمكن أن يقال: بكون وجود الثاني الواقع قهرا بقاء الوجود الأوّل لما قلنا، و يمكن عدم كونها بقاء

الوجود الأوّل لما قلت، و بهذا النحو خرج مدّ ظله العالى عن المسألة و لم يفد شيئا آخر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 80

بجواز الرفع، و قد تقدم الكلام فيه و عدم بطلان الصّلاة بالرفع، فيلزم الرفع لأنّ مع جواز الرفع يتمكن من تحصيل شرط المسجد، و هو كونه ممّا يصح السجود عليه و الاتيان بالذكر في ما لم يأت به و تارة لم نقل بجوازه في حال التمكن من الجرّ فقال مدّ ظلّه العالي: بأنّ في هذه الصورة لا يبعد سقوط هذا الشرط فى هذا الحال، و كذلك سقوط جزئية الذكر بدليل (لا تعاد).

[في ذكر الروايات المربوطة بترك السجدة]

مسئلة: إذا ترك سجدة واحدة من ركعة نسيانا، فتارة يتذكر قبل الركوع من الركعة اللاحقة، و تارة يتذكر بعده، فإن تذكر قبله يجب عليه الجلوس و الاتيان بالسجدة، ثمّ الاتيان بما بقى من الأجزاء المترتبة عليها، و ان تذكر بعد الركوع يقضيها بعد الصّلاة، و يدلّ على كلتا الصورتين بعض الأخبار

منها: و هي ما رواها إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل نسى أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد، فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثم يسجدها فانها قضاء). «1»

و منها: و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) أنّه سئل عن رجل نسى سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: يمضي في صلاته و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته. قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: يقضي ما فاته إذا ذكره). «2»

صدرها يدلّ

على خصوص صورة التذكر بعد الركوع، و أمّا حكم قبل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 81

الركوع فلم يتعرض له (و أمّا ذيلها ففيه كلام في أنّه لو وقع المنافي بعد الصّلاة ثمّ تذكر نسيان السجدة، هل يكفي قضاء السجدة، أو تجب إعادة الصّلاة، أو يجب كليهما احتياطا).

و منها: و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم، قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فان كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو). «1»

و هي مع قطع النظر عن إضمارها تدلّ على حكم تذكر ما قبل الركوع، و كذا الصورة تذكره بعد الركوع، و أمّا قوله (فليس عليه سهو) ففيه كلام من حيث أنّ المراد أنّه لا يوجب تلك السجدة السهو، أو يكون المراد غير ذلك

و أمّا الرواية 3 من الباب المذكور، و هي ما رواها ابو بصير، فلا يخلو عن اضطراب.

و أمّا الرواية 5 فهي غير معمول بها من باب دلالتها على وجوب إعادة الصّلاة لو تذكر بعد الركوع ترك السجدة من الركعة السابقة لو حملت على السجدة الواحدة، و أمّا لو قلنا: بأنّ المراد من فرض السائل هو ترك طبيعة السجدة، أعنى:

كلتا السجدتين، فلا إشكال في الرواية و إن لم تكن مربوطا بما نحن فيه، لأنّه على هذا تدلّ على أنّ من ترك السجدتين من الركعة السابقة فتذكر نسيانهما قبل الدخول في ركوع اللاحق يجب إتيانهما، ثمّ إتيان ما بقى من الاجزاء المترتبة عليهما، و إن تذكر بعد

الركوع فحيث لم يبق محل تداركهما تبطل الصّلاة، لأنّ ترك السجدتين معا من

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 82

ركعة موجب لبطلان الصّلاة.

و اعلم أنّ الرواية تكون مرسلة لأنّ معلّى بن خنيس يروي عن رجل لم يذكر اسمه، مضافا إلى أنّ معلى بن خنيس في هذه الرواية إن كان معلى بن خنيس المعروف، فعلى ما في رجال الكشي قتل هو في زمن الصادق عليه السّلام فلم يكن في زمان إمامة أبي الحسن الماضي أعنى: موسى بن جعفر عليه السّلام. «1»

و على كل حال ما قلنا من الحكم في المسألة، أعنى: نسيان سجدة واحدة في صورة تذكره قبل الركوع من وجوب إتيان السجدة، و بعد الركوع من قضائها في غير الركعة الأخيرة معلوم، إنّما الكلام في مورد خاص، و هو ترك سجدة واحدة، أو سجدتين في الركعة الأخيرة.

فنقول: تارة يتذكر تركها أو ترك السجدتين قبل السلام، فلا إشكال في وجوب الاتيان بها، و الدليل على ذلك أنّ المستفاد من الروايات المذكورة وجوب تدارك السجدة لو تذكر تركها قبل الركوع سواء كان في الركعة الاولى من الصّلاة أو الثانية أو الثالثة، ففي صورة تركها في الركعة الثانية و تذكر نسيانها قبل الدخول في الركوع الثالثة، يجب تداركها مع أنّه أتى بالتشهد و القيام و التسبيح، فمن هنا نكشف أنّ محلّ تداركها باق لو تذكر تركها بعد التشهّد (مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال في وجه ذلك لو ترك سجدة واحدة أو سجدتين و تذكر بعد التشهّد بأنّه قبل الدخول في الركن يكون محلّ التلافي باقيا لأنّه لا يوجب الرجوع و إتيان ما فات زيادة ركن)

______________________________

(1)- أقول: و لكن

يمكن كون الراوي مع ذلك هو معلى بن خنيس المعروف، و لا ينافي صيرورته مقتولا في زمن الصادق عليه السّلام لإمكان كون سؤاله عن أبي الحسن عليه السّلام في حال حياة الصادق و إمامته عليه السّلام فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 83

[في ذكر نسيان السجدتين بعد السلام في موردين]

و أمّا لو تذكر بعد السّلام فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في ما ترك المصلّي السجدتين من الركعة الاخيرة و تذكر بعد السلام قبل فعل المنافي، فهل يقال ببطلان الصّلاة لأنّه ترك السجدتين و لا يمكن اتيانها لوقوع السلام، و بوقوعه مضى محل تداركهما، فتبطل الصّلاة، أو يقال بوجوب إتيانهما بعد السلام، لأنّ محل تداركهما باق، و السلام حيث وقع في غير محله فلم تتمّ الصّلاة.

وجه بطلان الصّلاة هو أن يقال: بكون السّلام موجبا لخروج المكلّف من الصّلاة، لأنّه المخرج، و بعد كونه مخرجا فتمت الصّلاة و مضى محل تداركهما، كما لو وقع مبطل بعد السّلام ثمّ تذكر تركهما، و نسيان السجدتين معا في ركعة واحدة مبطل للصّلاة.

وجه تداركهما و إتيان التشهّد و السلام بعدهما و صحة الصّلاة، هو أنّا لا نسلم كون كل سلام مخرجا، و لهذا لو سلّم ثمّ تذكر ترك ركعة، تقولون باتيان الركعة و صحة الصّلاة، و كذا لو سلّم سهوا بعد التشهّد الأوّل فليست الصّلاة مبطلة، فعلى هذا يكون محل تدارك السجدتين باقيا و يتداركهما و يأتي بالتشهد و السلام بعدهما، و تصح الصّلاة و الحق هذا.

أمّا المقام الثاني: و هو نسيان سجدة واحدة في الركعة الأخيرة و تذكر نسيانها بعد السّلام قبل فعل المنافي، فقد يقال: بمضى محلّ تداركها و وجوب قضائها، لا إتيانها بعنوان الأداء ثمّ إتيان التشهّد و السلام بعدها، من باب أنّ السّلام

مخرج، فهو خرج من الصّلاة فلا بدّ من قضائها، لأنّ بعد مضى محلّ التدارك يكون التكليف قضاء السجدة المنسية، و الالتزام بالفرق بين ما إذا ترك السجدتين في الركعة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 84

الاخيرة فتذكر بعد السّلام بأنّه يأتي بها و يأتي بعدها بالتشهد و السلام، و بين ترك سجدة واحدة في الركعة الأخيرة و تذكر نسيانها بعد السّلام بأنّه مضى محلّ تداركها، بل لا بد من قضائها.

[في التزام الفرق من جهتين]

أمّا وجه الفرق فهو أمران:

الأمر الأوّل: أنّه إن قلنا بصحة السّلام و كونه مخرجا في ما ترك السجدتين من الركعة الأخيرة فيلزم من صحته فساده، لأنّه على تقدير صحته و وقوعه مخرجا يلزم بطلان الصّلاة، لأنّه ترك السجدتين و مضى محل تداركهما فيبطل السّلام و تفسد بفساده الصّلاة، و أمّا في صورة ترك سجدة واحدة فلا يلزم من صحة السّلام فساده، لأنّه على فرض وقوعه صحيحا و إن وقع قبل السجود و لكن يكون صحيحا و مخرجا، و لازمه قضاء السجدة الواحدة و صحة الصّلاة و صحة السّلام مع فرض صحة الصّلاة.

الأمر الثاني: أنّه يمكن أن يقال: بأنّ السّلام إذا وقع قبل إتيان السجدتين فالسلام لم يكن مخرجا من الصّلاة من باب دلالة ما ورد في أنّه إذا سلم ثمّ تذكّر عدم إتيان الركعة بأنّه يأتي بها و لا تبطل الصّلاة، على أنّ السّلام إذا وقع قبل إتيان الركن السابق عليه فلم يقع في محله و لم يكن مخرجا، فإذا وقع قبل السجدتين من الركعة الأخيرة لم يكن مخرجا، فمحل تداركهما باق، و أمّا السجدة الواحدة فحيث أنها ليست بوحدتها ركنا فلا يجرى فيها ما جرى في السجدتين، و السلام يكون مخرجا، فمضى محل تداركها.

[في ردّ كلام الفرقين بين نسيان سجدة و نسيان سجدتين]

(و في كلا الأمرين نظر، أمّا في الأوّل فلو فرض لزوم فساد الصّلاة و فساد السّلام من صحة السّلام و وقوعه مخرجا، فهذا لم يصر سببا لعدم كونه مخرجا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 85

لو فرض وجود الدليل على وقوعه مخرجا في أيّ محل وقع، و أمّا في الثاني فيمكن أن يقال: بأنّا نستكشف من عدم بطلان الصّلاة إذا وقع السّلام ناسيا بعد التشهّد الأوّل و من دلالة الدليل على

إتيان الركعة لو تذكر بعد السّلام نسيانها، بأنّه ليس السّلام في أىّ محل و على أيّ وجه اتفق مخرجا فعلى هذا لا بد في كون محل التدارك باقيا أو عدم بقاء محلّ تداركها من فهم كيفية مخرجية السلام، و لا يبعد عدم كون السّلام مخرجا مطلقا، بل لو وقع في محلّه يكون مخرجا، و أمّا الرواية 6 من الباب 4 من أبواب التسليم من الوسائل، و هي حديث ميسر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم أحدهما قول الرجل «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» يعنى: في التشهد الأوّل) فلا دلالة لهذا الحديث على كون السّلام مخرجا حتّى لو وقع نسيانا في غير محلّه لأنّه لو فرض وقوع السّلام نسيانا بعد التشهّد الأوّل فلا تقول أنت ببطلان الصّلاة من باب السلام، فالنظر في هذه الرواية يكون إلى خصوص صورة العمد، و أنّه لا تقل «السلام علينا» عمدا كما يصنعون العامة يقولونه في التشهد، فتأمل).

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 86

السّابع من أفعال الصّلاة التشهد

اشارة

اعلم أنّ المسلم عند جميع المسلمين هو أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يجلس بعد الركعتين من صلاة الفجر، و بعد الركعتين الأوّلتين من ساير الصلوات اليومية، و كذا بعد الثالثة من المغرب، و بعد الركعة الرابعة من الرباعية، و يأتي بذكر، و يسمى تلك الجلسة مع الذكر الّذي فيها بالتشهد، فكون عمله صلى اللّه عليه و آله و سلم باتيان التشهّد من الامور المسلمة عند الخاصّة و العامة من المسلمين

و إنّما الكلام بينهم في جهة اخرى، و هي أنّ العامة اختلفوا في وجوب التشهدين و عدمه على أقوال:

قول بوجوبهما كما يظهر عن قليل

و

قول بعدم وجوبهما، و هو المشهور عندهم

و قول بالتفصيل بين التشهّد الأوّل و الثاني: بأنّ الأوّل ليس بواجب، و الثاني يكون واجبا.

[في انّ عند الامامية التشهدين واجبين]

و أمّا عند الخاصّة فكل من التشهدين واجب، لأنّا أصحاب النص و المقتفى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 87

بآثار النبي و الائمة المعصومين عليهم الصّلاة و السلام، و ما وصل منهم إلينا يدلّ على وجوبهما كما نذكر إنشاء اللّه، هذا بالنسبة إلى أصل التشهّد و وجوبه.

[في ذكر الروايات المربوطة بالتشهد و المستفاد منها]
اشارة

و أمّا الواجب في التشهدين يظهر من العامة كيفيات مخصوصة و اختلافها يسير، و لكن في كلها أدخلوا «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» في التشهّد مع كونه من السّلام المخرج، و أمّا عندنا فالمستفاد من الأخبار كون الواجب فيهما أوّلا الشهادتين، فنذكر الأخبار و نقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: ما رواها عبد الملك بن عمر و الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «1»

الرواية الثانية: و هي رواية مفصله رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «2»

و هاتان الروايتان تشتملان على بعض ما يستحبّ في التشهد، فلا يمكن استفادة وجوب خصوص الكيفية المذكورة فيهما، و من المعلوم عدم كون كلّ ما ذكر في الأخيرة واجبا.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها زرارة (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما يجزي من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال: أن تقول «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له» قلت: فما يجزى من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ فقال: الشهادتين). «3»

قد يقال: بأنّ مفاد الرواية كفاية شهادة واحدة في التشهّد الأوّل و عدم لزوم

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 88

الشهادة بالرسالة، و لكن نقول: بأنّ الرواية من هذا

الحيث ممّا أعرض عنها الأصحاب لعدم نقل فتوى على كفاية تشهد واحد في التشهّد الأوّل إلّا عن صاحب الفاخر، و بعد كون الرواية ممّا أعرض عنه الاصحاب، فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله و لا يجوز العمل بها.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها عمر بن أذينة عن الفضيل و زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإنّ كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه). «1»

صدر الرواية يدلّ على مضى الصّلاة إذا فرغ من الشهادتين، و أمّا ذيلها فيحتمل أن يكون المراد هو الواجب الشهادتان في التشهد، و الزائد عليهما من المستحبات و الاضافات الواردة في بعض الروايات كالرواية الثانية، ليست داخلة في التشهّد فبناء عليه بعد الشهادتين إن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه، و على كل حال تدلّ على كون الشهادتين في التشهّد الأخير.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: التشهّد في الصلوات؟ قال: مرتين، قال: قلت: كيف مرتين؟ قال: إذا استويت جالسا فقل «اشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله» ثمّ تنصرف، قال: قلت: فقول العبد: التحيات للّه و الطيبات و الصلوات للّه، قال: هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربّه). «2»

[في ذكر وجه كون الرواية الخامسة مضطربة]

و لم تكن الرواية خالية عن الاضطراب، فإنّك ترى أنّ المقصود من السؤال

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 89

الأوّل و هو

قوله محمد بن مسلم (التشهد في الصّلاة) غير معلوم و الكلام غير تمام، فهل سئل عن وجوب التشهد، أو عن وحدته و تعدده، أو عن كيفيته، نعم بعد الجواب بقوله عليه السّلام (مرتين) يفهم كون السؤال من وحدته و تعدده فقال (مرتين) يعني يكون التشهّد الواجب مرتين، و ليس المراد من مرتين الشهادتين حتّى يكون السؤال عن الكيفية، فأجاب بأنّه مرتين أى: شهادتين، لأنّ المراد من مرتين هو كون التشهد مرتين اى دفعتين: دفعة بعد الركعة الثانية و دفعة بعد الثالثة أو الرابعة.

ثمّ بعد ما أجاب بأنّ التشهّد مرتين قال السائل (كيف مرتين) يعنى بعد كونه مرتين، فكيف كيفيتهما فقال عليه السّلام (إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله) ثمّ تنصرف يعنى: قل هاتين الشهادتين في المرة الاولى و في المرة الثانية يعني: في التشهّد الأوّل و في الثاني كليهما، و أمّا احتمال كون (مرتين) الشهادتين، و كون قول السائل (كيف مرتين) يعني: كيف كيفية الشهادتين، فبعيد لما قلنا.

ثمّ إنّه بعد كل ذلك قوله عليه السّلام (ثمّ تنصرف) يكون بحسب الظاهر يعنى تخرج من الصّلاة، فيستفاد من ذلك كون النظر في الرواية إلى بيان كيفية التشهّد الثاني لا الأوّل، و لا فرق في ذلك بين حمل (مرتين) على دفعتين كما قلنا، أو على حمله على الشهادتين أعنى: الشهادة بالوحدانية و الشهادة بالرسالة، فالرواية لا تخلوا عن اضطراب. «1»

______________________________

(1)- أقول: و يستفاد من الرواية كون كيفية التشهّد ما ذكر فيها بالبيان الّذي أفاده مدّ ظلّه العالي، و أمّا (تنصرف) فقابل للحمل على الانصراف إلى أمر آخر من واجبات الصّلاة، و عدم وجوب

(التحيات للّه الخ) كما يشهد بذلك ذيل الرواية، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 90

الرواية السادسة: و هي ما رواها سورة بن كليب (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدنى ما يجزي من التشهد، قال: الشهادتان). «1»

الرواية السابعة: و هي ما رواها الحسن بن جهم (قال: سألته يعني:

أبا الحسن عليه السّلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال:

إن كان قال «أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم» فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد). «2»

و كما ترى المذكور في الوسائل في النسخة الّتي عندى ذكر (أشهد) قبل قوله (محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم) و لكن في بعض نسخ الاستبصار ليس (اشهد) و يكون هكذا (و أنّ محمدا رسول اللّه).

ثمّ إنّ هذه الرواية و إن تكن متعرضة لبيان حكم آخر، و لكن يستفاد منه أنّ ذكر الشهادتين بالنحو المذكور في الرواية كاف في أداء الواجب من الشهادتين.

إذا عرفت ذلك يظهر لك كما قلنا أوّلا أنّ الشهادتين- أعنى: الشهادة بوحدانية اللّه تعالى، و الشهادة برسالة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم- واجب في التشهّد لدلالة الروايات على ذلك، فهذا الأمر مسلم عندنا و يستفاد من الروايات.

[في كيفية الشهادتين في التشهد]

ثمّ يقع الكلام في جهة، و هي أنّه هل المعتبر كيفية خاصة في الشهادتين، أو لا يعتبر ذلك، بل يكفي كل لفظ دالّ على الشهادة بالوحدانية و الرسالة.

اعلم أنّ مفاد الرواية السادسة هو إجزاء الشهادتين بلا تصريح فيها باعتبار

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية

6 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 91

كيفية خاصة، و هل المتبادر من الشهادتين الشهادتان اللتان بهما يدخل الشخص في ربقة الاسلام ظاهرا، فكان مراد أبي جعفر عليه السّلام في جواب السائل ما يجزي من التشهد (قال: الشهادتان) يعني الشهادتين المعهودتين عند المسلمين، فإنّ في هاتين الشهادتين يكفي (أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه) أو يكون المتبادر من الشهادتين في هذا الخبر الشهادتين المعهودتين عند المسلمين في مقام التشهّد في الصّلاة.

فإن كان المتبادر الأوّل فيكفي مجرد «أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه» و إن كان الثاني و سلّم كون المتعارف عند المسلمين في ذكر التشهّد خصوص «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله» فلا بدّ من الاقتصار على خصوص هذه الكيفية.

و يستفاد من الرواية السابعة كفاية غير هذه الكيفية المعهودة، لكون مفادها كفاية «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» بدون ضم (وحده لا شريك له) و كفاية «أشهد أنّ محمدا رسول اللّه» بدون ضم الشهادة بعبوديته، فان كنا نحن و الرواية السادسة و الرواية السابعة و بعض الروايات الاخرى الدالّة على ذكر كيفية معهودة، يكون مقتضى الجمع بينها كفاية مطلق ما يكون شهادة على الوحدانية و الرسالة، لأنّه ذكر بعد كيفية في رواية كرواية زرارة، و ذكر كيفية اخرى في رواية اخرى كرواية الحسن بن الجهم، و ذكر مطلق الشهادتين بدون التصريح بكيفية خاصة في رواية اخرى كرواية كليب، يمكن أن يقال: بكفاية كل لفظ مشتمل على الشهادتين.

و لكن قد يقال: بأنّ الرواية الخامسة، و هي رواية محمد

بن مسلم، تدلّ على إجزاء خصوص الكيفية المعهودة في التشهد، و عدم كفاية غيرها.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 92

و لكن، كما قلنا أوّلا، يكون متن هذه الرواية مضطربا، و ثانيا نقول: بأنّه بعد كون «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» هو الشهادة بالتوحيد، و لو ضم عليه «وحده لا شريك له» لم يكن إلّا تأكيد الشهادة بالتوحيد، فلا يفهم العرف من كل من النحوين اى (أشهد لا إله إلّا اللّه) و (أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له) إلّا كون النظر فيهما إلى الشهادة بالتوحيد، لا خصوصية في العبارة الاولى أو الثانية، بل يرى أنّ ما هو في الأمر بالكيفيتين ليس إلّا أنّ العبد يشهد بالتوحيد، فعلى هذا بكل من النحوين يجوز الاتيان في مقام الشهادة بالتوحيد، و كذلك في الشهادة بالرسالة لا فرق بين أن يقال (و أشهد أنّ محمدا) أو أن يقال (و أنّ محمدا) فعلى هذا لا تعارض بين رواية محمد بن مسلم، أعنى: الرواية 5، و بين الرواية الحسن بن الجهم، أعنى: الرواية 7.

فيظهر لك أن ما قال بعض الاعاظم قدس سرّهم (المراد شيخنا الاستاد آية اللّه الحائري رحمه اللّه) «1» من أنّه لا يكون معارض مع رواية محمد بن مسلم إلّا رواية الحسن بن الجهم، ليس في محله، لعدم تعارض على ما قلنا بينهما.

فيمكن أن يقال: بعدم وجوب خصوص الكيفية المعهودة أعنى «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله» بل يكفي «أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه» و لكن الأحوط الاقتصار على الكيفية المعهودة. «2»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص

271.

(2)- أقول: أمّا أوّلا ما ينصرف من قوله عليه السّلام في جواب سؤال السائل في رواية كليب (الشهادتان) هو الشهادتان المعهودتان المتداول ذكرهما في تشهد الصّلاة، لا التشهّد الّذي به يصير الشخص مسلما و محكوما بحكم الاسلام، و أمّا ثانيا ما أفاده مدّ ظله العالى من أنّ العرف يفهم من العبارة الواردة في رواية محمد بن مسلم، و العبارة الواردة في رواية الحسن بن الجهم هو

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 93

و أمّا بعض الأخبار الدالّة بظاهرها البدوي على كفاية التحميد في التشهّد أو غيره و لو أنّ المصلّي لا يقرأ الشهادتين، مثل الرواية 2 من الباب 5 من أبواب التشهد و الرواية 3 من الباب المذكور، فتكون في مقام كفاية ذلك من الأذكار المستحبة، لا في مقام بيان عدم وجوب الشهادتين (و لو فرض عدم تسليمك لذلك فالرواية غير معمول بها).

[في ما يجب في التشهد بعد الشهادتين]

فظهر لك ممّا مرّ وجوب الشهادتين في التشهد، و قد مرّ الكلام في كيفيّتهما، هذا كله في ما قلنا بأنّه الواجب أوّلا في التشهد، و أمّا ما يجب ثانيا أعنى: بعد الشهادتين، فهو الصلوات على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، و كذلك على آله عليهم السلام، و يدلّ على ذلك مضافا إلى الآية الشريفة «1» «إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلٰائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» بأن يقال: بأنّ الظاهر من الأمر فيها، أعنى (صَلُّوا) هو الوجوب، لما قلنا من أنّ ظاهر الأمر هو الطلب، و الطلب من المولى يقتضي أن يأتي العبد بمطلوبه، و لو ترك ما طلبه يصحّ للمولى المؤاخذة عليه و أنّه لم خرجت عن مراسم العبودية، و لم تأت مطلوبى، و مجرد

الطلب كاف في ذلك، و لا حاجة إلى اتعاب النفس في إثبات أنّ الأمر حقيقة في الطلب الّذي لا يرضى بالترك أعنى:

______________________________

كون النظر في وجوب الشهادة هو الشهادة بالتوحيد و الرسالة، و لا دخل في الالفاظ المتداولة، فغير تمام لأنّ مفاد رواية محمد بن مسلم اعتبار الكيفية الخاصّة كما يفهم من رواية الحسن بن الجهم أيضا هذا، خصوصا مع أنّ في إحداهما تكون الشهادة بالعبودية و الرسالة، و في إحداهما تكون الشهادة بالرسالة فقط، فيقع التعارض بينهما، نعم يمكن أن يقال: بأنّه بعد ضم كل منهما بالآخر نفهم التخيير، و على كل حال الأحوط كما أفاده مدّ ظله العالى هو الاقتصار على الكيفية الخاصة المعهودة المتداولة، فافهم. (المقرر)

(1)- السورة الاحزاب، الآية 56.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 94

الوجوب، بل مجرد الطلب كاف في صحة المؤاخذة، و لهذا قال سبحانه «1» تعالى «مٰا مَنَعَكَ أَلّٰا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ»

فعلى هذا يكون الظاهر من (صلّوا) طلب الصّلاة و لو ترك المطلوب يصحّ العتاب و العقاب عند العقلاء، و بعد كون الأمر في الآية ظاهرا في الوجوب، و يكون الاجماع على عدم وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في غير الصّلاة، مع ضم إجماع آخر عليه، و هو الاجماع على عدم وجوب الصّلاة عليه في الصّلاة في غير حال التشهد الأوّل و الثاني، فتدلّ الآية على وجوب الصّلاة عليه في التشهدين.

[في ان دلّت الآية الشريفة على الوجوب بنحو الاجمال]

إن قلت: كل ذلك مبنى على كون الأمر (صلّوا) للوجوب، و نحن نمنع ذلك و نقول: بأنّه يدور الأمر بين تقييد المتعلّق و المادة، و هو الصلاة و اختصاصه بخصوص حال التشهّد من الصلاة و بين التصرف في الهيئة و حمل الأمر على الاستحباب،

و التصرف في الهيئة أهون، فيحمل الأمر على الاستحباب، فلا تدلّ الآية على وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم.

نقول: بأنّ الآية تدلّ على نحو الاجمال على وجوب الصّلاة، لأنّه من الواضح عدم كون إطلاق له مثل ساير الآيات الدالّة على بعض الأحكام، فقوله تعالى (اقيموا الصّلاة) لا يدلّ إلّا على وجوب إقامة الصّلاة في الجملة، و أمّا كون الواجبة أيّ صلاة فتدلّ عليه الروايات و الأخبار، كذلك هذه الآية تدلّ على وجوب صلاة عليه في الجملة، و بعد الاجماع على عدم وجوب ذلك في غير الصّلاة، و بعد الاجماع على عدم وجوب ذلك في الصّلاة في غير التشهد، و بعد الاجماع و التسلّم على وجوبه

______________________________

(1)- السورة الاعراف، الآية 12.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 95

في التشهد، نفهم أنّ مورد وجوبه هو في التشهّد في الصّلاة.

[لا يرد اشكال تخصيص الاكثر]

فبهذا البيان لا يرد إشكال تخصيص الأكثر بأن يقال: بأنّه لو انحصرنا مورد وجوب الصّلاة بالتشهد فيلزم تخصيص الأكثر، لأنّه خرج غير مورد الصّلاة، و خرج من الصّلاة غير مورد التشهد.

لأنّا نقول: بأنّ أمر (صلّوا) يدلّ على وجوب الصّلاة، و مقتضاه أوّلا ليس إلّا صرف مطلوبية وجود ما منه في أىّ حال، و بعد دلالة الدليل، و هو الاجماع، على عدم وجوبه في غير حال التشهد، نفهم كون مورده التشهدين، و ثانيا قلنا: بعدم كون الآية إلّا في مقام وجوبه في الجملة، و أمّا محلّه فقد ثبت من الخارج، و هو ضمّ الاجماعين بالآخر كما قلنا، فيستفاد من الآية بالبيان المتقدم وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في التشهد.

إن قلت: إنّ غاية ما قلت وجوب الصّلاة في التشهد، و أمّا

كونه من واجبات التشهد فغير معلوم، و يحتمل كونه واجبا مستقلا في الصّلاة.

نقول: احتمال كونه واجبا مستقلا- بأن يكون له ثواب مستقل لو أتى به، و عقاب مستقل لو تركه غير الثواب العقاب المترتب على فعل الصّلاة و تركها، و لا يضر تركه بالصّلاة- في غير محلّه.

أمّا أوّلا لتسلّم ذلك (و ثانيا لأنّ المستفاد من الروايات كون الصّلاة عليه و على آله من أجزاء التشهّد لا شيئا مستقلا، فبعد دلالة الآية يكون من أجزائه الواجبة) و مضافا إلى بعض الروايات الدالّة على ذلك مثل الرواية 1 من الباب 3 من أبواب السجود أعنى: ما رواها عبد الملك بن عمر و الأحوال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: التشهّد في الركعتين الأوّلتين «الحمد للّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 96

و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» و كونها في خصوص التشهّد الأوّل لا يضرّ بالمقصود، لأنّ التشهّد الأوّل و الثاني من باب واحد، و كونها مشتملا.

على (الحمد للّه) في أوّله و (تقبل شفاعته و ارفع درجته) في آخره لا يضر بالاستدلال، لأنّ استحبابهما ثبت من الخارج، فالباقي باق على لزوم إتيانه.

[استدلّ برواية 1 و 2 من الباب 10 على وجوب الصّلوات عليه و على آله]

و استدل بالرواية 1 و 2 من الباب 10 من أبواب التشهّد على وجوب عليه و على آله.

و استشكل بأنّ الروايتين واحدة لكون الراوي في كل منهما أبو بصير و زرارة، و بعد وحدتهما فيمكن أن يكون الصادر الرواية الثانية، و هي لا تدلّ على المطلوب، لأنّ في المنزّل عليه، و هو الصوم و الزكاة، ليست صحة الصوم منوطا بالزكاة، فكذلك

ليست صحة الصّلاة موقوفا على الصّلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليهم.

و يمكن دفعه بأنّه في المنزّل عليه كون التنزيل من باب المبالغة، أو جهة اخرى لا يوجب رفع اليد عن الظاهر في المنزّل، فتأمّل).

فمضافا إلى الآية الكريمة المتقدمة و مضافا إلى بعض الأخبار هو كون عليه و على آله صلوات اللّه عليهم من أجزاء التشهدين من الصّلاة من المسلّمات عندنا، و لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الصدوقين قدس سرّهم و عن ابن جنيد من أنّه التزم بالاجتزاء بها في أحد التشهدين مع الاشكال في صحة النسبة إلى الصدوقين قدس سرّهم كما ذكر في الجواهر، و بعد كونه من المسلمات فلا مجال للاشكال في وجوبها

[في انّ في العامّة من يقول بوجوب الصّلوات على محمد و آله فى التشهد]

، و في العامة من

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 97

يقول بوجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو مختار «1» الشافعى في خصوص التشهد الأخير، و فيهم من يقول «2» بوجوب الصّلاة على آله في التشهّد و هو البويحى من أصحاب الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين.

فعلى هذا تدلّ على وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم الآية الشريفة و على وجوب الصّلاة عليه و على آله بعض الأخبار و ما قلنا من التسلّم الّذي يكون في المسألة، فمن جملة ما وجب في التشهدين الصّلاة على رسوله و على آله صلوات اللّه عليهم. «3»

[في ذكر امور مربوطة بالمقام]
اشارة

ثمّ إنّ هنا امورا نتعرض لها:

الأمر الأوّل:

لا يجب عندنا غير الشهادتين و الصّلاة على النبي و آله صلوات اللّه عليه و عليهم في التشهد، و أمّا الأذكار الواردة في بعض الروايات غير ما ذكر تكون مستحبا، و أمّا العامة فهم يقولون بأذكار في التشهّد و فيها «السلام على النبي» و «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» قبل الشهادتين، و عندنا ليس «السلام على النبي و رحمة اللّه و بركاته» واجبا و أمّا «السلام علينا» فعندنا يكون من السلام المخرج، و لا يجوز إتيانه في التشهّد الأوّل، و محلّه بعد التشهّد الثاني على نحو يأتي الكلام فيه إنشاء اللّه.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 232.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 233.

(3)- أقول: لم يتعرض سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى لكيفية الصّلاة، و لكن الأحوط الاقتصار على الكيفية الخاصّة المعهودة، و هي «اللّهم صلّ على محمد و آل محمد» لذكر هذه الكيفية في بعض الأخبار فتأمل جيدا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 98

الأمر الثاني:

لو نسى المصلّي التشهد، فتارة يقع الكلام في التشهّد الأوّل، و تارة يقع الكلام في التشهّد الثاني.

أمّا الكلام في التشهّد الأوّل فنقول: ما يستفاد من الروايات هو أنّه لو تذكر نسيانه قبل الركوع من الركعة الثالثة، فيرجع و يأتي بالتشهد و بما بعده من واجبات الصّلاة، و لو تذكر نسيانه بعد الدخول في الركوع فيمضي في صلاته و يتمها، يسجد سجدتي السهو (فارجع الباب 7 من أبواب التشهد)، و ليس في الروايات ما يدلّ على وجوب قضاء التشهّد المنسي بعد الصّلاة، و لكن وجوب قضائه بعد الفراغ من الصّلاة، ثمّ إتيان سجدتي السهو مسلّم لأنّ ظاهر الاصحاب قدس سرّهم وجوبه، فلو لو نقف على نصّ دال على وجوب قضاء

التشهّد المنسي بعد الصّلاة، فلا يصير سببا لمنع وجوبه، لأنّه بعد ما نعلم أنّ في الجوامع الأوّلية كانت أخبارا و لم تصل إلينا تلك الجوامع، و رأينا بأنّ مشهور القدماء أو جميعهم متفقون على وجوب قضاء التشهد، نكشف وجود نصّ في المسألة دالّ على ذلك و لم يصل إلينا.

و أمّا الاستدلال على وجوب قضاء التشهّد الأوّل لو نسيه بالرواية الّتي رواها علي بن أبي حمزة (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا قمت في الركعتين الأولتين و لم تشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فاذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهد التشهّد الّذي فاتك). «1»

بدعوى أنّ قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (ثمّ تشهد التشهّد الّذي فاتك) يدلّ على

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 99

وجوب قضاء التشهد، لأنّ مفاده قضاء التشهّد الّذي فات عنه.

و لكن الاستدلال غير تمام لأنّ ما هو المسلم عند الأصحاب قدس سرّهم وجوب قضاء التشهّد بعد السّلام أوّلا، ثمّ إتيان سجدتي السهو، فالرواية لا تكون دليلا لهم لأنّ مفادها وجوب قضاء التشهّد بعد سجدتي السهو، و المراد من الرواية ظاهرا هو التشهد الّذي يؤتى في سجدتي السهو، و أنّه يأتي بالتشهد بهذا النحو، فلا تفيد للمقصود.

و كذلك لا وجه للاستدلال على وجوب قضاء التشهّد المنسي بالرواية 1 من الباب المذكور، و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا نسيت شيئا من الصّلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا، ثمّ ذكرت فاصنع الّذي فاتك سواء.

لأنّه يوجب أوّلا تخصيص الأكثر لعدم

الالتزام بقضاء شي ء من واجبات الصّلاة إلا التشهّد و السجدة الواحدة، فلا يمكن الأخذ بعمومها، و ثانيا يوجب الأخذ بعمومه لتخصيص المورد لعدم قضاء في الركوع المنسي و التكبير المنسي، لأنّه لو ترك الركوع نسيانا أو مضى محل تداركه تبطل الصّلاة.

كما أنّه لا وجه للاستدلال على وجوب قضاء التشهّد بالرواية 6 من الباب 3 من أبواب الخلل و هي ما رواها حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ينسى عن صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشي ء منها ثمّ يذكر بعد ذلك، فقال:

يقضي ذلك بعينه، فقلت: أ يعيد الصّلاة؟ فقال: لا.

لما قلنا في الرواية السابقة، و لكن مع ذلك كما قلنا بعد تسلّم وجوب قضاء التشهد يجب قضائه، هذا كله في ما نسى التشهّد الأوّل.

[الكلام في حكم نسيان التشهّد الثاني]
اشارة

و أمّا الكلام في حكم نسيان التشهّد الثاني و تذكر نسيانه بعد السّلام الواجب

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 100

قبل فعل المنافي من حيث وجوب قضاء هذا التشهّد و عدمه، و وجوب سجدتي السهو و عدمه، أو وجوب الرجوع و إتيان التشهّد ثمّ السّلام بعده و عدمه، فما يمكن ان يقال: بكونه مربوطا بالمقام روايات:

[ذكر روايات الباب]
الرواية الاولى:

و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسى التشهّد حتّى ينصرف، فقال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، و قال: إنّما التشهّد سنة في الصّلاة). «1»

يحتمل كونها متعرضة لحكم خصوص نسيان التشهّد الأول، و يحتمل كونها متعرضة لخصوص الثاني، و يحتمل كونها متعرضة لحكم كليهما.

أمّا الاحتمال الأوّل فبعيد في الغاية.

و أمّا الاحتمال الثاني فيمكن أن يقال في تقويته: بأنّ قوله عليه السّلام في الرواية (يفرغ من صلاته و قد نسى التشهّد حتّى ينصرف) كون الانصراف بعد نسيان التشهد و عدم فصل بينهما (خصوصا لو كان الانصراف كناية عن السلام) فيكون ذلك قرينة على كون المنسي التشهّد الثاني.

و أمّا وجه الاحتمال الثالث فهو أن يقال: إنّ ظاهر الرواية كون التذكر بعد الانصراف، فيستفاد من الرواية نسيان تشهد و تذكار نسيانه بعد الانصراف من الصّلاة، و بترك استفصال الامام عليه السّلام من كون المنسي التشهّد الأوّل أو الثاني، نفهم عدم كون فرق بين كون المنسي التشهّد الأوّل أو الثاني من حيث حكم وجوب

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 101

الاتيان بعد السّلام و دالا على أنّ وجوب إتيانه بعد الانصراف عبارة عن قضائه.

و يمكن

أن يقال: بأنّ الدليل على كون اتيانه بعد السّلام بعنوان القضاء- لا من باب كون المراد من الأمر باتيانه من باب بقاء محله، و وقوع السّلام في غير محله، و عدم كونه مخرجا في هذه الصورة- قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (إنّما التشهّد سنة، في الصّلاة) يعني حيث يكون التشهّد سنة، لا فرضا مثل الركوع و ساير الأركان، فلا يضر نسيانه بالصّلاة، و يكفي قضائه في حال تذكر نسيانه.

و لكن يمكن أن يقال في دفعه: بأنّ قوله عليه السّلام (إنّما التشهّد سنة) يكون في مقام بيان ما قال في ذيل الرواية (إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه) بأنّه حيث يكون التشهّد سنة، فلو تذكر و لم يكن قريبا من مكانه لا مانع من إتيانه في غير المكان الّذي صلّى فيه، و يكتفي أن يطلب مكانا نظيفا.

الرواية الثانية:

و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد؟ قال: يسجد سجدتين يتشهّد فيهما). «1»

و هذه الرواية على تقدير إطلاقها لنسيان التشهّد الأوّل و الثاني، فلا يدلّ إلّا على وجوب سجدتي السهو لأجل نسيان التشهد، و أمّا وجوب قضائه فلا تدلّ عليه، بل يمكن أن يقول أحد: بأنّ هذه الرواية، و كذا بعض الروايات الواردة في نسيان التشهّد المذكور في هذا الباب على تقدير إطلاقها للتشهد الأوّل و الثاني، تدلّ على عدم وجوب قضاء التشهد، لأنّها تدلّ على وجوب سجدتى السهو فقط لو نسى التشهد إلّا أن يقال: بأنّ كل هذه الروايات يكون متعرضا لنسيان التشهّد قبل

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 7 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 102

الركوع و بعد الركوع

فلا إطلاق له يشمل للتشهد الثاني.

الرواية الثالثة:

و هي ما رواها محمد بن علي الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسهو في الصّلاة فينسى التشهد؟ قال: يرجع فيتشهد، قلت: ليسجد سجدتي السهو؟ فقال: لا، ليس في هذا سجدتا السهو). «1»

حمل هذه الرواية على التشهّد الأخير ممكن لأنّ الأمر بالرجوع مطلقا بدون تقييد الأمر بكونه قبل الركوع شاهد على كون المنسي التشهّد الأخير، إذ حملها على التشهد الأوّل محتاج إلى حمل الرواية على ما قبل الركوع من الركعة الثالثة، مع عدم تصريح في الرواية به، و إطلاقها يقتضي الرجوع في أي حال يكون الشخص، فلو حمل على التشهّد الثاني لم يمض محل تداركه و لو بعد السلام، غاية الأمر وقع بلا محلّ و كونه موجبا لخروجه من الصّلاة مطلقا محلّ كلام.

فيمكن حمل الرواية على التشهّد الأخير، كما أنّه يحتمل كون المراد الأول، و لا بدّ من حملها على ما إذا كان التذكر قبل ركوع الركعة الثالثة، و لكن حيث قال فيها (يرجع فيتشهد) يستفاد منها عدم كون التشهّد ممّا فات من المصلّي بل يكون محل تداركه باقيا، و يكون أداء لا قضاء فهي تدلّ على عدم وجوب قضاء الثاني لو تذكر بعد السلام، بل لا بدّ من اتيانه و يكون في محله، فيكون على هذا اداء.

و أمّا الرواية 7 و 8 من الباب 7 من أبواب التشهّد الدالتان على بطلان لو ترك التشهد، فلم يعمل بهما و لا بدّ من رد علمها إلى أهلها.

[الكلام في مقتضى القاعدة في المورد]

إذا عرفت حال الروايات نقول: أمّا مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 9 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 103

الروايات فهو وجوب تدارك التشهّد و إتيان السّلام

بعدها، لعدم مضى محلّ تداركه و لكن هنا كلام آخر و هو أنّه إن قلنا: بكون السّلام مخرجا إذا وقع في محلّه مع رعاية الترتيب المعتبر، و من الترتيب وقوعه بعد التشهد، و إذا لم يقع السّلام في محله لم يكن مخرجا، و لم يكن المصلّي فارغا من الصّلاة فعلى هذا لا بد من العمل على طبق القاعدة في ما نحن فيه باتيان التشهّد في ما تذكر بعد السّلام نسيانه و لم يأت بالمنافي، إتيان السّلام بعد التشهد.

و أمّا لو قلنا: بكون السّلام مخرجا كيفما اتفق و أينما اتفق، ففي ما نحن فيه خرج من الصّلاة، و لا مجال لتدارك المنسي في الصّلاة لخروجه بالسلام من الصّلاة، فيأتي الكلام في أنّه هل يجب قضاء التشهّد أم لا، و قد قلنا في حاشيتنا على العروة الوثقى بأنّ (السلام الواجب ليس مفوّتا لمحل السجدتين في الركعة الأخيرة على الأقوى كما مر، و أمّا السجدة الواحدة و التشهد منها إذا تذكر بعده قبل المنافي ففيهما إشكال أحوطه الاتيان بهما بقصد ما في الذمّة و بما يترتب عليهما و سجدتا السهو لما في ذمته بسبب نقص السجدة أو التشهد، أو زيادة السلام) و لما نرى كلمات القدماء قدس سرّهم من السيد رحمه اللّه في جمل العلم «1» و العمل و ابن براج «2» رحمه اللّه في شرح قول السيّد رحمه اللّه (و المذكور من السلار في المراسم) أنّه يجب إتيان التشهد، ثمّ السّلام بعده و الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «3».

______________________________

(1)- جمل العلم و العمل، ج 3، ص 36.

(2)- المهذب، ج 1، ص 156.

(3)- المبسوط جلد 1 صفحه 122.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 104

[السلام قبل التشهد ليس مخرجا من الصّلاة]

نعم كلامه يكون في موضع

أخر من المبسوط «1» على نحو يقبل الانطباق على ما قلنا من حيث عدم قصد الأداء و القضاء، لأنّ مفاد عبارة الشيخ رحمه اللّه ربّما يكون ذلك حيث عبّر بلفظ القضاء و إتيان السّلام بعده، و على كل حال يكون الواقع قبل التشهّد غير مخرج، هذا تمام الكلام في ما يهمّنا البحث عنه في التشهد.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و آله أجمعين.

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 155.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 105

الثامن من أفعال الصّلاة التسليم

اشارة

اعلم أنّ الكلام في التسليم يقع في امور:

الأمر الأوّل:

لا إشكال في أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يسلّم في آخر صلاته، و على ذلك كان عمله، بل و عمل المسلمين من الصحابة و غيرهم، و كان أمر السّلام و إتيانه في آخر الصّلاة من الأمر المفروغ عنه عند الخاصّة و العامة و إن كان الكلام بينهم في وجوبه و استحبابه.

و يظهر للناظر في الآثار و الأخبار من أنحاء الأسئلة و الأجوبة كونه مذكورا في آخر الصّلاة، و يكون من الصّلاة مثل ساير ما يكون من الصّلاة كالركوع و السجود و غيرهما، بل ربما يرى أمره من حيث الوضوح أولى من بعض ما يعتبر في الصّلاة، بحيث ما يرى في الأخبار يكون نوع الأسئلة و الاجوبة عن خصوصياته.

و كلها شاهد على عدم كلام عند المسلمين في أصله، و لهذا كانوا يسألون عن بعض خصوصياته، مثلا من طروّ الحدث بينه و بين التشهد، أو من كيفية التسليم، أو من أن الامام كيف يسلّم و المأموم كيف يسلّم، فكون العمل على إتيان السّلام في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 106

آخر الصّلاة، و كون مفروغية ذلك مستفادا من مطاوي الأسئلة و الأجوبة الواردة في الروايات ممّا لا كلام فيه.

الأمر الثاني:
اشارة

يقع الكلام في أنّه بعد كون العمل على التسليم في آخر الصّلاة، فما صورة هذا التسليم؟

اعلم أنّ صيغ السّلام لا تكون خارجة عن الثلاثة المعروفة، و هي عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين و السلام عليكم و رحمة اللّه (و بركاته عليه) أو بدون ذلك.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا عند العامة فلا إشكال في كون التسليم الّذي يذكر في آخر الصّلاة و بعنوان المخرج

لا يكون الصيغتين الأوّلتين لأنّهم يعدّونهما جزءا للتشهّد، و يذكرونهما قبل الشهادتين من التشهد، كما يظهر ذلك لمن يراجع بما هو كيفية التشهّد عندهم (فارجع الخلاف و بداية المجتهد) فلا إشكال عندهم في أنّ السلام المخرج ليس إلّا الصيغة الثالثة، أعنى: (السلام عليكم) مع كون الخلاف بينهم في كون خصوص السّلام هو المخرج، أو كلّ ما يفعل المصلّي بعد التشهد، هذا عند العامة.

و أمّا عند الخاصّة فإنّهم و ان لم يقولوا بمقالة العامة من كون (السلام علينا) جزءا للتشهد، و لكن الظاهر منهم (إلّا عند شاذ) كون (السلام على النبي) جزء للتشهد، و عدم كونه السّلام المخرج، و لا إشكال في أنّ المستفاد من جلّ أخبارنا كون السلام المعهود المذكور في آخر الصّلاة هو (السلام عليكم).

و يدلّ على ذلك الأخبار المذكورة في الأبواب المختلفة، فإنّ المستفاد منها كون السلام هو (السلام عليكم) مثل هذه الرواية، فإنّ فيها قال (ثمّ التفت فإذا أنا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 107

بصفوف من الملائكة و النبيين و المرسلين، فقال لي: يا محمد سلّم، فقلت: عليكم و رحمة اللّه و بركاته). «1»

مثل الرواية الّتي فيها قال (و صلّوا لأنفسهم ركعة، ثمّ سلّم بعضهم على بعض، ثمّ خرجوا إلى أصحابه فأقاموا بإزاء العدو، و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم تكبّر و كبروا و قرا فانصتوا و ركع فركعوا و سجد فسجدوا، ثمّ جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فتشهد، ثمّ سلّم عليهم فقاموا، ثمّ قضوا لأنفسهم ركعة، ثمّ سلّم بعضهم على بعض). «2»

و يستفاد من قوله (ثمّ سلّم بعضهم على بعض) و من قوله (ثمّ سلم عليهم) بأنّ السلام

كان (السلام عليكم) لا (السلام علينا) لأنّه بعد ما قال (سلّم بعضهم على بعض) و من قوله (ثمّ سلم عليهم) نفهم أنّ السّلام كان بعنوان الخطاب، و هو ليس إلا (السلام عليكم).

و مثل الرواية 4 من الباب المذكور، و مثل الرواية 2 من الباب 3 من أبواب التشهد، و مثل الرواية 2 من الباب 4 من أبواب التشهد.

[يستفاد من الاخبار كون السّلام (السّلام عليكم)]

فالمستفاد من هذه الروايات هو كون التسليم في آخر الصّلاة، و لا إشكال في أنّ السّلام هو (السلام عليكم) لكون المعهود منه عند المسلمين من الخاصّة و العامة هو (السلام عليكم) بل بعضها نصّ في ذلك، مثل الرواية الّتي رواها أبي بصير «3»، لأنّ فيها بعد ذكر (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) قال (ثمّ تسلم) و من

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب افعال الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 108

الواضح أنّ المراد من السّلام الّذي أمر به بعد (السلام علينا) ليس إلّا (السلام عليكم) فما عليه العمل و يكون على طبقه بعض الروايات في طرقنا، هو كون المخرج الواقع في آخر الصّلاة هو (السلام عليكم).

[يستفاد من الاخبار كون السّلام (السلام علينا و على عباد للّه الصالحين)]
اشارة

نعم هنا بعض الأخبار الوارد في طرقنا فيه التعرض و الذكر عن (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) و صار سببا لأن يقال، كما قال بعض، بأنّه السّلام المخرج أيضا مثل (السلام عليكم) أو أنّه لو قال (السلام علينا) يكون (السلام عليكم) مستحبا أو أنّ مجموعهما المخرج و محلل الصّلاة،

[في ذكر الروايات فى الباب]
اشارة

فنذكر بعونه تعالى هذه الطائفة من الأخبار فنقول:

الرواية الاولى: و هي ما رواها ميسر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل (تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك) و إنّما هو شي ء قالته الجن بجهالة فحكى اللّه عنهم، و قول الرجل (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: قال الصادق عليه السّلام: أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين بقوله (تبارك اسم ربك و تعالى جدك) و هذا الشي ء قالته الجن فحكى اللّه عنها، و بقوله (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) يعني: في التشهّد الأوّل). «2»

مفاد الروايتين فساد الصّلاة بقول الرجل: تبارك اسمك الخ، و هو ما قاله الجن كما يظهر من قوله تعالى في سورة الجن نقلا عنهم و (السلام علينا) و يمكن أن يكون

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 12 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 12 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 109

قوله (يعني: في التشهّد الأوّل) في الرواية الثانية من نفس الصّدوق رحمه اللّه لا من كلام الصادق عليه السّلام.

و لا يخفي عليك أنّه لا يستفاد منهما إلّا كون (السلام علينا) ممّا يفسد به الصّلاة، فيحتمل أن يكون وجه فساد الصّلاة به

من باب كونه محلل و مخرجه، كما توهم بعض من استدل بهما على كون (السلام علينا) مثل (السلام عليكم) مخرجا و محلّلا، و يحتمل أن يكون فساد الصّلاة به من باب كونه من كلام الادمي، و حيث يكون كلام الآدمي مفسدا في أثناء الصّلاة لها، فقال عليه السّلام: يفسد به الصّلاة، و الاحتمال الثاني إن لم يكن أقوى فلا أقل من عدم ظهور للروايتين في الاحتمال الأوّل.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحلبي (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام كلّ ما ذكرت اللّه عز و جل به و النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فهو من الصّلاة، و إن قلت: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فقد انصرفت). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها ابو كهمس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد، فقلت و أنا جالس (السلام عليك أيّها النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و رحمة اللّه و بركاته) انصراف هو؟ قال: لا، و لكن إذا قلت (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) فهو الانصراف). «2»

و لا يستفاد من هاتين الروايتين إلّا كون (السلام علينا) موجبا للانصراف من الصّلاة، و به يخرج الشخص من الصّلاة، و لكن كما قلنا في الروايتين الاولتين من احتمال وجه كونه انصرافا للصّلاة، هو كونه كلام الآدمي، فإذا وقع كلام الآدمي

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 110

يوجب الانصراف من الصّلاة لفساد الصّلاة به، و هذا غير كونه مخرجا للصّلاة كالسّلام عليكم.

الرواية الخامسة: و

هي ما رواها أبو بصير، و هي رواية مفصّلة (و قال في آخرها: و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، ثمّ تسلّم). «1»

و هذه الرواية تدلّ على أنّ السّلام الآخر غير «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين».

الرواية السادسة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا نسى الرجل أن يسلّم، فإذا ولى وجهه عن القبلة و قال (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) فقد فرغ من صلاته). «2»

أمّا مفاد الرواية، فمن قوله عليه السّلام (إذا نسى الرجل أن يسلم) يستفاد أنّ مورد الرواية مورد نسيان الشخص السلام، فقال (إذا ولى وجهه عن القبلة).

[في ذكر الاحتمالات في الرواية السادسة]

ففي هذا احتمالان، فتارة يكون مفروض كلامه ما إذا ولى عن القبلة بيسير بحيث لم يتحقّق الانحراف المبطل للصّلاة و المنافى لها، و تارة يكون مفروض الكلام هو إذا ولى عن القبلة بحيث تحقق المنافي.

فإن كان الأوّل، و لم يكن الواو في قوله بعده (و قال السّلام علينا) الواو الحالية، فيكون مفاد الرواية أنّه إذا نسى الرجل التسليم و ولى عن القبلة، لكن لا بمقدار يكون منافيا مع الصّلاة، و قال بعد ما ولى (السلام علينا) فقد فرغ من

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 111

صلاته، فيكون مفادها هو حصول الفراغ من الصّلاة باتيان (السلام علينا) فتدل الرواية على كونه مخرجا في هذا الفرض.

و لكن هذا خلاف ظاهر الرواية لأنّ ظاهر قوله (ولى عن القبلة) هو الاستدبار عنها و إن كان الواو الواقع قبل قوله (السلام علينا) حالية يكون المراد أنّه إذا نسى و

ولى بمقدار لم يكن منافيا مع الصّلاة، و الحال أنه قال (السلام علينا) قبل ان ولى وجهه عن القبلة، فقد فرغ من صلاته، فيكون مفاد الرواية هو الفراغ من الصّلاة في صورة نسيان السّلام إذا قرء (السلام علينا) قبل التولية عن القبلة.

و على هذا تدلّ الرواية على كون السّلام المخرج غير (السلام علينا) و لكن اكتفي في هذه الصورة (بالسلام علينا).

و إن كان الثاني أعنى: يكون المراد من (ولى عن القبلة) هو التولية عنها بحيث تحقق المنافي، و لم تكن الواو في قوله (و قال السّلام علينا) حالية، فيكون المراد أنّه إذا نسي السّلام و ولى عن القبلة بحيث تحقق المنافي و (قال السّلام علينا) بعد ذلك، فقد فرغ من الصّلاة.

فيشكل الأخذ بهذا الاحتمال، لأنّه بعد حصول المنافي بالاستدبار و تذكر نسيان السلام، فقد فرغ من الصّلاة و صلاته مجزية لحديث (لا تعاد) سواء يأتي بعد ذلك (بالسلام علينا) أو لم يأت به، و أمّا لو كان المراد من (ولى) هو التولية عن القبلة و كانت الواو في قوله (و قال السّلام علينا) حالية، فيكون المراد هو أنّه إذا نسي السلام و الحال أنّه قال (السلام علينا) ثمّ بعد ما ولى و انحرف عن القبلة و تحقق المنافي، فقد فرغ من الصّلاة، فتدلّ الرواية على كفاية (السلام علينا) لو نسى السّلام المحلل، و يستفاد من الرواية كون السّلام المحلل غير (السلام علينا) و كفاية (السلام

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 112

علينا) عنه في حال النسيان.

فعلى هذا الاحتمال لا بدّ من الالتزام أوّلا بكفاية (السلام علينا) و كونه مخرجا في صورة نسيان (السلام عليكم) و ثانيا لا بدّ من الالتزام بأنّه لو نسي (السلام عليكم) و

لم يأت (بالسلام علينا) أيضا و تحقق المنافي فلم يفرغ من صلاته، و تكون صلاته فاسدة، مع أنّ حديث (لا تعاد) يدلّ على عدم الاعادة و صحة بنسيان السّلام سواء أتى (بالسلام علينا) أو لم يأت به لو تذكر بعد فعل المنافي، و الالتزام به مشكل، فتأمل.

[في ذكر الرواية السابعة و الاحتمالات فيها]
اشارة

الرواية السابعة: و هي ما رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (في كتابه إلى المأمون قال: و لا يجوز أن تقول في التشهّد الأوّل «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» لأنّ تحليل الصّلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلّمت). «1»

يستفاد من الرواية أنّ منشأ عدم جواز أن يقال (السلام علينا) في الأوّل، هو كون تحليل الصّلاة التسليم، و على هذا في الرواية احتمالان:

الاحتمال الأول:

أنّ منشأ عدم جواز إتيان (السلام علينا) في التشهّد الأوّل هو نفس محللية السلام، فحيث إنّ السّلام محلل، فلا يجوز إتيانه في الأثناء، لأنّه لو أتى به في الأثناء يخرج من الصّلاة، فيكون مفاد الرواية على هذا الاحتمال صغرى، و هو أنّ (السلام علينا) سلام و كلّ سلام محلل (فالسلام علينا) محلل (فالسلام علينا) لأجل كونه محللا لا يجوز إتيانه في التشهد الأوّل فيثبت من الرواية كونه محللا، فيثبت به المطلوب، و هو كون (السلام علينا) محلل للصّلاة و أنّه مصداق

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 12 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 113

التسليم المحلل.

الاحتمال الثاني:

أنّ يقال: بأن منشأ صيرورة محللية السّلام سببا لعدم جواز إتيان (السلام علينا) في التشهّد الأول، هو أن محللية السّلام حيث تكون من باب كونه كلام الآدمي فإنّ (السلام عليكم) كلام الآدمى، كذلك حيث يكون (السلام علينا) كلام الآدمي، فلو أتى به في التشهّد الأوّل تصير الصّلاة فاسدة، و لهذا قال (فإذا قلت فقد سلّمت) يعنى أتيت بكلام الآدمي في أثناء الصّلاة، كما أنّه لو أتى (بالسلام عليكم) في التشهّد الأوّل تفسد الصّلاة من باب كونه كلام الآدمي، لا من باب نفس محلليته و جعله محللا، فكذلك (السلام علينا) فقوله عليه السّلام إنّ تحليل التسليم، يكون مراده أن السّلام صار محللا للصّلاة من باب كونه كلام الآدمي، فلا تقرأ السلام، لأنّه سلام، و السلام كلام الآدمي، لأن صيرورته محللا يكون لأجل كونه كلام الآدمي فعلى هذا يكون وجه عدم جواز إتيان (السلام علينا) في الأوّل كونه محللا، و منشأ عدم جواز إتيانه لكونه تحليل الصّلاة، و كون السّلام تحليل الصّلاة له خصوصيتان الخصوصية الاولى كونه محلل الصّلاة،

أعنى: يخرج به من و يكون آخر الصّلاة، و الخصوصية الثانية كون السّلام المحلل كلام الآدمي.

فعلى الاحتمال الأوّل قوله عليه السّلام (لأنّ تحليل الصّلاة التسليم) إن كان النظر إلى أنّ نفس محللية التسليم صار موجبا لعدم جواز إتيانه في التشهّد الأوّل فيستفاد من الرواية كون «السلام علينا» محللا للصّلاة كالسلام عليكم، و هذا هو الاحتمال الأول رحمه اللّه.

و إن كان النظر إلى كون وجه عدم الجواز كون السّلام المحلل كلام الآدمى، و لأجل كون وجه محللية السّلام هو كونه كلام الآدمى لا يجوز «السلام علينا» في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 114

التشهّد الأوّل، فيستفاد من الرواية كون «السلام علينا» محللا من حيث كونه مثل «السلام عليكم» في خصوصية كونه كلام الآدمي، لا أنّ السّلام علينا يكون مثل السّلام عليكم المحلّل في جميع الخصوصيات حتّى يقال: بأنّ من خصوصياته كونه محللا فالسلام علينا محلل، و هذا هو الاحتمال الثاني في الرواية.

و هذه الرواية قابلة الحمل على الاحتمال الأوّل، فتكون نتيجة هو كون «السلام علينا» مصداق المحلل، و لكن يحتمل الاحتمال الثاني في الرواية أيضا و على الاحتمال الثاني لا يستفاد من الرواية كون «السلام علينا» هو السّلام المحلل، بل غاية ما يستفاد هو كونه كالسلام المحلل في كونه كلام الآدمي إذا وقع في أثناء تبطل به الصّلاة مثل السّلام عليكم، فإنّه إذا وقع في أثناء الصّلاة تبطل الصّلاة به لكونه كلام الآدمي «1» و على كل حال سند الرواية ضعيف).

الرواية الثامنة:
اشارة

و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت إماما فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و تقول: السّلام علينا و على عباد

اللّه الصالحين، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة، ثمّ تؤذن القوم). فنقول و أنت مستقبل القبلة «السلام عليكم» و كذلك إذا كنت وحدك تقول «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» مثل ما سلّمت و أنت إمام، فاذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلّم على من على يمينك و شمالك، فان لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين على يمينك و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد. «2»

______________________________

(1)- اقول و لكن ظهور الرواية في الاحتمال الأوّل ممّا لا يخفى. (المقرر)

(2)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 115

[فى المستفاد من الرواية الثامنة]

المستفاد من الرواية هو بيان حكم الامام و المنفرد و المأموم:

الأوّل: حكم الامام في التسليم، و مفاد الرواية هو كون التسليم له منحصرا بأن يسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يقول «السلام علينا» و بمجرد التسليم بهذا النحو تنقطع صلاته، و بعبارة اخرى تمت صلاته و لم تبق منها شي ء، ثمّ يؤذن القوم و يقول مستقبل القبلة «السلام عليكم».

فمن هذه الفقرة من الرواية تستفاد أوّلا أنّ التسليم للامام منحصر في خصوص «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» و تدلّ بمفهوم الحصر على عدم كون «السلام عليكم» تسليم الصّلاة له.

و ثانيا تدلّ على كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم جزء التسليم المخرج.

و ثالثا تدلّ على عدم كون «السلام علينا» فقط التسليم المخرج، بل هو مع السلام على النبي هو التسليم المخرج.

و رابعا تدلّ على كون «السلام عليكم» شيئا خارجا من الصّلاة إمّا واجبا مستقلا بناء

على حمل قوله (ثمّ يؤذن القوم) على الوجوب، و إمّا مستحبا مستقلا بناء على حمل قوله (ثمّ يؤذن القوم) على الاستحباب هذا مفاد الفقرة الاولى، فلازم هذه الفقرة هو الالتزام بهذه الامور الأربعة الّتي قلنا بأنّها مفاد هذه الفقرة من الرواية.

الثاني: حكم المنفرد، و هو أن يسلم مثل ما يسلم الامام، و هو ان يقول بعد السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم «السلام علينا».

الثالث: حكم المأموم (فقال: قل: مثل ما قلت) يحتمل أن يكون المراد أنّه

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 116

يقول بعد السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم «السلام علينا» ثمّ يسلّم على من على يمينه و شماله، و لا بدّ أن يكون هذا السّلام «السلام عليكم» فيستفاد من الرواية كون «السلام عليكم» مرتين مرة على اليمين و مرة على اليسار، و إن لم يكن على شماله أحد فمرة على من على يمينه، هذا ما يستفاد من هذه الرواية.

[فى الرواية الّتي رواها ابو بكر الحضرمي]

و هنا رواية اخرى يمكن أن يقال كما قيل: بدلالتها أيضا على كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من السّلام الواجب مثل الرواية الثامنة، من الباب 2، و هي أيضا الرواية 3 من الباب 4 رواها صاحب الوسائل في البابين و هي ما رواها أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: إني اصلّي بقوم فقال: تسلم واحدة و لا تلتفت قل:

السّلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته و السلام عليكم). «1»- «2».

و النظر في الرواية في قوله عليه السّلام (تسلم واحدة) يحتمل أن يكون إلى الخلاف العامة، فانهم يقولون بثلاث تسليمة فقال: تسلم واحدة و

لا تلتفت، ثمّ في مقام بيان سلام واحد قال (قل: السّلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السّلام عليكم) و حيث يكون النظر على هذا الاحتمال إلى بيان أنّ السّلام الّذي يذكره العامة ثلاثة مرات لا يجب إلّا مرة واحدة، و لا إشكال في أنّ السّلام الّذي محل الخلاف بين العامة و الخاصة في أنّه يقال ثلاثة مرات أو مرة واحدة هو «السلام عليكم» فالمستفاد من الرواية على هذا كون التسليم «السلام عليكم» مرة واحدة و كان ذكر السّلام على النبي توطئة لبيان «السلام عليكم» لا أن يكون السّلام على النبي من السّلام المخرج.

و يحتمل أن يكون النظر إلى بيان وجوب السّلام مرة واحدة و إلى بيان ما هو

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 117

السلام فعلى هذا لا يكون نظر المعصوم عليه السّلام إلى بين خصوص كون السّلام مرة حتى يقال: إنّ ذلك كان في قبال العامة، و العامة يقولون: بكون خصوص «السلام عليكم» ثلاث مرات لا غيره، بل يكون النظر من بيان ذلك إلى بيان ما هو السّلام الواجب فقال: قل: السّلام الخ فيستفاد من الرواية كون السّلام الواجب هو «السلام عليك ايها النبي و رحمة اللّه و بركاته و السلام» عليكم، ففي الرواية احتمالان.

إذا عرفت ذلك كله اعلم أنّه كما قلنا سابقا تقول العامة كما في رواياتهم بأنّ «السلام عليك أيّها النبي و السلام علينا» يكونان جزء للتشهد الأوّل و الثاني، و يذكرونها قبل الشهادتين من التشهد، و لكن المستفاد من رواياتنا عدم جواز إتيان السّلام علينا في التشهّد الأول، بل

و لا قبل الشهادتين من التشهّد الثاني، لأنّ به يخرج من الصّلاة إمّا لكونه محللا، و إمّا لكونه كلام الآدمي على الكلام فيه، و إمّا السلام على النبي فالمستفاد من رواية أبي بصير المفصّلة المبينة لكيفية التشهد، و هو كون السّلام على النبي و السلام علينا جزء للتشهد الثاني لكن لا جزء واجبا بقرينة بعض روايات اخر الدالّ على عدم كونهما جزء واجبا للتشهد، و لكن المستفاد من الرواية الثامنة المتقدمة هو كون السّلام عليك من السّلام الواجب و جزء له، و كذا من الرواية السابقة، أعنى: رواية أبي بكر الحضرمي على الاحتمال الثاني فيها، غاية الأمر يستفاد من الرواية الثامنة كون السّلام على النبي مع علينا هو السلام الواجب، و يستفاد من رواية أبي بكر الحضرمي كون السّلام الواجب «السلام عليك ايها النبي و السلام عليكم».

[هل يقال بالتخيير بين (السلام عليكم) و بين (السّلام علينا) او لا؟]

فهل يقال: بأنّ مقتضى الجمع بين الروايتين هو التخيير بين السّلام علينا و السلام عليكم أولا؟ ثمّ إنّه إن قلنا بكون «السلام عليك ايها النبي و السلام علينا»

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 118

من أجزاء التشهّد الثاني و كون «السلام عليكم» هو السّلام الواجب فهو، و أمّا إن قلنا بكون «السلام علينا» من السّلام المخرج، فتدلّ الرواية الثامنة المتقدمة على كون «السلام عليك ايها النبي» جزء للسلام المخرج فتدلّ هذه الرواية و رواية أبي بكر الحضرمي على كون «السلام عليك» السّلام المخرج، غاية الأمر الرواية الثامنة تدلّ على كونه مع «السلام علينا» سلاما واجبا، و رواية أبي بكر تدلّ على كونه مع «السلام عليكم» سلاما واجبا، فيعود محذور، و هو أنّه يلزم من الأخذ بالرواية الثامنة و الالتزام بكون «السلام علينا» هو السّلام المخرج الالتزام بكون «السلام عليك»

جزء من السّلام و لا بدّ من دفع هذا المحذور.

ثمّ نقول توضيحا حتّى يظهر للمراجع ما هو الحق في المقام: بأنّ ما روي في هذا المقام عن أبي بصير روايات ثلاث و أنّ أبا بصير و إن كان متعددا، لكن أبا بصير الراوي لهذه الروايات ليس خارجا عن اثنين: أحدهما محمد بن قاسم بن علي، أو قاسم بن أبي علي المكنى بأبي بصير المعروف بأبي بصير الأكبر، و هو الّذي مات بعد وفات الصادق عليه السّلام بسنتين تقريبا.

و ثانيهما هو ليث المرادي بن البختري المعروف بأبي بصير الأصغر، و يظهر من بعض رواياته المنقول في الكافي في تاريخ مواليد الائمة عليهم السّلام أنّه كان حيا إلى قرب زمان شهادة الرضا عليه السّلام، و على كل حال هما من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، و موثقان و إن خدش فيهما في رجال الكشي.

و اعلم أنّ الرواية المفصلة الّتي نقل فيها التشهّد المفصّل، و قال في آخرها:

«السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، ثمّ تسلّم» يكون من أبي بصير الأكبر روى عنه زرعة، و لكن الراوي عنه هو سماعة على ما رأينا في أسانيد الروايات، و الراوي

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 119

عن سماعة هو زرعة، و لكن في هذه الرواية يروي زرعة عن أبي بصير، و بحسب الطبقات لا يمكن أن يروي زرعة عن أبي بصير بلا واسطة إلّا أن يقال: بأنّ سماعة سقط في مقام النقل.

و على كل حال تدلّ الرواية المفصلة، و هي الرواية الخامسة من الروايات ذكرناها في المقام، على وجوب التسليم بعد السّلام علينا، و من الواضح أنّ المراد من (تسلّم) هو «السلام عليكم».

و هكذا الرواية السادسة من

الروايات المذكورة، رويها سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام هو أبو بصير الأكبر، و بينا ما يستفاد منها.

[في ذكر الرواية الثامنة مجددا و التوضيح فيها]
اشارة

و أمّا الرواية الثامنة الّتي ذكرناها، و هي ما رواها محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فهو أبو بصير الأصغر، أعني ليث المرادي، فقد عرفت أنّ هذه الرواية تشمل على فقرات ثلاث نذكرها مجدداً تتميما للفادة، فنقول: عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كنت إماما فانّما التسليم أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم السلام، و تقول: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة، ثمّ يؤذن القوم، فتقول و أنت مستقبل القبلة: السّلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، مثل ما سلّمت و أنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلّم على من على يمينك و شمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين على يمينك و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد. «1»

[في ذكر ثلاث فقرات فى الرواية]

اعلم أنّ الرواية كما قلنا سابقا بنحو الاختصار تشتمل على فقرات ثلاثة،

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 120

فتارة يقال في مقام بيان المراد منها:

بأنّ الفقرة الاولى تكون في مقام بيان أنّ السّلام المحلل المخرج للامام هو أنّ يسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و أن يقول: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فبعد ذلك انقطعت الصّلاة يعني تمت الصّلاة، ثمّ يؤذن القوم يقول: السّلام عليكم.

ثمّ يقع الكلام في أنّه هل يكون الظاهر من هذه الفقرة كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله

و سلم جزء السّلام المحلل، فيكون قوله (فإنما التسليم أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و تقول: السّلام علينا) في مقام بيان حصر التسليم في السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا، أو يكون قوله عليه السّلام (أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم) توطئة لبيان ما هو السلام المحلل، و هو «السلام علينا» كلاهما محتمل، و يستفاد من هذه الفقرة امور نقول بعد ذكر الفقرتين الأخيرتين.

و أمّا الفقرة الثانية فتدلّ على أنّ المنفرد يكون تسليمه «السلام علينا» و يحتمل أن تكون هذه الفقرة دالة على أنّ تسليمه أيضا هو أن يسلم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يقول «السلام علينا» ثمّ بعد انقطاع صلاته يقول «السلام عليكم» بقرينة قوله عليه السّلام في هذه الفقرة (مثل ما سلّمت و أنت إمام) و يحتمل خلافه، و هو أن يكون تسليم المنفرد مجرد «السلام علينا» ظاهر هذه الفقرة ذلك حيث إنّه إن كان عليه السّلام في مقام بيان كون تسليم المنفرد أيضا «السلام علينا» بعد السّلام على النبي عليه السّلام و إتيانه «بالسلام عليكم» بعد انقطاع صلاته، كان المناسب أن يكتفي بقوله (و كذلك إن كنت وحدك) أو أن يقول (و إن كنت وحدك فسلّم مثل ما يسلّم الامام) فالظاهر من هذه الفقرة كون تسليم المنفرد هو «السلام علينا» بدون وجوب السّلام عليكم أو استحبابه عليه و لو بعد الصّلاة.

و أمّا الفقرة الثالثة فهي تدلّ على كون «السلام عليكم» تسليم صلاة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 121

المأموم، لا السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم،

و لا السّلام علينا، لأنّ قوله عليه السّلام (و سلّم على من على يمينك و شمالك) فيكون الفرض السّلام على من على اليمين و على من على الشمال، فليس الفرض إلّا أن يقول «السلام عليكم» على من يمينه و «السلام عليكم» آخر على من بيساره، و إن لم يكن على يساره أحد فيسلّم على من بيمينه، و يستفاد من قوله عليه السّلام في ذيلها (و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد) أنّ المأموم لا يدع التسليم على جانب اليمين و إن يكن على شماله أحد، يعني: و لو لم يكن على يمينه أحد و يكون على شماله أحد فقط بناء على كون متن الحديث (إن يكن على شمالك) و أمّا إن كان متن الحديث (إن لم يكن) و سقط في مقام النقل لفظ (لم) يكون مفاد هذه الفقرة هو أنّه لا يدع التسليم على اليمين إن لم يكن على شماله أحد.

[يستفاد من الرواية الثامنة امور ستّة]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه إن كان هذا مفاد هذه الرواية، فيستفاد منها امور:

الامر الأوّل: كون تسليم الامام منحصرا بالسلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا بناء على الاحتمالين المتقدمين في كون ذكر السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم جزء الذي ذكره في الرواية، أو كان توطئة لبيان ما هو التسليم و هو السّلام علينا.

الامر الثاني: كون السّلام عليكم خارجا عن الصّلاة.

الامر الثالث: كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم جزء للسلام المخرج بناء على عدم كون ذكره توطئة لبيان السّلام المخرج و هو السّلام علينا.

الامر الرابع: كون التسليم للمنفرد خصوص السّلام علينا بناء على

عدم كون قوله (مثل ما سلّمت و أنت إمام) ناظرا إلى أنّ وظيفته هو السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و أن يقول السّلام علينا، ثمّ بعد انقطاع الصّلاة يقول السّلام عليكم كما هو الظاهر كما قلنا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 122

الامر الخامس: عدم كون السّلام عليكم وظيفة له بناء على كون تسليمه خصوص السّلام علينا لا وظيفته الواجبة و لا المستحبة.

الامر السادس: كون وظيفة التسليم للمأموم خصوص «السلام عليكم» مرة عن اليمين و مرة عن الشمال إن كان على شماله أحد. «1»

و على كل حال إن كان ما بيّنا مفاد الرواية يستفاد منها بعض أحكام لا يلتزم به أحد، بل بعضها خلاف ما هو المسلم عندهم.

أمّا أوّلا فلعدم التزام أحد بكون السّلام للامام منحصرا (بالسلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) لأنّهم إما يقولون باختصاص السلام بالسلام عليكم، أو بالتخيير بينه و بين السّلام علينا.

و ثانيا: تدلّ على عدم كون الوظيفة الواجبة أو المستحبة للمنفرد «السلام عليكم» بناء على كون المراد من الفقرة الثانية من الرواية كون تسليم المنفرد خصوص «السلام علينا» كما هو الظاهر من الاحتمالين المتقدمين في هذه الفقرة، مع أنّه لم يقل به أحد لأنّهم بين من يقول بوجوب خصوص السّلام عليكم أو بوجوبه و وجوب السّلام علينا تخييرا، و لكن لو أتى بالسلام علينا، فالسلام عليكم مستحب.

______________________________

(1)- أقول: في كون مفاد الفقرة الثالثة من الرواية كون تسليم المأموم خصوص «السلام عليكم» محل إشكال لأنّ قوله عليه السّلام (فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلّم على من على يمينك و شمالك) يدلّ على

أنّه يقول مثل ما قال و سلّم، و هذا يدلّ على أنّه يقول أوّلا ما قال من السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا، و سلّم بعد ذلك على من على يمينه و شماله، فتأمل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 123

و ثالثا: تدلّ الفقرة الاولى من الرواية على كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من السلام المخرج بناء على عدم كون ذكره توطئة لا لسلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.

[في ذكر مقدّمة لظهور كون الرواية الثامنة سبقت لبيان حكم آخر]

و أمّا إن كانت الرواية سبقت لبيان حكم آخر، لا لبيان ما هو صيغة التسليم للامام و المأموم و المنفرد، و هذا يظهر لك بعد بيان مقدمة.

أمّا المقدمة فهي أنّه قد عرفت من مطاوي كلماتنا بأنّ المسلّم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان في صلاته في مقام إتيان السّلام آتيا بصيغة «السلام عليكم» في الجملة، و أنّ عمل المسلمين كان على إتيان «السلام عليكم» في مقام تسليم الصّلاة، ثمّ بعد ذلك كان خلاف بن العامة في أن «السلام عليكم» يجب في كل صلاة مرة أو أزيد، فقال بعضهم بوجوب أزيد من مرة، و أنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم اتى بازيد من مرة، و قالت عائشة: بأنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أتى في صلاته «السلام عليكم» مرة واحدة، و في رواياتنا يوجد ما يدلّ على إتيان التسليم مرتين.

إذا عرفت تلك المقدمة- أعنى: كون «السلام عليكم» الّذي كان العمل على إتيانه في آخر الصّلاة من حيث وجوبه مرة واحدة، أو أزيد في كل صلاة مورد الكلام- نقول: بأنّ الرواية تكون متعرضة لبيان حكم الامام و

المنفرد و المأموم من حيث تكليفهم في إتيان «السلام عليكم» مرة واحدة، أو أزيد و إن وقع فيها ذكر من «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أو السّلام علينا» لم يكن الامام عليه السّلام في مقام بيان هذا الحيث، لسوق الكلام لبيان ما قلنا.

فمحطّ نظره عليه السّلام في الفقرة الاولى (إنما التسليم ان تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و تقول السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين الخ) هو بيان كون السّلام للامام مرة واحدة،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 124

و لو ذكر قبله السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا، و الشاهد على ذلك التشقيقات الواردة بثلاثة شقوق: الامام، و المنفرد، و المأموم، ثمّ ذكر كون «السلام عليكم» للمأموم مرتين: مرة على من على يمينه و مرة على من على يساره إن كان على يساره أحد.

فالرواية على هذا ليست في مقام بيان كون التسليم غير التسليم المعهود المحلل يعنى «السلام عليكم» بل تكون في مقام بيان حكم الامام و المنفرد و المأموم بالنسبة إلى حكمهم في كون هذا التسليم المعهود أعنى «السلام عليكم» مرة عليهم، أو يكون الواجب مرة على بعضهم و مرتين على بعضهم، فقال عليه السّلام بكونه مرة للامام، و مرتين للمأموم إن كان على يساره أحد.

[في بيان اشكال و دفعه]

إن قلت: بأنّه إن كانت الرواية في مقام بيان حكمهم بالنسبة إلى إتيان المرة، أو أزيد من «السلام عليكم» المحلل للصّلاة، فكيف قال فيها بعد قوله: علينا و على عباد اللّه الصالحين (فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة) لأنّ معنى ذلك عدم كون السّلام المحلل هو «السلام عليكم» و عدم كونه

أصلا من واجباته، فكيف تقول:

بأنّ قوله عليه السّلام (إنّما التسليم) ليس في مقام بيان كون التسليم غير «السلام عليكم» لأنّه لو كان التسليم في قوله (إنّما التسليم) هو التسليم المعهود، فلا معنى لقطع الصّلاة بغيره.

أقول: إنّا لسنا في مقام بيان أنّ الرواية تدلّ على كون السّلام المخرج هو «السلام عليكم» حتّى تقول بأنّ قوله (انقطعت صلاته) تدلّ على خلافه، بل نكون في مقام بيان أنّ الرواية ليست متعرضة لأصل ما هو السّلام المخرج و انه هو «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» لا غير، بل تكون في مقام بيان أنّ التسليم المعهود، و هو «السلام عليكم» يجب مرة على الامام و مرتين على المأموم و مرة على المنفرد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 125

بناء على أحد الاحتمالين المتقدمين في الفقرة الثانية من الرواية فالرواية في مقام بيان هذا و إن كان المستفاد منها ضمنا كون «السلام علينا» مخرجا.

[في عدم ورود بعض الاشكالات المتقدّمة على التوجيه المذكور]

و الغرض من ذلك بيان عدم ورود بعض الاشكالات المتقدمة في الرواية بناء على التوجيه الأوّل في الرواية، فلا يرد على الرواية أنّ مفادها انحصار «السلام في السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» لأنّه بعد كونها في مقام بيان حكم الامام من حيث وجوب «السلام عليكم» عليه مرة، أو أزيد، و بيّن فيها كون الواجب عليه مرة، فغاية ما يمكن أن يقال: هو أنّ الرواية تدلّ على كون «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» مخرجا أيضا، و كون «السلام عليكم» في هذه الصورة واجبا خارجا، أو مستحبا خارجا من الصّلاة.

و كذلك لا يرد على الفقرة الثانية

بأنّها تدلّ على عدم كون «السلام عليكم» لا واجبا و لا مستحبا للمنفرد، لأنّه على هذا التوجيه يقال: بأنّها تدلّ على كون «السلام عليكم» مرة مشروعة عليه بناء على أحد الاحتمالين المتقدمين في الرواية في هذه الفقرة، و على كل حال فالرواية مورد الاشكال. «1»

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال كما افاد مد ظله العالي: بأنّه إن كان سوق الرواية لبيان حكم التسليم المعهود واجبا على الامام و المأموم و المنفرد مرة أو أزيد، فيمكن أن يقال: بأنّ بيان «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» كان من باب التوطئة لافادة أنّ «السلام عليكم» لا يجب على الامام إلا مرة واحدة، و في قوله (فقد انقطعت صلاته) إمّا أن يقال: بأنّ في هذا الفرض حيث أتى «بالسلام علينا» فأتى بمخرج فيصير «السلام عليكم» مستحبا أو واجبا خارجا من الصّلاة فعلى هذا ليست الرواية دالة على انحصار التسليم مطلقا «بالسلام عليك ايها النبي و السلام علينا»

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 126

إذا عرفت ذلك كله فهل نقول بعد اللتيا و اللتي: بأنّه يكون «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» معا أو خصوص «السلام علينا» من السّلام المحرج، أعنى: كما أن «السلام عليكم» يكون سلاما مخرجا و محللا، هكذا يكون «السلام علينا» فيكون المصلّي مخيرا بينهما في مقام أداء السّلام المخرج، و يقال في وجه ذلك:

بأنّه بعد ما نرى من أن العامة يروون أنّ «السلام عليك و السلام علينا» جزء من التشهد، غاية الأمر غير عائشة يروون قبل الشهادتين، و هي تروى بعد الشهادتين في التشهّد الثاني، و على كل حال يكون الغرض أنّه يظهر من

نقلهم الالتزام باتيانهما، كما أنّه يظهر من بعض الأخبار الواردة في طرقنا كون «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» إمّا جزء للتشهد الثاني، أو للسلام المخرج، فمن رواية زرعة عن أبي بصير كونهما جزء للتشهد الثاني، و من رواية ابن مسكان عن أبي بصير كونهما

______________________________

و إمّا أن يقال: بأنّ مفاد قوله عليه السّلام (انقطعت صلاته) بعد ذكر «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» مثل مفاد قوله المعصوم عليه السّلام في رواية اخرى بعد ذكر التشهّد (تمت صلاته) فكما أنّ هذه العبارة تكون قابلة للتوجيه بأنّ يقال: إنّ المراد من إتمام الصّلاة هو عدم بقاء شي ء منها بعناية و اعتبار أفاده مدّ ظلّه العالى، و هذا لا ينافي مع بقاء التسليم، و كونه هو المخرج، فكذلك يقال بأنّ التعبير بفقد (انقطعت صلاته) لا ينافي مع بقاء التسليم من الصّلاة، بمعنى أنّ الصّلاة قطعت أى تمت و لا يبقى إلا التسليم الّذي اعتباره ليس نحو اعتبار ساير الاجزاء.

و لا تقل بأنّ (تمت) غير (انقطعت) لأنّه على كل حال هذا التعبير غير حال عن الاشكال، لأنّه إن كان التسليم المخرج «السلام علينا» فما وجه تعبيره (بانقطعت) و الحال أنّه يمكن أن يقال:

بأنّ الأنسب التعبير بلفظ (تمّت) و لكن يمكن أن يقال: بأنّ في مقام نقل الناقلين تغيرت العبارة الصادرة عن المعصوم عليه السّلام في هذا النحو، يمكن توجيه الخبر بنحو لا ينافي مع كون «السلام عليكم» مستحبا أو واجبا خارجا عن الصّلاة في فرض إتيان المكلف «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» على الاحتمال الأوّل، أو

كونه السّلام المخرج حتّى في هذا الحال على الاحتمال الثاني في قوله عليه السّلام (انقطعت صلاته) فتأمل جيدا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 127

السلام المخرج، فيقال بكون «السلام علينا» سلاما مخرجا مثل «السلام عليكم» أولا يمكن أن يقال بذلك من باب أنّ مفاد رواية زرعة عن أبي بصير هو كونهما جزء للتشهد، و عدم كونهما سلاما مخرجا لأنّه بعدهما (ثمّ تسلّم) و رواية ابن مسكان عن أبي بصير لم تكن خالية عن الاشكال و قد مضى الكلام فيها (مضافا إلى كونهما مفادا متعارضين، لأنّ مقتضى الاولى كونهما جزء للتشهد و عدم كونهما سلاما، و الثانية تدلّ على كونهما السّلام المحلل لا جزء للتشهد، و بعد عدم دلالة كل ما استدل به من الروايات الّتي تعرضنا لذكرها على كون «السلام علينا» سلاما محللا، فلا يبقى وجه يتكل عليه، و يقال بكونه السّلام المحلّل.

[هل نقول بكون السلام المحلل هو (السلام عليكم) فقط]

فما نقول في المقام؟ هل نقول: بكونهما أحد فردى الواجب التخييرى؟ أو نقول: بكون السّلام المحلل خصوص «السلام عليكم»؟

ثمّ إنّ مقتضى الاحتياط هو الأخذ بمفاد رواية أبي بكر الحضرمي الدالّة بظاهرها على كون السّلام المحلل «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام عليكم» و عدم الاقتصار «بالسلام علينا» في مقام امتثال السّلام المحلل، نعم لو أتى به احتياطا فلا يقصد به الخروج، و يأتى بعده «السلام عليكم».

و الحاصل أنّه لو لم يكن في المقام رواية ابن مسكان عن أبي بصير لم يكن دليل على كون «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» سلاما، لأنّ ما توهمت دلالته على ذلك من الروايات كان توهما في غير محله كما عرفت، لعدم دلالته على ذلك، فيبقى في البين هذه الرواية فقط،

و هذه الرواية و إن كان الاشكال في سندها لأجل محمد بن سنان الراوي عن ابن مسكان، و كان متنها مورد اشكالات على ما ذكرنا، و لكن تمسك الشّيخ رحمه اللّه بها و كونها مورد اعتنائه، و إن احتمل كون منشأ فتواه غير هذه الرواية، صار سببا لأنّ لا يقول الانسان بعدم كون «السلام علينا» سلاما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 128

محللا بضرس قاطع، و يدّعي كون «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» أحد فردى السّلام المحلل

[في ذكر قول الشيخ الانصاري ره]

هذا كلّه بحسب القواعد و الموازين الاجتهادية، و أمّا طريق الاحتياط، فذكر شيخ الانصاري رحمه اللّه «1» بأنّه لو جمع بين الصيغتين من دون قصد الخروج بالاولى كان أحوط الاحتمالات.

و استشكل عليه بعض الأعاظم قدس سرّهم في صلاته (المراد الاستاد الحائري رحمه اللّه) «2» بأنّه لا يكون هذا أحوط الاحتمالات، إذ يكون أحد الاحتمالات اعتبار قصد الخروج، فعلى مذهب من يعتبره ليس ما ذكر طريق الاحتياط، و لم يراع في هذا الاحتياط هذا الاحتمال.

و لكن يمكن دفعه بأنّه ليس غرض الشّيخ رحمه اللّه من بيان أحوط الاحتمالات بيان طريق الاحتياط على كل احتمال يكون أو يحتمل في المسألة حتّى يرد الاشكال، و يأتى إن شاء اللّه بعدا عدم اعتبار قصد الخروج زائدا على القصد باتيانه جزء للصّلاة و علمه بكونه محللا و مخرجا.

ثمّ إنّه رحمه اللّه قال: بأنّ غاية الاحتياط الممكن أن يأتى بالصيغتين و يقصد الخروج بما عيّنه الشارع له على تقدير التعيين، و على تقدير الآخر يعيّن في نفسه إحداهما.

و فيه أنّ معنى قصد التعيين هو تعلق القصد بأحدهما المعيّن، و معنى قصد التخيير هو تعلق القصد إمّا بأحدهما المفهومي، أو بأحدهما المصداقي، و

على كل حال لا يجتمع قصد التعيين مع قصد أحدهما تخييرا، لأنّ مع قصد أحد المعين تعلق

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصاري، ص 185.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 287.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 129

القصد بخصوص الأحد المعيّن، و معنى تعلق القصد بأحدهما المخيّر هو تعلق القصد إمّا بهذا، أو بهذا لا بهذا معيّنا، فلا يجتمع قصد التعيين مع قصد التخيير. «1»

و على كل حال لو أتى بالصيغتين و لا يقصد الخروج بالاولى فقد عمل بالاحتياط (و الاحوط ضم السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على الصيغتين، فافهم).

الأمر الثالث:
اشارة

قد وقع الكلام في كون السّلام جزء من أجزاء الصّلاة، أو كونه واجبا مستقلا.

اعلم بأنّه في بعض رواياتنا وقع التعبير بكون تحليل الصّلاة التسليم مثل ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: افتتاح الصّلاة الوضوء و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم). «2»

[في ذكر احتمالات الثلاثة فى المورد]
اشارة

فنقول: بأنّ فيها احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون النظر في جعل تحليل الصّلاة التسليم إلى أنّ المحرّم بالحرمة التكليفية، حيث يكون إتيان المنافيات للصّلاة فيها بعد التحريم، و الدخول فيها، فالسلام يكون سببا و موجبا لحلية إتيان كلّ ما كان محرّما على المصلّي قبله، فيحل بالحلية التكليفية إتيان ما كان محرّما عليه في الصّلاة قبل التسليم،

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث: بأنّ التعيين المنجّز ينافي التعليق المنجّز، و لكن لو كان التعيين معلقا و التخيير معلّقا فلا تنافي بينهما، لأنّه على هذا يقصد كل واحد منهما طولا، فيقصد أحد المعين إن كان المخرج أحد المعيّن أوّلا، و لو لم يكن أحدهما المعيّن مخرجا فيقصد أحدهما المخيّر في طول الأوّل، فيقصد كل واحد منهما، و لكن طوليا و لا إشكال، فتأمل. (المقرر)

(2)- الرواية 8 من الباب 1 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 130

فيكون جعل التسليم محلّلا بالنظر إلى المنافيات.

[في ذكر الاحتمال الثاني و الثالث]

الاحتمال الثاني: أن يكون النظر في جعله محلّلا إلى المنافيات أيضا، و لكن هذا من باب كون السّلام محللا بالحلية الوضعية لما كان محرّما على المصلّي في بالحرمة الوضعية قبله، و بعبارة اخرى بعد ما شرع في الصّلاة يحرم عليه المنافيات بالحرمة الوضعية، أعنى: إتيان أحد المنافيات كان سببا لفساد الصّلاة، و صار التسليم محلّلا، أعنى: صار سببا لحلية الوضعية لما كان موجبا إتيانه لفساد الصّلاة قبله، أعنى: إذا سلّم فلو أتى بأحد المنافيات فلا يصير سببا لبطلان الصّلاة لأنّه أتى به بعد المحلل و هو التسليم.

الاحتمال الثالث: أن يكون جعل التسليم تحليلا بالنظر إلى نفس الصّلاة لا إلى المنافيات.

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّه كما انّه من أعمال الحج الاحرام، و جعل للاحرام آداب

و شرائط و موانع، و منافيات، و لعلّ وجهه هو حضور العبد لإطاعة المولى بنحو تخضّع و تخشّع، فينزع الألبسة الّتي يلبسها و يتزين بها نفسه، و يلبس ثوبي الاحرام علامة للانكسار و الخشوع، و يترك بعض ما ينافي مع هذه العبودية، و لا بدّ له من ترك هذه التروك إلى أن يتم ما وجب عليه بعد الاحرام، و بعد تمامية الاحرام جعل بعض الامور محلّلا للاحرام كالتقصير و الحلق، فبهما يحلّ على المحرم ما كان محرّما عليه قبلهما، فالحلق و التقصير أمران خارجان عن الاحرام و ليسا جزء و لا شرطا له، و لكن مع ذلك هما محللان له.

[حال السّلام في الصّلاة حال الحلق و التقصير فى الاحرام]

فكما أنّ الاحرام عبادة اعتبر فيه بعض ما اعتبر فيه و وضعه و نحوة عباديته مع الآداب و الشرائط المعهودة، و الموانع المحرّمة على المحرم حال الاحرام، و جعل له

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 131

محللا يوجب الاتيان بهذا المحلل جواز ارتكاب ما حرم عليه حال الاحرام بعد هذا المحلل، فالحلق و التقصير محللان باعتبار نفس الاحرام و ان وضع عباديته بنحو ورد من الشرع على كيفية خاصة، و آداب مخصوصة، و لا يخرج العبد من هذه العبادة إلّا بايجاد بعض الامور الخارجة عن حقيقته.

فكذلك يقال في الصّلاة: بأنّها عبادة و توجه خاص نحو جنابه، و هذه العبادة جعل لها إحراما و هو التكبير، و جعل لها بعد ذلك آدابا و شرائط، و لها منافيات فاعتبرت بنحو لا بدّ للمصلّى بعد الدخول فيها من إتيان ما اعتبر فيها و ترك ما يضادها فيها، و حرم فيه من أوّلها إلى آخرها، و بعد ما تمّ و أتى المصلّي بها إلى آخرها جعل السّلام محللا لما حرم

عليه قبل ذلك، فحال السّلام في الصّلاة يكون حال الحلق و التقصير في إحرام الحج.

و يؤيد ما قلنا- من أنّ وضع الصّلاة و اعتبارها على نحو وضع اعتبار إحرام الحج أنّه اعتبر للصّلاة، من باب كونها توجه خاص نحو المولى و عبادة مخصوصة، في ابتدائها ما يحرم بسببها ما يضادها، و جعل في آخرها و بعد تماميتها ما به يحلل كلّ ما حرم على المصلّي فالتعبير بتكبيرة الاحرام يكون من باب أن بها يحرم على المصلّي ما كان حلالا عليه قبل ذلك، و كذلك جعل التسليم ما به يحلل عليه ما كان محرّما عليه حال الصّلاة.

فعلى هذا ليس وجه كون التسليم محللا باعتبار المنافيات كما كان في الاحتمال الأوّل و الثاني، بل ليس منشأ محلليته إلّا أنّ الصّلاة باعتبار كونها من الامور الاعتبارية الّتي تكون نحو توجه إلى الخالق، و متى شرع الشخص فيها يكون وضعها بحيث لا بد للمصلّي من رعاية آداب إلى تمامها و المواظبة الخاصة، فما لم يفرغ منها

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 132

فعليه رعاية هذه الآداب و الوظائف، و بعد تماميتها لا يلزم ذلك عليه و يحلّل عليه ما ينافي مع التوجّه الخصوص حال الصّلاة، فجعل التسليم محللا.

الأمر الرابع:
اشارة

هل السّلام يكون واجبا أو مستحبا؟

اعلم أنّ المسألة مورد الخلاف عند العامة فبعضهم قالوا باستحبابه، و بعضهم بوجوبه، و قال أبو حنيفة بالأوّل و المشهور عندهم الوجوب (و إن كان الخلاف بينهم في بعض جهات آخر) و لكن كلا من القائل بالوجوب و الاستحباب قائلون: بأنّ عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم هو إتيان التسليم في صلاته، و أمّا الخاصّة فأقوالهم ثلاثة.

[في ذكر الاقوال فى المورد]

القول الأوّل: و هو ما ذهب إليه كثير من القدماء كالسيد رحمه اللّه و القاضي رحمه اللّه و الحلي رحمه اللّه و ابن جنيد رحمه اللّه هو وجوب التسليم، و إليه ذهب جلّ من المتأخرين.

القول الثاني: استحباب التسليم كما قال به الشيخان و العلّامة رحمه اللّه، و القائلون بالاستحباب بين قولين:

الأوّل استحبابه مطلقا، و هو ما يظهر من العلّامة رحمه اللّه في بعض كتبه مثل التذكرة «1».

الثاني استحباب التسليم أعنى: السّلام عليكم في صورة إتيان السّلام علينا، فإذا لم يأت بالسلام علينا و أتى بالسلام عليكم فهو السّلام المخرج، و أمّا لو قال السلام علينا فهو السّلام الواجب، و يكون إتيان السّلام عليكم بعده مستحبا يجوز فعله و يجوز تركه، و هذا القول هو الّذي يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط «2» و في

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 115.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 243.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 133

التهذيب «1» و لا يستفاد من كلامه في الخلاف غير ذلك، لأنّه ليس في هذا الكتاب إلّا في مقام بيان كون وجوب السّلام و استحبابه ذات قولين عند الخاصّة رحمه اللّه فارجع المبسوط و التهذيب و الخلاف.

هذا أقوال فقهائنا في مسئلة وجوب التسليم و عدمه.

[فى الاستدلال العلّامة على الاستحباب وجوه]
اشارة

و قد استدل العلّامة رحمه اللّه- على ما يظهر من كلامه في التذكرة، و على ما يظهر من كلامه في المنتهي، و إن كان في المنتهي يقول: بوجوب التسليم، و يجيب عن الادلّة الّتي اقيمت على استحباب التسليم- بوجوه:

الوجه الأوّل:

أصالة البراءة عن وجوب التسليم، لأنّا بعد ما نشكّ في وجوبه و عدمه يكون الشّك بين الأقل و هو أجزاء الصّلاة إلى التشهد، و بين الأكثر و هو وجوب هذه الاجزاء مع التسليم، فوجوب الأقل معلوم، و وجوب الأكثر مشكوك فمقتضى أصالة البراءة عن الأكثر عدم وجوب إتيان التسليم.

و فيه أنّ منشأ البراءة هو قبح العقاب بلا بيان، بمعنى أنّه مع عدم بيان التكليف من ناحية المولى يقبح العقلاء المؤاخذة و العقاب على هذا التكليف، و لا مجال لاجرائها هنا، لأنّه بعد ما أمضينا الكلام في أنّ استمرار عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و الصحابة و التابعين و ساير المسلمين على إتيان السّلام في آخر الصلاة.

فمع هذا العمل المستمر هل يمكن أن يقال: باجراء البراءة و قبح العقاب على ترك التسليم، و هل هذا البناء لا يكون كافيا على بيانيته، و هل العقلاء يقبحون العقاب على ترك هذا الفعل مع ما له من الوضع خارجا و عند المسلمين، فلا مجال في

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 320.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 134

المسألة لاجراء البراءة أصلا.

[فى الوجه الثاني و الثالث و الرابع]
اشارة

الوجه الثاني: أنّ التسليم الثاني ليس بواجب، و هكذا التسليم الأوّل.

و فيه أنّ نظره رحمه اللّه كان إلى ما قالته العامة من وجوب التسليم مرتين، أو ثلاث مرات، فقال رحمه اللّه: بأنّه كما لا يجب التسليم الثاني فكذلك لا يجب الأوّل، فكأنّه أجرى قياسا، فقال لا يجب تسليم واحد لعدم وجوب التسليم مرتين، فعلى هذا يعلم فساد الاستدلال، لأنّ: القياس باطل.

الوجه الثالث: أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم علّم الصّلاة الاعرابى لم يعلّمه التسليم، فقال (قريب بهذه المضامين) الصّلاة قراءة و ركوع و

سجود، فإن كان التسليم من واجباتها لبينه صلى اللّه عليه و آله و سلم له.

و فيه أوّلا أنّ مجرد عدم ذكر التسليم في رواية تعليم الأعرابى لا يدلّ على عدم وجوبه و إلّا يلزم التزام العلّامة رحمه اللّه بعدم وجوب كل ما لم يذكر في هذه الرواية، و لا يلتزم به.

و ثانيا لعلّه كان عدم ذكره من باب أنّه كان عالما بوجوب التسليم، و لذا لم يذكر.

و ثالثا يحتمل عدم كونه في مقام بيان جميع خصوصيات المعتبرة فيها أى في الصّلاة، بل يكون في مقام بيان أنّ الصّلاة من هذا السنخ، فهذا السنخ أعنى: يكون سنخ واجبات الصّلاة من سنخ القراءة و الركوع و السجود.

الوجه الرابع: قول الباقر عليه السّلام و قد سئل عن رجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم قال: تمت صلاته.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 135

[الرواية الّتي استدلّ بها العلّامة قد نقلت بعبارات مختلفة]

و فيه أنّ الرواية الّتي روى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في هذا الباب نقل بعبارات مختلفة:

فالاولى: ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن سعد عن أبي جعفر «1» يعني: أحمد بن محمد عن أبيه محمد بن عيسى و الحسين بن سعيد و محمد بن أبي عمير كلهم. «2»

عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع راسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد، قال: ينصرف فيتوضأ، فإنّ شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثمّ يسلّم و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته.

و الثانية: ما رواه الكليني رحمه اللّه عن علي بن إبراهيم عن ابيه عن ابن أبي عمير مثله، إلّا أنّه (قال:

و إن كان الحدث بعد التشهّد- نقل هذه صاحب الوسائل رحمه اللّه في ذيل الرواية الاولى).

و الثالثة: و هي ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي ثم يجلس، فيحدث قبل أن يسلّم، قال: تمت صلاته، و إن كان مع إمام فوجد في بطنه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب التشهد من الوسائل.

(2)- أقول: استفدت من كلام سيدنا و استادنا الاعظم مدّ ظله العالى بأنّ الظاهر كون لفظ (كلهم) غير صحيح، لأنّ محمد بن عيسى و الحسين بن سعيد ليسا في طبقة ابن أبي عمير، فيمكن أن يكون السند هكذا (عن أبيه محمد بن عيسى و الحسين بن سعيد كليهما عن محمد بن أبي عمير. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 136

أذى فسلّم في نفسه و قام فقد تمت صلاته). «1»

و يكون في الباب بعض روايات اخر مثل ما رواها الحسن بن الجهم (قال:

سألته يعنى أبا الحسن عليه السّلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد). «2»

[في ذكر الجواب عن الاستدلال بهذا الاخبار]

فنقول في مقام الجواب عن الاستدلال بهذا السنخ من الأخبار على عدم وجوب التسليم: بأنّه أمّا عن بعض الروايات الّتي تعرض عن الحكم بعد التشهد، و أنّه إن فرغ من التشهّد فأحدث تمت صلاته، فبأنّه بعد ما عرفت في مطاوى كلماتنا بأنّ بناء العامة كان على إتيان «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و

سلم و السلام علينا» في التشهد قبل الشهادتين، و الائمة عليهم السّلام كان بنائهم على بيان فساد هذا العمل، و أنّه يأتي بهما بعد الشهادتين و الصلوات في خصوص التشهّد الثّاني من الصّلاة، فبعد كون المتعارف هو إتيان «السلام علينا» بعد التشهّد لأمر الائمة عليهم السّلام به.

فمن الروايات الّتي يستفاد منها تمامية الصّلاة لو وقع الحدث بعد التشهّد نقول: بأنّه بعد كون المعهود من التسليم عندهم هو «السلام عليكم» فيكون سؤال السائلين عن وقوع الحدث قبل هذا السّلام و بعد التشهد، و بعد كون المتعارف إتيان «السلام علينا» في التشهّد بعد الشهادتين، فيقال بأنّه من الممكن كون منشأ قول المعصوم عليه السّلام (تمت الصّلاة) لو وقع الحدث بعد التشهّد هو أنّ مورد السؤال يكون موردا أتى المصلّى بالسلام علينا، و حيث إنّه من السّلام المخرج فقال (تمت الصّلاة)

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 137

و لا يجب إتيان «السلام عليكم» مع فرض إتيان «السلام علينا». «1»

[في ذكر كلام المحقّق الحائري ره توجيهين لرفع التنافي]
اشارة

ثمّ إنّ بعض أعلام معاصرينا (المراد استادنا «2» الحائرى رحمه اللّه) تصدى لتوجهين حتّى يرفع التنافي بين كون الحدث مبطلا للصّلاة، و بين ما يدلّ على عدم كونه مبطلا لو وقع بعد التشهّد و قبل التسليم.

أمّا التوجيه الأوّل: فقال ما هذا حاصله: بأنّا نفرض كون المأمور به متعددا:

أحدهما الصّلاة المركبة من الاجزاء و الشرائط من التكبير إلى التشهّد.

الثاني مركب آخر صار المأمور به، و هذا المأمور به مركب من الصّلاة و غير الصّلاة و هو التسليم، فالصّلاة في هذا المركب من الأجزاء، فالتسليم ليس واجبا مستقلا، بل واجبا غيريا أى

ضمنيا، لأنّه من الأجزاء المركب الّذي تكون جزء منه، فجعل الشارع في المركب الأوّل المأمور به أعنى: الصّلاة، بعض الامور من قواطعه و مبطلاته، كما جعل له أجزاء و شرائط، و هذه القواطع الكلام و الحدث و غيرهما، و جعل بعض الامور قاطعا و مفسدا للمركب الثاني مما جعل مفسدا للمركب الأوّل كالركوع الزائد و زيادة الركعة و غيرهما، و جعل بعض الامور المفسد للمركب الأوّل مفسدا للمركب الثاني لا مطلقا بل في حال خاص.

______________________________

(1)- أقول: بعد فرض عدم استفصال الامام عليه السّلام في مقام الجواب، و جوابه بأنّه (تمت صلاته) فاطلاقه يشمل ما إذا قال «السلام علينا» و ما إذا لم يقل «السلام علينا» نعم لو سلّم كون المتعارف هو أنّهم كانوا آتين «بالسلام علينا» في تشهدهم، فيمكن أن يقال: بأنّه عليه السّلام حيث كان عالما بما تعارف عندهم، فرأى عدم احتياج التقييد، و لكن تعارف الاتيان «بالسلام علينا» في آخر التشهّد الثاني عند الشيعة في زمن صدور الرواية، غير معلوم. (المقرّر).

(2)- كتاب الصلاة للمحقق الحائرى، ص 278- 279.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 138

فنقول بأنّه بعد الدليل على عدم إفساد الحدث لو وقع قبل السّلام و بعد التشهد، بأنّه جعل الحدث مفسدا للمركب الأوّل و هو الصّلاة، و لم يجعل ذلك مفسدا للمركب الثاني الّذي عبارة عن الصّلاة و غير الصّلاة و هو التسليم، فكما أنّ الكلام لو صدر عمدا مبطل للصّلاة و هو المركب الأوّل، فلا مانع من أن يكون الحدث مانعا و مبطلا للمركب الثاني لو وقع عمدا، فلو وقع بعد التشهّد عمدا يبطل به المركب الثاني، و أمّا لو وقع اضطرارا فلا، فتكون نتيجة هذا التوجيه عدم كون السّلام جزء للمركب

الأوّل أعنى: الصّلاة، و لكن ليس واجبا مستقلا، بل هو جزء لمركب آخر يأتلف من الصّلاة و من التسليم.

[في ذكر اشكال المحقّق الحائري ره على نفسه و الجواب عنه]

ثمّ استشكل على نفسه و أنّه إن قلت: إنّ هذا البيان مناف مع بعض الروايات الدالّة على أنّ التسليم يكون آخر الصّلاة، و آخر الشي ء جزء من هذا الشي ء، فكيف تقول بكون السّلام أمرا خارجا من الصّلاة، و جزء لمركب آخر.

ثمّ قال: نقول: بأنّه و إن كان الظاهر في حدّ ذاته من آخر الشي ء ما قلت، و لكن بعد شيوع استعمال آخر الشي ء على ما ليس جزء لهذا الشي ء، فلا مانع من رفع اليد عن هذا الظاهر جمعا بين هذه الرواية و غيرها، هذا حاصل ما قاله رحمه اللّه.

[في ردّ كلام المحقّق الحائري ره في التوجيه في الروايات]
اشارة

و لكن نحن نقول: بأنّ ما قاله رحمه اللّه إن كان نظره إلى أنّ الصّلاة ليست بمأمور به بالأمر النفسى أصلا، و ليس هنا إلّا مركب و مأمور به واحد، و هو ما يتألف من الصّلاة و من التسليم، فمن الواضح فساده، بل الضرورة تقضى على خلافه، لأنّ نفس الصّلاة ممّا أمر اللّه تعالى به، و تكون بنفسها مأمورا بها.

و إن كان نظره، كما هو ظاهر كلامه، إلى أنّ الصّلاة تكون مأمورا بها، و لكن هنا مأمور به آخر مؤلف من الصّلاة و من غيرها و هو التسليم.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 139

فنقول: فيه:

أمّا أوّلا: بأن الالتزام بكون المأمور به متعددا في المقام ممّا لا دليل عليه، و ما الدليل على وجود أمر متعلق بالصّلاة، و أمر آخر متعلق بمركب مؤلف من الصّلاة و التسليم.

و ثانيا: أنّه لو فرض وجود الأمرين المتعلقين بالمركبين أحدهما الصّلاة، و الآخر الصّلاة و التسليم، فلو اخذ أشياء دخيلا في أحد المركبين أو مبطلا لأحدهما، فلا يصير دخيلا أو مبطلا للآخر.

فعلى هذا نقول: بأنّه ما يكون مبطلا، كما يظهر من الادلة،

يكون مبطلا إذا وقع في أثناء أحد المركبين فقط. و هو الصّلاة، فإنّ الادلة تشهد على ذلك، فالكلام مبطل إذا وقع في أثناء الصّلاة، و كذا زيادة الركوع و غيرهما، فبناء على هذا بعد تمامية الصّلاة، و هو أحد الأمرين المتعلقين لا أمر بفرض هذا القائل بالتشهد، لأنّه على فرضه يكون السّلام خارجا عن المأمور به الأول، أعنى: الصّلاة، بل هو جزء المأمور به الآخر المركب منه و من الصّلاة، فلو وقع أحد المنافيات لا وجه لإبطال الصّلاة به، لتماميتها على الفرض، بل لا وجه لفساد المأمور به الآخر أيضا لو وقع أحد المبطلات، لأنّ المبطلات مبطلات للصّلاة لو وقعت في أثنائها تبطلها، لا في أثناء مأمور به آخر لعدم دليل على مبطليتها له.

و ثالثا لو كان الأمر كما قال من أن بعض المبطلات نلتزم بعدم كونه مبطلا لو وقع بعد التشهد، كما يظهر من ذيل كلامه حيث قال: من أنّ أخبار الباب منحصرة في طوائف أربع:

[في ذكر طوائف أربعة من الاخبار]

الأولى: ما يدلّ على كون تحليل الصّلاة التسليم.

الثانية: ما يدلّ على وجوب التسليم.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 140

الثالثة: ما يدلّ على أن المصلّي إذا فرغ من التشهّد فقد تمت صلاته.

الرابعة: ما يدلّ على أنّ الحدث الواقع بعد التشهّد قبل السّلام ليس مبطلا للصّلاة، و بما قلنا يحصل الايتلاف بين هذه الطوائف.

و أنت إذا تأملت في هذه الطوائف ترى أنّ مرجعها إلى طائفتين:

الطائفة الاولى: ما يدلّ على كون السّلام محللا للصّلاة و واجبا، و وجوبه أيضا يستفاد ممّا يدلّ على كونه تحليل الصّلاة.

و الطائفة الثانية: ما يدلّ على كون تمامية الصّلاة بالتشهد و عدم مضرية وقوع المنافي بعده للصّلاة.

فنقول: إنّه بعد ضم هذا الكلام منه رحمه اللّه في هذا

المقام و توجيهه هنا إلى ما قال في كتابه- في الصفحة سابقة قبل الصفحة المذكورة فيها هذا التوجيه- بأنّه اعتبر كون التسليم محللا في قبال المنافيات، أعنى: محلليته تكون باعتبار تحليل ما كان مبطلا للصّلاة قبل إتيان التسليم، فقبل التسليم تكون المنافيات محرمة بالحرمة الوضعية، و بالسلام تحل بالحلية الوضعية، و بعبارة اخرى جعل السّلام على هذا محللا و موجبا لعدم فساد الصّلاة باتيان ما لو وقع قبل السّلام صار مفسدا لها.

فنقول: بعد كون هذا معنى المحللية، فما قال من التوجيه لو تم يفيد لنا إن كان المحذور في المسألة هو وجود ما يدلّ على إتمام الصّلاة بالتشهد، و ما يدلّ على عدم إفساد الحدث قبل السّلام للصّلاة فيقال: بأنّ السّلام واجب بالوجوب الضمني للمركب المؤلّف منه و من الصّلاة، و الحدث مبطل للصّلاة المأمور به بالامر الآخر لا لهذا المركب.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 141

و لكن ما يصنع هذا القائل مع ما دلّ على كون تحليل الصّلاة التسليم، و ما التزم به من أن معنى كون التسليم محللا هو فساد الصّلاة بوقوع المنافيات قبله، فكيف تجمع بين انحصار المحلل بالتسليم يعنى: انحصار ما بسببه لا تفسد المنافيات للصّلاة بعد حدوث هذا الشي ء بخصوص التسليم، و التزام جواز بعض المنافيات و عدم مفسديته لو وقع بعد التشهّد و قبل التسليم، فكيف تلتئم بين الطائفتين من الروايات، فقد عرفت ممّا بينّا عدم تمامية توجيهه الأوّل من توجيهين المذكورين في كلامه رحمه اللّه.

[في ذكر الاحتمالات فى الباب]

و لكن يمكن أن يقال: بأنّه قد عرفت سابقا في الأمر الثالث من الامور تعرضنا في مبحث التسليم بأنّه يحتمل في قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم (تحليلها التسليم) احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل:

كون التسليم تحليلا باعتبار محللية بالحلية التكليفية لما كان محرّما بالحرمة التكليفية في الصّلاة.

الاحتمال الثاني: كونه محللا بالحلية الوضعية لما كان محرّما بالحرمة الوضعية في الصّلاة، فباتيانه لا تبطل الصّلاة بما تبطل لو وقع فيها، و هذا الاحتمال هو ما يظهر كونه مختار بعض الاعاظم المتقدم ذكره.

الاحتمال الثالث: أن يكون جعل السّلام محللا باعتبار نفس الصّلاة، بمعنى أنّ الصّلاة بعد كونه توجها خاصا و عبادة مخصوصة، و بحسب وضعها و اعتبارها خشوعا نحو جنابه، اعتبرت فيه أجزاء و شرائط، و لها موانع، و حيث يكون المصلّي مشتغلا بها و متوجها نحو جنابه بهذه العبادة، لا بدّ من رعاية جميع ما يعتبر فيها وجودا أو عدما، فالصّلاة توجه خاص إليه تعالى و يمكن فرض جعل مخرج لها من غير سنخها حتّى يحلل به ما يكون محرّما على المصلّي قبل ذلك، و كان منافيا مع

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 142

هذا التوجه.

فالسّلام للصّلاة جعل كالحلق و التقصير للاحرام، فكما أنّهما أمران خارجان عن الاحرام، و لكن لا يحلل على المحرم ما كان حراما عليه حال الاحرام إلّا بهما، كذلك بالسلام يحلل ما لم يكن حلالا للمصلّي قبل السلام، مع كون السّلام من غير سنخ أجزاء الصّلاة، فلا تنافي بين كون السّلام واجبا، و محللا و بين كون آخر الصّلاة التشهد، و عدم البطلان بالحدث الواقع اضطرارا بين التشهّد و التسليم، لأنّ الحدث المبطل هو الحدث الواقع في الصّلاة، و هو على الفرض فرغ من الصّلاة. «1»

التوجيه الثاني:
اشارة

من توجهين المذكورين في كلام بعض الأعاظم قدس سرّهم «2» المتقدّم ذكره، هو ما يرجع حاصله إلى أنّ معنى كون الشي ء قاطعا للصّلاة، هو أنّ به تقطع الهيئة الاتصالية المعتبرة بين

الأجزاء، و به يرتفع الربط الحاصل بين أجزاء الصّلاة، فبعد كون وجود القاطع سببا لقطع هذا الربط و الهيئة الاتصالية، فيمكن للشارع أن يغتفر عن هذا الربط و الاتصال، و يرفع اليد عنه و يقبل الأجزاء المتخلل بين بعضها مع بعض أحد المبطلات بدون واجديتها للهيئة الاتصالية، كما ترى من أنّه تقبّل بعض الأجزاء الّذي لم يقع على النحو المعتبر من ربط اللاحق بالسابق، و رضى بما وقع مع

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى يكون السّلام على ما أفاده محللا، و معنى محلليته هو عدم جواز ما ينافي هذا التوجّه الخاص أعنى: الصّلاة، قبل هذا المحلل، و فساد الصّلاة لو وقع قبل السّلام أحد المنافيات، فكيف يجمع بين هذا و بين عدم بطلان الصّلاة بالحدث الواقع بين التشهّد و السلام، و بما أفاده مد ظله العالي في المراد من كون السلام تحليلا للصّلاة لا يندفع الاشكال الواقع بين كون السّلام واجبا و محلّلا للصّلاة، و بين تمامية الصّلاة بالتشهد، و عدم إفساد الحدث للصّلاة لو وقع قبل السلام. (المقرر)

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 279.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 143

قضاء ما بقى، كما في التشهّد و السجود المنسيّين، فما أتى به محكوما بالصحة، و إن كان ناقصا باعتبار ما أمر به أوّلا.

فيقال في المقام بأنّ الحدث الواقع بين التشهّد و السلام يقطع الربط اللازم بين السلام اللاحق و التشهد السابق، فمعنى عدم إبطال الحدث هو تمامية الصّلاة الواقع بدون هذا الربط اللازم.

[في ردّ التوجيه الثاني]

و فيه أنّ ما يظهر من كلامه رحمه اللّه أنّه يستفاد من الدليل الدالّ على عدم بطلان الصّلاة بالحدث اغتفار الربط اللازم بين السّلام و التشهد، فما رفع اليد عنه

الشارع على ما قاله رحمه اللّه، هو الربط بين الجزء السابق و اللاحق، و الاكتفاء باتيان الاجزاء بدون هذا الربط و الاتصال، كما مثّل بالتشهد و السجود المنسيين، و لا دليل لنا في ما نحن فيه على ذلك، لأنّه لازم اغتفار الربط اللازم بين جزء السابق و اللاحق في المقام، هو اغتفار ربط السلام، و هو الجزء اللاحق، بالأجزاء السابقة يعنى: بأىّ نحو يوجد السّلام يكفي في امتثاله، و إن لم تكن الهيئة الاتصالية بينه و بين الأجزاء السابقة محفوظة بالحدث الحادث بينه و بين التشهّد.

و هذا يقتضي إيجاد السّلام بعد الحدث بأن يتوضأ مجددا و سلّم، لأنّ لازم ما قاله اغتفار الربط، و قبول السّلام على أيّ نحو اتفق، و لو بدون الربط بسابقه من الأجزاء، و الحال أنّه لا دليل يدلّ على وجوب الوضوء و إتيان السّلام بعد الحدث، الحادث و لا يفتي به من كان بصدد التوجيه، و لا يفتى به أحد من الفقهاء قدس سرّهم، بل لو تمّ ما دلّ على عدم بطلان الصّلاة بالحدث المتخلل بين التشهّد و التسليم، فهو يقتضي تماميّة الصّلاة و إن وقعت بلا تسليم. «1»

______________________________

(1)- أقول: ظاهر كلام بعض الاعاظم في التوجيه الثاني ما أفاده مدّ ظلّه العالي، و لكن يمكن

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 144

[في استدلّ السيد المرتضى رحمه اللّه فى الناصريات]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ السيّد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات «1» استدل على وجوب السّلام بما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم (مفتاح الصّلاة الطهور و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم).

و هذه الرواية و إن تكن في طريق العامة- و قلنا في محلّه: بأنّ الحجة عندنا هو الكتاب، و قول المعصومين عليهم السّلام من النبي

صلى اللّه عليه و آله و سلم و غيره من المعصومين عليهم صلوات اللّه الملك المنّان إذا كان الطريق إليهم متواترا، أو على نحو يشمله دليل

______________________________

أن يقال في مقام التوجيه: بأنّ بعد ما نرى بعض ما يدلّ على وجوب السّلام و كونه محلّلا، و نرى بعض ما يدلّ على عدم فساد الصّلاة بالحدث الواقع بين التشهّد و التسليم. و يقال في مقام الثبوت: بأنّ الشارع يمكن أن يرفع اليد عن التسليم في خصوص هذا المورد، و يقبل الصّلاة بلا تسليم مكان الصّلاة مع التسليم، و في مقام الاثبات يقال: بتخصيص ما دلّ على كون الحدث مبطلا بهذا الحديث الدالّ على عدم بطلانه لو وقع بعد التشهّد و قبل التسليم.

أو أن يقال في مقام الثبوت: بأنّه نظرا إلى بعض المصالح جعل الشارع للصّلاة فردين: فردا بلا تسليم، و هو ما إذا وقع الحدث اضطرارا بعد التشهد، و فردا مع التسليم، و هو ما إذا لم يقع الحدث بعد التشهّد اضطرارا، فكما أنّ لطبيعة الصّلاة أفرادا من القصر و الاتمام، و الصحيح و المريض، كذلك لها فردان بهذا الاعتبار فعلى هذا ليس كل فرد ناقصا عن فرد آخر لواجديته لما هو المعتبر في طبيعة الصّلاة، بل كلاهما مساويان في الفردية للطبيعة، فالصّلاة بلا تسليم ليست ناقصة عن الصّلاة مع التسليم.

فليس على هذا الاحتمال الالتزام بأنّ الشارع يقبل الناقص مقام الكامل، كما هو الأمر في الاحتمال الأوّل الّذي قلنا، بل كلاهما تامان، و لذا قال عليه السّلام على ما في الرواية (تمت صلاته).

و ففي مقام الثبوت لا يبعد كون الأمر على النحو الّذي قلنا في الاحتمال الثاني، و في مقام الاثبات يقال: بأنّ ما دلّ على عدم

بطلان الصّلاة بالحدث الواقع بعد التشهد، بكونه تخصيصا أو تقييدا لما دلّ على مبطلية الحدث، فتأمل جيدا. (المقرر).

(1)- المسائل الناصريات، ص 209.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 145

حجية خبر الواحد، و لهذا لا نعتني بما في طرق العامة، لعدم الوثوق بالناقلين، و لم يكن كلّ ما هو حجة عندهم حجة عندنا، لأنّهم تركوا التمسك بالعترة و خالفوا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في الأمر بالتمسك بالثقلين كتاب اللّه و عترته، و عملوا بالأقيسة و كلّ ما نقل من الصحابة و التابعين بأيّ نحو كان- و لكن هذه الرواية نقلت بطرق متعددة و لا يبعد أن يصير بسبب تعدد الطرق ممّا يوجب الاطمينان بصدورها، إلى أن ينتهي سندها بمحمد عن عبد اللّه بن عقيل عن محمد بن حنيفية عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، مضافا إلى ورود رواية قريبة من حيث المضمون مع هذه الرواية في طرقنا عن الصادق عليه السّلام. «1»

تدلّ هذه الرواية على أنّ تحليل الصّلاة التسليم، فظهور الرواية في كون تحليل الصّلاة منحصرا بالتسليم ممّا لا إشكال فيه، و لا حاجة إلى ما قال السيّد رحمه اللّه أو بعض من تأخر عنه في توجيه الرواية في انحصار المحلّل بالتسليم إمّا بأنّ مفرد المضاف يفيد العموم، أو بأنّ يقال: بأنّ (التسليم) يكون المبتدأ المؤخر و (تحليلها) الخبر المقدم من باب كون مقتضى القاعدة كون الوصف خبرا و التحليل وصف، فقدم على الخبر فيفيد الحصر، أو بأنّ (التحليل) و إن كان مبتداء و (التسليم) خبرا، لكن انّ كان أعمّ من التسليم و من غيره، يعنى: يكون التحليل غير منحصر بالتسليم، يلزم كون

المبتدأ أعمّ من الخبر و هذا لا يجوز.

لأنّه كما قلنا ظهور الرواية في كون تحليل الصّلاة منحصرا بالتسليم ممّا لا إشكال فيه.

[الاشكال بالرواية المربوطة في الباب من حيث السند]

إن قلت: بأنّ سند الرواية المنقولة في كتب العامة موهون، و ما روي

______________________________

(1)- الرواية 1 و 8 من الباب 1 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 146

عن الصادق عليه السّلام فقال فيها (افتتاح الصّلاة الوضوء) «1» و هذا يوهن دلالة الفقرة الثالثة من الرواية و هي قوله (تحليلها التسليم) على انحصار التحليل في التسليم، لأنّه بعد عدم كون افتتاح الصّلاة منحصرا بالوضوء، بل الغسل و التيمم أيضا مفتاحان للصّلاة، فكما أنّ افتتاح الصّلاة الوضوء لا يفيد الحصر كذلك تحريمها التكبير و تحليلها التسليم لا يفيدان الحصر بقرينة السياق، بل تكون الرواية في مقام بيان كون الوضوء و التكبير و التسليم افتتاح و تحريم و تحليل للصّلاة في الجملة، و أمّا حصرها بها فلا.

قلت: يمكن أن يقال في الجواب عن هذا الاشكال.

أمّا أوّلا فبأن ما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بأنّ (مفتاح الصّلاة الطهور و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم) حجة لما قلنا، و لا يرد الاشكال المتقدم بهذه الرواية، لأنّ فيها قال (مفتاح الصّلاة الطهور) و لم يقل مفتاح الصّلاة الوضوء.

و أمّا ثانيا فلأنّه بعد كون أقسام الطهارة من الغسل و الوضوء و التيمم تحت جامع واحد، و هو الطهور، فما يتوقف عليه الصّلاة هو الطهارة، و لا يمكن الدخول فيها إلّا معها، و التعبير بمفتاح الصّلاة لعلّه يكون من باب هذا، أعنى: من باب توقف الصّلاة بها، فكأنّه هي مفتاحها، فجعل المفتاح الوضوء في طرقنا يكون من باب كونه طهورا، لا لخصوصية في

نفس الوضوء، فمفتاح الصّلاة منحصر بالطهور، و جعل الوضوء مفتاحا لها يكون من باب كون الوضوء أحد مصاديق الطهور.

و ثالثا يقال: بأنّه لو فرض عدم كون الوضوء مفتاح الصّلاة من باب كونه فردا من أفراد الطهور، بل كان لخصوصية في نفسه، فنقول: بأنّ مقتضى هذه الرواية

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب التسليم و الرواية 8 من الباب المذكور من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 147

و ظهورها هو كون مفتاح الصّلاة أيضا منحصرا بالوضوء، كما أنّ تحريمها منحصر بالتكبير و تحليلها منحصر بالتسليم و إن نقل بكون الغسل أو التيمم أيضا مفتاح لها، فيكون هذا باعتبار الأدلة الخارجية الدالّة على ذلك، ففي خصوص الفقرة الاولى نقول بعدم الحصر من باب دليل خارجى، و ليس هذا الدليل الخارجى في الفقرتين الاخيرتين من الرواية، فظهور هما في الانحصار باق بحله، فقد عرفت ممّا مرّ كون الروايتين دالتين على انحصار تحليل الصّلاة بالتسليم، فافهم.

[في كلام السيّد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 6، ص: 147

و يظهر من كلام السيّد رحمه اللّه في الناصريات في جواب عما قيل وجها لعدم وجوب السلام، و هذا كلامه في مقام بيان استدلال المخالف أى: القائل بعدم وجوب التسليم (و أمّا ما تعلق به المخالف ما رواه عبد اللّه بن مسعود أنّه علمه التشهد، ثمّ قال: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، و بخبر أبي هريرة أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قد علّم الاعرابي و لم يذكر التسليم.

و الجواب عن خبر ابن مسعود أنّه روي في بعض الأخبار أنّ عبد اللّه بن مسعود

هو القائل «إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك» و ليس من كلامه عليه السّلام، على أنّ ظاهر الخبر متروك بالاجماع لأنّه يقتضي بأن صلاته تتمّ إذا أتى بالشهادة و بالاجماع أنّه قد بقى عليه شي ء و هو الخروج، لأنّ الخروج عندهم يقع بكل مناف الصّلاة فبطل التعلق بالظاهر) «1» أنّه يجب الخروج بالاجماع، فيظهر منه أنّه من جملة الأدلة على وجوب السّلام هو وجوب الخروج من الصّلاة.

[في ذكر مقدمة لبيان النتيجة]

إذا عرفت ذلك كله نذكر مقدمة، ثمّ ما يكون نتيجتها فنقول بعونه تعالى: بأنّه تارة يقال في الصّلاة بأنّ ما صار واجبا و متعلقا للأمر هو نفس هذه الأجزاء

______________________________

(1)- المسائل الناصريات، ص 213.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 148

و الشرائط بدون اعتبار وحدة بينها، بمعنى أنّ التكبير واجب، و القراءة واجب، و هكذا الركوع و غيره بدون ربط كل واحد منها بالآخر، فإذا شرع المصلّي في الصّلاة فحيث إنّ الأجزاء الموجودة وجودات متعددة، فكل جزء بعد وجوده ينعدم، و الجزء الآخر يوجد أيضا و ينعدم، فلا يكون للصّلاة وجود إبقائيا و لا تعدّ الآنات المتخللة بين الأجزاء في غير حال اشتغاله باتيان جزء من أجزائها مثل السكوت المتخلل بين جزءين، من الصّلاة لأنّ الصّلاة ليست إلا نفس الأجزاء و لا ربط بينها، نعم بعد تمامية هذه الأجزاء بنحو المعتبر يقال: إنّه صلّى، أعنى: فينتزع من هذه الأفعال الصّلاة، فليست الصّلاة على هذا وجودا واحدا مستمرا و إن كان المصلّي مشتغلا بها لعدم تعلق الوجوب إلّا بنفس الأجزاء المتألف منها المركب، بل الصّلاة على هذا لها وجودات متعددة يوجد كل جزء و ينعدم، و يوجد بعده جزء آخر.

و تارة يقال: بأنّ هذه الأجزاء و إن كانت متعلقة الأمر، و

لكن الصّلاة تكون من الامور الاعتبارية الّتي جعلها الشارع، و لوحظ حين اعتبارها لها أجزاء و شرائط باعتبار دخل هذه الأجزاء و الشرائط في الغرض الّذي لأجله صار المولى في مقام الأمر بها، أى: بالصّلاة، و حيث إنّ هذه الأجزاء متشتتات متفرقات، فباعتبار دخل هذه المتفرقات في حصول مطلوب المولى، و هذا الخضوع الخاص الذي هو معراج المؤمن، اعتبر المعتبر حيث وحدة بينها، و لهذا و لو يرى بأنّ بحسب كل جزء جزء من أجزائها أشياء متفرقة، و لكن بحسب هذه الوحدة يرى شيئا واحدا اعتباريا، و بناء على هذا إذا شرع المصلّي في الصّلاة، فيقال باعتبار هذه الوحدة: إنّه في الصّلاة ما دام هو مشتغلا بها، فما لم يخرج منها بمخرج فهو في الصّلاة، و هذا بخلاف الصورة الاولى، و هو أن يكون نفس هذه الأجزاء و الشرائط

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 149

المتفرقات موردا للأمر لأنّه على الاولى بمجرد إتيان كل جزء تعدم هذا الجزء و يوجد جزء آخر، فالسكوتات المتخللة لا يعدّ جزء من الصّلاة إلّا مسامحة، بخلاف الصورة الثانية فإنّ بناء عليها حيث اعتبرت وحدة بين هذه الأجزاء إذا شرع في الصّلاة فهو فيها و إن انعدم جزء و لم يوجد بعد جزء آخر، فما يتخلل بين الأجزاء من الأفعال الخارجة عن الصّلاة من السكوت و غيره يعد من الصّلاة، كما أنّ الأمر هكذا في كل مركب من المركبات الاعتبارية الّتي اعتبرت وحدة بين أجزائها.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ المصلّي ما دام يكون في الصّلاة و لم يخرج فيه بمخرج فهو في الصّلاة، فكما أنّه إذا سكت بين الأجزاء المعتبرة في الصّلاة لا يقال: إنّه خرج من الصّلاة، كذلك لا يعد

المصلّي خارجا من الصّلاة إلّا إذا دخل في أمر خارج عن الصّلاة مناف معها، مثل أن يتكلم بكلام غير جائز في الصّلاة، أو يأتي بغيره من المنافيات.

و بهذا البيان يمكن أن يقال: بعدم كون اعتبار الصّلاة بنحو الأوّل، فالصّلاة وجود مستمر من أوّل التكبير إلى الآخر سواء كان المصلّي مشتغلا بجزء من أجزائها، أو واقعا بين جزءين منها غير مشتغل باتيان واحد منها كالسكوت المتخلل، فإنّه من الصّلاة، و يقال في كل هذه الحالات: إنّه في الصّلاة، و هكذا بعد الفراغ من جزء الآخر من أجزاء الصّلاة قبل إيجاد فعل خارجى إنّه في الصّلاة فإذا أتى بما هو خارج عنها يقال: إنّه خرج من الصّلاة و ما هو بمصلّ و بأنّه بعد ما أتى المصلّي بالتشهد فهو و إن أتى بتمام أجزاء الصّلاة، و لكن ما لم يأت بالسلام الّذي جعله الشارع مخرجا يقال: بأنّه في الصّلاة، فلا بدّ من صدق الخروج من الصّلاة من إتيان شي ء خارج من الصّلاة، فيمكن أن يكون جعل السّلام مخرجا لها بمعنى: أنّه

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 150

فيها ما لم يأت بالسلام، فالسلام يكون سنخه من غير سنخ أجزائها، لأنّ أجزاء الصّلاة ذكر و قرآن و دعاء، و السلام من كلام الآدمي لا يكون ذكرا و لا قرآنا و لا دعاء، فاعتبره الشارع في آخر الصّلاة حتّى به يخرج عنها، و قبلها لا يجوز إتيان المنافيات لكونه من الصّلاة قبل إتيان السّلام بالاعتبار الّذي قلنا، كما يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة في الباب على أنّ السّلام جعل مخرجا لأنّه كلام آدمى و أوّل ما يبتدأ به الآدمى السلام، فجعل السّلام مخرجا عنها بمعنى: أنّ الشخص حين الصّلاة

متوجها باللّه تعالى بالقرآن و الذكر و الدعاء، فبعد الفراغ عنها جعل مخرجا، فيتوجه المصلّي بعد صلاته إلى أحد مثل نفسه من بني آدم و يسلّم عليه.

فبهذا الاعتبار يمكن أن يقال: باحتياج الصّلاة إلى المخرج كى يعدّ خارجا من الصّلاة، و جعل الشارع هذا المخرج السلام، فيمكن أن يقال: بأنّ للسلام اعتبارين، فباعتبار داخل في الصّلاة لأنّ قبله لا يجوز الاتيان بما لا يجوز إتيانه في الصّلاة، و باعتبار خارج عنها لأنّ سنخه غير سنخ الصّلاة لأنّه كلام آدمي، و لا يكون قرآنا و ذكرا و دعاء.

إذا عرفت ما قلنا من إمكان كون وضع السّلام بهذا النحو ثبوتا، فيمكن أن يقال في مقام الاثبات بأنّ المستفاد من ظواهر أكثر الادلة كون السّلام جزء للصّلاة و من جملة واجباتها، و لكن المستفاد من بعضها المتقدم ذكره كون الصّلاة تماما بعد إتيان التشهد، و من بعضها كون الحدث الواقع بين التشهّد و السلام غير مبطل لها، و هذا بظاهره ينافي جزئيته للصّلاة، فنقول: أمّا ما يدلّ على كون الصّلاة تماما بالتشهد، فيمكن توجيهه بما قلنا من أنّه بعد كون اعتبار السّلام في الصّلاة على غير اعتبار سائر الأجزاء فحيث إنّ وضع دخله في الصّلاة ليس كسائر الأجزاء، فيصح

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 151

بهذا الاعتبار أن يقال قبل إتيانه (تمّت الصّلاة) لأنّ ما هو سنخ الصّلاة من القرآن و الذكر و الدعاء قد تم و إن كان بقى منها ما هو غير سنخها و هو مخرجها أعنى:

السلام، فبهذا النحو يمكن توجيه ما دلّ من الأخبار على تمامية الصّلاة قبل بنحو لا ينافي مع ما دلّ من الأخبار على كونه من واجباتها.

[ما دلّ على عدم كون الحدث بين التشهد و السلام مبطلا مورد الاعراض]

و أمّا ما يدلّ على عدم

كون الحدث الواقع بينه و بين التشهّد مبطلا للصّلاة، فنقول بعونه تعالى: تارة يقال: بأنّ هذه الطائفة من الأخبار لم تكن معمولا بها عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم، فتكون هذه الطائفة معرضا عنها عند الاصحاب، فليست الروايات حجة حتّى نتصدى لجمعها مع ما يدلّ على جزئية السّلام من الأخبار.

و تارة لا يقال كذلك، فلا بدّ أن يقال: بأنّه بعد دلالة بعض الروايات على كونه جزء من الصّلاة و دلالة أدلّة مبطلية الحدث بإطلاقها على بطلان الحدث في أيّ موضع وقع من الصّلاة، و بعد دلالة هذه الطائفة على عدم مبطلية الحدث في خصوص ما إذا وقع بين التشهّد و السلام، فمقتضى القاعدة هو تقييد الدليل الدالّ على مبطلية الحدث في الصّلاة بهذا الدليل، فتكون النتيجة عدم مبطلية الحدث في ما إذا وقع بين التشهّد و التسليم.

[في ذكر امور]
اشارة

و ينبغي التنبيه على امور:

الامر الأوّل: لو نسي السلام
اشارة

، و تذكر بعد وقوع أحد المنافيات، فهل تبطل الصّلاة لأجل نسيان السلام، أو لا تبطل و لا تجب إعادتها وجهان:

وجه صحة الصّلاة و عدم بطلانها بنسيان السّلام هو حديث المعروف بحديث (لا تعاد) لأنّ السّلام ليس من جملة المستثنى، بل داخل في المستثنى منه.

وجه فساد الصّلاة هو وقوع الحدث أو غيره من المنافيات في أثناء الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 152

[في ذكر وجه الصحّة و كلام بعض الاعاظم في المورد]

اعلم أنّه يظهر من بعض الأعاظم أنّه قال: بعدم شمول حديث (لا تعاد) للمورد إلّا على وجه دائر، لانّ شمول (لا تعاد) لما نحن فيه يتوقف على كون التذكر بعد الصّلاة لعدم شمول الحديث للاثناء، و كونه بعد الصّلاة يتوقف على عدم كون الحدث واقعا في أثناء الصّلاة، و عدم كون الحدث الواقع في أثناء الصّلاة يتوقف على عدم جزئية السّلام في هذا الحال أى: حال نسيانه، و عدم كونه جزء في هذا الحال يتوقف على شمول (لا تعاد) للمورد، و هذا دور لتوقف شمول (لا تعاد) على عدم وقوع الحدث في الأثناء المتوقف على عدم جزئية السلام، و الحال أنّ عدم جزئية السّلام في هذا الحال موقوف على شمول (لا تعاد) للمورد.

و يمكن أن يقال: بأنّ العكس مستلزم للدور أعنى: عدم شمول (لا تعاد) من باب وقوع الحدث في أثناء الصّلاة مستلزم للدور أيضا، لأنّ وقوع الحدث في الأثناء متوقف على كون السّلام جزء في هذا الحال، و كونه جزء في هذا الحال موقوف على عدم شمول (لا تعاد) للمورد و الحال أنّ عدم شمول (لا تعاد) للمورد موقوف على كون الحدث واقعا في الأثناء الموقوف على كون السّلام جزء في هذا الحال الموقوف على عدم رفع جزئية السّلام بحديث (لا تعاد)

فيتوقف عدم شموله، على عدم شموله و هذا دور يلزم منه توقف الشي ء على نفسه.

[في ذكر التفصيل بين الصورة الاول و الثاني]

و ما يأتي بالنظر كما قلنا سابقا في حاشيتنا على العروة هو التفصيل، ففي صورة يشمل حديث (لا تعاد) لو نسي السلام، و في صورة لا يشمله.

أمّا الصورة الاولى فهي أن ينسى السلام، ثمّ استدام نسيانه حتّى الاخلال بالموالاة المعتبرة عرفا بين الأجزاء بحيث إذا تذكر ترك السّلام لا يمكن له إلحاق السّلام بسائر الأجزاء من الصّلاة من جهة حصول الفصل المخلّ بالموالاة المعتبرة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 153

بين الأجزاء.

و أمّا الصورة الثانية فهي أن ينسى السّلام و يتذكر نسيانه في حال يمكن إلحاقه بالجزء السابق من أجزاء الصّلاة من باب إمكان حفظ الموالات، و لكن منشأ عدم إمكان إلحاقه هو وقوع الحدث حال نسيانه، أو طرو أحد من المنافيات غير الحدث.

ففي الصورة الاولى نقول: بصحة الصّلاة لشمول حديث (لا تعاد) و في الصورة الثانية نقول: بأنّه لا بد من إعادة الصّلاة لعدم شمول حديث (لا تعاد) له.

وجه التفصيل هو أنّ الظاهر من حديث (لا تعاد)- بعد ما قلنا في محلّه بكونه متعرضا لخصوص السهو، لكون لسانه هو أنّ كل شي ء من أجزاء الصّلاة و شرائطها غير الخمسة المستثنى يعلم المكلف بكونه جزءا أو شرطا للصّلاة، و يكون بناء المكلف على إتيانه لو تركها لأمر غير اختياري أى: لاجل النسيان، فلا تعاد لأجل هذا الترك الغير الاختياري- هو عدم وجوب الاعادة في خصوص كل مورد يكون منشأ التام و تمام العلة للترك هو النسيان، فلا يشمل ما يكون الترك مستند إلى أمر غير النسيان، أو إلى النسيان و غير النسيان.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ في الصورة الاولى يكون ترك

السّلام مستندا إلى نفس النسيان، و هو صار تمام العلة لتركه، لأنّ نسيانه استمر إلى أن أخلّ بالموالات، فيستند الترك إلى النسيان، بخلاف الصورة الثانية لأنّ في هذه الصورة ليس الترك مستندا إلى خصوص النسيان، لأنّه تذكر في زمان يمكن له إلحاق السّلام بالأجزاء السابقة، و ما صار سببا لعدم إمكان الالحاق ليس النسيان، بل وقوع الحدث أو غيره من المنافيات، فالفرق بين الصورتين هو ما قلنا من أنّ في الاولى يكون تمام العلة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 154

لترك السّلام السهو، و في الثانية لا يكون كذلك، بل الحدث أو غيره من المنافيات صار سببا لعدم إمكان الاتيان بالتسليم،

[في ذكر كلام المحقّق الحائري ره لشمول لا تعاد للصورتين]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه يظهر من بعض «1» الاعاظم (مراده مدّ ظله العالى شيخنا الحائري رحمه اللّه) على ما قال في صلاته في هذه المسألة في جواب (لا يقال) الثاني ما يستفاد منه كون المورد بإطلاقه أعنى:

في كلتا الصورتين المتقدمتين، مورد الحكم بصحة الصّلاة من باب شمول حديث (لا تعاد) و نحن نذكر كلامه في (لا يقال) و ما قال في جوابه (لأنّا نقول) حتّى يظهر ما بيّن في (لأنّا نقول) لشمول الحديث و تقريب كلامه بوجه أو في هو ان يقال لا يقال بأنّه ان تقل بأنّ حديث (لا تعاد) بعد فرض كون مورده السهو هو نفس حدوث السهو، بمعنى: أنّ (لا تعاد) يرفع جزئية الجزء أو شرطية الشرط في غير المستثنى بمجرد حدوث السهو و طروه للمنسي بحيث إنّ الشخص لو ترك جزء نسيانا مثلا، و لكن آنا مّا بعد هذا السهو قبل طروّ مانع أو دخول في الغير تذكر نسيان هذا الجزء لا يجب عليه إتيانه، و بعبارة واضحة إن تقل

بأنّ في مورد طروّ الحدث أو غيره من المنافيات بعد سهو السّلام رفع حديث (لا تعاد) جزئية التسليم قبل طروّ أحد القواطع و صار بصرف سهو السّلام جزئية السّلام مرفوعا بمقتضى حديث (لا تعاد) بحيث لو صار متذكرا بعد هذا السهو قبل طروّ القاطع لم يكن جزء.

ففيه أنّ هذا ممّا لا يمكن الالتزام به و كيف يمكن أن يقال: إنّ بمجرد حدوث السهو عن الجزء و لو تذكر نسيانه آنا مّا قبل فعل المنافي، أو الفصل الطويل، أو مضى محله بدخوله في ركن، بأنّه لا يجب إتيان هذا الجزء بمقتضى حديث (لا تعاد).

و إن تقل بأنّ في المورد بعد فرض نسيان السّلام لا يرفع جزئية التسليم بمجرد

______________________________

(1)- كتاب الصلاة للمحقق الحائري، ص 283.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 155

حدوث النسيان، بل بعد طروّ الحدث، أو غيره من المنافيات ترفع جزئيته بمقتضى حديث (لا تعاد) فما لم يحدث ليس المورد مورد شمول الحديث، و لكن بمجرد حدوث المنافي ترفع جزئية التسليم بمقتضى الحديث.

ففيه أنّه على هذا وقع الحدث في أثناء الصّلاة لأنّك على ما قلت لا ترفع الجزئية، إلّا بعد طروّ الحدث و بعد كون رفع الجزئية على ما قلت بعد طروّ الحدث، فالحدث وقع بين السّلام و ساير الأجزاء المتقدمة من الصّلاة فعلى هذا لا مجال لدعوى شمول (لا تعاد) للمورد.

فقال في جواب هذا الاشكال الّذي أورده بصورة (لا يقال) جوابا، و هو ما قاله في (لأنّا نقول) و حاصله: هو أنّا لا نقول: بكون جزئية السّلام مرفوعة بمجرد السهو قبل طروّ المنافي حتّى يرد الاشكال الأوّل، و لا أن نقول بأنّ بعد طروّ المنافي ترفع جزئية السّلام بمقتضى حديث (لا تعاد) حتّى يرد الاشكال

الثاني، بل نقول:

بأنّ سهو السّلام يتصور على أنحاء ثلاثة:

[في ذكر كلام المحقّق الحائري و تصوير سهو السلام على انحاء ثلاثة]

الأوّل أن يحدث السهو و بمجرد حدوثه ترتفع جزئية السّلام.

الثاني أنّ يعرض السهو ثمّ يحدث، و بحدوث الحدث ترتفع جزئيته لا قبله.

الثالث أنّ السهو الّذي يتعقبه أحد المنافيات يوجب ارتفاع جزئية التسليم، بمعنى: أنّ السهو المستمر في علم اللّه تعالى إلى طروّ ما يمضي بسببه محلّ التدارك يكون سببا لرفع جزئيته، فليس نفس حدوث السهو سببا لرفع جزئيته، و لا السهو بعد طروّ الحدث، بل نفس السهو لكن السهو المستمر في علم اللّه إلى طروّ الحدث سبب لرفع الجزئية، فعلى هذا لا يرد الاشكال لأنّ: الاشكال يرد على كون نفس حدوث السهو سببا، و كذا الاشكال يرد على كون السهو بعد طروّ الحدث سببا لرفع

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 156

جزئية، لأنّه على هذا يكون السهو قبل طروّ الحدث سببا، لكن لا مجرد حدوثه، بل السهو المستمر في علم اللّه تعالى.

ثمّ قال رحمه اللّه: بأنّه لو قلنا: بصحة توجه التكليف على الناسي للجزء باتيان المركب الفاقد لهذا الجزء فنقول: بأنّ الناسي للسلام يكون تكليفه من أوّل الأمر الصّلاة بلا سلام، فالعالم به مأمور بالصّلاة مع السّلام و الناسي له مأمور بالصّلاة الفاقد عنه بمقتضى حديث (لا تعاد) و إن لم نقل بصحة توجيه التكليف بالفاقد على الناسي كما أفاده شيخ الأنصاري رحمه اللّه فيقال بعد دلالة حديث (لا تعاد) بعدم وجوب الاعادة على الناسي في غير المستثنى نقول: بأنّ معنى عدم وجوب الاعادة هو العفو عنه و قبول الفاقد كالواجد، غاية الأمر لو قلنا بصحة توجيه التكليف على الناسي فتكون النتيجة هو عدم جزئية السّلام من رأس فتكون صلاة ناسى الجزئية من أوّل الأمر من قبل

الشارع هي الصّلاة بلا تسليم، فوقوع الحدث بعد التشهّد قبل السلام لم يقع في أثناء الصّلاة، فبصرف جريان (لا تعاد) و رفعه جزئية السّلام تقع الصّلاة صحيحة و يقع الحدث بعد الصّلاة، فلم يبطل به الصّلاة أصلا، و أمّا لو لم نقل بصحة توجيه التكليف على الناسي و قلنا بمقالة شيخ الأنصاري رحمه اللّه و قلنا بأنّ مفاد (لا تعاد) هو العفو و قبول الناقص مقام التام، فيمكن أن يقال: بأنّ غاية ما يدلّ حديث (لا تعاد) هو العفو عن التسليم، و حيث إنّ معنى العفو هو انّه مع كون التسليم حتّى في هذا الحال جزء للصّلاة و لكن الشارع تقبّل فاقد الجزء مقام واجد الجزء ففي هذا الحال بعد كون التسليم جزء فالحدث وقع في أثناء الصّلاة أى: بين التسليم الواجب حتى في هذا الحال، و بين ساير الأجزاء بناء على عدم إمكان توجيه تكليف خاص بالناسي في هذا الحال، و لعل هذا كان منشأ احتياط الميرزا الشيرازي رحمه اللّه في حاشيته

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 157

على نجاة «1» العباد.

[في ان يكون مراد المحقّق الحائرى ره القبلية و البعدية الزمانية]

و قد عرفت ممّا قلنا في بيان مراده رحمه اللّه في هذا المقام هو أنّ الظاهر من كلامه في قوله (لا يقال جزئية السّلام إنّما ترتفع بعد وقوع الحدث إذ قبل وقوعه لو تذكر يجب عليه التسليم قطعا، و لازم ذلك وقوع الحدث في الأثناء) يكون النظر إلى القبلية و البعدية الزمانية، بمعنى أنّه إن تقل بكون السهو قبل زمان طروّ الحدث رفع جزئية التسليم، فليس كذلك لأنّ لازم ذلك هو أنّه لو تذكر في هذا الحال آنا مّا بعد السهو لم يكن الواجب عليه إتيان السلام، و إن تقل: بأن بعد زمان

حدوث الحدث ترفع جزئيته فلازمه وقوع الحدث في أثناء الصّلاة.

و جوابه عن هذا الاشكال ما بينا و إن كان من المحتمل حمل كلامه على القبلية و البعدية الطبعية بمعنى: انّه يقال في توجيه مفاد كلامه في (لا يقال) بأنّه إن تقل بأنّ السهو قبل الحدث لكون تقدم الطبعى له صار موجبا لرفع جزئية السلام، فهو غير ممكن الالتزام كما مر، و إن تقل إنّ بعد حدوث الحدث أعنى: بعدية الطبيعة ترتفع الجزئية بحديث (لا تعاد) فهذا يوجب الدور الّذي قدمنا ذكره، و قلنا بأنّ هذا يظهر من بعض الأعاظم قدس سرّهم لأنّ شمول حديث «لا تعاد» موقوف على عدم وقوع الحدث في الأثناء، و عدم وقوع الحدث في الأثناء موقوف على عدم كون السّلام جزء في هذا الحال، و عدم كونه جزء في هذا الحال موقوف على شمول لا «تعاد» له و من الفرض توقف شموله على عدم وقوع الحدث في الأثناء، و قلنا بأنّه يمكن فرض قلب الدور، و لكن الظاهر من كلامه هو ما بينا من التقدم و التأخر الزمانى.

______________________________

(1)- نجاة العباء، ص 150.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 158

و على كل حال بعد ما قال: بأنّه على القول بعدم توجيه التكليف بالناسي و كون لسان «لا تعاد» قبول الناقص منزلة الواجد، و لازمه هو العفو عن خصوص سهو السّلام لا الحدث، فالصّلاة تبطل لاجل الحدث الواقع في أثناء الصّلاة، قال:

بأنّه يمكن توجيه صحة الصّلاة بناء على هذه المبنى أيضا بأن يقال: إنّه تارة يقال في قاطعية الحدث و ساير القواطع بأنّ معنى كونه قاطعا هو أنّه يمنع الجزء اللاحق من الارتباط بالأجزاء السابقة، و بعبارة اخرى لا يمكن معه أن يتصل الجزء اللاحق

بالأجزاء السابقة، و حدوثه يصير سببا لذلك بدون تأثيره في الأجزاء السابقة، فأجزاء السابقة على هذا باقية على ما كانت من صلاحيتها لأن يتألف منها المركب لو انضم إليها الجزء اللاحق، فيكون حدوث المنافي سببا لعدم إمكان انضمام جزء اللاحق بالسابق.

و تارة يقال: بأنّ معنى قاطعية القواطع و أثر وجوده في أثناء الصّلاة هو عدم إمكان اتصال جزء اللاحق بالسابق، و تأثيره في الأجزاء السابقة في سقوطها عن الصلوحية لا يتلاف المركب منها و من الأجزاء اللاحقة فعلى هذا يؤثر القاطع في الأجزاء السابقة و اللاحقة كليهما، فيسقط بالقاطع الأجزاء السابقة على حدوثه عن القابلية و الأجزاء اللاحقة عن قابلية الانضمام، فيحتمل في كون القاطع قاطعا الاحتمالان المتقدمان.

و حيث إنّ الحق كون معنى القاطعية على ما قلنا في الاحتمال الأوّل، فنقول:

ليس طروّ الحدث إلّا سببا لعدم إمكان اتصال السّلام بالأجزاء السابقة على تقدير جزئيته، فنقول بعد كون مفاد حديث «لا تعاد» هو عدم جزئية السّلام في هذا الحال فليست الصّلاة إلا ما وقع قبل الحدث، فالحدث وقع بعد الصّلاة فلا يضرّ بالصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 159

إن قلت: بأنّ مفاد «لا تعاد» كما هو عدم وجوب الاعادة في غير المستثنى كذلك مفاده وجوب الاعادة في الخمسة المستثنى فبعد طروّ الحدث ارتفعت الطهارة في أثناء الصّلاة، فتجب الاعادة لاجلها بمقتضى نفس هذا الحديث.

فنقول: إنّ هذا على تقدير جزئية التسليم في هذا الحال و بعد عفو الشارع و الاغماض عنه وقع الحدث بعد الصّلاة و الطهارة كانت موجودة حال الصّلاة، لأنّ الصّلاة أوّلها التكبير و آخرها التشهّد على هذا مضافا إلى إمكان أن يقال: بان مبطلية الحدث في الأثناء مطلق محلّ المنع، بل المتيقن منها ما إذا

وقع قبل تمامية الأركان، و يؤيد ذلك رواية زرارة الدالّة على أنّ من أحدث بعد السجدة الاخيرة يتطهر و يطلب مكانا نظيفا للتشهد معللا بأنّ (التشهد سنة) و يظهر منها حكم الحدث قبل السّلام و على هذا لا يحتاج في الحكم بصحة الصّلاة إلى ترك التشهّد و التسليم سهوا، بل مع التذكر لو وقع الحدث قهرا يحكم بصحة الصّلاة.

إذا عرفت مراده رحمه اللّه بالنحو الاوفى و إن كان بيانه غير واف لبيان مراده، نقول بعونه تعالى: بأنّه تارة يقال: بأنّ حديث «لا تعاد» يشمل السهو و الجهل و العلم و العمد كما يقول به شيخنا الاستاد رحمه اللّه (المراد العلّامة الخراساني رحمه اللّه) أو يقال بشموله للسهو و الجهل، و تارة يقال: بأنّ مورده ليس إلّا السهو، لأنّ من يتعمد في ترك جزء أو شرط من أجزاء صلاته و شرائطه فهو ليس في مقام امتثال الصّلاة، فلا تكون صلاة هذا الشخص صلاة حتّى يقال في حقه «لا تعاد الصّلاة» بل يقال في حقه:

صلّ، و كذلك لا يشمل الجهل لأنّ الظاهر منه هو أن من يكون بصدد امتثال أمر الصّلاة، و من الواضح بأنّ من يكون وضعه هكذا يتعلم أحكامها و آدابها و أجزائها و شرائطها قبلا، فيصير بعد ذلك بصدد امتثال أمرها، فمثل هذا الشخص إن لم يصدر

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 160

منه لأجل طروّ أمر غير اختياري شرطا أو جزء منها فلا تعاد الصّلاة لأجلها.

فيظهر أنّ الحديث لا يشمل إلّا السهو لأنّ المصلّي كان بصدد امتثال أمر الصّلاة و صار طروّ امر غير اختياري و هو السهو موجبا لترك جزء أو شرط، ففي هذه الصورة يكون مفاد الحديث عدم وجوب الاعادة، و بعد

كون مورد الحديث السهو، و بقرينة ما استثنى فيه أعنى: الخمسة، نفهم أنّ المستثنى منه تكون من الامور الوجودية لأنّ كل ما استثنى ليس إلّا من الامور الوجودية «الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود» فالمستثنى منه أيضا ليست إلّا من الامور الوجودية، فالحديث لا يشمل إلّا ما كان المطلوب وجوده في الصّلاة لا ما كان عدمه مطلوبا كالحدث و نظائره.

[ما يقوى بالنظر هو التفصيل فى المسألة]

إذا عرفت أنّ ما رفع بمقتضى حديث «لا تعاد» هو خصوص السهو في خصوص الامور المطلوبة وجودها شرطا أو شطرا في الصّلاة ما عدا الخمسة المستثناة، فنقول: إنّ ما يقوى بالنظر في المسألة هو التفصيل كما قلنا بين ما إذا طرأ النسيان و استمر إلى أن يحصل الفصل الطويل، ثمّ تذكر نسيان السّلام بحيث لا يمكن مع هذا الفصل ضمّ السّلام بأجزاء السابقة من باب فوت الموالاة نقول بعدم وجوب الاعادة و شمول حديث «لا تعاد» للمورد، و بين ما إذا لم يحصل الفصل بل طرأ الحدث و كان الزمان المتخلل بين السهو و التذكر بمقدار لا يفوت الموالاة و لو لا الحدث لكان المجال لاتيان السّلام باقيا، و لكن الحدث صار سببا لعدم إمكان إتيان السّلام و ضمّه بالأجزاء السابقة، فلا يشمله حديث «لا تعاد» و تبطل و تجب إعادتها.

[في ان يكون مورد حديث لا تعاد اذا كان منشأ ترك المنسي مجرّد السهو]

أمّا بيان الفرق فهو أنّ الظاهر من حديث «لا تعاد» عدم وجوب الاعادة في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 161

صورة يكون منشأ ترك المنسي مجرد السهو لا أمرا آخر فعلى هذا نقول: بأن في الصورة الاولى على الفرض نسي المصلّي السّلام و استمر نسيانه و طال إلى أن زالت الموالاة العرفية، فنفس النسيان صار سببا لترك السلام، فمقتضى «لا تعاد» عدم وجوب الاعادة لأجله، و أمّا في الصورة الثانية بعد فرض عدم كون زمان النسيان طويلا بل يكون قصيرا بحيث يمكن لو لا طروّ الحدث إتيان السّلام و ضمّه بالأجزاء السابقة عرفا، فما صار سببا في هذه الصورة لترك السّلام و عدم إمكان إتيانه هو الحدث لا النسيان، و لهذا تكون هذه الصورة خارجة عن مورد حديث «لا تعاد».

إن قلت: بأنّه كما قلت ففي

الصورة الاولى صار فصل الطويل و فوات الموالاة سببا لعدم إمكان إتيان السّلام لا السهو، فلا فرق بين الصورتين.

قلنا بأنّ الموالاة ليست إلا شرطا يعتبرها العرف، و هي عبارة عن إتيان كل جزء لاحق متصلا بالاتصال العرفي بالجزء السابق، و بعبارة اخرى بعد اعتبار وحدة بين المركب كالصّلاة، فيحكم العرف باشتراط إتيان كل جزء متصلا بالجزء السابق و عدم إيجاد فصل يخلّ بالوحدة، و هذا معنى اعتبار الموالاة في الصّلاة، و لهذا قلنا: بأنّ شرط الموالاة شرط عرفي لا الشرعى، فمن هنا يظهر لك أنّ الجزء اللاحق، باعتبار حفظ الوحدة في المركب عند العرف، مقيد و مشروط بأن يأتي غير منفصل عن الجزء السابق، ففي الحقيقة يكون كل جزء لاحق مقيدا بهذا القيد، فليست الموالاة أمرا اخر ما وراء اعتبار الاتصال العرفي بين الجزء السابق و اللاحق، فالجزء اللاحق مشروط بذلك، و لهذا لو أتى به منفصلة عن الجزء السابق، فليس قابلا لأنّ يصير جزء للمركب، فإذا كان الأمر كذلك تعرف الفرق بين الصورتين، لأنّ في الصورة الاولى ترك السّلام و يكون منشأ تركه هو نفس النسيان لا الأمر الآخر

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 162

و استمر النسيان إلى مرتبة لا يمكن معه تدارك السّلام المنسي لا النسيان و فوات الموالاة لما قلنا، و أمّا في الصورة الثانية يكون ترك السّلام مستندا إلى حدوث الحدث لا إلى النسيان، و لهذا لا يكون حديث «لا تعاد» بمفاده كما بينا شاملا لهذه الصورة، فافهم.

الأمر الثاني: هل يجب قصد الخروج في السّلام الواجب أم لا؟
اشارة

اعلم بأنّه لا يرى في كلمات القدماء قدس سرّهم تعرض لهذه المسألة نعم، ذكر الشهيد رحمه اللّه في الذكرى «1» المسألة و بيّن وجهين لاعتباره و نقل اختياره من الشيخ فى المبسوط.

[في ذكر الوجوه فى المسألة]
اشارة

فنذكر نحن حاصل ما استدل به من الوجهين على وجوب قصد الخروج في السلام، بمعنى اعتباره و صفا في السلام، و كون هذا القصد من شرائطه.

[الوجه الاول و الجهتين فى الباب]

الوجه الأوّل: قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: إنّما الأعمال بالنيّات، فمتى لا يقصد الخروج به لا يتحقق الخروج من الصّلاة.

و فيه أنّه قد ذكرنا في مبحث النية أنّ اعتبار القصد في تحقق شي ء في الخارج يمكن أن يكون من جهتين:

الجهة الاولى: أن يكون العمل ممّا اعتبر فيه إتيانه بداعى العبودية و التقرب إلى جنابه تعالى و هذا القصد يعتبر في العبادات وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ. «2»

الجهة الثانية: أنّ بعض الامور يكون من العناوين القصدية، بمعنى أنّ فعل

______________________________

(1)- ذكرى، ج 3، ص 438، طبع القديم، ص 209.

(2)- السورة الليل، الآية 19 و 20.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 163

الخارجي لا يصير منطبق بعض العناوين إلا بالقصد كالتعظيم و التوهين، فحيث إنّ الفعل الواقع خارجا قابلا لانطباق على العناوين المختلفة، فلا يصير منطبق أحد هذه العناوين إلّا بالقصد، فقيام الشخص عند دخول رجل في المجلس قابل لأن يكون لتعظيم هذا الرجل، و قابل لأن يكون لأخذ شي ء مثلا من محل آخر، فلا يصير هذا القيام منطبق أحد العنوانين إلّا بالقصد، و مثل التعظيم في هذه الجهة التوهين، و الحاصل أنّ بعض الامور يكون من العناوين القصدية، فلأجل هذا يعتبر في صيرورة الفعل الخارجى مصداق هذا النحو من العناوين القصد.

إذا عرفت كون منشأ اعتبار القصد أحد الجهتين نقول: بأنّه إن كان قوله (المعتبر في السّلام قصد الخروج) أنّ السّلام الواجب يكون هو السّلام المتصف بكونه مخرجا، فيكون لدعوى اعتبار قصد الخروج

فيه مجال، و لكن إن كان الواجب بحسب مفاد الادلة السلام، فإذا أتى به بقصد التقرب يتحقّق الامتثال، و لا يجب أزيد من ذلك، فلا يجب قصد الخروج.

الوجه الثاني:
اشارة

هو أن يقال: بأن السّلام الّذي يكون تحليل الصّلاة به، هو السلام الّذي يقصد به الخروج عن الصّلاة و إلّا تبطل به الصّلاة لكونه كلام الآدمى، حيث إنّ السّلام لا يكون من سنخ الصّلاة لا ذكرا، و لا قرآنا، و لا دعاء، فإذا صدر من المصلّي في الصّلاة تبطل به الصّلاة لكون الكلام الآدمى مبطل لها، نعم إذا أتى به بعنوان الخروج فلا تبطل به الصّلاة، فلا بدّ من اتيانه بقصد الخروج حتّى يصير امتثالا للأمر بالسلام، و لا يصير مصداقا للكلام المبطل، هذا حاصل الوجه الثاني.

و فيه أنّ كون السّلام من سنخ الكلام الآدمى صحيح، و لكن كون جواز هذا الكلام الآدمى في آخر الصّلاة و عدم إفساد الصّلاة به و صيرورته جزء متوقف على

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 164

وقوعه بقصد الخروج أوّل الكلام، لعدم دليل مساعد على اختصاص جوازه و صيرورته جزء بأن يقصد الخروج.

[في وجه عدم اعتبار قصد الخروج امور]
اشارة

أمّا وجه عدم اعتبار قصد الخروج فأمور:

[الاوّل و الثاني]

الامر الأوّل: الأصل، لأنّا نشك في اعتبار قصد الخروج في السّلام و عدمه، و لا دليل يدلّ على اعتباره أو عدمه، فالمرجع هو البراءة لأنّ الشّك يكون في أمر زائد، فتكون المسألة من صغريات الأقل و الأكثر الارتباطي.

الامر الثاني: بعض الروايات المتقدمة الدالّة على عدم جواز إتيان «السلام علينا» في التشهّد الأوّل معللا (بأنّه انصراف، أو إذا قلت فقد سلّمت) فإنّه يدلّ على أنّ مجرد السّلام انصراف، أو سلام بدون اعتبار قصد الخروج في صيرورة إتيانه غير جائز، و إن كان قصد الخروج موجبا لصيرورة السّلام انصرافا أو سلاما، كان اللازم تخصيص عدم جواز إتيانه في التشهّد الأوّل بالصورة الّتي قصد به الخروج.

و فيه أنّه قلنا سابقا بأنّ هذه الأخبار ليست ظاهرة في عدم جواز إتيان «السلام علينا» في التشهّد الأوّل من باب كونه سلاما، بل يحتمل كون منشأ عدم الجواز في هذه الأخبار كون «السلام علينا» كلام آدمى، و لا يجوز إتيان الكلام الآدمى في أثناء الصّلاة فلأجل كونه من الكلام الآدمى نهي عن اتيانه، فيكون وجه كونه انصرافا أو أنّه إذا قلت (سلّمت) هو حيثية كونه الكلام الآدمى لا حيثية كونه سلاما جزء للصّلاة و مخرجا و محللا لها، فلا تدلّ هذه الروايات على عدم اعتبار قصد الخروج في السّلام لما قلنا من احتمال كون النظر في عدم جوازه لكونه انصرافا، أو لكونه تسليما إلى كون السّلام من الكلام الآدمى تبطل به الصّلاة لو وقع في أثنائها، لا من حيث خصوصية كونه سلاما و محللا حتّى يقال: بأنّ نفس السّلام صار

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 165

منهيا عنه بدون اعتبار قصد الخروج فيه، فيستكشف من ذلك

كون السّلام المخرج نفس السّلام لا السّلام بقصد الخروج.

الامر الثالث:

هو ان يقال: بأنّه بعد كون السّلام ممّا يعمّ به البلوى لابتلاء المسلمين به في كل يوم و ليلة خمس مرات به أقلا و قلما يوجد مثله مورد ابتلاء عامة أهل الاسلام، و بعد كون قصد الخروج من الصّلاة به ممّا يكون مغفولا عنه عند العامة، بل لا يخطر ببال بعضهم دخل هذا القصد أصلا، و يأتون به مع الغافلة عن ذلك، فإن كان قصد الخروج معتبرا فيه كان على الشارع بيانه، إذ مع ما يرى من ابتلاء المسلمين به و مع مغفوليتهم عن هذا القصد فلو كان المعتبر قصده عند الشارع، و مع هذا ترك التعرض لاعتباره، و لم يعلمهم اشتراط السّلام به، فقد أخلّ بغرضه، و جاء بما يكون خلاف الحكمة، فحيث إنّ إخلاله بالغرض، و صدور خلاف الحكمة منه غير جائز عقلا، فمن عدم بيان دخل هذا القصد في السّلام نستكشف عدم دخله، و هذا معنى الاطلاق المقامي، أو التمسك بما نقل شيخ الانصاري رحمه اللّه عن المحقق رحمه اللّه في المعارج من أنّ عدم الدليل دليل العدم فعلى هذا لو تمّ هذا الوجه لا تصل النوبة بالأصل العملى أعنى: الوجه الأوّل، لأنّ هذا دليل اجتهادي.

و لكن يمكن ان يقال بعدم تمامية الوجه الثالث بأن يقال: بعد ما نرى بعض الأخبار الدالّة على كون السّلام تحليلا للصّلاة، و كون المتبادر عند المسلمين من صدر الأوّل غير أبي حنيفة هو كونه مخرجا من الصّلاة، فيمكن ردّ دعوى كون اعتبار قصد الخروج فيه ممّا يكون مغفولا عنه عند المسلمين حتّى يقال: بأنّه مع الغافلة عنه إن كان معتبرا كان اللازم بيانه، بل يمكن أن يقال:

بأنّه مع هذا الارتكاز فكان المسلمون يأتون به بما هو مخرج و محلل، و هذا لا ينفك من قصد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 166

التحليل و الخروج.

[الكلام فى الامور الثلاثة المذكورة فى الباب]

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الأصل فلو وصلت النوبة به فلا إشكال في إجرائه على المختار في الشّك بين الأقل و الأكثر الارتباطى من إجراء البراءة العقلية و النقلية، و أمّا الوجه الثاني فقد عرفت الاشكال فيه، و أمّا الوجه الثالث فإن كان نظر من يدعي في المقام أنّ عدم الدليل دليل العدم إلى أنّ اعتبار قصد الوجه يكون مغفولا عنه عند المسلمين، و يريد غفلتهم حتّى عن كون السّلام هو المحلل و مخرج الصّلاة و جزء آخر منها، و أنّه به يتم الصّلاة، فهذا ممنوع.

لأنّ هذه المعنى مضافا إلى عدم كونه مغفولا عنه، يكون المرتكز عندهم لأنّ كل مسلم يعلم كون السّلام مخرجا و محللا، و إن كان يريد أنّه مضافا إلى العلم و التوجه بذلك و في ارتكازهم حين إتيان السّلام لا يرون اعتبار شي ء أزيد من ذلك، و هو لزوم قصد الخروج و قصد المحللية منه حين إتيانه، و يكون مغفولا عنه عندهم، فهو كلام في محلّه.

فعلى هذا نقول: بأنّه لا يبعد اعتبار علم المصلّي بكون السّلام مخرجا و محللا و آخر الصّلاة، لأنّه بعد كون مرتكز هم ذلك لا يكون عدم بيان الشارع هذا المقدار مخلا بالغرض، حتّى يدفع بالإطلاق المقامى، أو عدم الدليل دليل العدم، لأنّ كلّ من يصلّي يأتي بالسلام قاصدا كونه جزء عالما بكونه آخر الصّلاة و محللها، و أمّا أزيد من ذلك و هو لزوم قصد الخروج بالسلام مضافا إلى القصد باتيانه من باب كونه جزء للصّلاة و علمه بكونه

آخر الصّلاة و محللها، فلا وجه له لكون ذلك مغفولا عنه فبالاطلاق المقامى، أو عدم الدليل دليل العدم نقول: بعدم اعتبار قصد الخروج بهذا المعنى.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 167

فقد عرفت ممّا بينا عدم اعتبار قصد الخروج بالمعنى المتقدم.

ثمّ إنّ هنا لبعض الاعاظم قدس سرّهم «1» (المراد العلّامة الحائري) كلاما لا يخلوا عن الاشكال (فارجع ذيل مسألته اعتبار قصد الخروج و عدمه، ثمّ إنّه لو أتى بالصيغتين و قصد الخروج الخ في كتاب صلاته).

الوجه الثالث:
اشارة

لا إشكال في أنّ المراد من «السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته» و المقصود ممّن يسلّم عليه فيه هو خاتم الأنبياء نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم لدلالة بعض الروايات على ذلك، و هذا مسلّم عند الخاصّة قدس سرّهم، و كذلك عند العامة و إن يكن كلام آخر بينهم في أنّ بعضهم يقولون بأنّ السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم يكون بصيغة «السلام عليك أيّها النبي» في حال حياته و «السلام على النبي» بعد وفاته صلى اللّه عليه و آله و سلم، و يكون الغرض على كل حال أنّ المراد من هذا السّلام الّذي يؤديه المصلّي هو السّلام على رسولنا صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و أمّا «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» أمّا المراد من العباد اللّه الصالحين فهو معلوم، فالغرض السّلام على عباد اللّه الصالحين، و أمّا المراد من السلام علينا، فإن كان مع المصلّي أشخاص آخر مثل أن يكون المصلّي في الجماعة، فيمكن أن يكون المراد من «علينا» الّذي يسلّم عليهم نفس المصلّي و من يكون معه، و إن لم يكن أحد معه فضمير «علينا» و ان

كان ضمير المتكلم مع الغير، و لكن كما أنّه قد يأتي المتكلم بالضمير الجمع لشخص واحد بعنوان التعظيم، كما قال عزّ اسمه (إنّا نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون» ربّما يتأتى بالضمير الجمع تذليلا، فيقال: بأنّه يراد

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى، ص 286.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 168

من «السلام علينا» السّلام على نفس المصلّي و جي ء بالضمير الجمع تذليلا في مقام الدعاء و السلام و الرحمة، فالمراد في الصيغتين الاولتين من صيغ السّلام معلوم، فلو أراد المصلّي قصد معناهما، أمّا للزوم القصد، أو لمجرد جوازه فيقصد بهما ما قلنا.

و أمّا «السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» فما يراد في هذا السلام، و بعبارة اخرى من يكون المخاطب في السّلام عليكم، و بعبارة ثالثة بعد كون ضمير (كم) في «السلام عليكم» ضمير خطاب فمن الجماعة المخاطبون في هذا الخطاب؟

اعلم أنّ الشهيد رحمه اللّه قال في الذكرى «1» و يستحبّ قصد الامام التسليم على الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين لذكر اولئك و حضور هؤلاء، و الصيغة صيغة خطاب، و يقصد المأموم باولى التسليمين الردّ على الامام و بالثانية الأنبياء و الائمة و الحفظة و المأمومين، و امّا المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك.

[في ذكر الكلام الشيخ الانصاري ره]

و قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه «2» يستحبّ أن يقصد الامام الملكين لما في عدة من الروايات من أنّه تحية الملكين، و أن يقصد الأنبياء و الملائكة لحديث المعراج المشتمل على تسليمه عليهم السّلام لما رآهم خلفه و أن يضم إليهم الأئمة لما في عدة من الروايات من عدم قبول الصّلاة عليه من دون الصّلاة على آله عليهم السّلام فكيف السّلام على سائر الأنبياء انتهي.

[في ردّ كلام الشهيد ره]

و يرد على كلام الذكرى كما قال الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «3» أمّا أوّلا فلأنّ قوله رحمه اللّه: لذكر اولئك، لو تم كونه دليلا، يتم في خصوص من يذكر التشهّد الطويل

______________________________

(1)- ذكرى، ج 3، ص 435، ذكرى، ص 208، طبع القديم.

(2)- كتاب الصّلاة لشيخ الانصارى، ص 187.

(3)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 386.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 169

المذكور في رواية زرعة عن أبي بصير، فهو يذكر هؤلاء أعنى: الأنبياء و الأئمة و الحفظة، و أمّا من لم يذكر التشهّد الطويل، فهو لا يذكر اولئك حتّى يكون ذكره إياهم موجبا لأنّ يخاطب في سلامه عليهم، و امّا ثانيا مجرد الذكر لا يوجب كونهم مخاطبا في السلام، و وجوب قصدهم في «السلام عليكم» على من يصلّي.

[في الردّ على المحقّق الهمداني ره و توجيه كلام الشهيد ره]

و لكن يمكن أن يقال في توجيه كلام الشهيد رحمه اللّه في الذكرى بأنّه بعد ما يكون لفظ (كم) موضوعا للخطاب، و من يتوجه بالمعنى يدري أنّ معنى «السلام عليكم» هو السّلام على المخاطبين، فمن يقول «السلام عليكم» متوجها بالمعنى يخاطب أشخاصا في سلامه، و لا يكون في البين من يخاطب به إلا الطوائف المذكورة، أعنى:

الأنبياء و الائمة و الحفظة و المأمومين، فلهذا يخاطبونهم، و هم يكونون طرف خطابه و على هذا تكون النتيجة وجوب قصدهم في «السلام عليكم» لعدم معقولية توجيه الخطاب بدون كون مخاطب للمتكلم في خطابه، فمن خطابه يفهم كون مخاطب له، فلا بد من أن يقصدهم في سلامه.

و لكن حيث نرى أنّ اغلب المسلمين غير ملتفت بالمعنى في «السلام عليكم» و هي من الامور المغفول عنها، لأنّ كثيرا من المسلمين لا يكون أهل لسان العرب، و لا يفهمون معنى السّلام و الخطاب أصلا

فنقول: إن كان قصد الخطاب واجبا لكان اللازم بمقتضى الحكمة بيانه على الشارع، فمن عدم بيانه نكشف عدم وجوبه، و هذا معنى الاطلاق المقامي، فنقول باستحبابه، فالوجه في التزامه باستحبابه هو هذا مع اقتضاء الدليل في حدّ ذاته الوجوب، و الوجه في استحباب قصد التسليم على الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين هو أنّه بعد كون قصد الخطاب مطلوبا في التسليم،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 170

فليس الأنسب إلّا قصد هؤلاء الطوائف لذكر اولئك و حضور هؤلاء «1» هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلام الشهيد رحمه اللّه في الذكرى.

[في ردّ كلام الشيخ الانصاري ره]

و أمّا ما قال شيخ الانصاري رحمه اللّه ففيه أنّ ما قال من ورود روايات على كون السلام تحية الملكين، فلم نجد إلّا في رواية واحدة، و هي رواية مفضل بن عمر، و أمّا قصد الأنبياء و الملائكة لحديث المعراج، ففيه أنّ قصده صلى اللّه عليه و آله و سلم في ليلة المعراج الأنبياء و الملائكة لكونهم يقتدون به لا يوجب وجوب هذا القصد على غيره صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و أمّا ما قال من ضمّ الأئمة عليهم السّلام لمّا ورد من عدم قبول الصّلاة على النبي بدون صلاة على آله عليهم السّلام فلا تقبل السّلام على ساير الأنبياء بدون السّلام عليهم بطريق الاولى.

ففيه أنّ عدم قبول الصّلاة على النبي بدون ضمّ الآل لا يوجب ضمّ الآل في السلام الّذي يسلّم على الأنبياء، لأنّ في السّلام عليهم سلّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عليهم، فليس في سلامه عليهم سلاما على نفسه حتّى يقال: لا يقبل السّلام على النبي بدون

______________________________

(1)- أقول: أمّا الالتزام بوجوب القصد فمردود بما

أفاده مد ظله العالي من أنّه بعد كون ذلك من الامور المغفول عنها عند المسلمين، لأنّ كثيرا منهم غير ملتفت بمعناه و خطابه من غير العرب من المسلمين، و أمّا العرب فعوامهم غافلون عن ذلك، فمن ذلك نكشف عدم وجوبه، لأنّه مع شدة الابتلاء به لو كان واجبا عند الشرع مع ما يرى من غفلة المسلمين عنه و مع ذلك لم يبينه فقد أخلّ المولى الحكيم بغرضه، فلم يكن واجبا لعدم بيانه، و أمّا الالتزام بالاستحباب من باب أنّه مع كون حقيقة «السلام عليكم» هو السّلام بعنوان الخطاب، و لا يمكن الخطاب بلا قصد إلى المخاطب، و بعد عدم وجوب قصد الخطاب فنلتزم باستحبابه، لا وجه له، لأنّ عدم وجود وجه دالّ على الوجوب لا يوجب صيرورة قصد هؤلاء مستحبا، بل لا بدّ من الدليل على الاستحباب، كما لا وجه على الوجوب، نعم لا مانع من قصدهم رجاء و باحتمال المطلوبية، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 171

السلام على الآل، لأنّ في ما يسلّم عليه لا بد من ضمهم لا في ما لا يسلم عليه (إلّا أن يقال: بأنّ في السّلام على الأنبياء يضم النبي و مع ضمه لا بد من ضم آله لعدم قبول السلام به بدون ضمهم) فما قال شيخ الانصاري رحمه اللّه في المقام وجها لاستحباب قصد الملكين و الأنبياء و الائمة و الملائكة عليهم السّلام لا وجه له و ليس بتمام.

[ما يظهر من العامّة و الخاصّة في المورد]

ثمّ إنّه ورد في طرق العامة و نقلوا أنّ الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يسلّم مرتين مرة عن يمينه و مرة عن شماله، و من المعلوم أنّه كان يصلّي صلاته جماعة، و كان إماما في الجماعة،

فالامام يسلّم مرتين مرة عن يمينه و مرة عن شماله.

و أمّا ما يظهر من أخبارنا فهو أنّ الامام يسلّم مرة مستقبل القبلة على ما في بعض الأخبار «1» و في معناها الرواية 9 من الباب المذكور، لأنّ فيها قال (إنى اصلّي بقوم فقال: سلم واحدة و لا تلتفت) و هي تدلّ على الاستقبال و عدم الالتفات من القبلة، و بعض الأخبار يدلّ على أنّ الامام يسلّم تسليمة واحدة بلا تعرض فيه لاتيانه مستقبل القبلة مثل الرواية 4 من الباب المذكور و 5 و 14 و 15 من الباب المذكور.

فما في الرواية الّتي و هي ما رواها عبد الحميد بن عوّاض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك الخ) «2» فلا يعمل بها، لأنّ المشهور موافقون مع مفاد ساير الروايات، و أنّ الامام يسلّم تسليمة واحدة مستقبل القبلة فأعرض الاصحاب عنها.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل و أيضا الرواية 8 و 11 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 172

و أمّا المأموم فالمستفاد من رواياتنا هو أنّه يسلّم تسليمين تسليما عن يمينه و تسليما عن شماله (إن كان على شماله احد) مثل الرواية 1 و 3 و 4 و 6 و 8 من الباب المذكور، نعم يدلّ الخبر 15 من الباب المذكور على أنّ المأموم يسلّم ثلاث تسليمات واحدة ردّا على الامام، و واحدة على من يصلّي يمينه، و واحدة على يساره إن كان أحد على يساره، و لكن لا يعمل بما يدلّ على كون تسليمه واحدة

أو ثلاثة، هذا حال الروايات.

(أقول: و لم يقل مدّ ظلّه في المسألة بعد ذلك شيئا، و عطف عنان الكلام في مبحث الآتي و الحمد للّه و الصّلاة و السلام على رسوله و آله).

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 173

المقصد الثالث في قواطع للصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 175

بسم اللّه الرحمن الرحيم نحمد اللّه على آلائه و نشكره على نعمائه و نصلّي و نسلّم على محمد خاتم أنبيائه و آله و لعنة اللّه على أعدائهم من الآن إلى يوم لقائه

الكلام في القواطع

اشارة

قسّم في كلماتهم القواطع بما يكون قاطعا للصّلاة سواء وجد في أثنائها عمدا أو سهوا، و بما تكون قاطعيته في خصوص صورة العمد، و نذكر كلا القسمين إنشاء اللّه بدون إفراد كل منهما عن الآخر، لأنّ كون بعض القواطع من القسم الأوّل أو الثاني محلّ الكلام و الاشكال فنقول بعونه تعالى شأنه:

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 176

الأوّل: من القواطع التكفير أو التكفف

اشارة

قال في مجمع «1» البحرين (التكفير في الصّلاة هو الانحناء الكثير حالة القيام قبل الركوع، قاله في النهاية، و التكفير أيضا وضع إحدى اليدين على الاخرى).

و منشأه أنّ الضعفاء من الناس و الطبقة الثالثة منهم، يقال لهم العلج، كانوا يصنعون ذلك في مقابل الأقوياء و الدهاقين، و الدهقان معرب ده بان، فالعلج يكفرون بعنوان التذلل و الخضوع عند الدهاقين، و لمّا جي ء ببعض الاسراء في زمان عمر صنعوا ما كان عادتهم، فقال عمر: ما هذا؟ فاجيب: بأنّ هذا تواضع و تذلل، فقال: نعم الفعل ان يصنع لرب العالمين، فصار التكفير متداولا بين الناس، فهذا من بدعه.

و في وجوبه و استحبابه و كراهته خلاف بين العامة، و لكن عند عوامهم يكون أمره مشددا، و ينكرون على من لا يتكفف في صلاته.

و أمّا عندنا فالمشهور تحريمه، و قال بعض بكراهته و هو مختار المحقق رحمه اللّه في

______________________________

(1)- مجمع البحرين، ص 285.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 177

المعتبر «1» فلا بدّ في فهم حكم المسألة من ذكر أخبار الباب حتّى يظهر ما هو الحق في المقام فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر الاخبار الواردة فى التكفير و التكفف]
اشارة

الرواية الاولى: و هي ما رواها الشّيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضاله جميعا عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: قلت له الرجل يضع يده في الصّلاة و حكى اليمنى على اليسرى، فقال: ذلك التكفير لا يفعل). «2»

و قوله: حكى اليمنى على اليسرى يعنى: وضع يده عملا في مقام السؤال فوضع يده اليمنى على يده اليسرى، فقال عليه السّلام في الجواب: ذلك التكفير، يعنى: وضع اليد بهذا النحو تكفير فلا يفعل.

[في ذكر الاحتمالات الخمسة للرواية الاولى]

و احتمالات الرواية خمسة:

الاحتمال الأوّل: ان يكون المراد ترك التكفير من باب كونه محرّما بالحرمة التكليفية في الصّلاة و غيرها.

الاحتمال الثاني: أن يكون محرّما بالحرمة التكليفية لكن في خصوص حال الصّلاة لا مطلقا.

الاحتمال الثالث: أن يكون النهي النهي الوضعي، بمعنى الارشاد إلى بطلان الصّلاة بالتكفير، لا أن يكون محرّما تكليفا.

الاحتمال الرابع: أن يكون النهي باعتبار وجود حضاضة فيه، فيكون

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 255- 256.

(2)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 178

النهي للكراهة.

الاحتمال الخامس: أن يكون النهي عنه باعتبار عدم كون ذلك من آداب الصّلاة، فلا يكون النهي دالّا على الحرمة و لا الكراهة، بل يكون عليه السّلام في مقام بيان عدم فعل ذلك في الصّلاة من باب عدم كونه من آدابها.

[في ذكر الرواية الثانية و الثالثة و الرابعة]

الرواية الثانية: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: و عليك بالاقبال على صلاتك (إلى أن قال) و لا تكفر فإنّما يصنع ذلك المجوس). «1»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السّلام (في حديث قال: و لا تكفر فانما يصنع ذلك المجوس). «2»

و لا يبعد عدم كون هذه الرواية غير الرواية الثانية، و الرجل الواقع في طريق الثانية كان هو زرارة، و على كل حال قد يقال: بدلالتهما على الكراهة بقرينة قوله عليه السّلام (فانما يصنع ذلك المجوس) و لكن نقول ما هو مفاد الروايات بعدا إنشاء اللّه.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها علي بن جعفر (قال: قال أخي: قال علي بن الحسين عليه السّلام وضع الرجل إحدى يديه على الاخرى في الصّلاة عمل و ليس في الصّلاة عمل). «3»

قد يقال: بأنّه بعد

عدم كون مجرد كون التكفير عملا موجبا لعدم الجواز في الصّلاة لأنّ الكبرى، و هو عدم كون العمل في الصّلاة، ممنوع إذ ليس كل عمل ممنوع

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 179

في الصّلاة، فلا بدّ من أن يقال: بأنّ التكفير حيث يأتى به العامة بعنوان التذلل و جزئيته للصّلاة، فقال عليه السّلام: بأنّ التكفير عمل، يعني: عمل يأتي به بقصد الجزئية و التشريع، و حيث إنّ الصغرى تكون هذا فتكون الكبرى و هو قوله: و ليس في الصّلاة عمل، يعني: ليس في الصّلاة عمل يأتي بعنوان التشريع و الجزئية مع عدم كونه جزء و على هذا الاحتمال تكون العلة متحدة مع المعلول، لأنّ العلة هي التشريع و نفس المعلول و هو كون التكفير عمل هو التشريع، فكأنّه قال: لا يجوز التشريع، لأنّه لا يجوز التشريع.

[في ذكر الرواية الخامسة و السادسة]

الرواية الخامسة: و هي ما في الوسائل رواها علي بن جعفر في كتابه نحوه و زاد (و سألته عن الرجل يكون في صلاته يضع إحدى يديه على الاخرى بكفه أو ذراعه، قال: لا يصلح ذلك فإنّ فعل فلا يعودن له). «1»

الرواية السادسة: و هي ما رواها الصّدوق رحمه اللّه في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الاربعمائة (قال: لا يجمع المسلم يديه في صلاته و هو قائم بين يدى اللّه عز و جل يتشبه بأهل الكفر يعنى: المجوس) و هنا رواية اخرى ذكرت في دعائم الاسلام). «2»

إذا عرفت ذلك، فاعلم انّه كما قلنا يكون التكفير

عند العامة من حيث الحكم محل الخلاف، و لكن الجمهور منهم قالوا بكونه من سنن الصّلاة.

[في ذكر كلام ابن رشد فى الباب]

قال ابن رشد في بداية «3» المجتهد (المسألة الخامسة: اختلف العامة في وضع

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- بداية المجتهد، ج 1، ص 197.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 180

اليدين إحداهما على الاخرى في الصّلاة، فكره ذلك مالك في الفرض، و أجازه في النفل، و راى قوم أنّ هذا الفعل من سنن الصّلاة و هم الجمهور، و السبب في اختلافهم أنّه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصّلاة و السلام و لم ينقل فيها أنّه كان يضع يده اليمنى على اليسرى، و ثبت أيضا أنّ الناس كانوا يؤمرون بذلك، و ورد ذلك أيضا من صفة صلاته عليه الصّلاة و السلام في حديث أبي حميد، فرأى قوم أنّ الآثار الّتي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار الّتي لم تنقل فيها هذه الزيادة، و أنّ الزيادة يجب أن يصار إليها، و راى قوم أنّ الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة، لأنّها اكثر، و لكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصّلاة، و إنّما هي من باب الاستغاثة، و لذلك اجازها مالك في النفل و لم يجزها في الفرض، و قد يظهر من أمرها أنّها هيئة تقتضي الخضوع و هو الاولى بها).

فترى أن جمهور هم قائلون بكونه من سنن الصّلاة، و إن كان ما جعله وجها لمختارهم- من أنّ الآثار الّتي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار الّتي لم تنقل فيها هذه الزيادة، و أنّ الزيادة يجب ان يصار إليها- غير

تمام، لأنّه لو كان للاخذ بالزيادة في الدوران بينه و بين عدم الزيادة وجه، فهو ليس إلّا من باب أنّه لو كان للاخذ بالزيادة في الدوران بينه و بين عدم الزيادة وجه، فهو ليس إلّا من باب أنّه يمكن أنّ ناقل عدم الزيادة لم يذكر الزيادة، فيأخذ بالزيادة لذكر الزيادة في نقله.

و أمّا في المورد فلا وجه لذلك، إذ كيف يمكن أن يكون فعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على التكفير دائما و لم ينقل من ينقل فعله و صلاته إلا أبي حميد، فمن عدم نقله نكشف عدم رؤيتهم فعله صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا وجه للأخذ بنقل الزيادة في المورد.

[الاقوى ان الروايات ليست في مقام بيان الحرمة]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه كما قلنا المشهور عند أصحابنا هو التحريم، و لكن نقل المحقّق في المعتبر عن أبي الصلاح الكراهة و استرضاه بعد ردّ الوجوه الّتي قيل

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 181

وجها للحرمة، و ذكر بأنّه بعد استحباب ارسال اليد نقول بكراهة التكفير، و لا تدلّ الروايات على أزيد من الكراهة هذا.

ثمّ اعلم أنّه بعد ما فهمت ما هو وضع التكفير عند العامة من أنّ جمهورهم جعلوه من سنن الصّلاة، فالحق هو عدم كون روايات الباب، و خصوصا ما علل فيها بكون ذلك من عمل المجوس غير الرواية الاولى، في مقام بيان الحرمة أو الكراهة، بل ليس إلا في مقام بيان عدم كون التكفير من سنن الصّلاة، بل هو من آداب المجوس.

و بعبارة اخرى تارة يقال بأنّ هذه الروايات الّتي علل فيها بكون التكفير ممّا يصنعه المجوس يكون في مقام النهي عن التكفير من باب كون ذلك تشبها بالمجوس، فيكون التحريم أو كراهة التكفير دائرا

مدار كون التشبه حراما أو مكروها.

و تارة يقال: بأنّ مفاد هذه الروايات ليس هذا بل النظر في هذه الأخبار يكون إلى ما تقوله العامة من كون ذلك من جملة الآداب و سنن الصّلاة، لا إلى كونه تشبها بالمجوس، بل في مقام بيان إفهام الناس، و من يسأل عن التكفير بأنّ ذلك ليس من سنن الصّلاة، بل هذا من آداب المجوس فعلى هذا ليست الروايات دالة على الكراهة كما زعم بعض، بل ليست إلّا في مقام بيان عدم كون هذا من سنن و آدابها، و بعد ما بينا من وضع التكفير عند العامة يظهر لك أنّ الاقوى في مفاد الروايات هذا:

أعنى كونها في مقام بيان عدم كون ذلك من آداب الصّلاة.

[في ذكر الوجهين لتحريم التكفير]
اشارة

ثمّ بعد ما عرفت ذلك، فيكون تحريم التكفير من باب أحد الوجهين:

الوجه الأوّل:
اشارة

الرواية الاولى، و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصّلاة و حكى اليمنى على اليسرى،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 182

فقال: ذلك التكفير لا يفعل). «1»

[في بيان محتملات الثلاثة في الوجه الاول]

بيانه أنّ محتملات الرواية امور:

الأوّل: أن يكون النهي النهي التكليفي عن التكفير في حال الصّلاة و غيره.

الثاني: أن يكون المراد من النهي النهي التكليفي في خصوص الصّلاة.

الثالث: أن يكون النهي النهي الوضعي، فقوله (لا يفعل) إرشاد إلى الفساد، و لا يبعد ظهور الرواية في الاحتمال الثالث لأنّ اختصاص السؤال بحال الصّلاة يدلّ على كون نظر السائل إلى فهم حكمه في هذا الحال، فجوابه عليه السّلام إرشاد إلى فساد الصّلاة به، و لا يبعد كون النظر إلى السؤال في ما راى من فعل العامة، لأنّهم يضعون يد اليمنى على اليسرى حال الصّلاة، أنّه هل يكون ذلك من آداب الصّلاة كما يزعمون أولا، بل يفسد الصّلاة، فقوله عليه السّلام (ذلك التكفير لا يفعل) ظاهر في أنّه من موانع الصّلاة، و يبطل به الصّلاة، فيكون النهي النهي الوضعي فعلى هذا تكون هذه الرواية دليلا على فساد الصّلاة بالتكفير.

إن قلت: بأنّ عدّ التكفير في بعض الروايات في عداد المكروهات، أو التعليل بكونه ممّا يصنع المجوس يدلّ على كون التكفير مكروها، فظهور هذه الروايات في الكراهة يوجب وهن ظهور رواية محمد بن مسلم في الحرمة.

نقول: إن كان الدليل هذه الروايات فقط كان الممكن أن يقال: بأنّ عدّه في عداد المكروهات، أو التعليل بكونه عمل المجوس موهنا للأخذ بظهور النهي فيها على الحرمة، و لكن هذا لا يوجب و هنا في الرواية الاولى الّتي ليس فيها هذا الوهن،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب

قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 183

و لهذا لا مانع من الأخذ بظهور هذه الرواية.

الوجه الثاني:

أنّه بعد ما قلنا من أنّ العامة جعلوا التكفير من سننها و آدابها، و كان إتيانهم في الصّلاة بعنوان كونه من سننها، و لا إشكال في كون ذلك تشريعا، و إذا كان تشريعا تبطل به الصّلاة، لأنّ من يكفّر في الصّلاة يجعل الصّلاة متخصصا بهذه الخصوصية، فيأتي بالصّلاة مع هذه الخصوصية، فيقرب بمجموع هذا العمل، و الحال أنّه ليس بمقرب، فمع هذا لا تصير الصّلاة مقرّبا، و هذا معنى بطلان الصّلاة به، فتأمّل جيدا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 184

الثاني من قواطع الصّلاة: الالتفات

اشارة

اعلم أنّ المعروف عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم هو كون الالتفات مبطلا إذا كان فاحشا و كان عن عمد، فإذا عنونوا الالتفات تعرضوا هكذا، و إذا تعرضوا الاستقبال قالوا: بوجوب استقبال الكعبة المكرّمة، و لو لم يستقبل فان كان خارجا عن اليمين و شمال القبلة تبطل الصّلاة، لفقد الشرط سواء كان عامدا أو ساهيا، و ان كان ما بين اليمين و الشمال فلا تبطل الصّلاة لو كان عن سهو.

إذا عرفت ذلك اعلم أنّ الالتفات ليس عبارة عن عدم الاستقبال، بل الالتفات يكون موضوعا آخر حيث إنّ الالتفات يحصل موضوعه بمجرد توجه الوجه نحو جهة فإذا توجه الشخص بوجهه إلى جانب يقال: التفت إلى هذا الجانب و لو لم يلتفت بسائر مقاديم بدنه، و أمّا في الاستقبال فهو يتحقّق باستقبال مقاديم البدن بتمامه نحو القبلة، لأنّ قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1» كناية عن وجوب تولية مقاديم البدن نحو القبلة لا خصوص الوجه، ففقد الشرط، أى:

______________________________

(1)- السورة البقرة، الآية 144.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 185

شرط الاستقبال، يتحقّق بخروج مقاديم البدن بجميعها عن القبلة لا بالتفات خصوص الوجه عن القبلة.

[الالتفات عن القبلة يصدق مع التوجه بخصوص الوجه]

فعلى هذا ليس الالتفات عبارة عن عدم الاستقبال، بل الاستقبال شرط من شرائط الصّلاة، و يتحقّق موضوعه باستقبال مقاديم البدن بجميعها، و فقد الشرط يتحقق بانحراف مقاديم البدن- الوجه و غيره- عن القبلة، و أمّا الالتفات الّذي يعدّونه من القواطع عبارة عن توجه الوجه إلى جهة غير جهة القبلة، فلا يعتبر في الالتفات الالتفات بجميع مقاديم البدن، بل يكفي الالتفات بالوجه، فقد ظهر لك ممّا مرّ كون الالتفات القاطع غير عدم الاستقبال، هذا كلّه في تنقيح موضوع الالتفات.

[في ذكر الروايات في الباب]
اشارة

و أمّا حكمه فنذكر أخبار الباب إن شاء اللّه حتّى يظهر حقيقة الحال، فنقول بعونه تعالى:

[الاولى و الثانية و الثالثة]

الرواية الاولى: و هي ما رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل هل يلتفت في صلاته؟ قال: لا، و لا ينقض أصابعه). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) (قال: قال: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصّلاة إذا كان الالتفات فاحشا، و إن كنت قد تشهدت فلا تعد). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة (أنّه سمع أبا جعفر عليه السّلام يقول: الالتفات يقطع الصّلاة إذا كان بكله). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 186

يحتمل أن يكون المراد من قوله (بكله) هو بكل الالتفات، و يحتمل أن يكون المراد منه بكل الوجه، أو بكل البدن، فعلى الأوّل يرجع الضمير إلى المذكور سابقا و هو الالتفات، فلا تنافي مع الرواية الدالّة على كون الالتفات قاطعا إذا كان فاحشا، و كذا على الاحتمال الثاني و كان الالتفات بكله أى بكل الوجه فأيضا الالتفات بكل الوجه يساوق الالتفات الفاحش، و أمّا إن كان الالتفات بكل البدن مرادا من قوله (بكله) فهو يساوق عدم الاستقبال (و الاحتمال الأوّل أقوى الاحتمالين، ثمّ بعده كون المراد من (كله) كل الوجه أولى من كل البدن).

[في ذكر الرواية الرابعة و الخامسة و السادسة]

الرواية الرابعة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يكون في صلاته، فيظن أنّ ثوبه قد انخرق، أو أصابه شي ء هل

يصلح له أن ينظر فيه، أو يمسه؟ قال: إن كان مقدم ثوبه، أو جانبيه فلا بأس و إن كان في مؤخره فلا يلتفت، فانّه لا يصلح). «1»

و المراد بكونه في مقدم ثوبه هو عدم البأس من باب عدم الالتفات بالوجه، و أمّا إذا كان في مؤخره فلا يجوز، لكونه موجبا لالتفات الوجه من القبلة.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عبد الملك (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الالتفات في الصّلاة أ يقطع الصّلاة؟ فقال: لا، و ما أحب أن يفعل). «2»

الرواية السادسة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن تكلمات أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصّلاة). «3»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 187

[في ذكر الرواية السابعة و الكلام في بقيّة الروايات]

الرواية السابعة: و هي ما رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته، و لكن لا يعود). «1»

إذا عرفت ذلك نقول: أما الرواية الرابعة الدالّة بظاهرها على كراهة الالتفات إن حملت على الالتفات الّذي لا يكون بالوجه، بل بالعين مثلا بحيث لا تنافي الأخبار المانعة فهو، و إلّا لا يمكن العمل بها، و أمّا بعض الروايات المتقدّمة فليس إلّا في مقام بيان أصل قاطعية الالتفات،

فهذه الطائفة غير منافية مع الرواية الاولى و الثانية، فتبقى الرواية الاولى و الثانية، و يكون مفاد الاولى قاطعية الالتفات إذا كان فاحشا، و مفاد الثانية إذا كان بكله.

و اعلم أنّ الالتفات بالوجه إلى الخلف لا يمكن إلّا بتوجيه الوجه بنحو يرى الشخص مقدارا من الخلف، لأنّ أزيد من ذلك بحيث يرى الشخص النقطة المقابلة للقدام لا يمكن أبدا، إلّا بتوجيه مقاديم البدن و إقباله إلى الخلف، و هذا غير الالتفات القاطع، بل أوّل مرتبة الالتفات يحصل بتوجيه الوجه نحو اليمين و الشمال، و الفاحش منه هو ما إذا وجّه وجهه بحيث يرى مقدارا من الخلف، فالالتفات الفاحش هو الالتفات بالوجه بنحو يرى الشخص مقدارا من خلفه، و بعد كون المراد من الرواية الثانية من قوله (بكله) هو كل الالتفات، أو الالتفات بكل الوجه، فهذه المرتبة من الالتفات يساوق الالتفات الفاحش، فيكون مفاد الرواية الاولى و الثانية واحدا، فلا تعارض بين الروايات، لأنّ مطلقها يحمل على المقيد، فيكون الالتفات الفاحش

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 188

- و بعبارة اخرى إذا كان بكله- قاطعا، فافهم.

و مما ذكرنا يظهر لك أنّه لا وجه للاستدلال ببعض ما ورد من أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، لأنّ موضوع هذه الطائفة من الأخبار هو الصورة الّتي لم يستقبل الشخص من أوّل الأمر القبلة و انحرف عنها، و كان انحرافه بما بين المشرق و المغرب لا من يكون مستقبلا للقبلة و يدري القبلة، و لكن التفت في أثناء الصّلاة من القبلة بوجهه، و هو محل كلامنا فعلا، فتدبّر.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 189

الثالث من قواطع الصّلاة

اشارة

قول المصلّي آمين في الصّلاة بعد

إتمام الفاتحة للامام و المأموم و المنفرد

[في ذكر قول العامّة و الخاصّة فى المورد]

اعلم أنّ العامة يقولون باستحباب قول (الآمين) و بينهم أيضا بعض اختلافات اخر في بعض فروعه، مثل الاجهار به و الاخفات به، و نقل في الباب رواية عن أبي هريرة و رواية اخرى عن وائل بن حجر.

و أمّا اصحابنا الامامية رحمهم اللّه فبين قائل بالكراهة، نقل ذلك عن ابن جنيد رحمه اللّه (و اشكل «1» في كون عبارته دالا على ذلك) و أبي صلاح رحمه اللّه (و لم يكن في كتابه الكافي تعرضا لذلك، و لكن الفاضل الآبي في كاشف الرموز ذكر أنّ المحقق رحمه اللّه نقل القول بالكراهة عن أبي الصلاح) من القدماء و عن المحقق في المعتبر و الاردبيلي رحمه اللّه و الكاشاني من المتأخرين، و بين قائل بالحرمة و هو مختار السيّد رحمه اللّه في

______________________________

(1)- المصباح الفقيه، ص 312.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 190

الانتصار «1» و الشيخ رحمه اللّه في الخلاف «2» و غيرهما.

[القائلين بالحرمة استدلّ ببعض الوجوه]

و القائلون بالحرمة بين قائل بالحرمة التكليفية، و لم يذكر هذا القول عن أحد إلا أنّه مختار صاحب المدارك «3» رحمه اللّه، و بين قائل بالحرمة التكليفية و الوضعية،

و استدل للحرمة ببعض الوجوه:
[الاوّل: الاخبار]
اشارة

أوّلها الأخبار.

منها ما رواها جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها، فقل أنت «الحمد للّه رب العالمين» و لا تقل: آمين). «4»

هذه الرواية في المأموم و تدلّ على النهي من آمين.

و منها ما رواها معاوية بن وهب (قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام أقول (آمين) إذا قال الامام: غير المغضوب عليهم و لا الضالين؟ قال: هم اليهود و النصارى و لم يجب في هذا). «5»

مورد السؤال المأموم، و لكن الامام عليه السّلام أعرض عن الجواب و قال: هم اليهود و النصارى، يعنى: المغضوب عليهم و الضالين، و لعلّ إعراضه عن الجواب كان من باب التقية، فالرواية تدلّ على عدم جوازه (و يمكن أن يكون المراد من كلام الامام عليه السّلام إنّ القائلين بكون (آمين) من سنن الصّلاة هم اليهود و النصارى كما

______________________________

(1)- الانتصار، ص 144.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 223.

(3)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 373.

(4)- الرواية 1 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

(5)- الرواية 2 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 191

احتمله الحاج آغا الهمداني «1» رحمه اللّه و ذكر بعض المؤيدات لذلك).

و منها و هي ما رواها محمد الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: لا). «2»

تدلّ على عدم الجواز للمنفرد.

و منها و هي فقرة من الرواية الواردة في كيفية الصّلاة عن أبي جعفر

عليه السّلام (قال:

و لا تقولّن إذا فرغت من قراءتك: آمين، فإنّ شئت قلت: الحمد للّه رب العالمين). «3»

و هي في المنفرد يكون النهي فيها مؤكدا لتأكيده بالنون الثقلية لأنّه قال عليه السّلام (و لا تقولنّ).

و منها و هي ما رواها ابن أبي عمير عن جميل (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله الناس في الصّلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب (آمين) قال: ما أحسنها و أخفض الصوت بها). «4»

[في ذكر الاحتمالان فى الرواية]
اشارة

و في هذه الرواية احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون (ما) في قوله عليه السّلام (ما أحسنها) ماء التعجب، و يكون أحسن بفتح الهمزة و السين و ضمّ النون، و يكون قوله (أخفض) صيغة الأمر، فيكون المراد استحسان هذا العمل و الأمر بخفض الصوت في قراءته يكون موافقا مع ما يقول بعض العامة بخفض الصوت فعلى هذا لا بدّ من حمل الرواية على التقية.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 312.

(2)- الرواية 3 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 192

الاحتمال الثاني

ما احتمله (الهمداني «1» رحمه اللّه) بأن يكون (ما) في قوله عليه السّلام (ما احسنها) ماء النافية، و احسنها بضم الهمزة و كسر السين و ضمّ النون، و يكون (أخفض) فعل الماضى، و نقل الراوي نحوة كلام الامام عليه السّلام، فيكون المراد أنّه لم يكن مستحسنا عندي، و إذا قال هذا أخفض صوته حين قال هذا الكلام، فتكون الرواية على هذا دليلا على عدم الجواز.

و لكن هذا خلاف الظاهر، لأنّ التعبير باحسنها متكلم الوحدة يكون متداولا في مقام أداء الالفاظ، فيقال: احسن القراءة، أو ما احسنها، و لا يستعمل في هذا المقام «2» و على كل حال يحتمل في هذه الرواية الاحتمالان المتقدمان.

ثمّ إذا عرفت ذلك نقول: إنّه يظهر من السيّد رحمه اللّه في الانتصار و من الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف و من العلّامة رحمه اللّه في المنتهي الاجماع على عدم الجواز، و القائلون بالكراهة هم ابن جنيد، و أبي الصلاح، و المحقق في أحد «3» كتبه، و الاردبيلي، و الكاشاني رحمهم اللّه مع الاشكال في كون مختار الأوّلين

منهم الكراهة على ما قدمنا.

و ما يكون وجه الكراهة إن كان الرواية الخامسة المتقدمة، فمضافا إلى ما قيل من الاحتمال الثاني في الرواية نقول: بأنّه إن كان الصادر من المعصوم عليه السّلام هو (ما احسنها) بأن يكون الماء للتعجب، و يكون المراد كون العمل مستحسنا عنده، و هو

______________________________

(1)- على ما نقل في مصباح الفقيه، ص 312.

(2)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّ كلامه عليه السّلام كان ما احسّنها بضمّ الهمزة، و فتح الحاء، و كسر السين مع التشديد، و ضم النون بمعنى: إنّى ما أكون محسّن هذا الأمر، و بالفارسية (تحسين نمى كنم اين كلام را و هنگام گفتن اين كلام آهسته مى فرمود). (المقرر)

(3)- المعتبر، ج 2، ص 186.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 193

الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدمين في الرواية، و لعله هو الاظهر فتدلّ الرواية على استحباب (آمين) لأنّه بعد صيرورة (آمين) مورد تحسين الامام عليه السّلام فيكون فعله أفضل من تركه و هذا معنى الاستحباب.

فعلى هذا نقول: لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و ساير الروايات الظاهرة في التحريم بحمل النهي فيها على الكراهة، لأنّه إن كان مفاد هذه الرواية مجرد الجواز يمكن أن يقال: بأنّه بعد عرض هذه الرواية الدالّة على الجواز على العرف، و عرض ساير الأخبار الدالّة على الحرمة على العرف يفهمون منهما الجواز مع الكراهة، و لكن بعد كون مفاد ساير الروايات عدم مطلوبية الفعل، بل يكون الفعل غير مطلوب إما بالمطلوبية الأكيدة أو غير أكيده فقدر المتيقّن منها عدم الفضل في فعله، و الحال أنّ الرواية الخامسة تدلّ على مطلوبية الفعل و استحسانه، فلا يمكن الجمع بين مطلوبية الفعل و بين مطلوبية الترك، فلا يرى جمع عرفي بين الطائفتين،

فيقع بينهما التعارض.

[لا بدّ من طرح الرواية الخامسة لكونها صدرت للتقيّة]

و حيث إنّه لا بد في هذا المقام من الأخذ بذى المزية فالترجيح مع الروايات المخالفة للرواية الخامسة، لكونها مخالفا مع العامة و لا بدّ من طرح هذه الرواية، فلا وجه للتمسك بها للكراهة، و الشاهد على كون سبب بيانه عليه السّلام هذا البيان في هذه الرواية التقية هو الرواية الثانية المتقدمة الّتي أعرض الامام عليه السّلام عن الجواب، و ليس إعراضه إلّا لأجل التقية، هذا كله مضافا إلى اشتهار عدم الجواز عند الأصحاب حتى ادعى «1» الاجماع بعضهم على ذلك كما مرّ ذكره.

[في ذكر امور]
اشارة

ثمّ إنّه ما يمكن أن يكون وجها للتحريم الوضعى، أعنى: بطلان الصّلاة (بامين) امور:

______________________________

(1)- السيّد في الانتصار، ص 44؛ أو الشّيخ في الخلاف، ج 1، ص 332.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 194

[الامر الاول و الثاني و الثالث]

الأمر الأوّل: أنّ الظاهر من الروايات الناهية عن التأمين في الصّلاة هو الارشاد إلى فساد الصّلاة به كما قلنا غير مرة من أنّ الأمر بالشي ء في شي ء، أو النهي عن شي ء في شي ء يكون أمره إرشادا إلى دخل هذا الشي ء في هذا الشي ء جزءا و شرطا، و نهيه على كون هذا الشي ء مفسدا لهذا الشي ء.

الأمر الثاني: أنّه بعد كون التزام العامة باتيان (آمين) بعد إتمام الفاتحة بعنوان كونه من سنن الصّلاة و آدابها، فكما قلنا في التكفير يكون إتيانه بهذا الداعى تشريعا و إدخال ما ليس من الدين في الدين، و بعد كونه تشريعا محرما يصير سببا لبطلان الصّلاة، لأنّه مع إتيان (آمين) بقصد كونه جزء مستحبا للصّلاة و من جملة سننها، فيأتي المصلّي بالصّلاة المقيدة بهذا القيد بعنوان التقرب، فيصير تشريعه سببا لبطلان أصل عمله أعنى: الصّلاة، لأنّ الصّلاة المقيدة به ليست بصلوة فلا تصح هذه الصّلاة، و هذا عين فسادها، فلأجل ذلك نقول: بكونه موجبا لفساد الصّلاة من باب سرايته بالعمل كما قلنا. «1»

الأمر الثالث: ما يستفاد من عبارة ابن جنيد رحمه اللّه و هو أنّه لا إشكال في كون

______________________________

(1)- أقول: صيرورة إتيانه موجبا لفساد الصّلاة لكون التشريع فيه تشريعا فيها محلّ تأمل، إذ بعد كون داعي المكلف باتيان هذا الفرد من الصّلاة هو امتثال الأمر بالطبيعة، و الطبيعة غير مقيدة بخصوصيات الفردية، فالمصلّي لا يقصد إلّا امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة، و لو فرض أنّه يأتى حين امتثال الطبيعة بما

ليس جزء، و يكون يشرع في إتيان شي ء في ضمن امتثال الطبيعة، فلا يضر ذلك بقصد القربة بها، و لا يقيد الامتثال بهذه الخصوصية، أى (آمين) فلا وجه لفساد إلّا أن يقال كما قال سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالي في جوابى: بأنّه و إن كان المكلف قاصدا للامتثال الأمر بالطبيعة، و لكن حيث إنّه يقيّد قصده بالصّلاة الّتي فيها (التأمين) يصير ذلك سببا لفساد الصّلاة، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 195

(آمين) بمعنى استجب، و بعد كونه بمعنى استجب، فيكون طلبا لاجابة شي ء من اللّه تعالى، فلا بدّ من أن يكون قبله دعاء مذكور، حتّى يكون ذلك دعاء لاجابة ما ذكر قبلا فعلى هذا نقول: بعد ما لا يكون المذكور قبل ذلك إلّا فاتحة الامام، أو فاتحة نفس الشخص، و من المفروض أنّه يأتي بالفاتحة بقصد القرآنية لا الدعاء، فليس دعاء مذكور قبله حتّى يكون ذلك دعاء لاجابته (فآمين) لا يكون دعاء مستقلا يكون بنفسه دعاء، بل يكون دعاء بالتبع، و على الفرض لم يكن قبله دعاء حتّى يكون بنفسه دعاء، بل يكون دعاء بالتبع، و على الفرض لم يكن قبله دعاء حتّى يكون (آمين) دعاء من المصلّي باجابته فعلى هذا يكون كلاما آدميا يوجب للبطلان.

إن قلت: إنّ هذا الدليل يتم لو لم يجز قصد الدعاء من (اهدنا الصراط المستقيم الخ) في طول قصد القرآنية منه، و أمّا مع جواز ذلك فيقصد القاري للفاتحة الدعاء أيضا، ثمّ يقول نفس القارى إن كان مأموما يجوز أن يقرأ خلف الإمام، أو يكون منفردا (آمين) أو إذا قرء الإمام الفاتحة و قصد بها الدعاء أيضا يقول المأموم (آمين) فيصير دعاء.

نقول: بأنّه في صورة عدم قصد

الدعاء من الفاتحة طولا لا يكون (آمين) دعاء فيكون كلام آدمي، فيصير موجبا لبطلان الصّلاة (نعم في صورة قصد الدعاء لم يتم هذا الدليل، فافهم).

الأمر الرابع:
اشارة

أن يقال: بأنّه يظهر من بعض النحاة كون أسماء الأفعال مثل آمين، و صه، و حيهل و غيرها موضوعا للألفاظ مثلا (آمين) موضوع للفظ (استجب)، لا بمعنى استجب، فإذا قال الشخص (آمين) ينتقل و يفهم المستمع منه لفظ (استجب) ثمّ من لفظ استجب ينتقل إلى معناه، أعنى: إلى معنى استجب، فإذا كان كذلك، فيقال: إنّ (آمين) ليس بمعنى استجب حتّى يكون دعاء و يكون إتيانه في الصّلاة جائزا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 196

و لكن هذا الوجه ليس بتمام لأنّه كما قال الرضي رحمه اللّه ليس هذا كلاما تماما، بل لا معنى معقول له، لأنّه من الواضح كون اسم الفعل موضوعا لمعنى ما سمّى من الأفعال، فآمين موضوع لمعنى استجب لا لفظه، فهذا الوجه غير وجيه.

و أمّا ما اختاره صاحب المدارك «1» رحمه اللّه من الالتزام بالحرمة التكليفية في آمين فما يمكن جعله وجها لهذا ليس إلّا دعوى ظهور النواهي الواردة في الروايات في الحرمة التكليفية.

و لكن هذا دعوى بلا دليل، لأنّ ما يستظهره العرف في هذه، النواهي ليس إلّا الحرمة الوضعية كما قلنا غير مرة من أنّ أمثال هذه النواهي إرشاد إلى كون إيجاد المنهي عنه موجبا لمنقصة في المأمور به لا يمكن أن يصير المأمور به منطبق عنوان الأمر.

و بعبارة اخرى نقول: بعد كون مفاد ما روي في طرق العامة، على فرض صدقه، هو أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا صلّى و قرء فاتحة الكتاب و فرغ من قراءتها يقول (آمين) و من معلوم أنّه

صلى اللّه عليه و آله و سلم، على فرض صدق الرواية، أتى به في الصّلاة مثل ساير الأقوال و الأفعال الّتي أوقعها في الصّلاة، و كونه جزء من أجزائها الواجبة أو المستحبة، كما يستفاد جزئية شي ء أو شرطيته الواجبة و المستحبة للصّلاة من كيفية صلاته صلى اللّه عليه و آله و سلم، فهو إن أتى به أتى بعنوان كونه جزء من أجزاء الصّلاة كما هو المغروس و المعروف في أذهان العامة و أن (آمين) من سنن الصّلاة.

فإذا كان وضع (آمين) خارجا هكذا عند العامة من المسلمين، فأئمتنا أهل البيت صلوات اللّه و سلامه عليهم بعد ما رأوا فساد ما ادعى العامة و عدم كون

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 373.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 197

(آمين) من سنن الصّلاة عند اللّه و عند النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم صاروا في مقام دفع هذه البدعة، و بيان بطلان عمل العامة، فأخبارهم عليهم السّلام، في هذا الباب يكون ناظرا إلى ما هو وضع (آمين) خارجا.

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة فى الرواية]

فعلى هذا نقول: بأنّه يحتمل في الرواية احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: أن يكون النظر في النهي عن (آمين) إلى مجرد نفي الاستحباب الّذي تخليه العامة، فمعنى قوله عليه السّلام مثلا (لا تقل: آمين) يعنى ليس آمين مستحبا كما قالته العامة.

الاحتمال الثاني: أن يكون مفادها النهي، لا مجرد بيان عدم الاستحباب، و لكن يكون النهي النهي التنزيهي، و مجرد كراهة ذلك في الصّلاة.

الاحتمال الثالث: أن يكون مفاده النهي و لكن لا النهي التنزيهي، بل إمّا النهي التحريمي و بيان كون (آمين) محرّما نفسيا بمعنى: أنّه إذا قيل في الصّلاة فعل قائله فعلا محرما بدون ربط بصلاته، و إمّا النهي الوضعى و

بيان كون إتيانه موجبا لفساد الصّلاة.

أمّا الاحتمال الأوّل و الثاني فلم يقل به صاحب المدارك رحمه اللّه و يكون خلاف ظاهر الأخبار، فيبقى الاحتمال الثالث، فنقول: إنّ الظاهر في الاحتمال الثالث هو الاحتمال الثاني: أعنى: كون النهي وضعيا لما قلنا من المقدمة المذكورة، و هي أنّ وضع (آمين) عند العامة و ما نقلوا في طرقهم يناسب كون النهي عنه النهي الوضعي، لأنّهم يأتون به و ينسبون استحبابه إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بعنوان كونه من سنن الصّلاة، فالنهي عنه هو النهي الارشادي إلى كونه موجبا لفساد الصّلاة، فلا وجه لقول صاحب المدارك رحمه اللّه.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 198

[في ذكر فرع فى المورد]

فرع بعد عدم جواز (آمين) بعد الفاتحة، فهل يجوز إتيانه في غير هذا المحل في أثناء الصّلاة بعد ذكر دعاء صادر من نفسه، أو غيره، فإذا قال مثلا في القنوت أو الركوع أو غيرهما «اللّهم اغفر لنا» أو قاله شخص آخر يقول: آمين، أو لا يجوز ذلك، كما لا يجوز بعد الفاتحة؟

اعلم أنّ الدليل الأوّل، و هو الأخبار المذكورة المربوطة بالباب، لا يشمل هذا المورد لأنّها متعرضة لاتيانه حين قراءة الفاتحة، و كذا الدليل الثاني، أعنى: كونه حراما من باب التشريع و يفسد الصّلاة، لأنّه بعد كونه دعاء بالتبع، و يجوز الدعاء في كلّ حال من أحوال الصّلاة، فلا مانع من إتيانه. «1»

و أمّا الدليل الثالث و هو كونه مفسدا من باب كونه كلاما آدميا، فلا يجري هذا الدليل في مورد هذا الفرع، لأنّه بعد سبقه بالدعاء يصير دعاء بالتبع، و يجوز الدعاء في كل حال من أحوال الصّلاة للدليل على ذلك، فلا وجه لفساد الصّلاة به في مورد الفرع، نعم الاحتياط

بتركه مستحسن لأهمية الصّلاة و احتمال عدم جوازه، فتأمّل و تدبر جيّدا.

______________________________

(1)- أقول: إن كان (آمين) مفسدا للصّلاة لو أتى به بعد الفاتحة إذا اتى به بقصد كونه من مستحبات الصّلاة و آدابها، ففي كل مورد يأتى به بهذا القصد، أى: بقصد الورود، فيكون تشريعا و لا اختصاص بعد الفاتحة، و أمّا لو كان (آمين) مفسدا لو اتى به بعد الفاتحة مطلقا و لو لم يكن بقصد الورود، و بعبارة اخرى يكون محرّما بالحرمة الذاتية لا التشريعية من باب الدليل على ذلك، فلا وجه لكونه محرّما بالحرمة الوضعية في غير هذا الحال من الصّلاة، فتأمّل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 199

الرابع من قواطع الصّلاة القهقهة

[في ذكر الاخبار المربوطة بالباب]

فنذكر أوّلا روايات الباب، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: ما رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: القهقهة لا تنقض الوضوء، و تنقض الصّلاة). «1»

الرواية الثانية: ما رواها سماعة (قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟

قال: أمّا التبسم فلا يقطع الصّلاة، و أمّا القهقهة فهي تقطع الصّلاة). «2»

و هذه الرواية و إن كانت مضمرة إلّا أنّ الاضمار في ما روى سماعة لا يضر، لأنّ له كتابا روى في أوّله عن الصادق عليه السّلام، ثمّ قال بعده (و سألته و سألته) و هذه الرواية يحتمل كونها دالة على كون الضحك منقسما بقسمين فقط و هو القهقهة و التبسم، لأنّه بعد كون سؤال السائل عن حكم الضحك، فمقتضى الحكمة بيان أقسامه من حيث القاطعية و عدمها، و بعد ذكره عليه السّلام هذين القسمين يكشف عدم كون

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 200

قسم ثالث

له.

و يحتمل أن لا يكون مفادها حصر الضحك بالقسمين بأن يقال: يمكن أن يكون الامام عليه السّلام في مقام بيان أقسام المتعارف من الضحك، و هو ليس إلّا القسمين، فهذا لا يدلّ على الحصر بهما، إذ يحتمل أنّه عليه السّلام لم يبين قسما آخر من باب عدم كونه متعارفا.

الرواية الثالثة: ما رواها ابن أبي عمير عن رهط (سمعوه يقول: إنّ التبسم في الصّلاة و لا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة). «1»

هذه الرواية مرسلة بابهام الواسطة بين ابن أبي عمير و من سمع الرهط منه، و مضمرة لعدم ذكر من سمع منه الرهط، و قوله (إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة) يحتمل كونه دالّا على كون القهقهة قاطعا للصّلاة و الوضوء كليهما بقرينة قوله عليه السّلام في الصدر (بأنّ التبسم لا يقطع الوضوء و الصّلاة) و يحتمل أن يكون مفاده قاطعيته لخصوص الصّلاة لا الوضوء، و لم يتعرض عليه السّلام لعدم مبطليتها للوضوء أصلا.

الرواية الرابعة: ما رواها في الخصال قريب من هذه المضامين.

إذا عرفت ذلك نقول: يستفاد من روايات الباب كون القهقهة قاطعا و عدم كون التبسم قاطعا.

و اعلم أنّ أهل اللغة و إن ذكروا للقهقهة بعض المعانى مثل أن القهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت مع الترجيع، أو المشتمل على الصوت، أو الضحك

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 7 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 201

المقابل للتبسم.

[لا يبعد كون القهقهة من الفاظ الاصوات]

و لكن لا يبعد كون القهقهة من ألفاظ الأصوات، أعنى: الأسماء المولدة من الصوت، بمعنى: أنّه بعد ما يكون قسما من الضحك مشتملا على الصوت، و هذا الصوت يكون قه قه، فقيل باعتبار اشتما لهذا القسم من الضحك على قه قه: إنّ

هذا الفرد من الضحك يكون قهقهة، فقهقهة وضعت لقسم من الضحك باعتبار اشتما لهذا القسم على قه قه، فلأجل هذا تكون قهقهة من الاسماء الأصوات فالضحك المشتمل على قه قه يكون قاطعا، و أمّا التبسم فلا يبعد كونه الضحك الّذي يبدّل هيئة الوجه عنده، و غير مشتمل على الصوت.

[في ذكر بعض الفروع فى المورد]
اشارة

ثمّ بعد ما عرفت ذلك يقع الكلام في فروع:

الفرع الأوّل:
اشارة

المستفاد من الأخبار كون القهقهة من الضحك قاطعا، فهل يكون للضحك قسم ثالث غير داخل في القهقهة و التبسم موضوعا، أو لا؟ و على تقدير وجود قسم ثالث له، فهل يكون أخبار الباب متعرضة لحكم هذا القسم الثالث، أم لم تكن متعرضة له؟

[في ذكر الاحتمالات فى معنى الضحك]

اعلم أنّه إن كان القهقهة هي الضحك المشتمل على قه قه، أو الضحك المشتمل على صوت مع الترجيع، و كان معنى التبسم هو الضحك الغير المشتمل على الصوت و لا يحصل عنده إلّا تغيير هيئة الوجه فللضحك يكون قسما ثالثا، و هو الضحك المشتمل على مجرد الصوت بلا إجهار فيه، أو مع إجهار فيه، لأنّ الضحك المشتمل على مجرد الصوت مع الإجهار و كذا بلا اجهار لا يكون من القهقهة، و لا من التبسم.

و أمّا إن كانت القهقهة هي الضحك المشتمل على مجرد الصوت و إن لم يكن فيها القهقهة، فالضحك المشتمل على الصوت مع القهقهة، و المشتمل على الصوت مع

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 202

الإجهار بدون اشتماله على القهقهة، و المشتمل على الصوت بلا إجهار داخل في القهقهة، و يكون كل هذه الاقسام الثلاثة قاطعا.

و أمّا إن كان موضوع القهقهة و مفهومها مجملا و كذا التبسم، فلا يعلم بأنّ الضحك المشتمل على الصوت بلا إجهار، و كذا مع الاجهار بدون اشتماله على القهقهة داخل في القهقهة، أو في التبسم، فلا يعلم حكم هذين القسمين من الأخبار بناء على عدم تعرض الأخبار إلّا للقهقهة و للتبسم، و كذا بناء على كون موضوع القهقهة خصوص صوت المشتمل على القهقهة، و كون التبسم هو الضحك بلا صوت بناء على عدم كون الأخبار متعرضا إلّا لخصوص القهقهة و التبسم من الضحك، و أمّا بناء

على كون الأخبار متعرضة لحكم جميع أقسام الضحك من حيث القاطعية و عدمها إمّا بأن يكون مفادها كون الضحك منحصرا موضوعا بالقهقهة، و أمّا بأن يكون مفادها كون الحكم في قاطعية الضحك بأقسامه و عدم قاطعيته بين القسمين فإمّا يكون قاطعا، و إما لا يكون قاطعا، فكل قسم غير القهقهة و التبسم داخل حكما في أحد القسمين، فهل يقال: كون القسم المشتمل على مجرد الصوت باجهار، أو مع عدم الاجهار داخلا موضوعا أو حكما في القهقهة، أو في التبسم.

إذا عرفت الاحتمالات نقول: إمّا بناء على كون مفهوم القهقهة و التبسم بيّنا، بأن تكون القهقهة خصوص الضحك المشتمل على صوت قه قه مثلا، أو خصوص الضحك المشتمل على ترجيع الصوت، أو الصوت مع الشدة، و يكون التبسم عبارة عن الضحك الغير المشتمل على الصوت، فيكون للضحك قسما ثالثا أو رابعا، و هو الضحك المشتمل على مجرد الصوت مع الاجهار، و الضحك المشتمل على مجرد الصوت بلا إجهار.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 203

فعلى هذا إن قلنا: بعدم كون الأخبار في مقام التعرض للقسم الثالث و الرابع فيقع الشّك في كون هذين القسمين قاطعين للصّلاة كالقهقهة أو غير قاطعين لها كالتبسم، فيكون الشّك في قاطعية شي ء أو مانعيته للمأمور به و عدمها، و إذا كان الشك من صغريات الشّك في قاطعية شي ء أو مانعيته للمركب و عدمها فيكون مجرى البراءة لأنّ الشّك يرجع إلى دخل عدم شي ء في المأمور به فيكون حكمه حكم بين الأقل و الأكثر، فنحكم بعدم قاطعية. «1»

و أمّا بناء على تعرض الأخبار لكل صور الضحك إمّا من باب كون كل فردين من أفراد الضحك اما داخلين في القهقهة أو التبسم موضوعا، و إمّا من

باب كون كل فردين داخلا في أحدهما حكما، فيكون كل قسم محكوما إمّا بحكم القهقهة أو التبسم، فلا بدّ في هذا المقام من التعرض لهذه الجهة، أعنى: لبيان أخبار الباب لكون أفراد الضحك غير القهقهة و التبسم داخلا في أحد من القسمين موضوعا أو حكما أم لا.

فنقول: قد يقال بدلالة الرواية 2 من الروايات المذكورة على عدم كون غير التبسم من أفراد الضحك يكون قاطعا كالقهقهة بعد كون مفهوم التبسم بيّنا لأنّ هذه الرواية تدلّ على كون السؤال عن حكم الضحك من حيث القاطعية و عدمها، فالظاهر من الرواية كون الامام بصدد جواب السائل و إن اكتفي عليه السّلام في الجواب ببيان حكم

______________________________

(1)- أقول: هذا كله في صورة كون مفهوم القهقهة و التبسم بيّنا و أمّا على تقدير كون مفهومها مجملا بالاجمال المفهومى، و عدم تعرض الأخبار إلا لهما، فأيضا يكون مقتضى الأصل البراءة لأنّه بعد كون العام مجملا مفهوما فيكون حجة في خصوص المتيقن، و أمّا في الزائد فنشك في كونه داخلا تحت العام أم لا، فينتهي الأمر إلى الأصل العملى و هو البراءة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 204

خصوص القهقهة و التبسم، فما أجاب عن تمام سؤال السائل و الحال أنّ الظاهر كونه عليه السّلام في مقام الجواب مستوعبا لكل أفراد الضحك، لأنّ السائل سئل عن حكم أفراد الضحك، فإذا كان ظاهر الرواية هو كونه عليه السّلام في مقام بيان حكم كل أفراد الضحك و قال ما حاصله يرجع إلى أن التبسم ليس بقاطع و القهقهة قاطع، و كما قلنا يكون موضوع التبسم بيّنا لأنّه عبارة عن الضحك الّذي لا صوت فيه، بل ليس إلّا الضحك المشتمل على تغيير هيئة الوجه به،

فتدلّ الرواية على أنّ غير التبسم يكون قاطعا إمّا من باب كون كل الأقسام موضوعا داخلا في القهقهة، أو حكما. «1»

______________________________

(1)- أقول: هذا الوجه قلت أنا بحضرته مدّ ظلّه العالي في مجلس البحث، و لكن لم يصر مرضيا عنده، و لعل وجهه هو أنّه أمّا أوّلا فيمكن أن يكون سؤال السائل عن الضحك المتعارف، لا كل فرد من أفرد الضحك و لو لم يكن متعارفا و من أفراده النادرة، و لهذا أجاب عليه السّلام عن حكم الفردين المتعارفين، و امّا ثانيا فإنّه و إن كان سؤال السائل عن مطلق الضحك لكن حيث يكون غير القهقهة و التبسم من أفراده النادرة لم يجب الامام عليه السّلام عنه، و أمّا ثالثا بأنّه و إن كان متن الرواية أنّ التبسم لا يقطع الصّلاة و أمّا غيره يقطع الصّلاة كان الأمر كما توهم، و لكن ليس كذلك، بل قال أمّا التبسم فلا يقطع الصّلاة، و القهقهة تقطع الصّلاة و لا يناسب كون كل الاقسام غير التبسم داخلا في القهقهة حكما أن يعبّر هكذا، و أمّا كون القسمين الثالث و الرابع داخلا فيها فغير معلوم.

و قد يقال: بدلالة الرواية 3 من الروايات المذكورة على كون غير القهقهة من أفراد الضحك غير قاطع للصّلاة، لأنّه عليه السّلام قال فيها (إنّ التبسم في الصّلاة لا ينقض الصّلاة و لا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة) بدعوى أنّ كلمة (إنّما) يفيد الحصر، فيستفاد من الرواية أنّ الضحك القاطع منحصر بها، فمفهومه يدلّ على عدم كون غيرها من أقسام الضحك قاطعا، و كأنّه استرضى هذا الوجه مولانا الاعظم و سيدنا الاستاد مدّ ظلّه العالي. لكن أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالي،

يستفاد من هذه الرواية عدم قاطعية القسم الثالث و الرابع من الضحك إن كان

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 205

[في ذكر الفرع الثاني و الثالث و الرابع]

الفرع الثاني: لو حصل للمصلّي مقدمات الضحك و كفّ نفسه عن ظهوره و لكن صار بحيث احمرّ وجه الشخص، و يكون بحيث يقال: حصل له سبب الضحك و لكن منع عن ظهوره، فهل يكون هذا القسم من الضحك قاطعا أو لا؟

مقتضى الأدلّة عدم كونه قاطعا لأنّ الضحك عبارة عن حالة خارجية يحصل للانسان، فما لم تحصل هذه الحالة و لم يبرز و لم يظهر فلا يقال: ضحك الشخص، بل يقال: لم يضحك و إن حصل له مقدمات الضحك و كف نفسه عن إظهاره.

الفرع الثالث: لو ضحك المصلّي ناسيا فهل تبطل صلاته مع النسيان أم لا؟

الحق عدم البطلان.

الفرع الرابع: لو ضحك المصلّي لا باختيار، بل ضحك عن اضطرار فهل تبطل صلاته بالقهقهة الاضطرارية أم لا؟

قد يقال: بعدم كون الضحك الاضطراري مفسدا للصّلاة، لأنّ الظاهر إسناد الفعل إلى الفاعل المختار، فإذا قيل: من ضحك مثلا تفسد صلاته، فالظاهر منه كون صدور الضحك بالاختيار موجبا لفساد الصّلاة.

______________________________

مفهوم القهقهة بيّنا، فيقال: إنّ مفهومها هو الضحك مع الصوت المشتمل على قه قه، أو غير ذلك من معانيه، فالضحك المشتمل على الصوت مع الجهر، أو مجرد الصوت لا يكون قاطعا، لأنّ القاطع منحصر بالقهقهة، و أمّا مع عدم تبين موضوع القهقهة فنشك في كون القسمين أو أحدهما داخلا فيها أو لا، فلا يمكن استفادة حكمهما من هذه الرواية.

نعم بعد كون مفهوم القهقهة مجملا فقدر المتيقن هو غير القسم الثالث و الرابع، ففيهما نقول:

بعدم كونهما قاطعين للبراءة، و على كل حال يكون حكم القسم الثالث و الرابع عدم القاطعية، و لكن الاحتياط خصوصا

في الضحك المشتمل على الصوت مع الاجهار يكون مطلوبا و ممّا ينبغي فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 206

و لكن هذا الكلام غير تمام في المسألة لأنّ الضحك من الموضوعات يصدر غالبا من الضاحك بلا اختيار، و يصدر عن اضطرار، و يكون فرده الاختياري من أفراده النادرة، فالمتيقن من الأخبار هو هذا القسم من الضحك أعنى: ما يحصل بغير اختيار، فلا وجه لانحصار البطلان بما إذا حصل الضحك المفسد عن اختيار، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 207

الخامس من قواطع الصّلاة البكاء

[في ذكر الروايات فى الباب]

اعلم أنّ في بعض الأخبار تعرض لحسن البكاء، و مدحه في الصّلاة، و الترغيب إليه، و هو البكاء الّذي يكون من خشية اللّه تعالى مسلّما، مثل الرواية 1 من الباب 5 من أبواب قواطع الصّلاة، و 3 من الباب المذكور.

و أمّا ما يكون دالا على كون بعض أقسام البكاء من قواطع الصّلاة فليس إلّا رواية واحدة، و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن النعمان بن عبد السّلام عن أبي حنيفة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البكاء في الصّلاة أ يقطع الصّلاة؟ فقال: إن بكى لذكر جنة، أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصّلاة، و إن كان ميّتا له فصلاته فاسدة). «1»

(و أمّا الرواية 2 من الباب المذكور، و هي مرسلة الصّدوق رحمه اللّه فلا يبعد كونها هذه الرواية، لا رواية اخرى).

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 5 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 208

و على كل حال يكون سند هذه الرواية، أى: ما رواها الشّيخ رحمه اللّه، ضعيف في حد ذاته

لأنّ سليمان بن داود البصري من العامة معاصرا مع أحمد بن حنبل و غيره، و كان من المتعينين عندهم و إن طعن عليه العامة في كلماتهم، لكن يكون منشأ الطعن عليه هو نقله رواية رؤيا النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بأنّ القردة و الخنازير يصعدون على منبره، و سليمان ذهب إلى اصفهان، و كذلك النعمان من العامة، و ينتهي السند بأبي حنيفة و حاله معلوم، فسند الرواية في حدّ ذاته ضعيف، و لكن العمدة انجبار ضعفه بعمل المشهور من فقهائنا رضوان اللّه عليهم بالرواية، هذا كله من حيث السند.

و أمّا دلالتها فيقع الكلام في جهات، و قبل التعرض لهذه الجهات نقول: بأنّه لا يرى كون البكاء بنفسه من القواطع عند العامة، نعم ما يرى في كلماتهم هو كونه قاطعا من باب صيرورته مصداق قاطع آخر، فانّهم يقولون: إذا بكى و كان فيه الصوت فيتولد منه الكلام و هو يكون قاطعا، و فيهم الخلاف في بعض خصوصياته، و لكن لا يرى أنّ أحدا منهم يكون ملتزما بكون البكاء في حدّ ذاته قاطعا من القواطع.

[في ذكر بعض الجهات فى المورد]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول:

الجهة الاولى:

يقع الكلام في أنّه بعد كون المذكور في الرواية المتقدمة تكون منشأ للحكم بكون البكاء قاطعا، هو أنّ البكاء (إن كان لذكر جنته أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصّلاة، و إن كان ذكر ميّتا له فصلاته فاسدة) فهل يكون لخصوص ما ذكر موضوعية بحيث لا يمكن أن يقال: بجواز البكاء إلا لخصوص ذكر الجنة و النار، و لا يفسد الصّلاة إلّا إذا كان لخصوص ذكر ميت له، أو يكون ذكر الجنة و النار، و كذا ذكر ميت من باب المثال، و إلّا فالغرض من صورة الجواز هو الصورة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 209

التي يكون البكاء لأمر اخروى و للّه تعالى كالخوف من جنابه تعالى، أو الخوف من عذابه و غير ذلك، و الغرض من صورة عدم الجواز ما يكون البكاء لأمر من امور الدنيا كالبكاء لميت له، أو لمرض محبوب له، أو لفقد مال منه و غير ذلك.

لا إشكال في عدم اختصاص الجواز و الفضل بخصوص ما إذا كان لذكر جنّة أو نار، و عدم اختصاص المنع بما إذا كان لذكر ميت له، بل البكاء لكل أمر يكون لأمر اخروي و للّه تعالى جائز كما يدلّ عليه غيره بعض الأخبار المذكور في هذا الباب، و كذلك لا خصوصية لذكر ميت له في فساد الصّلاة، بل كل أمر دنيوى مثله، فذكر الجنة و النار في الشرطية الاولى، و ذكر ميت له في الشرطية الثانية يكون من باب المثال.

[في ذكر الجهة الثانية و الثالثة و الرابعة]
اشارة

الجهة الثانية: هل يكون البكاء على أبي عبد اللّه عليه السّلام ممّا يجوز في الصّلاة أولا يكون جائزا.

لا إشكال في أنّ النظر بحسب الفقاهة يكون هو جوازه إذا كان لأجل اللّه تعالى كما هو المتعارف

في البكاء عليه عليه السّلام، فالبكاء عليه يكون من جملة البكاء لأمر اخروي و له تعالى لا للأمر الدنيوي و كذكر ميت له، نعم ينبغي الاحتياط في تركه في الصّلاة لمن يراعي حفظ المحتملات في الصّلاة.

الجهة الثالثة: هل يختص الحكم بصورة حصول البكاء اختيارا، أو يعم صورة طروه اضطرارا؟

الحق الشمول لكليهما كما قلنا في القهقهة، و يأتي حكم نسيانه بعد ذلك إنشاء اللّه.

الجهة الرابعة: هل تبطل الصّلاة بالبكاء الّذي يكون مشتملا على الصوت

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 210

أى مع الصوت، أو لا يختص بذلك، بل يعم الحكم للبكاء مع الصوت و بلا صوت؟

[في ان هل البكاء المبطل هو البكاء مع الصوت]

قد يقال: كما ترى في كلمات بعضهم، كون المبطل و القاطع هو خصوص البكاء مع الصوت، و أمّا إن لم يكن مع الصوت فليس بقاطع للصّلاة بدعوى أنّ البكاء مع المدّ كما قال الجوهري و بعض آخر من أهل اللغة: هو البكاء مع الصوت، و البكاء بالقصر بدون المدّ هو البكاء بلا صوت، و المذكور في الرواية هو البكاء مع المدّ في سؤال السائل، فيختص حكم الفساد في صورة كون البكاء لأمر دنيوي بخصوص ما كان الصوت في البكاء، و أمّا بدون الصوت فليست الرواية متعرضة لحكمه، فنشك في أنّه مفسد للصّلاة أم لا، فنقول بمقتضى البراءة: بعدم قاطعيته.

و لكن لا بدّ من التأمل في أنّه هل الأمر هكذا، أعنى: يكون البكاء ممدودا موضوعا للبكاء مع الصوت، و مقصورا موضوعا للبكا بلا صوت، أو ليس كذلك، لأنّ مادة البكاء و البكى و هي «ب، ك، ى» ليس مشتركا، و المصدر لا يدلّ إلا على قيام المبدأ بفاعل ما، فمن أين جاء هاتين الخصوصيتين أعنى: خصوصية كونه بلا صوت أو مع الصوت

كما قال بعض الأعاظم.

و اعلم أنّه إذا تأمل في الباب فما يأتي بالنظر هو كون ما هو الأصل في هذه المشتقات الحاصلة من «ب، ك، ى» موضوعا لنفس معنى البكاء أى بالفارسية (گريه) بدون كون الاشتمال على الصوت، أو عدم اشتماله على الصوت داخلا في الموضوع له، غاية الأمر بعد كون اللفظ موضوعا لطبيعة البكاء أعنى (گريه) فإذا بكى الشخص و حين إجراء الدمع من عينه كان صوت معه يقال: إنّه بكى، و إن لم يكن صوت معه يقال أيضا إنّه بكى، و البكى و البكاء مصدران، و لم يكونا موضوعين إلّا لمعنى الحدثي بلا خصوصية الاشتمال على الصوت في البكاء، و عدم

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 211

الاشتمال على الصوت في البكى في الموضوع له البكاء أو البكى.

و فيما قلنا: من عدم معلومية كون اللفظ موضوعا لهما بوضع على حدة، لا فرق بين أن يقال: بكون المصدر أصلا، و ساير المشتقات اشتق من مادة «ب، ك، ى» و بين أن يقال: إنّ المصدر مشتق من بكى، و بين أن يقال: بأنّ كلا من المصدر و فعل الماضى و ساير المشتقات أشتق من مادة «ب، ك، ى»

لانا نقول: ما هو الأصل في الاشتقاقات صار موضوعا لمعنى غير مقيدة بالاشتمال على الصوت، و لا المقيدة بعدم الاشتمال على الصوت، و دعوى كون لفظ «ب، ك، ى» مشتركا بالاشتراك اللفظي للفظ البكى و البكاء، بأن يقال: إنّه وضع بكى تارة فعلا للفظ البكاء الموضوع للبكاء مع الصوت، و تارة للفظ البكى الموضوع للبكا بلا صوت، بعيد في الغاية.

[في لفظ (ب- ك- ى)]
اشارة

إن قلت: فما تقول في قول الجوهري و بعض أهل اللغة: من كون البكاء موضوعا للمشتمل على الصوت،

و البكى لغير المشتمل على الصوت.

نقول: بأنّه كما قلنا ما هو الأصل في هذه الاشتقاقات سواء كان المصدر، أو كان بكى، أو كان «ب، ك، ى» كما قلنا لم يعلم كونه موضوعا إلّا لمعنى متبادر منه، و هو ما يقال بها بالفارسية (گريه) و بعبارة اخرى خروج الدمع من العين بدون كون خصوصية اشتماله على الصوت و عدمه داخلا في الموضوع له، أو المستعمل فيه.

و ما قيل: من كون البكاء بالمدّ موضوعا للمشتمل على الصوت من البكاء ليس من باب دخل ذلك في الموضوع له البكاء، بل هو صار منشأ لاطلاق هذا اللفظ، لا أن جعل حين الوضع داخلا في الموضوع له و المستعمل فيه.

و الشاهد على ذلك الكلام الّذي نقل في لسان العرب عن الخليل في هذا الباب

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 212

[في نقل كلام في لسان العرب]

(قال في لسان العرب: و قد بكى يبكي بكاء و بكى، قال الخليل: من قصّره ذهب به إلى معنى الحزن، و من مدّه ذهب به إلى معنى الصوت، فلم يبالي، الخليل اختلاف الحركة الّتي بين باء البكاء و بين حاء الحزن، لأنّ ذلك الخطر يسير.

قال ابن سيده: و هذا هو الّذي جرّأ سيبويه على أن قال: و قالوا النظر كما قالوا الحسن غير أنّ هذا مسكّن الأوسط، إلّا أنّ سيبويه زاد على الخليل لأنّ الخليل مثّل حركة بحركة و ان اختلفتا، و سيبويه مثّل ساكن الأوسط بمتحرك الأوسط الخ.

و المتأمّل في كلام الخليل يرى أنّ نظره ليس بيان كون البكاء على قسمين:

قسم منه بالمدّ و هو موضوع للصوت، و قسم منه بلا مدّ و هو موضوع لنفس البكا بلا صوت، بل نظره إلى أنّ منشأ إطلاق البكاء ليس إلّا كون

المصدر الّذي بوزن الفعال هو ما فيه الصوت، و هذا منشأ الاطلاق لا كون الاشتمال على الصوت داخلا في الموضوع له، أو المستعمل فيه.

و بعبارة اخرى يكون المصدر بوزن فعل متحرك الوسط غالبا موضوع للحالات القلبية الّتي تحصل حين المكاره كالحزن، و بكى لو كان بضم الباء بوزن الفعل أيضا كذلك، و لهذا قال في لسان العرب (فلم يبالي الخليل اختلاف الحركة بين باء البكاء و بين حاء الحزن) من كون باء البكاء مضموما و حاء الحزن مفتوحا، و أمّا المصادر الّتي تكون بوزن فعال فغالبا يكون منشأ الاطلاق فيها هو اشتمال معناها على صوت فإذا كان هذا مراد الخليل، فهو الأقدم من الجوهري فأصل كلام الجوهري مأخوذ من عبارة الخليل، و عبارة الخليل لا تدلّ على كون الاشتمال على الصوت داخلا في الموضوع له أو المستعمل فيه.

[في نقل كلام الجواهري فى الصّحاح]

و أمّا كلام الجوهري في الصحاح فهو قال (البكاء يمدّ و يقصر، و إذا مددت

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 213

أردت الصوت الّذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها) فهل مراده أنّ نفس الصوت الخارج عند البكاء، هو البكاء، أو الصوت مع البكاء يكون بكاء، و كلامه لا يكون خاليا عن تهافت، لأنّه أخذ في الموضوع له البكاء بالمدّ نفس البكاء، لأنّه قال (إذا مددت أردت الصوت الّذي يكون مع البكاء) فإنّ البكاء بالمدّ هو البكاء المجرد عن الصوت لأنّك قلت الصوت الّذي يكون مع البكاء، فكيف تقول: بأنّ البكاء وضع للصوت الّذي يكون مع البكاء.

و على كل حال نقول: بأنّه إن كان المراد من البكاء ممدودا موضوعا لمعنى، و مقصورا موضوعا لمعنى آخر، هو أنّ ساير اشتقاقات مادة «ب، ك، ى» مشتركا

بين المعنيين، فنقول كما أشرنا إمّا أن يقال: بأنّ المشتقات اشتقت من المصدر، فيكون فيما نحن فيه (بكى و يبكي) مثلا مشتقان من البكاء بالمدّ تارة و من البكاء بالقصر مرة اخرى.

فنقول: بأنّا لا نفهم لذلك معنى معقولا، إذا نقول: بان في مقام الثبوت ما هو المميّز بين هاتين المعنيين، و كيف يستعمل الواضع مثلا بكي مرة في البكى المشتق من المصدر الممدود، و اخرى من المصدر المقصور، و كيف يعقل كون فعل واحد مثلا الفعل الماضى و هو (بكى) مشتقا من المصدرين مختلفي المعنى، لأنّه إما اشتق الفعل من المصدر الممدود، و إمّا من المصدر المقصور، لا أنّه تارة اشتق من أحدهما، و تارة من الآخر فعلى هذا لا نفهم معنى معقولا لكون المشتقات مشتقة من كلا المصدرين و امّا ان يقال بكون المصدر مشتقا من الفعل مثلا من بكى الّذي فعل ماض.

و إمّا أن يقال: كل من المصدرين و ساير المشتقات مشتقات من مادة «ب، ك، ى» و كان بكى في صورة اشتقاق المصدرين منه، أو ب ك ى في صورة الاشتقاق

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 214

منه، مشترك بين المعنيين، أعنى: الصوت الخارج حين البكاء و الدمع و خروجه، فنقول: إنّ ذلك خلاف الظاهر فإنّ الظاهر كما قلنا كون المادة موضوعة لأصل الطبيعة، فليست مادة بكى تارة موضوعة لمطلق الدمع و خروجه، و تارة لخصوص مع الصوت منه، بأن يكون تارة موضوعا للمطلق، و تارة للمقيد، و لا أن يكون موضوعا مرة لخصوص المشتمل على الصوت، و اخرى لخصوص المجرد عن الصوت، بأن يكون موضوعا لمعنيين متباينين لا للمطلق و المقيد، و لا يتبادر حين إطلاقها إلّا الطبيعة.

و الشاهد على ذلك ما

ورد في الحديث (فإنّ لم تجدوا بكاء فتباكوا) فإنّ كان البكاء عبارة عن الصوت الخارج عند البكاء فلا معنى لأن يقال (إن لم تجدوا بكاء فتباكوا) لأن ايجاد الصوت ممكن. «1»

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مد ظله العالي- من عدم إمكان كون (بكى) مشتقا من البكاء بالمدّ تارة و من البكى بلا مدّ تارة اخرى ثبوتا، و كذلك اشتقاق المصدرين من فعل، أو مادة «ب ك ى» يكون خلاف الظاهر- يكون محل التأمل لأنّه يمكن أن يكون (بكى) مشتقا من كلا المصدرين بناء على اشتقاق الأفعال من المصدر، ففي مقام الثبوت يكون المميّز إرادة الواضع، فتارة يريد اشتقاق (بكى) و ساير الاشتقاقات من المصدر الممدود، و تارة من المقصور، و في مقام الاثبات و الاستعمال يفيد المستعمل كون الفعل مشتقّا من أىّ المصدرين بالقرينة.

و أمّا بناء على كون المصدر مشتقا من الفعل فيمكن كون الفعل مشتركا بين المعنيين، و كذا بناء على كون كل المشتقات من المصدر و غيره مأخوذا من المادة، فلا مانع من كون مادة «ب ك ى» مشتركا بين المعنيين، و إن لم يكن ذلك مسلّما فلا أقل من أنّه بعد الاستعمال في كلا المعنيين و نقل أهل اللغة لا ندري بأنّ اللفظ موضوع لكل منهما بوضع على حدة حتّى يكون مشتركا، أو موضوع لأحدهما فقط و مجاز في الاخر و ليس خصوص أحد المعنيين متبادرا من اللفظ حتّى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 215

[في ان كون الموضوع له البكاء هو مجرد الدمع]

و بعد اللتيا و الّتي نقول: بأنّه بعد ما استظهرنا من كون الموضوع له البكاء هو مجرد الدمع و خروجه سواء كان الصوت مقارنا له أو لا، فتكون النتيجة هي كون كل بكاء لأمر دنيوي قاطعا و مفسدا للصّلاة

و إن لم يكن مشتملا على الصوت، لما عرفت من عدم كون الموضوع له في البكاء ممدودا و مقصورا إلّا هذا، و ليس الموضوع له متعددا.

فنقول في مسئلتنا الفقهية- أعنى: حكم البكاء من حيث القاطعية و عدمها- بأنّ الرواية المتقدمة متعرضة لحكمه، و قد عرفت ممّا مرّ عدم فرق و ثمرة بين كون البكاء في الرواية بالمدّ أولا، و كذلك لا فرق بين كون (بكى) في قوله (عليه السّلام إن بكى) مشتقا من البكاء بالمدّ أو بالقصر لأنّه بعد عدم كون الموضوع له في كليهما إلّا واحدا و هو خروج الدمع الحاصل عند الحزن، غاية الأمر تارة يكون الحزن كثيرا فيقارن معه الصوت، و ربما يقرأ من يبكي أشعارا بالمناسبة، و تارة لا يكون إلّا مجرد خروج الدمع، فالرواية بعد ما قال فيها (إن بكى لجنة أو نار فذلك من أفضل الاعمال، و إن بكى ميّت له فصلاته فاسدة) تدلّ على أنّ البكاء لامر دنيوى مفسد للصّلاة، و بعد كون معنى البكاء مجرد الدمع الخارج من العين سواء قارنه صوت من الغم أم لا، فكل بكاء لأمر دنيوى يفسد الصّلاة سواء كان بلا صوت أو مع الصوت.

و بعبارة اخرى سواء كان البكاء في الرواية و بكى في الشرطية الاولى و الثانية

______________________________

يكشف كون هذه المعنى هي الموضوع له، و لا وجه لتقديم المجاز على الاشتراك، فبالنتيجة لا ندرى كونه مشتركا أو لا، فلا ندرى بأنّ ما ورد في الخبر هو البكاء مع الصوت أو المجرد عنه، فقدر المتيقن هو البكاء مع الصوت قاطعا ثمّ نشك في كون المجرد عن الصوت قاطعا، أم لا، فبمقتضى البراءة في الشّك في كون شي ء مانعا أو قاطعا نقول بعدمه،

فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 216

في الرواية مع المدّ أو بلا مد، و بعبارة ثالثة ممدودا أو مقصورا و لا وجه لاختصاص القاطع بخصوص البكاء الّذي يقارن صوت مع خروج الدمع من العين.

و أمّا الفقهاء رضوان اللّه عليهم فالظاهر من القدماء منهم ذكر مبطلية البكاء بدون تعرض لكون المبطل هو البكاء مع الصوت، أو الاعم منه و من بلا صوت، و من بعضهم الاختصاص بصورة كونه مع الصوت، أو مع النحيب، و من بعضهم عدم كون البكاء بنفسه من القواطع لبيانهم في مقام مبطليته بأنّه فعل كثير، و يمكن أن يقال: من أنّ عدم تعرض المشهور لكون البكاء مع الصوت مبطلا أو الاعم منه و مما ليس في الصوت، دليل على أنّهم لم يعتنوا بما قال الجوهري في هذا المقام، فتأمل.

الجهة الخامسة:

قد عرفت كون البكاء لأمر دنيوى في الصّلاة موجبا لفسادها سواء قارنه صوت من الغمّ أم لا، لأنّ ما استظهر هو كون الموضوع له للبكاء مجرد خروج الدمع الّذي يتحقّق عند الحزن لأمر، و قد عرفت أنّ المذكور في الرواية السابقة كون البكاء لأمر اخروى غير قاطع للصّلاة، بل هو من أفضل الأعمال، فيقع الكلام في أنّ البكاء لأمر اخروى مثلا لذكر جنة، أو نار لا تبطل به الصلاة في خصوص ما كان بلا صوت، أو لا تبطل به الصّلاة حتّى في ما كان مقارنا مع الصوت، بل و حتى في ما يتولد من الصوت المقارن له الكلام، أعنى: الحرفين.

قد يتوهم جواز البكاء لأمر اخرى و إن كان يخرج مقارنا لخروج الدمع من العين صوت يتولد منه حرفين بدعوى جواز البكاء اخروي، و البكاء أعم من المشتمل على الصوت و من غير المشتمل

على الصوت.

و لكن نقول: بأنّه بعد ما عرفت من كون البكاء عبارة عن مجرد خروج الدمع، و يكون الصوت غير داخل في الموضوع له، بل هو أمر خارج ربما يقارن البكاء، لا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 217

وجه لأنّ يقال: بجواز البكاء لأمر اخروي إلّا في خصوص مورد يخرج مجرد الدمع، و المشتمل على الصوت بشرط عدم تولد حرفين، أعنى: الكلام، منه لأنّ البكاء لأمر اخروي جائز بمقتضى الرواية، و هو ليس إلّا خروج الدمع، فإذا تولد حين خروج الدمع لأمر اخروي صوت، فإن لم يتولد منه الكلام المفسد فلا بأس بهذا الصوت من باب عدم كون هذا الصوت مصداقا لأحد المبطلات، و أمّا إذا كان معه الصوت المتولد منه الكلام فتفسد الصّلاة لكونه كلاما مبطلا، و المغتفر البكاء لأمر اخروي لا الكلام، فعلى هذا يختص الجواز بصورة مجرد خروج الدمع لأمر اخروي، أو ما يقارنه الصوت الغير المتولد منه الكلام المفسد للصلاة، فتأمل جيدا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 218

السادس من قواطع الصّلاة الحدث

[في ذكر اقوال العامّة في المورد]

اعلم أنّ للعامة فيه قولين (على نقل الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف). «1»

القول الأوّل: أنّ من سبقه الحدث في الصّلاة يتوضأ و يستأنف الصّلاة، و به قال الشافعى في الجديد و المسور بن مخرمة و ابن سيرين و النخعي و الحسن بن صالح بن حي.

القول الثاني: أن يعيد الوضوء، و يبنى على ما مضى من صلاته و يتمه، و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعى في القديم، و قال أبو حنيفة إن كان الحدث الّذي سبقه منيا بطلت صلاته، و إن كان دما فإن كان بغير فعله مثل أن شجه انسان، أو فصده بطلت صلاته، و إن كان بغير فعل انسان كالرعاف لم

تبطل صلاته، هذا عند العامّة.

[في ذكر اقوال فقهائنا و الروايات الدالّة]

و أمّا عند فقهائنا رضوان اللّه عليهم فقال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف «2» مسئلة: من

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 409.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 409.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 219

سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما و هي الأحوط أنّه تبطل صلاته، و قال في المبسوط «1» و قد روي إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء و يبنى على صلاته، و الأحوط الأوّل.

و يظهر من قوله (و الأحوط الأوّل) عدم كونه جازما بأحد طرفي المسألة، لأنّه إن كان فتواه موافقا لأحد الروايتين لم يقل: و الأحوط الأوّل.

[في ذكر الروايات الدالّة للمورد]

و على كل حال نذكر أخبار الباب أوّلا، ثمّ ما هو المختار، فنقول بعونه تعالى:

انّه انعقد صاحب الوسائل رحمه اللّه بابا راجعا إلى المسألة، و هو الباب الأوّل من أبواب قواطع الصّلاة و لكن بعض رواياته غير مربوط بالمقام.

أمّا الروايات الغير المربوطة بمسألتنا فالرواية الّتي رواها عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ليس يرخص في النوم في شي ء من الصّلاة). «2»

لأنّ هذه الرواية تدلّ على عدم ترخيص النوم في الصّلاة، بمعنى أن ينام الشخص عمدا في أثناء الصّلاة، و من المعلوم أن من ينام فزمان يقظته غير معلوم، و إذا نام يطول بحيث يخرج عن كونه مصلّيا، و من الواضح بطلان الصّلاة بذلك، و هذا غير ما نحن بسدده من أنّ الشخص يكون في الصّلاة فيحدث، ثمّ يقع الكلام في أنّه هل يتوضأ و يبنى على صلاته، أو يستأنف الصّلاة، و بعبارة اخرى معنى (لم يرخص) هو عدم ترخيص النوم في أثنائها بأن يأتى ببعض الصّلاة، ثمّ يبنى على ان ينام، ثمّ بعد النوم يأتى

ما بقى من صلاته، أو يستأنفها، فالرواية خارجة عن

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 117.

(2)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 220

محلّ الكلام. «1»

و ما رواها أبو اسامة زيد الشحام (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ «لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ» فقال: سكر النوم). «2»

و هي غير مربوطة بالمقام لأنّ مفاد الرواية هو النهي عن الشروع في مع سكر النوم.

و الرواية المعروفة الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا تعاد إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة، و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة). «3»

و هي غير مربوطة بما نحن فيه لأنّها تدلّ على اعتبار الطهارة في الصّلاة، و وجوب إعادتها لو وقعت بلا طهارة، و اعتبار الطهارة إنّما هو في أفعال الصّلاة فكل جزء جزء منها لا بدّ من وقوعه مع الطهارة، فلو أحدث في أثناء الصّلاة فإن كان مشتغلا بجزء، فلو توضأ ثمّ يعيد هذا الجزء، و هكذا ما بقى من الأجزاء فحصل الشرط، و إن أحدث في غير حال إتيان جزء، و كان في كون من أكوان الصّلاة

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته دام ظله العالى: دلالة الرواية على محلّ الكلام غير قابل المنع لأنّ محلّ الكلام يكون في قاطعية الحدث سواء كان عن عمد أو عن غير عمد، فالرواية تدلّ على عدم الرخصة في النوم في الصّلاة، و غايتها دلالتها على خصوص حال العمد، فدلالتها على عدم ترخيص النوم في الصّلاة واضح، و إطلاقها يقتضي عدم ترخيص النوم الطويل الّذي يخرج به المصلّي

عن هيئة المصلي، و كذلك النوم القصير مثلا آنا أو آنات، و عدم الترخيص إرشاد إلى مبطليته لو وقع في الصّلاة. (المقرر)

(2)- الرواية 3 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 221

فأيضا لو توضأ و أتى بالأجزاء البعدية مع الطهارة فقد حصل الشرط، أى: الطهارة.

و كلامنا في المقام ليس في هذه الجهة، و إنّما الكلام في أنّ طروّ الحدث في أثناء الصّلاة و لو في غير حال إتيان جزء من الأجزاء يقطع الصّلاة أم لا، و هذه الرواية لا تدلّ على أنّ به تقطع الصّلاة فليست بالمقام مربوطة.

[في ان رواية على بن جعفر لم تكن مربوطة بما نحن فيه]

و ما رواها علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: و سألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده على أنفه فخرج من المسجد حتّى أخرج الريح من بطنه، ثمّ عاد إلى المسجد، فصلّى فلم يتوضأ هل يجزيه ذلك؟ قال: لا يجزيه حتّى يتوضأ، و لا يعتد بشي ء صلّى). «1»

فهي غير مربوطة بما نحن فيه، لأنّ مفروض الرواية هو إتيان الصّلاة بلا طهارة فهذه الروايات الأربعة غير مربوطة بالباب.

[في ذكر الروايات الدالّة المربوطة بمسألتنا]

و أمّا الروايات المربوطة بمسألتنا من الباب المذكور، فبعضها يدلّ على أنّ طرو الحدث يوجب قطع الصّلاة و موجب للاستيناف، و هي روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها أبو بكر الحضرمى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام (إنّهما كانا يقولان: لا يقطع الصّلاة إلّا أربعة: الخلاء، و البول، و الريح، و الصوت). «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها الحسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

اذا أحسّ الرجل أنّ بثوبه بللا و هو يصلّي، فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فليمسحه بفخذه و إن كان بللا يعرف فليتوضأ و ليعد الصّلاة، و إن لم يكن بللا فذلك

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 222

من الشيطان). «1»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحسن بن الجهم (قال: سألته يعنى:

أبا الحسن عليه السّلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال:

إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد

قبل ان يحدث فليعد) و قد مرّ الكلام فيها في مبحث السلام). «2»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد ينتهي السند إلى علي بن جعفر، و هو يروي عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يكون في الصّلاة فيعلم أنّ ريحا قد خرجت، فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال: يعيد الوضوء و الصّلاة، و لا يعتد بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا). «3»

الرواية الخامسة: الرواية الّتي نقلها الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع، قال: فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوئه، و إن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في الصّلاة قطع الصّلاة و أعاد الوضوء و الصّلاة). «4»

و هذه الرواية ذكرها صاحب الوسائل في أبواب نواقض الوضوء، مع اختلاف يسير في المتن، هذا كلّه الروايات الدالّة على بطلان الصلاة بطروّ الحدث.

[في ذكر الروايات الاخرى]

و أمّا بعض من الروايات الّتي قيل بدلالتها على أنّه إذا سبقه الحدث في

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(4)- الخلاف؛ الرواية 4 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 223

الصّلاة، يتوضأ و يبنى على ما مضى من صلاته، و لا يجب استينافها فروايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن الفضيل بن يسار (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

أكون في الصّلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال: انصرف ثمّ توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصّلاة بالكلام متعمدا، و إن تكلمات ناسيا فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصّلاة ناسيا، قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم و إن قلّب وجهه عن القبلة). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن موسى بن عمر بن يزيد عن ابن سنان عن أبي سعيد القماط (قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول و هو في الصّلاة المكتوبة في الركعة الاولى، أو الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجة تلك فيتوضأ، ثمّ ينصرف إلى مصلاه الّذي كان يصلّي فيه، فيبنى على صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصّلاة بالكلام، قال: قلت: و إن التفت يمينا و شمالا أو ولى عن القبلة؟ قال: نعم كلّ ذلك واسع، إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة فإنّما عليه أن يبني على صلاته، ثمّ ذكر سهو النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم). «2»

و موضوع هاتين الروايتين واحد تقريبا، و لكن الرواية الثانية أتمّ و فيها زيادات و خصوصيات يأتى التعرض لها إنشاء اللّه.

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 224

الرواية الثالثة: و هي

ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام بنقل الصّدوق رحمه اللّه، (و رواها زرارة و محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام بنقل الشّيخ رحمه اللّه سئل زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام أو سئل زرارة و محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام عن رجل دخل في الصّلاة و هو متيمم فصلّى ركعة، ثمّ أحدث فاصاب ماء قال: يخرج و يتوضأ ثمّ يبنى على ما مضى من صلاته الّتي صلّى بالتيمم). «1»

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 225

السابع من قواطع الصّلاة الكلام

اشارة

اعلم أنّ كون الكلام مبطلا في الجملة ممّا لا إشكال فيه فمن حيث حكمه لا يهمّنا التكلم و البحث عنه، و ما ينبغى أن يتكلم فيه هو موضوع الحكم، أعنى: في ما هو المبطل، و بعبارة اخرى في ما هو المراد من الكلام المبطل.

[في ذكر الامور المربوطة بما نحن فيه]
اشارة

فنقول في هذا المقام: بأنّ المراجع في كلمات الفقهاء قدس سرّهم يرى أنّ ظاهر كلمات بعضهم الاجماع على امور:

[الاول و الثاني]

الامر الأوّل: كون الحرفين من الكلام المبطل، و ظاهره شمول معقد الاجماع لما يكون الحرفان موضوعين و لما يكونان غير موضوعين، و بعبارة اخرى مستعملا أو مهملا.

الامر الثاني: دعوى الاجماع على كون الحرف الواحد الموضوع من الكلام المبطل.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 6، ص: 225

[في ان الاجماعات المذكورة في ما نحن فيه ليست بحجة]

و الظاهر عدم كون الاجماع المدعي في الموردين حجة، لأنّه على ما قلنا غير مرة الاجماعات الّتي تكون حجة هي الاجماعات الناقلة في كلمات القدماء من

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 226

الفقهاء المقتصرين في مقام الافتاء على خصوص الفتاوي المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام، فاجماعهم حجة من باب كون إجماعهم كاشفا عن وجود نص في مورد الاجماع، و في هذه المسألة لم يكن هذا النحو من الاجماع أصلا، لأنّه لا يرى في كلمات القدماء قدس سرّهم تعرض للمسألة بهذا النحو، لأنّ الشيخ رحمه اللّه المتعرض للمسألة في المبسوط «1» قال: و لا يتكلم بما ليس من الصّلاة سواء كان متعلقا بمصلحة الصّلاة أو لا يكون كذلك (إلى أن قال) و لا يأن بحرفين و لا يتأنف مثل ذلك بحرفين.

و قال المحقق رحمه اللّه في المعتبر: و الكلام بحرفين فصاعدا يبطل الصّلاة عمدا لا سهوا، و عليه علمائنا، و به قال الشافعي، و قال مالك: إن كان لمصلحة لم يبطلها، و الكلام جنس يقع على القليل و الكثير و الكلم جمع كلمة مثل سبق، و دلّ على أنّ ما تركب من حرفين قسمة سيبويه الكلام إلى اسم، و فعل، و حرف مثل من و عن، و تسمية ذلك كلمة يستلزم وقوع الكلام الّذي هو

الجنس عليه الخ.

[في نقل كلام المحقّق الحائري ره و ردّه]

قد يقال: بأنّ شمول الحكم- أعنى: الحكم بمبطلية الكلام- للصّلاة للالفاظ المهملة محل إشكال، بل منع، و هو يظهر من صاحب المدارك «2» رحمه اللّه و اختاره بعض الأعلام (يعني العلّامة الحائري «3» رحمه اللّه) و حاصل ما قاله بعض الاعلام: هو أنّ اللفظ الصادر من المتكلم إذا كان بعنوان الحكاية عن المعنى، فهو كلام سواء كان صدوره بقصد الحكاية عن المعنى الّتي هي الموضوع له للفظ، أو بقصد الحكاية عن غير الموضوع له، و في صورة قصد الحكاية عن غير الموضوع له سواء كان باعتبار علاقة

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 117.

(2)- المدارك، ج 3، ص 463.

(3)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى، ص 298.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 227

بينه و بين الموضوع له، أو لم يكن بينهما علاقة، و في صورة عدم العلاقة سواء كان قاصدا للحكاية عن المعنى الّتي تعارفت عند العرف مثل استعمال الالفاظ المهملة بقصد حكاية نوعه، أو لم يكن كذلك، ففي كل ذلك حيث يكون المتكلم في مقام ايجاد اللفظ في صدد الحكاية عن المعنى يعدّ كلاما، و يكون إتيانه في الصّلاة موجبا لبطلانها.

و أمّا لو لم يكن القاء اللفظ بقصد الحكاية عن المعنى أصلا، بل يكون لغرض آخر مثل ما إذا قال اللفظ المهمل لا بقصد حكاية نوعه، أو أتى بحرف ق مثلا، لأن يعلّم مخرجه فلا يعد ذلك كلاما و إن كان هذا الكلام مشتملا على حرفين، أو اكثر، و لم يكن مبطلا للصّلاة لأنّ المبطل هو الكلام، و هذا ليس بكلام، هذا حاصل ما قاله رحمه اللّه في هذا المقام.

[في ذكر امور ثلاث فى الباب]

و كلامه ليس بتمام، فنقول لفهم حقيقة المطلب: بأنّ المتعارف عند العرف في مقام التكلم امور:

الامر الأوّل: كون

إلقاء اللفظ لإفادة المعنى، فالمتعارف التكلم لافادة المعنى.

الامر الثاني: كون اللفظ فانيا في المعنى بحيث يكون اللفظ مرآتا للمعنى لكون الغرض من إلقائه تفهيم المعنى.

الامر الثالث: كون إلقاء اللفظ و إفادة المعنى عند حضور المخاطب، لأنّ ما صار داعيا لالقاء اللفظ هو إفهام المخاطب.

فما هو المتعارف عند التكلم و في مقام القاء اللفظ و إيجاد الكلام هو هذه الامور الثلاثة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 228

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه إن كان في صدق كون الكلام كلاما دخل لهذه الامور الثلاثة أو بعضها نقول به، و لا بدّ من الالتزام بدخله في صيرورة الكلام كلاما و إلّا فلا، فإذا نرجع إلى العرف نرى بأنّ الأمر الثالث، و هو حضور المخاطب عند إيجاد الكلام، لا يرى دخيلا في صدق كون الكلام كلاما، و كذلك لا يرى دخل قصد جعل اللفظ فانيا في المعنى في صيرورة اللفظ الصادر كلاما، بل و كذلك لا يرى في صيرورة الكلام كلاما دخل قصد الحكاية في مقام إلقاء اللفظ.

منشأ إلقاء الكلام و إن كان غالبا هو جعل اللفظ حاكيا عن المعنى و فانيا فيها، و كون النظر إلى تفهيم المخاطب، و لكن دخل هذه الامور في صيرورة الكلام كلاما ممنوع.

و بعبارة اخرى نقول: الفعل الاختياري الصادر من الفاعل العاقل المختار لا يصدر إلّا بداعى غرض و مقصد، و بعض الأفعال يكون من الأفعال الّتي يكون ممحّضا غالبا لمقصد وداع خاص، و لا يكون قابلا لكون صدوره بداع آخر غالبا كالصّلاة، فمن يشرع في الصّلاة و يقول (اللّه اكبر) ثمّ يقرأ و يركع إلى آخر لا يرى لفاعله داعيا إلّا التقرب إليه تعالى، لأنّه لا يرى داعيا في هذه الأفعال إلّا لهذا و

إن كان يوجد داعي آخر مثل الرياء يكون في طول ذلك، لأنّ المرائى بعد ما يرى أن هذه الافعال باعتبار كونها راجعا إليه تعالى يكون فاعلها محبوبا عند الناس، فيرائى حتّى يحصل حب الناس، و الغرض هو أنّ الأفعال الصادرة من الفاعل المختار يكون لأجل داع و فرض، و إلّا يعدّ لغوا.

[في انّ الكلام الصوت المعتمد على مقاطع الحروف]

و من جملة الأفعال التكلم، فالمتكلم لا يتكلم إلّا بداعى إفادة المعنى بالمخاطب، و لو لم يكن نظره في كلامه إلى حكاية المعنى و جعل كلامه حاكيا عنها،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 229

فيكون فعله لغوا و عبثا عند العرف، و هذا و إن كان لا إشكال فيه، و لكن مع ذلك نقول: بأنّ الكلام- و هو الصوت المعتمد على مقاطع الحروف- إذا صدر عن المتكلم بدون هذا الداعي هل يقال: بعدم كونه كلاما، أو يقال عرفا بأنّ هذه الأصوات الخارجة عن مقاطع الحروف باعتبار عدم قصد الحكاية عن المعنى فيها لم تكن كلاما، و لا يكون فاعلها متكلما.

الحق عدم دخل قصد حكاية المعنى من اللفظ دخيلا في صدق كونه كلاما، و لهذا يقال بمن أتى بلفظ بدون قصد المعنى: بأنّه تكلم لغوا، و لا يقال: لم يتكلم أصلا و لهذا ترى أنّ الشخص إذا تكلم بكلمة يقال: إنّه تكلم بدون انتظار السؤال عن كون هذا اللفظ موضوعا لمعنى أم لا، أو السؤال من أنّك قصدت المعنى الموضوع له أم لا، و هذا شاهد على كون صيرورة الكلام كلاما غير موقوف على قصد حكاية المعنى من اللفظ أصلا، فاعتبار كون اللفظ موضوعا في صدق الكلام عليه في غير محلّه.

ثمّ إنّ النظر كما قلنا بحسب المتعارف في مقام التكلم هو جعل اللفظ حاكيا عن المحكي

أعنى: المعنى، فيكون اللفظ حاكيا و المعنى محكيا، و أمّا لو صار طبع الانسان مقتضيا لايجاد صوت منه، فلا يكون ذلك من باب كون هذا صوتا و إن تولد منه حرفا، كلاما لعدم كون هذا الصوت المعتمد على مقطع من مقاطع الحروف حاكيا عن المعنى، بل يكون معلولا عن علة، مثلا من يكون مبتلى بمرض أو ابتلاء آخر فيئنّ في هذا الحال لاقتضاء طبعه الانين في هذا الحال، فيتولّد تارة من انينه حرفا او حرفين، فكون هذا كلاما محل تامل لعدم كون ذلك من قبيل نسبة الحاكى بالمحكى، بل بكون من قبيل نسبة المعلول بالعلة،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 230

و لكن مع ذلك لو فرض كونه من مصاديق الكلام فيشمله الحكم، و لو لم يكن هذا اللفظ الصادر في هذا الحال موضوعا، و لا بقصد حكاية معنى لعدم اعتبارهما في صيرورة الكلام كلاما، و كذا التأنف.

ثمّ إنّ رواية «1» طلحة على تقدير حجيتها من حيث السند هل يفيد حكما تعبديا، أو من صغريات الكلام حقيقة.

اعلم أنّه بناء على كون المتولد من الانين حرفين، فيمكن كونه من مصاديق الكلام على ما قلنا من عدم اعتبار صدق كون اللفظ كلاما إلّا تولد الحرف من الصوت المعتمد على مقاطع الحروف لا كونه موضوعا، و لا كونه بقصد الحكاية عن المعنى في مقام أداء اللفظ، هذا كله بالنسبة إلى اللفظ المشتمل على حرفين و أزيد، و قد عرفت كونه كلاما و إن كان مهملا و أنّه مبطل للصّلاة.

و أمّا الحرف الواحد فالجزم بكونه من صغريات الكلام مشكل، كما أنّ الجزم بعدم كونه كلاما مشكل، فمع الشّك هل يرجع إلى الاصل العملي في المسألة أم لا (فان لم يكن من

مصاديق الكلام عرفا، فاتيانه في الصّلاة يمكن أن يدعى عدم كونه مبطلا للصّلاة للأصل).

و على كل حال لا نفهم الفرق في الحرف الواحد بين كونه موضوعا لمعنى مثل ق و ع، و بين كونه مهملا و غير موضوع لمعنى، فان قلنا بكون الحرف الواحد كلاما و مبطلا، فلا فرق بين كونه مستعملا أو مهملا و إن قلنا بعدم كون الحرف الواحد كلاما و مبطلا، فلا فرق أيضا بين كونه موضوعا أو غير موضوع، و ان فرّق بينهما

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 231

بعض الفقهاء، و لكنه غير تمام لعدم وجه فارق بينهما في النظر، فافهم.

[في ذكر فرعين مربوطين بالمورد]

فرع بعد ما لا إشكال في جواز قراءة القرآن و الذكر و الدعاء في الصّلاة لدلالة بعض الأخبار عليه، فهل يجوز قراءتها إذا كان القارى في مقام القراءة بقصد قراءة القرآن، أو لذكر أو الدعاء أو يجوز و إن لم يكن قاصدا لذلك أصلا، بل يأتى بالقرآن بدون قصد الحكاية عن الكتاب المنزل، و في مقام الذكر بدون قصد الذكر، بل لأمر آخر و في مقام الدعاء غير قاصد الدعاء و السؤال عن اللّه تعالى.

الحقّ استثنائها من حرمة الكلام و جواز قراءتها إذا كان القارى قاصدا للقرآن، أو الذكر، أو الدعاء، لأنّ القرآن عبارة عن الكلام المنزل منه تعالى بالنبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فالقارى لا بد في مقام قراءته يقصد الحكاية عن هذا الكلام المنزل و إلّا لا يعد قراءة القرآن (و كذلك في الذكر فلا يكون الذكر ذكرا إلّا إذا قصد به الذكر، فمن يقول (اللّه أكبر) مثلا و يقصد إعلام الغير لا يقال:

إنّه ذكر اللّه تعالى، و هكذا في الدعاء).

فرع بعد ما عرفت ما قلنا في الفرع السابق نقول (بأنّه بعد كون المستفاد من الأدلة وجوب رد السّلام على المصلّي فإن سلّم على المصلّي أحد بسلام واجد للشرائط من كونه صادرا من أهله و أتى صحيحا، فيجب ردّه بصيغ السّلام و بقصد السلام.

و أمّا لو صدر السّلام على المصلّي عن المسلم بنحو لا يجب، بل لا يجوز رده على المصلّي حال الصّلاة بقصد السّلام ورد التحية، مثل ما إذا أسلم على المصلّي أحد ملحونا، أو غير هذه الصورة مثل بعض الصور الّذي يكون رد السّلام بقصد التحية مورد الاحتياط.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 232

فقد يقال: بجواز رد السّلام حال الصّلاة في هذه الصورة ببعض صيغ الوارد في القرآن الكريم مثل «سلام عليكم فادخلوها خالدين» بقصد القرآنية ورد التحية.

[في نقل كلام بعض الفقهاء]

فنذكر أوّلا توجيه ما قيل في وجه ذلك، ثمّ نبيّن إشكاله و ما هو الحق في المقام إنشاء اللّه تعالى، أمّا التوجيه فقد تصدى بعض الفقهاء قدس سرّهم في مقام ردّ السّلام حال الصّلاة لتصحيح رد السّلام و التحية باتيان السّلام ببعض صيغ السّلام الوارد في الكتاب الكريم و الاكتفاء به في امتثال الامر برد السّلام و التحية بأن يقال: بأنّه يأتى بالسلام مثلا «سلام عليكم طبتم» بقصد القرآن و يقصد بما قرء من القرآن و رد التحية، و بعبارة اخرى يقصد بقوله تعالى «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهٰا خٰالِدِينَ» أوّلا قراءة القرآن و يقصد به رد التحية تبعا، و بعبارة ثالثة قراءة القرآن و إن كانت عبارة عن حكاية الآية أو السورة المنزلة منه تعالى على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لكن المصلّي يقصد أوّلا

الحكاية ثمّ يقصد بالمحكي و هو قوله تعالى رد التحية، لا أنّه يسلم من نفسه باللفظ الصادر منه تعالى، و بهذا النحو صار بسدد توجيه جواز ردّ التحية في الصّلاة ببعض صيغ السّلام الوارد في القرآن المجيد.

[في ذكر الوجوه المتصور في المورد]
اشارة

ثمّ اعلم أنّ هذا الكلام ليس في محله و لا يمكن أو لا يصح ردّ التحية بهذا النحو، و نقول في مقام توضيح المطلب: بأنّ قصد التحية أوردها بقوله تعالى «سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين» و غير هذه الآية يتصور على وجوه:

الوجه الاول:
اشارة

أن يقال: بأنّ المصلّي يقرأ «سلام عليكم» الّذي هو جزء القرآن بقصد قراءة القرآن، و بعد كون القراءة عبارة عن حكاية ما نزل منه تعالى فيقصد بالمحكي، و هو المنزل من السماء، ردّ التحية و السّلام، فيقصد الحكاية عن كلامه تعالى و يقصد من كلامه تعالى ردّ التحية، فقصد القراءة ورد التحية، فيتحقق

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 233

بهذا السّلام القراءة و رد السّلام كليهما.

فإن كان مراد الموجّه هذا، ففيه أنّه بعد ما لا إشكال في كون القراءة عبارة عن الحكاية لأنّ القاري يحكي كلام اللّه تعالى، فالقاري ليس إلّا في مقام الحكاية سواء يقول في أوّل كلامه (قال اللّه تعالى) ثمّ يقرأ الآية، أو يقرأ الآية بقصد حكاية القرآن (و لهذا قلنا في القراءة بان القراءة: لا تكون من قبيل استعمال اللفظ في المعنى) و المحكي، و هو الكلام الصادر منه تعالى، قد صدر منه و له معنى خاصة، فمن يقرأ «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ» «1» الخ يحكي بقوله هذا الكلام الصادر منه تعالى، و الحال أنّه تعالى استعمل هذه الالفاظ في معانى خاصة، إذ هو تعالى نقل قول الملائكة بأهل الجنة، فالحاكي يكون حكاية عن القرآن، و المحكي، و هو الألفاظ الخاصّة الصادرة من جنابه تعالى، استعمل في معانيها و تكون نقل ما يقوله الملائكة بأهل الجنة، فبأيّ من الحاكي و المحكى لا يمكن قصد السّلام ورد التحية، فالحاكى، أعنى: ما يقوله القارى

حكاية عن كلام عزّ اسمه لم يقصد منه على الفرض إلّا الحكاية عما صدر منه تعالى شأنه، و لو قصد به ردّ التحية، فلا يكون قراءة و حكاية عن الكلام المنزل، و المحكي، و هو كلامه المنزل على الفرض، لم يكن إلّا نقل سلام الملائكة بأهل الجنة لا سلام المصلّي على المخاطب الّذي سلّم عليه، فكيف يمكن أن يريد المصلّي بالمحكى و هو كلامه الشريف رد السّلام و التحية، و هذا واضح.

[في توجيه كلام بعض الفقهاء و ردّه]

ثمّ إنّ بعض الاعاظم (يعني الحائري رحمه اللّه) «2» بعد ما صار بسدد التوجيه بهذا النحو قال: و نظير ذلك كتابة «السلام عليكم» لشخص تريد أن ترسل مكتوبا إليه،

______________________________

(1)- السورة الزمر، الآية 76.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 299- 298.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 234

فإنّ المكتوب إنّما قصد به الحكاية عن السّلام الملفوظ، و تقصد من السّلام الملفوظ المحكى الخطاب إلى المخاطب الخاص، و يكون نظره إلى أنّه كما يكون سلام المكتوب حاكيا عن السّلام الملفوظ، ثمّ السّلام الملفوظ يكون سلاما إلى المخاطب، كذلك «سلام عليكم» الّذي يقول المصلّي يريد به الحكاية عن «سلام عليكم» في قوله تعالى ثمّ يريد من سلام عليكم في قوله تعالى رد التحية و السلام.

و لكن فيه أمّا أوّلا نمنع كون السّلام المكتوب حاكيا عن السّلام الملفوظ السّلام الملفوظ المحكي يكون سلاما ابتدائيا أورد السلام، بل المكتوب مصداق السّلام بنفسه و إن كان جعل اللفظ قبل الكتابة لأنّ ما جعل أوّلا لرفع الاحتياج هو اللفظ، ثمّ لما رأوا عدم إمكان رفع الحاجة باللفظ، لأنّ اللفظ يسمعه الحاضر الّذي له السمع فقط فجعلوا الكتب ليفهم المرادات حتّى من لم يكن حاضرا أو لا يكون له سمع، و يكون جعل

الكتب بالنظر إلى جعل اللفظ، و لكن ليس الكتب حاكيا عن اللفظ، ثمّ اللفظ يكون مرآتا للمعنى، بل كما أنّ اللفظ يرائى المعنى كذلك الكتب يرائى المعنى، فليس ما قال من أنّ الكتابة حكاية عن اللفظ، و اللفظ يرائى المعنى في محله، حتّى يقال في ما نحن فيه كذلك، فنمنع ما قال في المقيس عليه أيضا.

و أمّا ثانيا فلو تمّ ما قاله في المقيس عليه فلا يتم في المقيس، لأنّ القياس قياس مع الفارق، إذ السّلام المكتوب على فرض كونه حاكيا عن السّلام الملفوظ، فالمحكي، و هو السّلام الملفوظ، لم يرد منه إلا التحية ابتداء أو رد التحية بخلاف المحكي في المقام فإنّ المحكى كما قلنا في المقام هو «سلام عليكم» المنزل و لم يرد منه تحية المصلّي بالمخاطب، بل أراد منه نقل سلام الملائكة على أهل الجنة، فكيف يقاس بالسلام المكتوب الحاكى عن السّلام الملفوظ المراد منه السّلام و التحية.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 235

[في ذكر الوجه الثاني و الثالث]
اشارة

الوجه الثاني: أن يقال: بكون «سلام عليكم» في الآية قرآنا و ردّ التحية كليهما بأن يقال: يقصد به الحكاية عن الكلام المنزل و يقصد به رد التحية أيضا بأن يستعمل في كليهما.

ففيه أنّ ذلك من قبيل استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد و هو غير معقول، لأنّه بعد كون الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ قالبا للمعنى و فانيا فيه، فمع كون اللفظ قالبا و فانيا في معنى كيف يمكن جعله قالبا و فانيا في معنى آخر كما أفاد شيخنا العلّامة رحمه اللّه في الكفاية. «1»

الوجه الثالث: أن يقال: بأنّ المصلّي يقصد ب «سلام عليكم» مجرد قراءة القرآن و الحكاية عن كلامه تعالى، و لكن مع ذلك يعدّ هذا

السّلام ردّ التحية لأنّه بعد ما يكون المصلّي في مقام رد التحية المسلم و لأجل كونه في الصّلاة لا يتمكن من رده، فيتوصل بوصلة، و هي أن يقرأ «سلام عليكم» من القرآن، فهو إن كان قاصدا في قراءته على مجرد قراءة القرآن و حكاية كلامه المنزل، و لكن ينتزع من هذا المريد منه قراءة القرآن ردّ التحية و يعدّ هذا رد السّلام عرفا، كما ترى أنّك إذا كنت خلف إمام حال الصّلاة، ثمّ الامام سها و جهر بالقراءة في الصّلاة الاخفاتية، و أنت تكون

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّه يمكن أن يدعى عدم كون ذلك مصداق قرأته القرآن و لا مصداق ردّ التحيّة لأنّه لا بد في كل منهما تمحض كون القصد في إتيان الالفاظ لخصوصها لها و لغيره، و مضافا إلى أنّ ذلك ليس من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، و الاشكال فيه أكثر، لأنّ في قراءة القرآن لم يكن استعمال اللفظ في المعنى أصلا و في مقام رد السّلام يكون استعمال اللفظ في المعنى، فكيف يمكن أن يكون «سلام عليكم» حكاية عن لفظ «سلام عليكم» المنزل منه تعالى ورد التحية، لأنّ في الأوّل كأنّه استعمل اللفظ في اللفظ لا في المعنى، و في الثاني لا بد من استعمال اللفظ في المعنى، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 236

في مقام تذكره و ليست متمكنا من إعلامه بالكلام لانك في الصّلاة، فتقول بقصد قراءة القرآن «و لا تجهر بصلوتك» فالامام ينتقل بذلك على سهوه، فلم تكن أنت في قولك «فلا تجهر بصلوتك» في سدد الخطاب به بل قرأت القرآن، و لكن ينتزع من قراءتك هذه الآية في هذا الحال أنّك تذكرته، فكذلك

في ما نحن فيه.

و فيه أنّه يجب على من سلم عليه ردّ السلام، فلا بدّ من كون الردّ الردّ الخارجي بمعنى: أن يكون مصداق الردّ عرفا، و في الفرض من يقرأ القرآن و إن كان نظره و غرضه جواب المسلم، و لكن مجرد إرادة الجواب و الشوق به لا يعدّ جوابا، فالمصلّي على الفرض ما أتى خارجا و تكلّم به هو القرآن لا جواب التحية، نعم كان مريدا و محبّا لأن يردّ التحية و من مجرد ذلك لا ينتزع ردّ السلام، و ما يرى من تحقق إعلام الامام بما يقول المأموم «و لا تجهر بصلوتك» و نظائره، فهو من باب انتقال الامام، فإنّ الغرض ليس إلّا مجرد انتقاله بسهوه و هو بمجرد استماع و تجهر ينتقل بسهوه فهو قرء القرآن و من قراءته انتقل الامام بسهوه و أما في المقام لا بدّ من ردّ التحيّة و بمجرد قراءة القرآن لا يصدق ردّ التحية و لا ينتزع من هذا الفعل ردّ السّلام و التحية.

[في ردّ التوجيه الثالث/ في ذكر فرعين]

فظهر لك ممّا مرّ أنّ جواب السّلام بأحد الصيغ من السّلام الوارد في القرآن في حال الصّلاة بقصد التحية إمّا يوجب لبطلان الصّلاة لو لم يقصد بما قرء من القرآن الحكاية عن الكلام المنزل، و إمّا لا يكون تحية لو قصد بماء قرء حال الصّلاة القرآن و حكاية كلامه كلامه المنزل.

فرع الكلام الصادر عن المصلّي نسيانا حال الصّلاة غير مبطل لها بلا خلاف على الظاهر لدلالة بعض الروايات عليه.

فرع لو تكلّم في الصّلاة مكرها، فهل تبطل به الصّلاة مثل صوره التكلم عن

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 237

عمد و اختيار، أو لا يوجب بطلانها مثل صورة المتكلم ناسيا.

[في نقل كلام الشيخ و العلّامة و الشهيد و الهمداني]

اعلم أنّه لا يرى تعرض للمسألة في كلمات القدماء من الفقهاء قدس سرّهم نعم تعرض لها الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و قال: في المسألة وجهان: وجه البطلان إطلاق الأخبار الدالّة على كون الكلام العمدي مبطلا، و وجه عدم البطلان قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: و ما استكرهوا عليه في حديث الرفع.

و تعرض لها العلّامة رحمه اللّه رحمه اللّه في المنتهي «1» و التذكرة «2» غاية الامر في الأوّل منهما قال: وجهان، و لم يختر أحد طرفيه، و في ثانيهما قال: وجهان، و قوّى جانب البطلان.

و تعرض لها أيضا الشهيد رحمه اللّه في الذكرى «3» و قال: وجهان (و ما اختار عدم البطلان أحد إلى الأواخر).

و قال في المصباح «4» بعد التمسك بحديث الرفع لعدم بطلان الصّلاة إذا تكلم ناسيا، وجوها لعدم شمول حديث الرفع للمورد و أنّ البطلان لعله أقوى كما صرح به في آخر كلامه و يظهر منه أنّه بعد ما رأى عدم التزام أحد من الفقهاء قدس سرّهم بالصحة كان الحكم

بالصحة عنده مشكلا

[في ذكر وجوها في ما نحن فيه]
اشارة

فذكر وجوها غير تمام:

[الاوّل و الثاني و الثالث]

الوجه الاول: عدم دلالة حديث الرفع على نفي مطلق الآثار.

الوجه الثاني: عدم دلالتها على رفع المؤاخذة، و قال: كل من الوجهين خلاف التحقيق، ثمّ ذكر وجهين آخرين، و هو الوجه الثالث و الرابع.

الوجه الثالث: هو أنّ التكلم عمدا كالحدث مناف بالذات للصّلاة، فالاكراه

______________________________

(1)- المنتهى، ج 1، ص 309.

(2)- تذكره الفقهاء، ج 3، ص 279.

(3)- ذكرى، ج 4، ص 13.

(4)- مصباح الفقيه، ص 409.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 238

على التكلم إكراه على فعل المنافي، و مرجع الاكراه إلى فعل المنافي يكون لدى التحقيق، إكراها على إبطال الصّلاة، و أثره ليس إلّا المؤاخذة و ترفع بحديث الرفع، و لكن تجب إعادة الصّلاة أو قضائها بعد ذلك.

و فيه أنّ مرجع الاكراه على الكلام بابطال الصّلاة غير صحيح، إذ من الواضح أنّ المكره يكره على الكلام لا على إبطال الصّلاة.

الوجه الرابع:
اشارة

أن يقال: بأنّه يستفاد من التعبير في لسان الشارع بالقاطع بأنّ للصّلاة هيئة اتصالية يوجب إيجاد القاطع قطع هذه الهيئة، و أنّ من الشرائط في الصّلاة هو حفظ الهيئة الاتصالية فعلى هذا يقال: بأنّ رفع أثر الاكراه غير مجد في إحراز تلك الهيئة الاتصالية.

و فيه أنّه على فرض كون الشرط حفظ الهيئة الاتصالية، و يكون القاطع قاطعا لهذه الهيئة، فالمستفاد من الأدلة كون الكلام عمدا قاطعا لهذه الهيئة الاتصالية، و مقتضى إطلاق أدلة مبطلية الكلام هو قاطعيته سواء وقع عن اختيار أو اكراه، و لكن بعد حكومة حديث الرفع تكون النتيجة عدم قاطعيته لو تكلم مكرها، فتكون النتيجة عدم قاطعية كلام الصادر عن إكراه، و معنى ذلك عدم قاطعية كلام الصادر عن اكراه الهيئة الاتصالية، فافهم.

[في نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه فى المقام و ردّه]

ثمّ إنّ بعض الاعاظم (الحائرى رحمه اللّه) «1» ذكر وجها آخر لعدم شمول حديث الرفع للمورد، و هو أنّه بعد دلالة أخبار الباب على بطلان الصّلاة إذا صدر الكلام عن عمد، و عدم البطلان إذا صدر ناسيا يظهر من ذلك ظهورا قويا بأنّ الكلام

______________________________

(1)- كتاب الصلاة للمحقق الحائرى، ص 300.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 239

الصادر عن إكراه ليس قسما ثالثا حتّى يلحق بكلام الناسي بواسطة حديث الرفع.

و فيه أنّ نظره إن كان إلى أنّ شمول حديث الرفع للمكره بالكلام يتوقف على كون المكره قسما ثالثا غير العامد و الناسي فواضح الفساد إذ المكره في كل الموارد من أفراد العامد و مع ذلك يرفع عنه حكم الثابت للعامد بحديث الرفع.

و إن كان نظره إلى أنّ المستفاد من أخبار الباب هو أنّ الخارج عن حكم بطلان الصّلاة من الكلام هو خصوص صورة صدوره نسيانا، فغير الناسي محكوم ببطلان الصّلاة سواء

كان مختارا أو مكرها فلا مجال مع هذا الظهور لشمول حديث الرفع لمن أكره في الكلام.

ففيه أنّ هذا ممنوع، بل مفاد الأخبار هو بطلان الصّلاة بالكلام إذا صدر عمدا، و إطلاق العامد يشمل المختار و المكره، و عدم بطلان الصّلاة إذا صدر ناسيا، و التعرض لخصوص الناسي و عدم التعرض للمكره بالخصوص لعلّه كان من باب كثرة وقوع الكلام ناسيا، و قلة حدوث عن اكراه، مضافا إلى أنّ التعرض للناسي لعلّه يكون لأجل كونه محكوما بحكم خاص إذا صدر عنه الكلام، و هو وجوب سجدة السهو، فلأجل هذا تعرض للناسي.

فهذا الوجه غير قابل لأن يصير منشأ لعدم شمول حديث الرفع للمورد، لأنّ حديث الرفع حاكم على الدليل الدال على بطلان الصّلاة إذا صدر الكلام عن عمد الشامل بإطلاقه في حدّ ذاته للمختار و المضطر، و لكن مع ذلك لا يمكن الحكم بعدم البطلان في ما تكلم مكرها بحديث الرفع، لأجل عدم فتوى من الفقهاء قدس سرّهم على عدم البطلان (و لا أقلّ من الاحتياط).

[في ذكر فروع فى الباب]

فرع لا يجوز على المصلّي الابتداء بالسّلام في حال صلاته، و لا حاجة إلى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 240

جعل ذلك مستقلا من جملة القواطع، لأنّه بعد ما لا يجوز الكلام غير القرآن و الذكر و الدعاء في الصّلاة، لا يجوز الابتداء بالسلام أيضا لأنّه من أفراد الكلام المبطل، و كون السّلام مشتملا على إنشاء السلامة للمسلّم لا يجعله دعاء حتّى يقال بعد جواز كل دعاء في الصّلاة فيجوز الابتداء بالسلام أيضا لأنّه دعاء بالسلامة لأنّ السّلام لشخص تارة يكون طلبا من اللّه تعالى مثلا يقول: اللهم صلّ و سلّم على محمد و آله، و تارة لا يكون طلبا منه تعالى،

بل يلقى السلامة عليه و ينشأ السلامة له بدون طلبه من أحد كما يقال لشخص تحيى أو تميت ففي هذه الصورة لا يكون السلام دعاء لأنّ الدعاء الجائز في الصّلاة هو ما يطلب منه تعالى و يدعو جنابه، فلا يجوز الابتداء بالسلام على المصلّي لكون ذلك من جملة الكلام القاطع للصّلاة، هذا كله إذا لم يكن السّلام مشتملا على طلب السلامة منه تعالى.

و أمّا لو أتى السّلام بنحو يطلب السلامة أو امرا آخر منه تعالى لكن لا بنحو الخطاب به تعالى، بل يكون خطابه بالمخاطب مثلا يقول: سلام اللّه عليك، أو يقول:

اللّه يحفظك أو صبحك اللّه بالخير للشخص يقصد به التحية، فهل يجوز ذلك أو لا يجوز؟

وجه الجواز كون ذلك دعاء لعدم الفرق في كون الدعاء دعاء بين الخطاب باللّه تعالى و الطلب منه بصورة الخطاب، و بين كونه بصورة الغياب لأنّ ما يعتبر في الدعاء هو كون طلب وقوع أمر أو عدم وقوع من جنابه تعالى، و لا فرق في الغياب و الحضور.

وجه عدم الجواز هو اشتما لهذا الكلام على الخطاب بالمخاطب فيكون من الكلام المبطل، و ليس بذكر و قرآن و دعاء.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 241

و قد يقال: بالجواز قياسا بتشميت أو تسميت العاطس «1»، فكما يجوز أن يقال له حال الصّلاة «يرحمكم اللّه كذلك» يجوز «سلام اللّه عليكم» و نظائره.

اعلم أنّه تارة يقال: بأنّ للأخبار الدالة على عدم جواز الكلام حال الصّلاة و كونه قاطعا إطلاقا يشمل حتّى القرآن و الذكر و الدعاء، غاية الأمر نقول بجواز هذه الثلاثة في الصّلاة من باب ورود الدليل المقيد و إلّا لو لم يكن دليل خاص دالّ على جوازها قلنا بعدم جوازها لاطلاق الأدلّة.

و

تارة يقال: بأنّ أدلّة حرمة الكلام و قاطعيته لا يشمل من رأس القرآن و الذكر و الدعاء، بل يكون نسبة ما دلّ على جواز هذه الأمور تحصصا بالنسبة إلى ما دلّ على كون الكلام قاطعا، و لا يبعد كون الأمر على نحو الثاني لأنّ اشتمال الصّلاة على القرآن و الذكر و الدعاء شاهد على عدم كون النظر من رأس في الدليل الدال على قاطعية الكلام إلى القرآن و الذكر و الدعاء، بل القاطع هو ما ليس من سنخ هذه الامور.

و على كل حال نقول: إن قلنا بالأوّل يقع الشّك في أنّ أمثال «سلام اللّه عليكم» المشتمل على الدعاء من اللّه و الخطاب بالشخص، هل هو من الكلام المبطل، أو من الدعاء الغير المبطل، فلا يجوز إتيانه في الصّلاة لأنّه من الكلام المبطل و الدليل الخاص، و هو ما يثبت جواز الدعاء، يصير مرددا بين الأقل و الأكثر لأنّ كون الكلام المشتمل على الخطاب باللّه تعالى و الطلب منه دعاء مسلم، و لكن لا ندرى بأنّ الكلام المشتمل على الطلب منه تعالى لكن لا بنحو الخطاب دعاء أم لا، فقدر المتيقن هو ما يشتمل على الخطاب و في الزائد يرجع إلى العام، فتكون النتيجة

______________________________

(1)- كلاهما صحيحان.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 242

عدم جواز هذا النحو من الكلام.

و إن قلنا بالثاني فقدر المتيقن من القاطع هو الكلام الغير القرآن و الذكر و الدعاء ففي المورد لا ندرى بأنّه هل يجوز ذلك و لا إطلاق لدليل قاطعية الكلام لكل كلام، فمقتضى الأصل، و هو البراءة، جوازه، هذا كله إذا بلغ الامر بمقام الشك.

و لكل نقول: لا يبعد كون الجائز إتيان مثل «سلام اللّه عليك» في الصّلاة لأنّه لا

يعتبر في الدعاء الخطاب، فهو في هذا الكلام يدعو اللّه تعالى و إن كان خطابه بالطرف، و لكن هو يطلب السلامة منه تعالى له، فلا مانع من هذا لكونه دعاء و لا يكون خارجا من قوله (إنّما هي قرآن و ذكر و دعاء). «1»

[في ذكر فرع آخر]

فرع لو سلّم أحد على المصلّي فهل يجوز ردّه حال الصّلاة أم لا؟ و على تقدير الجواز هل يجب الردّ أم لا؟ و على تقدير الجواز سواء كان الجواز بالمعنى الاباحة أو الوجوب كيف يكون كيفية ردّه.

[في نقل اقوال العامّة و الخاصّة و الطائفة الاولى من الاخبار]

اعلم أنّ الظاهر من جمهور العامة غير بعض التابعين هو عدم جواز ردّ السّلام على المصلّي، نعم نقل الشيخ رحمه اللّه «2» بان الحسن البصرى قال: يرد عليه، و كذا

______________________________

(1)- أقول: لا يبعد عدم الجواز لأنّ الاشكال في المقام مرة يكون في صدق الدعاء عليه و عدمه، فيكون مجال لأن يقال: بأنّ هذا دعاء و إن لم يكن بصورة الخطاب به تعالى، و اخرى يكون في أنّ هذا يكون كلام الآدمى حتّى لا يجوز في الصّلاة أم لا، ففي هذا المقام نقول: بأنّ هذا الكلام مثلا (صبحك اللّه بالخير) مشتمل على الدعاء لأنّ المصلّي يطلب منه تعالى أن يصبح له بالخير، و لكن هذا مشتمل على كلام الآدمى لأنّه يخاطب المخاطب بهذا الكلام فعلى هذا لا يبعد عدم جواز اتيانه في الصّلاة، و لا أقل من الاحتياط تركه، فتأمل. (المقرر)

(2)- الخلاف، ج 1 ص 388.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 243

نقل السيّد رحمه اللّه في الانتصار «1» عن سعيد بن مسيب هكذا، و كلاهما من التابعين.

(ثمّ القائلون «2» بعدم جواز التلفظ بالرد منهم قال بعضهم: يرد بالاشارة برأسه، و هو قول الشافعي في القديم، و قال في موضع آخر يشير بيديه، و به قال ابن عمر و ابن عباس و مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور، و قال بعضهم: يرد قولا لكن بعد الصّلاة، قال الثوري: إن كان باقيا بعد الصّلاة ردّ عليه و إلّا إن

كان منصرفا أى ذهب أتبعه بالسلام، و قال النخعى: يرد السّلام بقلبه، و قال أبو حنيفة: لا يرد شي ء أصلا فيضيع سلامه).

و أمّا الخاصّة فالظاهر من فتاويهم هو جواز الردّ و يمكن دعوى الاجماع عليه، بل يمكن دعوى الاجماع على وجوب «3» الردّ و لو عبر في نوع كلماتهم بالجواز لأنّ الجواز هنا يكون الجواز بالمعنى الأعم الغير المنافي مع الوجوب خصوصا مع أنّه لا معنى للجواز بدون الوجوب، لأنّه بعد كون جواب السؤال واجبا، و المستفاد من الأخبار الخاصّة الوجوب، فالمراد من الجواز في كلماتهم الوجوب، فالاجماع باصطلاحنا أى: النص على الوجوب قائم في المسألة، هذا كله في الأقوال في المسألة.

و أمّا أخبار الباب فهي على طوائف:

الطائفة الاولى: و هي ما رواها محمد بن مسلم (قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو في الصّلاة فقلت: السّلام عليك: فقال: السّلام عليك، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت فلما انصرف قلت: أ يردّ السّلام و هو في الصّلاة؟ قال: نعم مثل ما

______________________________

(1)- الانتصار، ص 153.

(2)- تذكره الفقهاء، ج 3، ص 281- 282.

(3)- تذكره الفقهاء، ج 3، ص 281- 282.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 244

قيل له). «1»

تدلّ الرواية على كون عمل أبي جعفر عليه السّلام على كون الردّ مثل السلام، و تدلّ ذيلها على ذلك أيضا لأنّه قال (مثل ما قيل له).

و مثلها في كون الجواب «السلام عليك» الرواية الّتي رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي ترد عليه خفيّا كما قال). «2»

تدلّ على وجوب الرد، و كون الجواب بمثل ما قاله المسلم.

[في ذكر الطائفة الثانية و الثالثة]

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم جواز الجواب بلفظ «عليكم السلام» أى:

بتقديم

الظرف على السلام، و هي ما رواها سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصّلاة، قال: يردّ سلام عليكم، و لا يقل: و عليكم السلام، فانّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان قائما يصلّي فمرّ به عمار بن ياسر فسلّم عليه عمار فردّ عليه النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم هكذا). «3»

تدلّ على عدم جواز الرد بتقديم عليكم على السلام، و أمّا ما قال عليه السّلام (يردّ سلام عليكم) المتوهم بظاهره على كون الخصوصية في سلام عليكم، و أنّ الجواب لا بد و أن يقع به، فيمكن أن يقال: بأنّ ذكر هذه الصيغة لعلّه يكون من باب أنّ الغالب هو السّلام به، أو من باب الاكتفاء بمطلق ما إذا كان لفظ السّلام مقدما سواء كان بلفظ النكرة أو المعرفة، و سواء كان عليكم بصيغة الجمع أو عليك بصيغة المفرد.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على عدم رفع الصوت به، و هي ما رواها عمار بن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 و 7 و 3 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 245

موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المسلّم على المصلّي، فقال: إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصّلاة فردّ عليه في ما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك). «1»

و هل المراد منها عدم التكلم في مقام الجواب و الاكتفاء بالجواب القلبى، أو المراد هو وجوب الجواب خارجا

و باللفظ، غاية الامر لا يرفع الصوت في مقام الجواب، و يجيب في ما بينه و بين نفسه، و هذا الحكم يكون من باب أنّه إذا رفع الصوت به يصير مورد تعرض العامة لأنّهم مخالفون معه و لا يجوّزون الجواب فلهذا قال عليه السّلام (فردّ عليه في ما بينك و بين نفسك و لا ترفع صوتك).

[في ذكر الطائفة الرابعة]
اشارة

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على الاشارة بالاصبع، و هي ما رواها محمد بن مسلم (أنّه سئل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يسلّم على القوم في الصّلاة، فقال: إذا سلم عليك مسلم و أنت في الصّلاة فسلّم عليه تقول: السّلام عليك و أشر باصبعك). «2»

و ما رواها الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يكون في الصّلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يردّ؟ قال: نعم يقول السّلام عليك فيشير إليه باصبعه). «3»

[في ذكر الجهات في المورد]
اشارة

يحتمل كون الأمر بالاشارة بالاصبع موافقا مع أحد قولي الشافعى، هذا كلّه روايات الباب، ثمّ يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى:

في أنّه هل يجوز الردّ أم لا؟ لا إشكال في جوازه، بل يكون

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 246

إجماعيا، فلا يهمنا ما قيل من دلالة الرواية 1 من الباب 17 من أبواب القواطع على عدم الجواز لأنّها لو لم تقبل التوجيه فلا يعمل به.

[في ذكر الجهة الثانية و الثالثة]

الجهة الثانية: بعد جواز الردّ هل يجب الرد أم لا؟ فنقول: الردّ واجب لدلالة الروايات المتقدمة على ذلك، و تسلّمه عند الأصحاب و وقوع التعبير بعض العبائر بالجواز لا ينافي ذلك كما ذكرنا.

الجهة الثالثة: هل يجب أن يكون الردّ بخصوص صيغة: السّلام عليك أو سلام عليكم، أو مطلق ما يشتمل على السّلام مع كون لفظ السّلام مقدما على الظرف مثل سلام عليك، و سلام عليكم، و السلام عليك، و السلام عليكم، أو مطلق ما يشتمل على السّلام و لو مع تقديم عليكم، أعنى: الظرف، على السلام، أو يعتبر أن يرد بعين العبارة الّتي سلم عليه، فإن قال: سلام عليكم، يقول المصلّي: في مقام الجواب: سلام عليك.

اعلم أنّ لسان الروايات الواردة في المسألة كما رأيت مختلفة، فبعضها يدلّ على كون الجواب بلفظ: السّلام عليك، و بعضها يدلّ على اعتبار كون الجواب بمثل ما قيل له، أو قال له، و بعضها غير متعرض لهذه الجهة، بل تعرض لأصل وجوب ردّ السلام.

إذا عرفت ذلك كله فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان حكم السّلام في غير حال الصّلاة تتميما للفائدة، فنقول:

اعلم أنّ الابتداء بالسلام مستحب و استحبابه و مطلوبيته ممّا لا

إشكال فيه، و لا حاجة إلى تطويل الكلام في ذلك و ما ينبغي التعرض له هو التكلم في وجوب ردّ السلام و عدمه.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 247

[الكلام في وجوب ردّ السلام في غير الصّلاة او لا؟]

و اعلم أنّه استدل على وجوب ردّ السّلام كما ترى في الكلمات بقوله تعالى إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا. «1»

و وجه الاستدلال بالنظر هو أن يقال: إمّا بكون التحية عبارة عن السلام عرفا، أو كذلك لغة كما ذكره بعض أهل اللغة من كون التحية خصوص السلام، و هكذا نقله أكثر المفسرين «2» في تفسير التحية في الآية المذكورة.

و يستفاد كون التحية هو خصوص السّلام من بعض الأخبار مثل ما رواها في العلل عن محمد بن شاذان عن محمد بن محمد بن الحرث عن صالح بن سعيد عن عبد المنعم بن ادريس عن أبيه عن وهب اليماني في حديث (قال: إنّ اللّه قال لآدم: انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل: السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، فسلّم عليهم فقالوا: و عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته، فلمّا رجع إلى ربّه عزّ و جلّ قال له ربه تبارك و تعالى: هذه تحيتك و تحية ذرّيتك من بعدك في ما بينهم إلى يوم القيامة). «3»

فلا إطلاق لقوله تعالى في الآية المذكورة حتّى يشمل كلّ تحية، بل المراد خصوص السلام، لا هو مع ساير التحيات.

و إمّا أن يقال: بأنّ المنصرف إليه من التحية على فرض الاطلاق للآية هو خصوص السلام، لما قلنا من قول اللغويين و المفسرين و للرواية و لأجل ما يكون وضع السّلام خارجا، لأنّه من المسلّم كون التحية في صدر الأوّل من الاسلام هو السلام في قبال ما كان متداولا قبل الاسلام

من التحية.

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 86.

(2)- مجمع البيان، ج 3، ص 84.

(3)- الرواية 4 من الباب 39 من ابواب احكام العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 248

[في تفسير التحيّة]

فبعد ذلك نقول: بأنّ ما يظهر من بعض- من تفسير التحية بكل برّ و إحسان كما حكى عن كنز العرفان، و ما ينقل عن تفسير علي بن إبراهيم مرسلا إلى الصادقين من أنّ المراد بالتحية هو السّلام و غيره من البرّ، و ما عن الصّدوق في الخصال «1» بسنده في حديث طويل عن أبي جعفر عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم السّلام قال: إذا عطس أحدكم قولوا: يرحمكم اللّه، و يقول هو: يغفر اللّه لكم و يرحمكم، قال اللّه تعالى: وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا) و ما عن كتاب المناقب لابن شهرآشوب: جاءت جارية للحسن عليه السّلام بطاق ريحان، فقال لها أنت حرة لوجه اللّه، فقيل له في ذلك، فقال: أدّبنا اللّه تعالى فقال: إذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها، و كان أحسن منها عتقها) المتوهم دلالتهما على كون تسميت العاطس و البرّ في قبال البرّ من أفراد التحية الّتي أمر اللّه بها في الآية بردّها بأحسن منها أو مثلها، فتدلان على شمول الآية لكل برّ و إحسان- لا يوجب حمل الآية على مطلق التحية لما قلنا من أنّ المراد منها هو السّلام أوّلا، و المنصرف منها السّلام ثانيا، و عدم إمكان الالتزام بإطلاق الآية، و وجوب ردّ كل تحية لأنّه من المسلّم بل يمكن دعوى الضرورة عليه هو عدم وجوب ردّ كل تحية غير السلام.

فلا بدّ إمّا من الالتزام بعدم شمول الآية لكلّ تحية، و عدم

إطلاق لها، و إمّا من الالتزام بتقييد اطلاقها في غير السّلام للتسلّم القائم على عدم وجوب ردّ غير السلام من التحيات.

[في ذكر الروايات الدالّة على كون جواب السلام واجبا]

ثمّ بعد ما عرفت ما بيّنا لك من الاستدلال بالآية الشريفة لوجوب ردّ نقول:

بأنّه يدلّ على وجوب ردّ السّلام بعض الروايات أيضا.

______________________________

(1)- الخصال، ص 633؛ الرواية 3 من الباب 58 من ابواب العشرة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 249

الرواية الاولى: و هي ما رواها الصّدوق عن أبيه عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:

السلام تطوع، و الردّ فريضة). «1»

و أمّا ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام، و البادي بالسلام أولى باللّه و رسوله). «2»

فلا تدلّ على وجوب ردّ السّلام لعدم إمكان الالتزام بوجوب ردّ الكتاب، بل لا بدّ من توجيه في لفظ الوجوب الواقع في هذه الرواية.

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن على ما جيلويه عن محمد بن أبي القسم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السّلام (قال: لا تسلّموا على اليهود، و لا النصارى، و لا على المجوس، و لا على عبدة الأوثان، و لا على شراب الخمر، و لا على صاحب الشطرنج و النرد، و لا على المخنث، و لا على الشاعر الّذي يقذف المحصنات، و لا على المصلّي، و ذلك أنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السّلام لأنّ التسليم من المسلم تطوع و الردّ فريضة الخ). «3»

فالرواية الاولى و الثانية أعنى: هذه الرواية، تدلّان على

وجوب ردّ السلام، و الراوي فيهما و إن يكونا عاميين، و لكن مع ذلك يأخذ بالروايتين.

ثمّ إنّه لو لم يكن ما قلنا وجها لكون ردّ السّلام واجبا، فلا يمكن إثبات وجوب ردّ السّلام مطلقا في غير حال الصّلاة، و لا حال الصّلاة بما ورد في ردّ

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 33 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 33 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 28 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 250

السّلام حال الصّلاة، و هي الأخبار الّتي قدمنا ذكرها حين التعرض لحكم جواز ردّ السّلام على المصلّي، لأنّ بعضها لا يدلّ إلّا على نقل فعل المعصوم عليه السّلام و أنّ في مقام ردّ السّلام بأيّ نحو يجاب عن السّلام كالرواية 1 من الباب 16 من أبواب القواطع، و بعضها على مجرد جواز الردّ حال الصّلاة، و هو ما ورد التعبير فيه بلفظ يصلح مثل الرواية 7 من الباب المذكور، و بعضها و إن كان قابلا في حدّ ذاته للحمل على وجوب ردّ السّلام حال الصّلاة.

لكن بعد ما قلنا من أنّ العامة كانوا قائلين بعدم جواز ردّ السّلام حال الصّلاة، فكان الامر الوارد في هذه الأخبار قابلا لأن يكون الامر الوارد عقيب الحظر فلا يبقى مع هذا الاحتمال و الخارجية ظهور لهذا الأمر في الوجوب، بل لا يستفاد منه إلا جواز ردّ السلام، فلو لم يكن لنا دليل من الخارج على وجوب ردّ السلام، فلا يمكن استفادة وجوب ردّه من الأخبار الواردة في السؤال و الجواب عن ردّ السّلام حال الصّلاة لما بينا

لك، فافهم.

[في ذكر فروع فى الباب]
اشارة

ثمّ بعد وجوب ردّ السّلام يقع الكلام في فروع:

الفرع الاول:

إذا سلّم الرجل البالغ العاقل القاصد للمعنى بأحد من الصيغ الاربع- أعنى: سلام عليك، سلام عليكم، السّلام عليك، السّلام عليكم- هل يجب ردّ هذا السّلام أم لا؟

اعلم أنّه لا يبعد كون هذه الصورة هو القدر المسلم من الصور الّتي يجب ردّ السلام فيها، نعم سمعنا في زمان اشتغالنا في اصفهان عن بعض بأنّ حجة الاسلام الرشتي رحمه اللّه المعروف كان لم يجب ببعض المسلمين، و كان يقول في علته: بأنّ سلامهم لا يكون للّه، بل يكون لدواع آخر فلا يجب ردهم، فهل لهذا الكلام وجه أو لا؟ لا يبعد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 251

عدم اعتبار ذلك في وجوب الردّ سواء كان المسلم قاصدا القربة له تعالى بسلامه أم لا. «1»

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث: بأنّه يمكن أن يقال وجها سمع لما منه رحمه اللّه: بأنّ ما يدلّ على وجوب ردّ السّلام يكون ناظرا إلى ردّ السّلام الّذي يكون سلامه تطوعا و مستحبا، لا إلى غيره، فاذا سلّم المسلّم على وجهه المعتبر فيه يكون جوابه و ردّه واجبا و قدر المتيقن من السّلام المستحب هو السّلام الواقع بقصد التقرب إمّا من باب أنّ القدر المتيقن من الأدلة الدالة على مطلوبية الابتداء بالسلام، هو ما إذا أتى به بداعي التقرب، و عدم إطلاق لها يشمل غير هذه الصورة، و إمّا من باب أنّه لو فرض كون إطلاق لأدلتها، فالاطلاقات منزّلة على المتعارف، و المتعارف عند المسلمين السّلام بقصد التقرب إليه تعالى و إمّا من باب أنّ الظاهر من الأوامر المتعلقة بالسلام و بيان ثوابها هو استحبابه في صورة قصد التقرب به و

إتيانه بقصد العبودية.

و على كل حال بما قلنا يمكن دعوى عدم وجوب ردّ السّلام الّذي لم يقصد به التقرب إليه تعالى، بل سلم بدواع اخر من التحبيب أو جلب النفع و غيرهما من الجهات الدنيوية.

و قال سيدنا و استادنا الاعظم مدّ ظله العالى في جواب ذلك: بأنّه بعد كون جعل السّلام للتأليف، و التحبيب، و قرب كل واحد من الناس مع الآخر، و النظر في جعله مستحبا هو هذه الجهات الاجتماعية، و حصول هذه الامور غير موقوف بكون البادى بالسلام في سلامه قاصدا للتقرب، فلا وجه لاختصاص استحبابه بصورة إتيانه بداعى اللّه، و لا ينافي استحبابه و كونه تطوعا كما في الخبرين المتقدمين مع كونه من المستحبات التوصلية.

فعلى هذا يمكن دعوى استحباب الابتداء بالسلام و لو تحقق السّلام من المسلّم بغير داعيه تعالى من الدواعى الاخر كجلب نفع دنيوى و غير ذلك، و الدليل الدالّ على وجوب ردّ السّلام و إن كان ناظرا إلى ردّ السّلام الّذي شرّع الابتداء به، و لكن كما قلنا يكون السّلام المشروع و المستحب أعم من أن يأتى به بقصد التقرب أو بداع آخر.

أقول: و لكن مع ذلك تسلّم شمول الأدلة لغير ما يكون الداعى التقرب إليه تعالى غير معلوم، ففي ما هذا سلّم الشخص لداع آخر، أو صورة يكون داعيه مشكوكا، يأتى بجوابه احتياطا وجوبا، فافهم و تأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 252

[في ذكر فرع الثاني و الثالث]
اشارة

الفرع الثاني: المسألة السابقة بحالها، و لكن لم يقصد المسلم المعنى، بل يأتي بألفاظ السلام، فهل يجب الردّ أم لا، و بعبارة اخرى إذا سلم الرجل المسلم البالغ العاقل بأحد الصيغ الاربع، و لكن لم يقصد المعنى، هل يجب جوابه و ردّه أم لا؟

قد يقال:

بعدم وجوب الردّ لأنّ الواجب ردّ التحية، الخاصة، و هي السلام، و من لم يلتفت بمعنى السّلام و لم يقصده، فلم يجي ء بتحية خاصة أى: التحية السلامي، فلا يجب ردّه.

و قد يقال: بأنّه و لو لم يلتفت المسلم في هذه الصورة إلى خصوصيات المعانى المستفادة من الألفاظ، و لكن بارتكازه يعلم بأنّ السّلام تحية، و هو يكون قاصدا للتحية بالسلام، و هذا كاف في وجوب ردّه.

اعلم أنّه لا يبعد وجوب الرد في هذه الصورة و لو لم يلتفت المسلم بخصوصيات المعنى، و أنّ كل لفظ في قبال أي من المعانى و لكن يصدق على سلامه أنّه السّلام الصادر تحية، فيجب ردّه.

الفرع الثالث: الصورة بحالها و لكن لم يسلم بأحد الصيغ الأربع بمعنى أنّ الرجل المسلم البالغ العاقل القاصد للمعنى سلّم، و لكن قدّم الظرف على السلام، فقال: عليك السلام، أو عليكم السلام، فهل يجب جوابه أو لا؟

[فى الاحتمالات]
اشارة

اعلم أنّ هنا احتمالات، و يمكن أنّ ذكر وجه لكل منها.

الاحتمال الاول:

أن يقال: بأنّ ردّ السّلام إذا وقع بلفظ عليكم، أو عليك السلام، بتقديم الظرف لا يجب جوابه و ردّه في غير حال الصّلاة، و لا يجوز ردّه في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 253

حال الصّلاة، و هذا هو المنسوب إلى المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» فإنّه على ما حكي عنه قال: بعدم وجوب ردّ السّلام إذا كان بغير لفظ سلام عليك، فيشمل ما إذا كان بلفظ عليكم السلام، أو عليك السلام، و وجهه هو أنّ السّلام الّذي يكون المتعارف من السلام، هو خصوص الصيغ الأربع لا غيره، و لا يكون المتعارف السّلام بتقديم الظرف على السلام.

الاحتمال الثاني:

هو أن يقال: بوجوب ردّ السّلام إذا وقع بتقديم الظرف على السّلام لاطلاق الأدلة الدالّة على وجوب ردّ السّلام أمّا الآية فغاية ما قيل فيه هو اختصاص التحية فيها بالسلام، و السلام سلام و إن ادى بتقديم الظرف على السلام، و أمّا الروايتان «2» فلهما الاطلاق فكلّ سلام يكون تطوعا و ردّه فريضة.

و أمّا ما نقل من طرق العامة من أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لمن قال له (عليك يا رسول اللّه) لا تقل: عليك السّلام تحية الموتى، إذا سلمت فقل: سلام عليك، يقول الرادّ: عليك السلام، فلا تدلّ على عدم وجوب ردّ السّلام إذا ابتدأ المسلّم بالسلام بتقديم الظرف، بل غاية ما يدلّ عليه هو النهي التنزيهي من باب كون المتعارف تحية الموتى بهذا النحو، و كون المتعارف من السّلام على الاحياء تقديم السّلام على الظرف، و هذا لا يدلّ على عدم كون (عليك السلام) سلاما و كون الواجب رده.

و كذلك لا تدلّ الرواية الّتي رواها عمار الساباطى أنّه سئل أبا عبد

اللّه عليه السّلام عن النساء كيف يسلّمن إذا دخلن على القوم؟ (قال: المرأة تقول: عليكم السلام،

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 263- 264.

(2)- الرواية 7 من الباب 28 و أيضا الرواية 3 من الباب 33 من أبواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 254

و الرجل يقول: السّلام عليكم). «1»

فلا تدلّ على عدم صحة هذا الاستعمال، غاية الامر تدلّ على استحباب كون السلام من الرجل بتقديم السّلام على الظرف، و من النساء بتقديم الظرف، فيكون المستحب في المستحب.

[في ذكر الاحتمال الثالث و الرابع في المقام]

الاحتمال الثالث: أن يقال: بأنّه بعد ورود الدليل كما عرفت سابقا بأنّه لا بدّ من كون ردّ السّلام في الصّلاة بمثل ما قال المسلّم، و المثلية تقتضي كون جواب السلام مثل السّلام من حيث التعريف و التنكير، و الافراد و الجمع، و تأخير الظرف و تقديمه، ففي الصّلاة تجب المماثلة في كل ذلك لدلالة بعض الروايات المتقدمة ذكرها سابقا على ذلك (ثمّ إذا ضمّ ذلك ببعض ما ورد في ردّ السّلام في الصّلاة الدالّ على كون الجواب بتقديم السّلام على الظرف، و عدم تقديم الظرف على السلام، فتكون النتيجة عدم وجوب الردّ في الصّلاة إذا وقع بتقديم الظرف على السلام) فيقال لأجل هذا: بعدم وجوب الردّ إذا وقع الظرف مقدما على السلام.

الاحتمال الرابع: ما قلنا في باب كيفية ردّ السّلام في الصّلاة: بأنّ معنى ما يدلّ من الأخبار على كون الجواب بمثل ما قال المسلم أعنى: بخصوص تقديم على الظرف، و كون الجواب واجبا إذا وقع السّلام بكيفية المتعارفة أى: بتقديم السّلام على الظرف، لا في الخصوصيات الاخرى من حيث التعريف و التنكير و الافراد و الجمع، بمعنى: اعتبار المماثلة بين السّلام و ردّه

في خصوص تقديم السّلام على الظرف لا غير ذلك، فتكون النتيجة هي المماثلة بين السّلام و ردّه بمعنى: أنّه إذا وقع

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 39 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 255

السّلام مقدما كلمة سلامه على ظرفه، فيجب أن يكون الجواب أيضا كذلك.

[لا يبعد عدم وجوب الجواب اذا كان الظرف مقدما]

إذا عرفت هذه الاحتمالات الأربعة نقول: بأنّه لا يبعد دعوى عدم وجوب ردّ السلام إذا وقع بغير نحو المتعارف أعنى: وقع الظرف مقدما على السلام، فاذا قال المسلّم سلام عليك، أو السّلام عليك، أو أتى ضمير الخطاب جمعا فقال: سلام عليكم، أو السّلام عليكم يجب الجواب، و أمّا إذا قدم المسلّم الظرف على السلام، فقال: عليك، أو عليكم السلام، فلا يجب الجواب لعدم كون الابتداء بالسلام بهذا النحو متعارفا، و الروايات الواردة في وجوب ردّ السّلام ليس لها إطلاق يشمل هذا النحو من السلام، لكون الاطلاقات منزّلة على المتعارف و المتعارف، في الابتداء بالسلام لم يكن هذا النحو من السلام، و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلى اللّه على رسوله و آله.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 256

الثامن من قواطع الصّلاة أن يفعل فعلا كثيرا ليس من أفعال الصّلاة.

اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في المنتهي «1» بعد ذكر مبطلية فعل الكثير: بأنّ هذا هو قول أهل العلم كافة و هذا الكلام يقول إذا كان الحكم مسلما عند الخاصة و العامة، و ادعي عليه الاجماع، و على كل حال لا يخفي اشتهار هذا الحكم بين فقهائنا قدس سرّهم، فنقول بعد ذلك: بأنّ المراجع في الكلمات يرى أنهم لم يجدوا نصا خاصا على مبطلية فعل الكثير.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما يمكن أن يكون وجها للحكم، أو قيل بكونه وجها امور:

[في ذكر الامور المربوطة بما نحن فيه]
[الاول الثاني]

الامر الاول: ما ذكرنا من كون هذا الحكم، أعنى: مبطلية فعل الكثير، مشهورا فيقال: يكشف من الشهرة عند الفقهاء وجود نصّ في المسألة لم يبلغ بأيدينا، و لهذا يقال بمبطلية فعل الكثير للصّلاة، و يأتى الكلام في هذا الأمر بعد ذلك إنشاء اللّه.

الامر الثاني: أن يقال: بأنّ وجه إبطال فعل الكثير هو كونه ما حي لصورة

______________________________

(1)- المنتهى، ج 1، ص 310.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 257

الصّلاة، و كلّ ما يمحو صورتها يكون مبطلا لها.

و فيه أوّلا إن كان المبطل كلما يمحو به الصّلاة، فكان المناسب أن يجعل الفقهاء من جملة المبطلات كلّ ما يمحوا به الصّلاة، و يعنونون العنوان هكذا، لا أن يعنونوا العنوان كما عنونوا من انّه من جملة القواطع أن يفعل فعلا كثيرا، و ثانيا ما يرى في كلماتهم هو كون مبطلية فعل الكثير مخصوصا بصورة العمد، و الحال أنّه إن كانت مبطليته من باب كونه ماح للصّلاة، ففي الماحي لا فرق بين صدوره عن عمد، أو غير عمد، بل الماحي ماح للصّلاة صدر عمدا أو عن غير عمد.

الامر الثالث:

أن يقال كما قاله الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في المصباح «1»:

بأنّه بعد ما نرى موارد ورد في الروايات جواز فعلها في الصّلاة إذا مست الحاجة بفعلها في الصّلاة، كقتل القمل، و نفخ موضع السجود، و غسل دم الرعاف و غير ذلك، نفهم عدم جواز إتيان غيرها من الأفعال الكثيرة.

و فيه أنّه إن كان غرضه أنّه يستكشف مفهوم من تجويز هذه الامور القليلة، و هو عدم جواز ما يقابلها من الأفعال الكثيرة، فيقال في جوابه أنّه ليس لها مفهوم لأنّ الأخبار الواردة في جواز هذه الامور تدلّ على جواز إتيان المذكورات في

الصّلاة، لا عدم جواز غيرها. «2»

______________________________

(1)- المصباح، ص 411.

(2)- أقول: إنّ غرضه هو استكشاف كون المغروس في أذهان المتشرعة تنافي بعض الأفعال في الصّلاة، و لهذا سئل عن هذه الامور هل هي من جملة ما لا يجوز في الصّلاة أم لا، فيستفاد من هذه الأخبار كون المغروس في أذهان المتشرعة التنافي بين الصّلاة و الأفعال الخارجية في الجملة فعلى هذا لا يكفي جواب سيدنا الاعظم مدّ ظلّه العالي، بل نقول: بأنّه مجرد استفادة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 258

[في ذكر الامر الرابع و الخامس في المقام]

الامر الرابع: ان يقال: بأنّ وضع الصّلاة و كيفية عباديتها يكون بحيث يرى تنافي بعض الامور معها.

الامر الخامس: أن يستدل لهذا الحكم بما ورد في بعض الروايات الواردة في عدم جواز التكفف و التكفير في الصّلاة (بأنّه عمل و ليس في الصّلاة عمل) بأن يقال:

بأنّ ذلك يدلّ على أن كلّ ما لا يكون من الصّلاة فهو عمل، و لا يجوز إتيانه في الصّلاة و فعل الكثير عمل خارج عن الصّلاة، فلا يجوز إتيانه في الصّلاة، و الرواية المذكورة فيها هذه العلة قابلة الحمل على ذلك و إن احتملنا فيها احتمالا آخر عند التعرض لمبطلية التكفف فراجع.

إذا عرفت ذلك كله نقول: أمّا الوجه الأوّل من الوجوه المذكورة لكون فعل الكثير مبطلا، فنحن وجدنا بالتتبع تعرض بعض القدماء قدس سرّهم من الفقهاء لمبطلية فعل الكثير في كتبهم كابن زهرة في غنيته و ابن حمزة في الوسيلة «1» و السلار في المراسم «2» و القاضي في المهذب، و لكن بعد ما نرى عدم تعرض غيرهم من القدماء من الفقهاء قدس سرّهم للمسألة كالمفيد رحمه اللّه، فهو لم يتعرض للمسألة، و كذلك الشيخ رحمه اللّه في كتابه المعد لذكر الفتاوي المتلقاة

عن المعصومين عليهم السّلام أعنى: كتابه النهاية، و لم يتعرض لها في كتابيه الحديث أعنى: التهذيب و استبصار، و كذا في الخلاف، لا يمكن لنا دعوى

______________________________

مغروسية كون بعض الأفعال منافيا مع الصّلاة في الجملة لا يصير وجها لبطلان الصّلاة بفعل الكثير، بل يمكن كون خصوص ما يكون ماح لصورتها مبطلا، فيرجع هذا الوجه بالوجه الثاني، فتأمّل. (المقرر)

(1)- الوسيلة، ص 97.

(2)- المراسم، ص 87.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 259

وجود نصّ في المسألة، فلا يكشف من الشهرة وجود نصّ، نعم تعرض للمسألة الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «1» و لكن تعرضه فيه غير مفيد لأنّ كتابه هذا غير ممحض لذكر الفتاوي المتلقاة، بل يكون مبناه فيه على التعرض للتفريعات.

فعلى هذا لا يمكن الالتزام بمبطلية فعل الكثير من أجل الشهرة لعدم شهرة كاشفة عن وجود النصّ في المسألة.

[ما يمكن ان يكون وجها لمبطلية الفعل الكثير هو الامر الرابع]

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّ ما يمكن أن يقال في وجه مبطلية فعل الكثير هو أنّ ما نرى من وضع الصّلاة هو كونها عبادة مخصوصة، و تذللا خاصا ينافي في نظر المتشرعة الأفعال الخارجة عنها معها، بحيث يريها على وضع مخصوص لو أتى في أثنائها بعض الأفعال الخارجة عنها يعدّونها منافيا معها، فوضع الصّلاة عندهم ليس بحيث يجوز فيه إتيان الافعال الخارجة عنها، و حيث إنّ ذلك كان في ذهن المتشرعة و رأوا تنافي بعض الأفعال معها سئلوا عن جواز إتيانها في الصّلاة و عدمه،

و يمكن أن يقال: بأنّ ما يقال: من أنّ وقوع بعض الأفعال فيها ماح لصورتها يكون النظر إلى هذا، فبهذا الوجه يمكن أن يقال: بعدم جواز فعل الكثير فيها و كونه مفسدا لها، فافهم و تأمل جيدا.

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 117.

تبيان الصلاة، ج 6، ص:

260

التاسع من قواطع الصّلاة: الأكل و الشرب

اشارة

اعلم أنّ الشّيخ رحمه اللّه تعرض لمبطلية الاكل و الشرب في الخلاف «1» و هو كتابه المعدّ لذكر الفتاوي الخلافية بين المسلمين، و في المبسوط «2» و هو كتابه المعدّ لذكر المسائل التفريعية، و ليسا ممحصين لنقل الفتاوي المتلقاة يدا بيد عن المعصومين عليهم السّلام، فلا يستفاد من نقله فيهما من وجود نصّ عنده لم يبلغ بأيدينا.

[في ذكر رواية سعيد بن الاعرج]

إذا عرفت ذلك نقول: قد يقال بأنّ الرواية الّتي رواها سعيد الأعرج أنّه (قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك إنّي أكون في الوتر و أكون قد نويت الصوم فأكون في الدعاء و أخاف الفجر فأكره أن أقطع على نفسي الدعاء و أشرب الماء و تكون القلة أمامى، قال: فقال لي: فاخط إليها الخطوة و الخطوتين و الثلاث، و اشرب و ارجع إلى مكانك، و لا تقطع على نفسك الدعاء «3» (و نظيرها الرواية الاولى من الباب

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 413.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 118.

(3)- الرواية 2 من الباب 23 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 261

المذكور، و لا يبعد كونهما رواية واحدة لكون راوي في كليتهما سعيد الاعرج).

تدلّ على عدم جواز الأكل و الشرب في غير مورد منطوق الرواية تمسّكا بالمفهوم بأنّ مفهوم الرواية تدلّ على عدم الجواز في غير مورد الرواية، و فيه أنّه لا مفهوم للرواية. «1»

[ما يمكن ان يكون وجها لعدم جواز الاكل و الشرب في الصّلاة امران]

ثمّ بعد عدم دلالة الرواية على عدم جواز الأكل و الشرب في الصّلاة نقول: ما يمكن أن يقال وجها له أمران:

الاول: كونه فعل الكثير.

و فيه أوّلا إنّا لم نجد دليلا على عدم جواز فعل الكثير بهذا العنوان، و لهذا قلنا في وجه بطلان فعل الكثير وجها آخر.

و ثانيا لا يمكن القول بعدم جواز مطلق الأكل و الشرب بذلك حتّى مثل الذرة الباقية بين الأسنان لعدم كون ذلك فعلا كثيرا، بل و لا ماح لصورة الصّلاة، و كونه خلاف وضع الصّلاة بنظر، المتشرعة و مناف لهما، لعدم كون بلع الذرة منافيا لها عندهم، و ليس أمر الصّلاة من هذا الحيث كالصوم، فإنّ الصوم يبطل و لو ببلع الذرة

الباقية تحت الأسنان، و لم يكن دليل على بطلان الصّلاة به.

الامر الثاني: أن يقال: بمفسدية الأكل و الشرب للصّلاة بما قلنا في وجه مبطلية فعل الكثير، و هو أنّ الصّلاة من العبادات الّتي جعلت بكيفية خاصة، و وضع

______________________________

(1)- أقول: و لكن يمكن أن يقال: بأنّ ما كان بنظر السائل و مغروسا في ذهنه بحسب ظاهر الرواية، هو كون شرب الماء قاطعا للصّلاة، و لهذا سئل عن هذا المورد الخاص، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 262

مخصوص من صاحب الشرع، و يرى إتيان الاعمال الخارجة عنها فيها مناف- في نظر المتشرعة الآخذين الصّلاة من صاحب الشرع- مع الصّلاة، و من جملة ما يرى عندهم منافات الصّلاة مع الأكل و الشرب، فلا يجوز فيها الأكل و الشرب، و يفسداها.

[في بيان الرواية]

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في جهة اخرى، و هي أنّه بعد كون الوجه في عدم جواز الأكل و الشرب هو كونه مناف و ماح لصورة الصّلاة بنظر عرف المتشرعة، فما تقول في الرواية المذكورة الدالّة على جواز الشرب في الوتر لمن يريد الصوم و قرب الفجر؟ فهل تقول بكونه تخصيصا؟ فكيف تقول بالتخصيص لأنّه لا فرق في نظر العرف في المنافات بين الشرب في هذا المورد و بين غيره، و إن تقل بأنّه تخصص، فكيف يمكن أن يقال: بكون الشرب في غير المورد ماح في نظر العرف، و في هذا المورد غير ماح لصورة الصّلاة.

و ربّما يقال: بأنّ الاشكال لا يكون منحصرا بهذه الرواية، بل ينافي الالتزام بكون الأكل و الشرب ما حيين مع ما ورد في بعض الروايات من جواز بعض الأفعال للمصلّي حال الصّلاة، فإن كان الدليل على عدم جواز الأكل و الشرب نصّ

خاص فيمكن أن يقال: بتخصيص عمومه أو إطلاقه بهذا المورد.

و لكن الالتزام بالتخصيص و كذلك التخصص مشكل، فلا بدّ من دفع الاشكال، و نقول بعد ذلك كله: بأنّه لم يرد في أخبارنا نصّ على مبطلية الأكل و الشرب بعنوانهما إلّا ما ورد في جواز الشرب في صلاة الوتر لمن أراد الصوم و قرب الفجر و يكون عطشانا، و قدمنا ذكره، و قد يقال: بأنّ المستفاد منها كون المغروس في ذهن السائل هو كون شرب الماء قاطعا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 263

و لكن فيه أنّ الظاهر خلافه لأنّ السائل قال (فاكره أن اقطع على نفسي الدعاء و هذا) دالّ على أنّه كاره من قطع الدعاء، و الفصل بين فقراءة بشرب الماء لا من قطع الصّلاة. «1»

[في توضيح الروايات]

و ما ورد في كون الشفع و الوتر صلاتين يجوز الفصل بينهما بالسلام و غيره من المنافيات و عدّ منها الشرب، و هي ما رواها حفص بن سالم الحناط (أنّه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس بأنّ يصلّي الرجل ركعتين من الوتر، ثمّ ينصرف فيقضى حاجته، ثمّ يرجع فيصلّي ركعة، و لا بأس أن يصلّي الرجل ركعتين من الوتر، يشرب الماء، و يتكلم و ينكح، و يقضى، ما شاء من حاجته، و يحدث وضوء، ثمّ يصلّي الركعة قبل أن يصلّي الغداة). «2»

و يحتمل كون الفقرة الأخيرة أعنى: قوله (و لا بأن يصلّي الرجل ركعتين من الوتر، ثمّ يشرب الماء، و يتكلم، و ينكح إلى آخر الرواية) من كلام أبي عبد اللّه عليه السّلام، و يحتمل كونه من كلام الصّدوق رحمه اللّه، و لا يبعد الثاني، لا لأنّ بنائه كثيرا ما على نقل فتواه في ذيل الروايات،

بل أخذ هذه الفتوى من الرواية الّتي نذكرها الآن، أعنى:

______________________________

(1)- أقول: هذا الّذي ذكرنا في وجه الاستدلال بالرواية هو ما قلت أنا بحضرته مد ظله العالي، و أجاب بما ذكرت، و لكن أقول جوابا: بأنّ قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (و لا تقطع على نفسك الدعاء) الظاهر منه هو الأمر بعدم قطع الدعاء مع شربه الماء، هو أنّ مراد السائل كان قطع الصّلاة من قطع الدعاء، و أنّه كاره لقطع الصّلاة لأن يشرب الماء، و الذهاب خطوة أو أكثر يقطع الدعاء قهرا لهذا الفصل، فكيف يقول عليه السّلام (و لا تقطع على نفسك الدعاء) فيمكن أن يقال: بأنّ المغروس في ذهن السائل هو تنافي الشرب مع الصّلاة في نظره بحسب الوضع الشرعي، فتأمّل. (المقرر)

(2)- الرواية 4 من الباب 15 من اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 264

من رواية علي بن أبي حمزة، فعلى هذا ليست هذه رواية مستقلة.

و ما رواها علي بن أبي حمزة و غيره عن بعض مشيخته قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: افصل في الوتر، قال: نعم، قلت: فانّى ربما عطشت فأشرب الماء؟

قال: نعم و أنكح). «1»

و الرواية علي بن أبي حمزة أو غيره عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و هي مثل السابقة و أسقط قوله (و أنكح). «2»

و هما أيضا رواية واحدة فبناء على كون الفقرة الاخيرة من الرواية الاولى، أعنى: رواية أبي ولاد من كلام الصدوق رحمه اللّه أو واحد من الروايات غيره لا من المعصوم عليه السّلام، فكل هذه الروايات الثلاثة يكون رواية واحدة، و هاتان الروايتان و إن كانتا واردتين لبيان جواز الفصل بين الشفع و الوتر بالسلام خلافا

لما يقوله العامة إلّا أنّه يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد منهما كون الشرب غير جائز في الصّلاة، و بين الشفع و الوتر جوّز المعصوم عليه السّلام الشرب من باب كونهما صلاتين، فبيّن جواز الفصل بينهما بتجويز المنافيات بينهما من شرب الماء، و التكلم، و غيرهما ممّا لا يجوز في أثناء الصّلاة، فيستفاد منهما كون شرب الماء من منافيات الصّلاة، فيمكن استفادة مبطلية الشرب من هذه الروايات و كذلك مثل الشرب يكون الأكل مسلّما لعدم فرق بينهما، فيمكن أن يقال بمبطلية الأكل و الشرب للصّلاة بهذه الروايات.

و أيضا نقول في وجه مبطليتها بما قلنا قبلا من كون الأكل و الشرب في نظر

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 15 من أبواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 15 من أبواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 265

المتشرعة من زماننا إلى زمان صاحب الشرع منافيا مع الصّلاة، و أنّهم يرون أمرا مستنكرا لو رأوا أحد يأكل و يشرب في أثناء الصّلاة.

[بعد كون الاكل و الشرب مبطلين، يقع الكلام في فروع خمسة]
اشارة

إذا عرفت مبطليتهما، و كونهما قاطعين في الجملة يقع الكلام في فروع خمسة، و هي الّتي تعرض لها بعض الفقهاء قدس سرّهم كما نقل في مفتاح الكرامة من نقل دعوى الاجماع على مبطلية بعضها، و عدم مبطلية بعض منها:

الفرع الاول: هل يجوز أكل ما بقي ما بين الأسنان من ذرات الطعام أم لا؟

الفرع الثاني: هل يجوز أن يبلع المصلّي نخامته حال الصّلاة أم لا؟

الفرع الثالث: هل يجوز مضغ العلك حال الصّلاة و بلع مائه أم لا؟

الفرع الرابع: هل يجوز وضع شي ء من السكّر و أمثاله في الفم ثمّ يبلعه شيئا فشيئا قليلا قليلا حال الصّلاة أم لا؟

الفرع الخامس: هل

يجوز وضع لقمة من الطعام في الفم قبل الصّلاة ثمّ يبلعها في أثناء الصّلاة أم لا؟

ادعى العلّامة «1» الاجماع على جوازه.

اعلم أنّه ما يأتي بالنظر هو بطلان الصّلاة بالثلاثة الأخيرة، أمّا الفرع الخامس فواضح لأنّ بلع لقمة من الطعام أكل مسلما، و من مصاديقه المتعارفة، و العجب من دعوى الاجماع على جوازه، و كذا الفرع الرابع لأنّه أكل، و كيف يمكن أن يقال بعدم تنافي هذا القسم من الأكل مع الصّلاة إلّا أن يقال بعدم التنافي بين

______________________________

(1)- المنتهى، ج 1، ص 312.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 266

الأكل و الشرب و بين الصّلاة أصلا، و إلّا فالشخص في هذه الصورة ربما يكون مشتغلا بالأكل من أوّل الصّلاة إلى آخرها، و كذلك الفرع الثالث أعنى:

مضغ العلك. «1»

[في ذكر الفروع]

و أمّا الفرع الأوّل أعنى: ما بقى بين الاسنان، فان كانت ذرة بينها فلا يبعد جواز بلعها، و عدم وجود دليل يدلّ على عدم جواز بلعه، و عدم كون الأكل و الشرب في الصّلاة كالصوم في هذه الجهة، فلو قلنا في الصوم بمبطلية بلع ذرات واقعة بين الأسنان، فلم نقل بها في الصّلاة، و الشيخ رحمه اللّه قال: بجواز بلعها و لكن علّل ذلك بكونه ممّا لا يمكن التحرز عنه، و لكن نحن نقول بعدم وجه لعدم جوازه و إن أمكن التحرز و عدم بلعه.

و مثل الفرع الأوّل الفرع الثاني لأنّ بلع النخامة أيضا لا يبعد جوازه لعدم دليل في المقام يدلّ على عدمه.

هذا كله في القواطع و حكمها إذا وقعت في أثناء الصّلاة عمدا، ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في حكم القواطع المذكورة إذا وقت عن غير عمد.

اعلم أنّه يرى في الكلمات من تقسيم القواطع بما يكون قاطعا

مطلقا سواء وقع عن عمدا و غير عمد أى: سهوا، و بما يكون قاطعيته منحصرا بحال العمد، و ما يرى في كلام الشيخ رحمه اللّه هو انحصار القاطع المبطل حال صدوره عمدا، أو عن غير عمد بما يقطع الطهارة، و وجه انحصاره القاطع المبطل بخصوص ما يقطع الطهارة، و عدم

______________________________

(1)- أقول: و لكن لا يعدّ هذا أكلا، و ربما كان نظره الشريف مدّ ظله العالى إلى كونه فعلا كثيرا مناف مع الصّلاة، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 267

ذكره الالتفات، هو أنّه كما قلنا عند التعرض لقاطعية الالتفات إنّ الالتفات غير الاستدبار عن القبلة كما توهمه بعض المتأخرين، بل الالتفات كما قلنا هو الالتفات بالوجه الّذي تارة يكون بحيث لا ينقض به الصّلاة، و تارة بحيث ينقض به الصّلاة، و هو الالتفات بالوجه إلى أحد جانبيه، و هذا غير الاستدبار عن القبلة لأنّ الاستدبار عن القبلة عبارة عن جعل مقاديم البدن بما وراء القبلة، و الالتفات غير ذلك لأنّه لا يمكن الالتفات بالوجه بما وراء الحقيقي من البدن، فهما عنوانان مستقلان في نظره أحدهما هو وجوب التوجّه إلى القبلة، و تبطل الصّلاة بتركه مطلقا سواء ترك عمدا، أو سهوا، و الآخر هو الالتفات و به تبطل الصّلاة إذا وقع عمدا، و لهذا لم يجعل الالتفات ممّا يبطل به الصّلاة مطلقا.

[التكفير و التأمين قاطعان للصّلاة اذا كانا عن عمد]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ القواطع غير ما يقطع به الطهارة، و غير الكلام الدالّ على كون قاطعيته منحصرا بصورة العمد للنصوص الوارد فيه ينبغي أن يقع التكلم في كونها قاطعا في صورة العمد فقط، أو في حال العمد و السهو كليهما.

اعلم أنّ التأمين بعد الحمد، و كذلك التكفير من جملة القواطع، و قدّمنا

كونهما قاطعين، و لكن تكون قاطعيتهما منحصرا بصورة العمد فقط، لأنّ العمدة في وجه مبطليتهما على ما بينّا هو كونهما تشريعا في الصّلاة لأنّ من يأتي بهما بعنوان التشريع و إدراك الفرد الأفضل من أفراد الصّلاة، و الروايات الواردة فيهما ناظرة إلى هذه الحرمة فعلى هذا لو صدر أحدهما عن المصلّي سهوا، فمن المعلوم أنّ الساهي لا يكون ممّن يأتي بهما بعنوان التشريع، بل النسيان صار سببا لاتيانهما، فهو لا يكون في مقام التشريع، فلا وجه لكون ما صدر ناسيا موجبا لإبطال الصّلاة، هذا بالنسبة إلى التأمين و التكفير فهما قاطعان للصّلاة إذا وقعا عن عمد.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 268

و أمّا بقية من القواطع- و هو الضحك، و القهقهة، و البكاء لأمر دنيوي، و الفعل الكثير، و الأكل و الشرب، و الالتفات- فهل تكون قاطعة مطلقا أو في خصوص حال العمد.

[وجه عدم قاطعيتها حال السهو في طي امور]
اشارة

أمّا وجه كون هذه الامور قاطعة مطلقا فالطلاق الأدلة، و أمّا وجه عدم قاطعيتها حال السهو، فيمكن أن يكون امورا:

[الاوّل و الثاني و الثالث]

الامر الاول: أن يقال: بأنّه يستكشف من الأدلة كون قاطعية هذه الامور بملاك واحد مثلا حيث يكون كل هذه الامور من الأفعال المبانية و المنافية للصّلاة، فجعلها الشارع قاطعا لوجود الملاك في كلها، و هذا الوجه ربما يستفاد من بعض كلمات الفقهاء قدس سرّهم من تعبيرهم بأنّ الفعل الكثير قاطع و عدّ من الفعل الكثير هذه الامور.

فإن كان وجهه هذا الوجه، فيقال: بأنّه لو أنّ المصلّي أتى بهذه الامور يراه عرف المتشرعة أنّه يعمل ما ينافي الصّلاة في الصّلاة لو وقع عامدا، و أمّا لو صدر ناسيا فلا يعدونه منافيا.

الامر الثاني: أن يقال: بعدم إطلاق للأخبار الدالة على كون هذه الامور قاطعا يشمل حال السهو، و بعد عدم إطلاق لها، بل و ظهورها في خصوص حال العمد، فنشك في كون حكمها حال السهو هو البطلان و عدمه، فيكون مقتضى حديث الرفع أي رفع ما لا يعلمون، و بعبارة اخرى البراءة هو عدم كونها قاطعا.

الامر الثالث: أن يتمسّك لعدم كون هذه الامور قاطعا إذا وقعت سهوا بحديث رفع النسيان، فانّه من جملة ما رفع في حديث الرفع هو رفع النسيان.

اعلم أنّه يتمسّك برفع النسيان تارة لرفع حكم ثبت بإطلاقه لحال السهو

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 269

سواء كان هذا الحكم وجوبيا أو تحريميا، و سواء كان الشّك في كون حكم مستقل لشي ء مثل ما نسى حرمة شرب الخمر حال النسيان أو نسى وجوب ردّ السلام، أو حكم غير مستقل مثل ما نسى وجوب السورة في الصّلاة، فيقال بمقتضى الحديث برفعه حال النسيان، و تارة يتمسّك به

في ما نسى موضوع الحكم مثل ما إذا يعلم تعلق الوجوب بالسورة لكن نسى حال الصّلاة الموضوع مع توجهه بالحكم، فيقال بمقتضى رفع النسيان برفعه و معنى رفعه رفع وجوبه في هذا الحال، و هذان الموردان غير مربوطين بالمقام.

[في الامر الرابع: التمسك لعدم قاطعية هذه الامور بحديث لا تعاد]

الامر الرابع: التمسك في عدم قاطعية هذه الامور حال السهو للصّلاة بحديث (لا تعاد) لعدم وجوب الاعادة في غير المذكورات في المستثنى بمقتضى الحديث الشريف.

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّه قد وقع الكلام في حديث لا تعاد في جهات.

منها أنّ الحديث هل يشمل خصوص السهو، أو يشمل الجهل سواء كان الجهل بالحكم أو بالموضوع، و هل يشمل العمد أيضا كما قال بعض القدماء قدس سرّهم.

و منها و هو الّذي يكون مربوطا بالمقام، و هو أنّه هل الحديث بعد شموله لخصوص السهو يكون للمستثنى منه فيها أي قوله عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة) إطلاق يشمل سهو الأجزاء و الشرائط و الموانع، أو ليس له إطلاق، بل يشمل خصوص سهو الأجزاء و الشرائط:

وجه الاول: هو أن يقال: بأنّ الاستثناء مفرّغ لعدم ذكر المستثنى منه فكلما يكون غير الخمسة فلا تجب الاعادة لاجلها لاطلاق المستثنى منه، و هو قوله (لا تعاد) الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 270

وجه الثاني: هو أن يقال: أمّا أوّلا فبأنّ ذهول الأمر الّذي يكون بناء الشخص على إيجاده و تركه يكون مستندا بسهو نفسه، مثلا من يريد أن يقرأ السورة أو يأتى بالركوع و نظائرهما في الصّلاة، و تركها سهوا يكون تركه من باب ذهوله عن خاطره، فيكون الترك في حال السهو مستندا إلى غروب نفس هذا الامر الوجودى عن الخاطر، فيقال: نسي السورة، و تركها، و أمّا ترك الأمر العدمي، أعنى:

ما يكون الشخص بانيا على

تركه فأوجده سهوا، مثلا كان بنائه على ترك القهقهة في الصّلاة فأتى به سهوا، فاتيانه سهوا ليس من باب سهو نفس القهقهة، لأنّه لو سهاها فلم يأت بها ففعلها في الصّلاة يكون من باب سهو أمر آخر، و هو السهو عن كونه في الصّلاة، فيكون منشأ الترك حال السهو في الأمر الوجودى و العمدى مختلفا كما عرفت، لأنّ في الأوّل يسهو نفس الأمر الوجودي فيتركه سهوا، و في الثاني يسهوا أمرا آخر فيوجده سهوا.

فبعد ذلك نقول: بأنّه بعد ما يكون مفاد الحديث و النظر فيه إلى أنّ من يكون بنائه إتيان الصّلاة و امتثال أمره، ثمّ طرأ له من غير اختيار ما يوجب عدم موافقة المأتى به للمأمور به و هو السهو، و لهذا نقول بعدا إن شاء اللّه بعدم شمول الحديث إلّا للسهو، فهل يكون النظر في قوله (لا تعاد الصّلاة) إلى عدم إعادة الصّلاة لأجل السهو و الذهول عن الشي ء، و بعبارة اخرى يكون النظر إلى أنّ ما لو لا السهو عنه لكان المصلّي آتيا به و موجدا له في صلاته فلا تعاد الصّلاة لاجله، فيكون ناظرا إلى ما يكون تركه بنفسه مستندا إلى السهو و هو خصوص الامور الوجودية المعتبرة في الصّلاة، لأنّه كما قلنا هي الّتي يكون تركه مستندا إلى سهوه لا إلى أمر آخر، و يكون ناظرا إلى كل ما صار السهو و لو بسبب امر آخر و تعلقه بهذا الامر الآخر سببا له

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 271

سواء كان من الامور الوجودية الّتي يكون منشأ تركها حال السهو سهو نفسها أو الامور العدمية الّتي كون منشأ فعلها حال السهو السهو عن امر آخر، و هو عدم توجهه و

سهوه عن كونه في الصّلاة.

فنقول بعد كون المحتمل أحد الامرين، بأنّ القدر المتيقن أو الظاهر هو كون (لا تعاد) بعد كونه متعرضة لخصوص حال السهو مسوقا لعدم الاعادة في ما يكون سبب تركه سهو نفسه، و هي الأجزاء و الشرائط لأنّه لو تركها الناسي تركه لنسيانه لها، لا ما يكون فعله سهوا لأجل امر آخر كالموانع، فان فعلها في الصّلاة يكون لأجل سهوه كونه في الصّلاة لا سهو نفس المانع، لأنّه لو سهاه لم يكن آتيا به في الصّلاة.

و أمّا ثانيا بأنّه لو فرض كون المستثنى منه و هو قوله عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة) مطلقا و إطلاقه يقتضي في حدّ ذاته عدم الاعادة سواء ترك جزء أو شرطا سهو، أو أتى بمانع سهوا، و لكن بعد كون المستثنى، أعنى: الخمسة المذكورة في الحديث، الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود من الامور الوجودية المعتبرة وجودها شرطا أو شطرا في الصّلاة تصير المستثنى قرينة على كون المستثنى منه من الامور المسانخة للمستثنى أعنى: من الامور الوجودية، فتكون النتيجة عدم وجوب الاعادة بمقتضى الحديث إذا سها المصلّي و ترك ما يعتبر فيها شطرا أو شرطا فيها إلّا في خصوص الخمسة المذكورة في المستثنى، فلا يعم الحديث الموانع أعنى: ما يكون عدمها دخيلا في الصّلاة.

هذا هو المحتمل في الحديث، فهل الظاهر منه هو الاحتمال الأوّل حتّى تكون النتيجة شموله للأجزاء و الشرائط و الموانع، أو الظاهر منه الاحتمال الثاني حتّى تكون

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 272

النتيجة هو اختصاص عدم وجوب الاعادة في غير الخمسة بخصوص ترك الأجزاء و الشرائط إذا وقعت في الصّلاة سهوا، في المسألة وجهان و إن قلنا بكون الاطلاق للحديث يشمل

الامور المعتبرة وجودها في الصّلاة و الامور المعتبرة عدمها فيها، فيكون الأمر سهلا بالنسبة إلى طروّ الموانع سهوا لأنّ في غير الطهارة الّتي تكون من المستثنى في حديث (لا تعاد) يكون إتيان سائر القواطع بناء على هذا عن سهو غير موجب للاعادة بمقتضى الحديث، فافهم. «1»

الأمر الخامس:
اشارة

و هو ما يرى التمسك به في بعض الكلمات مثل العلّامة رحمه اللّه في بعض كتبه، و هو التمسك بحديث الرفع، لا برفع ما لا يعلمون، بل برفع النسيان لأنّه أحد الامور المرفوعة بمقتضى الحديث.

اعلم أنّ حديث الرفع الدالّ على رفع امور لا يكون وزان رفع هذه الامور المرفوعة بمقتضاه بنهج واحد، و قد بينا شرح الحديث و ما ينبغي أن يتكلم فيه في الاصول، و نشير هنا إلى بعض ما يرتبط بالمقام.

[الظاهر انّ وزان ما استكرهوا عليه و ما اضطروا إليه واحد]

فنقول: بأنّه ما يأتي بالنظر كون الرفع في ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه بنحو واحد، و هو أنّ ظاهرهما بحسب معناهما هو رفع ما يضطر به المكلف أو

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بعد كون (لا تعاد) ناظرا إلى الأدلة المثبتة للأجزاء و الشرائط و الموانع في الصّلاة، فظاهرها شمولها لكل ما كان موجبا للاعادة بحسب الأدلة الأولية سواء كان هذا الشي ء شرطا، أو جزء أو قاطعا، و أنّ ما لو لا هذه الرواية كان عمده و سهوه موجبا للاعادة لا تجب الاعادة في سهوه بمقتضى الرواية، فبناء على هذا في غير ما يقطع الطهارة و في غير الكلام، لأنّ بالاول تبطل الصّلاة طروه عمدا أو سهوا، و في الثاني لا تبطل في صورة السهو، نقول في غيرها من القواطع: بعدم وجوب الاعادة لو وقع سهوا في الصّلاة بمقتضى حديث (لا تعاد) فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 273

يستكره المكلف بفعله، و أنّ الاضطرار أو الاكراه صار موجبا لفعله، فيكون مفاد الحديث هو رفع ما فعل المكلف عن اضطرار أو أكراه، و الحال أنّه لو لا حديث الرفع لم يكن فعل ما فعله جائزا لكون اللازم تركه،

فمعنى رفع ما اضطروا أو ما استكرهوا هو رفع ما كان تركه لازما و أوجده المكلف لاضطرار أو اكراه، و لا يشمل ما اضطروا و ما استكرهوا التروك و الأمور العدمية، لأنّ الاضطرار و الاكراه يتعلقان بما يكون متروكا لأنّ يفعله المضطر و المكره، لا بما يوجده المكلف حتّى يتركه لأجل طرو الاضطرار أو الاكراه، و بعبارة اخرى يضطر الشخص أو يكره على الفعل لا على الترك.

و أمّا (ما لا يطيقون) فمورده هو رفع ما لا طاقة بفعله، و معناه عدم الالزام بفعل ما يكون خارجا عن الطاقة، و لا يكون مورده إلّا الامور الوجودية لا العدمية، بخلاف ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه، لأنّ ما يكون متروكا و معدوما لا يكون على خلاف الطاقة حتّى يرفع بما لا يطيقون.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الكلام في النسيان فلا إشكال في عدم كون النسيان مرفوعا، لأنّه يكون النسيان في الامة وجدانا، فمعنى رفعه بمقتضى شارعية الشارع هو رفع ما يوجب النسيان سببا لصيرورته منسيّا فإذا كان كذلك فما يكون مرفوعا بحسب الظاهر هو ما صار النسيان سببا له، بمعنى أنّ تعلق النسيان بنفسه جعله منسيّا فبناء على هذا ينحصر مورد رفع النسيان بخصوص مورد يمكن تعلق النسيان به بلا واسطة فيصير منسيّا، و هو في الامور الّتي يكون بناء الشخص على إيجاده، فيشمل نسيان الواجبات النفسية و الواجبات الغيرية كالأجزاء و الشرائط، فإن ترك الصّلاة أو ترك جزء أو شرط منها إذا كان تركه لنسيانه يكون مرفوعا و أمّا ما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 274

أتى به المكلف و الحال أنّه لا يجوز إتيانه كالمحرمات النفسية، أو ما يعتبر عدمه في واجب كالقواطع في الصّلاة،

فتركه ليس من باب نسيان نفسه، بل يكون لأجل نسيان أمر آخر، مثلا من يشرب الخمر المنهي شربه نسيانا، فلا يكون شربه متعلق النسيان إلّا من باب نسيانه كونه خمرا، أو كونه محرما، لا أنّه نسى الشرب، لأنّه لو كان ناسيا للشرب فلم يكن يشربه، أو من تكلم في الصّلاة، أو ضحك فيها نسيانا، فليس تكلمه أو ضحكه مستندا إلى النسيان لأنّه لو نسيهما لم يأت بهما، بل لو أتى بأحدهما، فلا بدّ و أن يكون من باب نسيانه لامر آخر، و هو نسيان حرمتهما أو نسيان كونه في الصّلاة، فليس النسيان متعلقا بهما بلا واسطة مثل صورة نسيان الأمر الوجودي، و الظاهر من رفع النسيان هو رفع ما صار النسيان بلا واسطة متعلقا به و منشأ لتركه لا مع الواسطة.

و غاية ما يمكن أن يقال لشمول النسيان لكل من الامور الوجودية و العدمية هو أن يقال: بأنّ الحديث يدلّ على أنّ ما صار النسيان سببا لتركه مرفوع- سواء تعلق النسيان به بلا واسطة أو مع الواسطة، سواء كان تركه نسيانا من باب تعلق النسيان بنفسه مثل ما نسى السورة، أو بحكمه مثل ما نسى الوجوب أو التحريم، أو من باب نسيان المتعلّق مثل ما إذا نسى الخمر المتعلّق للشرب المحرم، أو نسى المتعلق للكلام المحرم- بدعوى أنّ ظاهر رفع النسيان التشريعي هو رفع ما لو لا الحديث كان المقتضى ايجاده أو تركه.

هذا غاية ما يمكن أن يدعى لشمول رفع النسيان لنسيان الامور العدمية المطلوب عدمها مثل الامور الوجودية المطلوب وجودها، و أتى بها أو تركها نسيانا.

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّ وزان هذه التسعة المرفوعة بمقتضى الحديث مختلف أمّا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 275

ما

لا يطيقون فظاهره رفع ما لا طاقة للمكلف في وجوده، و يكون لا يطيقه عرفا. «1»

فلا يشمل رفع ما لا يطيق تركه، لأن ظاهره ما لا يطيقون وجوده.

و أمّا (ما اضطر و إليه و ما استكرهوا عليه) فوزانهما واحد، و ظاهر هما كما قلنا هو رفع ما لو لا طرو الاضطرار أو الاكراه كان متروكا، و بعبارة اخرى رفع ما وقع و وجد عن اضطرار أو اكراه و الحال أنّ المطلوب كان عدم وجوده، لأنّ الاضطرار و الاكراه يتعلقان بالفعل لا بالترك، فمن يكره أحدا يكرهه على فعل ما لو لا الاكراه ما فعله، و هكذا الاضطرار.

[في ان كون وزان النسيان غير وزان الاضطرار و الاستكراه]

و أمّا النسيان فوزانه غير الاكراه و الاضطرار، و الظاهر منه هو كون المنسي أمرا وجوديا لا عدميا، لأنّ النسيان يتعلق بالامور الوجودية لا العدمية، فلو كان النسيان الوارد في الحديث مع لفظ (ما) أعنى: قال (رفع ما نسى) كان ظاهره رفع ما نسى، و من الواضح أنّه لو ترك الشخص أمرا كان اللازم ايجاده لنسيان، يكون النسيان بنفسه علّة لتركه، ففي الامور الوجودية يكون النسيان بلا واسطة لتركها، فإذا صارت السورة أو جزء آخر أو شرط منسيا، فالنسيان صار بنفسه علّة لتركها، و أمّا في الامور المطلوب عدمها كالموانع فلو فعلها نسيانا لا يكون النسيان بنفسه متعلقا به و علة له، بل تعلق النسيان بأمر آخر و صار نسيان هذا الامر الآخر علّة لفعله، لأنّ من يأتى فعلا باختيار لا يكون ناسيا له، فمن ضحك في صلاته نسيانا فهو لا يكون ناسيا له و إلّا لم يضحك، بل هو متوجه إليه، و لكن كان منشأ فعله نسيانه

______________________________

(1)- أقول: بناء عليه يكون المراد من هذه الفقرة ما

يكون الحرج و المشقة في وجوده، لا ما يكون وجود غير مقدور، لأنّ المراد على ما أفاده ما يكون خلاف الطاقة وجوده عرفا لا عقلا.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 276

كونه في الصّلاة، فالنسيان لم يصر بلا واسطة علّة لوجود الضحك، فلا يرفع الحديث نسيان الضحك بأن يجعله كالعدم لعدم كون النسيان علّة له و ما تعلق به النسيان هو نفس الصّلاة (فان كان رفع النسيان يرفع شيئا في هذا الفرض فلا بدّ ان يرفع وجوب الصّلاة لا الضحك المنهي عنه).

[لا معنى لرفع النسيان الا رفع ما اعتبره وجود فى المركب]

فقد ظهر لك ممّا مرّ أنّه لم يكن معنى لرفع النسيان إلّا رفع ما اعتبر وجوده في المركب و ترك للنسيان، أعنى: النسيان صار سببا لتركه، و أنّ ما نسى غير ما اضطر إليه أو استكره عليه بحسب المفاد، لأنّه كما قلنا يكون متعلق النسيان الأمر الوجودي و يصير النسيان علّة لتركه، و لا يتعلق على أمر عدمي فيوجده، و لأجل هذا يختص رفع النسيان بالامور الوجودية، و كما قلنا سابقا غاية ما يمكن أن يقال لشمول رفع النسيان لرفع المنسي إذا كان المتروك أحد الموانع هو أن يقال: بأنّ النسيان يشمل كلّ ما صار متروكا بسبب النسيان سواء صار سببا و علة له مع الواسطة مثل صورة إتيان أحد الموانع أو بلا واسطة مثل صورة ترك الجزء أو الشرط، و الالتزام بهذا التعميم مشكل.

[في ذكر كلام المحقّق النائيني ره]
اشارة

و ممّا مر منا في بيان كون (ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه) غير وزان النسيان يظهر لك ما في كلام بعض الأعاظم من معاصرينا (العلّامة النائيني رحمه اللّه) أمّا كلامه، فهو على ما نقله بعض مقرري بحثه رحمه اللّه حاصله هو أنّ وزان رفع النسيان مع وزان (ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه) يكون واحدا، و كلها يرفع ما وجد من الامور العدمية المعتبرة عدمها، و بعبارة اخرى يرفع بها خصوص ما اخذ عدمها في المأمور به، و لا تشمل ما اخذ وجودها في المركب، و بعبارة ثالثة يرفع الموانع الموجودة للنسيان بحديث رفع النسيان كما يرفع بما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 277

خصوص ما وجد من المنهيات لاضطرار او اكراه، لا ما ترك لاضطرار أو اكراه و الحال أنّه كان

المطلوب فعله، و هكذا في النسيان فإنّه يرفع به كلّ ما وجد من الامور المطلوبة عدمها من باب النسيان، و أمّا إذا ترك ما يكون المطلوب وجودها للنسيان فلا يرفع بالحديث.

و وجه عدم شمول رفع النسيان و ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه لرفع ما ترك و الحال أنّ المطلوب كان وجوده كما إذا ترك أحدا من الأجزاء و الشرائط من المركب للنسيان أو الاكراه أو الاضطرار، هو أنّ لسان الحديث هو الرفع، و الرفع لا يصدق إلّا في ما كان المرفوع أمرا وجوديا فيرفعه، فإذا وجد شي ء يصدق أنّه رفعه أى: جعل وجوده كالعدم، فمعنى رفع الشارع هذه الامور هو رفع حكم ما وجد، فلا بد من تعلق الرفع بأمر وجودى، فكلّما وقع ما كان اقتضائه بحسب وضعه الاولى الشرعى العدم لا الوجود من باب الاضطرار او الاكراه أو النسيان فيرفعه الحديث، و أمّا في غيرها أعنى: ما ترك لاجل طروّ أحد هذه الامور الثلاثة و الحال انّه لو لا طرو أحد هذه الامور كان المقتضى إتيانه فلا يرفع برفع النسيان أو الاضطرار أو الاكراه الثابت بحديث الرفع، لأنّ الحديث يكون في مقام الرفع لا في مقام الوضع، و معنى شموله لهذا المورد و رفع ما يكون المطلوب وجوده فترك لأجل طروّ أحد هذه الثلاثة تكون معناه جعل عدمه كالوجود بمقتضى الحديث، و بعبارة اخرى وضع العدم منزلة الوجود، و لا يمكن استفادة ذلك من حديث الرفع، لأنّ لسانه الرفع لا الوضع، فمقتضى ذلك عدم رفع الجزء أو الشرط من المركب لو ترك أحدهما من باب النسيان أو الاضطرار او الاكراه، لأنّ معنى شمول حديث الرفع له جعل عدم الجزء منزلة وجوده، و

كيف يمكن كون الحديث متكفلا للوضع و الحال أنّ لسانه الرفع، هذا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 278

حاصل كلامه في وجه شمول هذه الفقرات الثلاثة من الحديث لرفع الموانع، و عدم إمكان شمولها لرفع الجزء و الشرط إذا صارا متروكين من أجل النسيان أو الاضطرار أو الاكراه.

[في ردّ كلام المحقّق النائيني ره]

و أمّا وجه فساد كلامه رحمه اللّه في المقام فأمّا أوّلا كما قلنا ليس وزان رفع النسيان كوزان رفع ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه، لأنّه كما قلنا يتعلق الاضطرار و الاكراه بالايجاد، فيوجد بهما ما يكون معدوما و متروكا بحسب طبعه، و لا يتعلق بالاعدام فيعدم بسببه ما يكون من طبعه الوجود لو لا طروّ الاكراه و الاضطرار، و لهذا قلنا: بأنّ بهما يرفع خصوص ما تحقق و وجد في الخارج لاضطرار أو اكراه، و هذا بخلاف النسيان فإنّ النسيان يتعلق بما يقتضي الوجود بحسب طبعه، و يكون البناء على إيجاده فتعلّق النسيان به يصير علّة لتركه، فمعنى رفع النسيان رفع هذا الجزء أو الشرط المعلل تركه بالنسيان.

و أمّا ثانيا ما قال في وجه عدم شمول النسيان إلّا لرفع خصوص ايجاد العدميات المطلوب عدمها فأتى بها نسيانا: بأنّ لسان الحديث يكون الرفع لا الوضع و إن قلنا بشمول هذه الفقرة لرفع ما صار متروكا في المركب لأجل طروّ النسيان و الحال أنّ المطلوب كان وجوده فيه، فيكون معنى ذلك هو الوضع لأنّ معنى رفع الجزء أو الشرط إذا تركا لأجل النسيان هو وضع الشارع عدم الجزء أو الشرط في هذا الفرض منزلة وجودهما، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فاسد لأنّ معنى رفع الجزء أو الشرط، أو رفع حكمهما ليس فرض وجود الجزء أو الشرط

حال النسيان بحديث الرفع، و جعل المعدوم بمنزلة الموجود، بل معناه هو عدم اعتبار هذا الجزء أو الشرط المنسي من المركب في هذا الحال في المركب، و هذا رفع لا الوضع، فلا مجال لما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 279

توهمه، فقد عرفت ممّا مر منا بطلان هذا الكلام، فافهم.

[لا بدّ من حساب كل من الفقرات مستقلا]

ثمّ إنّه نقول لمزيد التوضيح: بأنّه كما قلنا سابقا ليس أمر المرفوعات في حديث الرفع بوزان واحد، بل لا بدّ من حساب كل منها مستقلا فنقول: بأنّه من جملة المرفوعات في الحديث هو النسيان.

اعلم أنّ المنسي تارة يكون الموضوع، و تارة يكون الحكم، و تارة يكون المتعلق، و فيما يكون الحكم منسيا إمّا يكون المنسي الحكم الوجوبي، و إمّا يكون الحكم التحريمى، و في كل منهما إمّا يكون الحكم حكما نفسيا، و إمّا يكون غيريا، و إذا كان المنسي الموضوع فيجي ء فيه الاقسام الّتي يتصور في نسيان الحكم، لأنّ الموضوع المنسي إمّا يكون الموضوع للحكم الوجوبى أو التحريمى، و في كل منهما إمّا يكون الموضوع موضوعا للوجوب أو الحرمة النفسية، و إمّا يكون الموضوع موضوعا للوجوب أو الحرمة الغيرية.

إذا عرفت هذه الاقسام نقول: أما إذا كان المنسي الحكم النفسي وجوبيا كان أو تحريميا، و الموضوع للحكم الوجوبى أو التحريمي بناء على شمول الحديث للأمور العدمية يعنى لما وجد الأمر العدمي نسيانا و الحال أنّه بحسب الدليل الاولى لم يجز ايجاده، ففي كل هذه الاقسام إذا كان المنسي الحكم النفسي أو موضوعه معنى رفعه في حال النسيان رفع حكمه، لأنّ هذا معنى رفع النسيان.

[في ذكر الاحتمالات في المقام]
اشارة

إنّما الكلام في ما إذا كان المنسي ما تعلق به الوجوب الغيري، أو الحرمة الغيرية و بعبارة اخرى يكون الكلام في ما إذا نسى الجزء أو الشرط أو المانع لشي ء، مثلا نسى المكلف السورة في الصّلاة أو الطهارة فتركهما، أو نسى و أتى بأحد القواطع فأوجده فيها، فهل المرفوع بمقتضى رفع النسيان في الحديث هو رفع حكم خصوص

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 280

المنسي، أو الحكم المركب، أو التفصيل بين كون المنسي

جزء أو شرطا و بين كون المنسى مانعا، فيرفع بالحديث ما ترك نسيانا من الأجزاء و الشرائط فقط، و لا يرفع به ما إذا وجد أحد الموانع نسيانا، أو العكس فيرفع به ما وجد في المركب نسيانا و الحال أن المطلوب عدمه، لا ما ترك نسيانا ما يكون المطلوب وجوده، فالاحتمالات أربعة.

[الاوّل و الثاني]

الاحتمال الاول: هو رفع الجزء أو الشرط أو المانع حال النسيان بمقتضى الحديث، و أثره صحة المركب الفاقد للجزء أو الشرط أو الواجد للمانع و عدم وجوب الاعادة و القضاء.

الاحتمال الثاني: أن يكون معنى رفع النسيان في نسيان الجزء أو الشرط أو المانع، و بعبارة اخرى في نسيان ما يكون المطلوب وجوده من باب وجوب المتعلّق بالكل أو منع إيجاده في المركب هو رفع وجوب المركب فإذا نسى المصلّي مثلا السورة أو الطهارة فتركهما في الصّلاة، أو نسى كونه في الصّلاة ففعل المنافي في الصّلاة، فمعنى رفع هذا النسيان هو رفع حكم المركب، أعنى: رفع وجوب الصّلاة، بمعنى أنّ الصّلاة لم تكن وجوبها فعليا عليه أصلا، لا أن يكون معنى الرفع هو رفع الوجوب الضمني الثابت للجزء أو الشرط أو الحرمة الثابتة للمانع، فبناء على هذا من ترك أحد الاجزاء أو الشرائط أو فعل أحد المنافيات نسيانا، فهو لم يصلّ أصلا لأنّ المركب ينتفي بانتفاء جزئه، و لكن وجوب الصّلاة أعنى: وجوب المركب مرفوع عنه، و أثر هذا الاحتمال هو أنّه لو نسى واحدا منها و بقى نسيانه و استمر إلى انقضاء الوقت فلا قضاء عليه، لعدم وجوب متعلق على هذا المكلف بالصّلاة على الفرض، لأنّ الحديث الرفع رفع الوجوب عن الصّلاة عن الناسي، و بعد عدم الوجوب فلا

تبيان الصلاة، ج 6، ص:

281

قضاء عليه، لأنّ القضاء متفرع على الفوت و على الفرض لم يكن عليه الصّلاة واجبا على القاعدة (إلّا أن يدلّ دليل خاص على وجوب القضاء على المكلف في هذه الصورة).

و أمّا ما لو لم يكن النسيان مستوعبا لتمام الوقت مثل ما إذا صلّى أوّل الوقت و نسى جزء منها، ثمّ بعد إتمام الصّلاة و قبل مضى الوقت تذكر نسيانه الجزء، فمقتضى القاعدة وجوب الاعادة الصّلاة بأجزائها و شرائطها، لأنّ في هذه الصورة لم يترك الصّلاة كما أنّه إذا نسى أصل الصّلاة في قطعة من وقتها، ثمّ تذكر بعد ذلك مع بقاء مقدار من الوقت، فهل يمكن أن يقال بعدم وجوب الصّلاة في ما بقى من الوقت من باب رفع النسيان، فكذلك في ما إذا ترك الجزء بعد كون معنى رفعه رفع وجوب المركب.

[في ذكر الاحتمال الثالث و الرابع]

الاحتمال الثالث: رفع خصوص ما إذا ترك الجزء أو الشرط للنسيان بمقتضى رفع النسيان، لا المانع، و وجهه ما قلنا و اخترناه.

الاحتمال الرابع: هو رفع خصوص المانع بمعنى أنّه إذا وجد مانع المركب في المركب نسيانا كما إذا وجد الضحك في الصّلاة، فيرفع المانع، و أثره صحة الصّلاة مع وجود المانع نسيانا كما اختاره بعض الأعاظم و قدمنا وجهه و ما فيه من الاشكال.

إذا عرفت ذلك فالحق هو الاحتمال الثالث، و هو شمول رفع النسيان لخصوص الأجزاء و الشرائط، فلو ترك جزء أو شرطا من المركب المأمور به نسيانا يكون مرفوعا، و أثر رفعه هو عدم اعتبارهما حال النسيان، و عدم وجوب الاعادة و لا قضاء المركب بتركهما، و أمّا الموانع فلا يشملها الحديث لما قدمنا من كون النسيان متعلقا بأمر وجودى فيتركه الناسي لطرو النسيان، و أمّا وجود ما ينبغى

تركه فلا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 282

يكون بنفسه مستندا إلى نسيانه فلا يشمل حديث الرفع للموانع.

هذا تمام الكلام في قواطع الصّلاة، و عطف عنان الكلام إلى مبحث الخلل و الحمد للّه و الصّلاة و السلام على رسوله و آله و اللعن على اعدائهم و قد فرغنا من مبحث القواطع في ربيع الأوّل 1375 و أنا الفقير الذليل على الصافي الگلپايگاني عفي عنه.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء السادس من كتاب تبيان الصّلاة و يتلوه الجزء السابع فى الخلل و وجوب المتابعة فى الجماعة و قضاء الصّلاة

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.